تسبب تفشي فيروس "كوفيد-19" بكل تأكيد في زعزعة قطاع الأعمال، ولعلك تلقيت رسالة بالبريد الإلكتروني من صاحب العمل يخبرك فيها بكيفية الاستعداد حال الاضطرار للعمل من المنزل لفترة طويلة من الوقت. ولا شك أن الأمور تزداد تعقيداً بالنسبة للآباء العاملين، حيث يدور في أذهانهم العديد من التساؤلات المعقدة حول سبل التعامل مع احتمالات غلق أماكن العمل، ليس هذا فحسب بل والأدهى من ذلك احتمال غلق المدارس والحضانات، وهو ما حدث بالفعل في عدد من بلدان العالم.
وكلانا يتفهم هذه المشكلة، فإحدانا (أليسا) أم عاملة ولديها طفلين (تبلغ أعمارهما 8 و10 أعوام)، وهي الآن تحاول الاستعداد للوضع الذي يبدو أنه سيدوم لشهور. والآخر (ستيو) الذي بدأ بإجراء فصول دراسية عبر تقنية مؤتمرات الفيديو أو "الفيديو كونفرنس" الأسبوع الماضي استجابة لما فرضته الظروف المصاحبة للأزمة الصحية.
وقد شاركنا معاً في إعداد مجموعة من المبادئ التوجيهية لمساعدتك على التأهب منذ الآن لمواجهة الزعزعة واسعة النطاق التي يُتوقع أن تلحق بقطاع الأعمال والمدارس، استناداً إلى المبادئ والممارسات القيادية التي طبقناها من خلال فن تربية الأبناء المشار إليه في كتابنا الجديد "الآباء القادة" (Parents Who Lead)، حيث يحرص القادة الناجحون على مواجهة الحقيقة وجهاً لوجه، خاصة في أوقات الأزمات، وهذا عين ما يجب عليك فعله، ففيروس كورونا يمثل تحدياً قيادياً للآباء والأمهات العاملين.
تحدث مع مديرك.
قد يعتقد مديرك أنه جاهز للإشراف على شؤون العمل من المنزل، ولكنه قد يغفل إدراك التعقيدات المصاحبة لهذا الأمر بالنسبة للآباء والأمهات العاملين، لذا فالوقت الراهن هو أنسب وقت للتحدث إليه وجهاً لوجه، ومن نافلة القول أنه يجدر بك تخصيص بعض الوقت للتفكير في طريقة سير هذا الحوار، لأن ذلك سيعود بالنفع عليك وعلى مديرك وأطفالك، مع الوضع في الاعتبار أنك ومديرك تواجهان خيارات صعبة وغير متوقعة ولم تكن في الحسبان.
أمعن التفكير في السيناريوهات المتوقعة خلال الأسابيع المقبلة (إذا أُغلقت مدارس أطفالك بينما لا يزال مكان عملك مفتوحاً). واحرص على تعريف مديرك بالغرض من وراء إجرائك لهذه المحادثة، بحيث تستطيعان تبادل التوقعات المشتركة لمختلف سيناريوهات تفشي فيروس "كوفيد-19". على سبيل المثال، يمكنك مخاطبته قائلاً: "إليك رؤيتي للخيارات المتاحة أمامنا للتعامل مع هذا الوضع، فهل أنا محق؟ هل فاتني شيء؟".
وابذل كل ما في وسعك لفهم توقعات مديرك، وذلك من خلال طرح أسئلة حول أدق التفاصيل، وتذكر أن الهدف هو التوصل إلى حلول تناسب الجميع، وليس الحل الذي يناسبك وحدك. ولا يجب أن تبدأ هذا النقاش بالحديث عن ضرورة ملاءمة العمل لحياتك الأسرية، فالتفكير في تحصيل المنفعة لطرف على حساب الطرف الآخر (تحقيق مصلحتي، وإلحاق الضرر بمديري) لن يوفر لك على الأرجح الدعم الذي تحتاجه على المدى المنظور ولن يصلح لبناء أساس قوي لعلاقة مستمرة.
وإذا كنت تشغل منصباً إدارياً، أو تعمل بصورة وثيقة مع فريق عمل، فأنت بحاجة لإجراء المزيد من هذه المحادثات، ولكن الخبر السار هو أن المحادثات الصادقة تعزز العلاقات وتُحسن أداء كافة الأطراف.
كن على وفاق مع شريكك في تربية الأبناء
لطالما كان النجاح في تشارك مسؤوليات رعاية الأطفال والأعمال المنزلية مع شريك في تربية الأبناء أمراً محفوفاً بمشاعر الإحباط والاستياء، حتى في أفضل الظروف. (لاحظ أن "الشريك في تربية الأبناء" يُقصد به أي شخص يشاركك هذه المسؤولية حتى لو لم يكن الزوج، وهو ما ينطبق على الجهات المسؤولة عن رعاية الأطفال). ومع احتمالية اضطرار أحدكما أو كلاكما إلى تعديل جدول أعماله ليتلاءم مع إغلاق المدرسة أو مكان العمل وتأثر الرعاية المقدمة للطفل، يجب أن تبادر بالحديث عن الحلول الممكنة.
وسيكون عليك تكرار ما فعلته مع مديرك أو زملائك في العمل أو كليهما. ناقش جميع السيناريوهات المتوقعة وحاول التوصل إلى حل أو اثنين يمكن تنفيذهما. وسواء كان الحل هو العمل بنظام المناوبات أو تجهيز أماكن مختلفة للعمل داخل المنزل، فعليك السعي من الآن لإيجاد حلول مبتكرة. وفي حال عدم تحقيق تلك الحلول للنتائج المرجوة، عليك الإتيان بأفكار بديلة. ويجب أن تستعد جيداً لأي تغيير، ولكن إذا نجحت في إجراء هذه المحادثات العقلانية الهادئة الآن، وأنت بعيد عن طور الأزمة، فسوف تتوصل على الأرجح إلى خطة أفضل تناسب الجميع.
الاستفادة من التكنولوجيا بحكمة.
مع احتمالية بقاء عدة أشخاص (بالغين وأطفال) لفترة طويلة في المنزل، فلا بد من التفكير في كيفية الاستفادة من التكنولوجيا بما يصب في مصلحة الجميع.
بالنسبة للأطفال الصغار، عليك إدراك أنك قد تضطر لتخفيف قيود مشاهدة المواد المعروضة على شاشة التلفزيون أو الإنترنت، ما يتيح لك الوقت لإنجاز المزيد من العمل. أما بالنسبة للأطفال الأكبر سناً، فعليك الانتباه إلى أنهم قد يحتاجون إلى استخدام التكنولوجيا لإنهاء الفروض المدرسية من المنزل. فإذا لم يتوفر لديك عدد كاف من أجهزة الكمبيوتر والأجهزة اللوحية بحيث يستخدمها كل أفراد الأسرة في الوقت ذاته، فيتعين عليك حينئذ التفكير في طريقة لاستخدام الأجهزة المتاحة لديك لتأدية المطلوب. وحاول التعرف على الأنظمة التقنية المستخدمة في مدارسهم حتى لا تجد نفسك متحيراً في التعامل معها لاحقاً.
ويجدر بك فهم حدود الإمكانات التقنية المتاحة بين يديك، والتفكير سلفاً في كيفية تعاونكم معاً للتأكد من حصول الجميع على ما يحتاجون إليه. فعلى سبيل المثال عليك إدراك أن سرعة الإنترنت لن تتحمل إجراء المكالمات الهاتفية الجماعية بينما يشاهد أطفالك الأفلام والمسلسلات على موقع "نتفليكس".
استجمع طاقتك كاملة.
لطالما تردد على مسامعنا القول بأنك تحتاج لقرية كاملة لتنشئة طفل، والوقت الحالي هو الأنسب لاستجماع كامل طاقاتك بصورة واعية. وعلى الرغم من احتمالية تعذر إجراء بعض المقايضات فيما يخص مسؤوليات رعاية الأطفال (بالنظر إلى قيود الحجر الصحي)، فبإمكانك التفكير في طرق أخرى يمكنك من خلالها تسهيل الأمور على بعضكما البعض، سواء تمثل ذلك في تشارك أنشطة إبداعية لإبقاء الأطفال مستمتعين، أو التناوب في شراء لوازم البقالة. ومثلما يقوم أحدنا الآن بتدريس الدروس عبر حلقة دراسية عبر الإنترنت (ويبينار)، مع وجود كل طالب على جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص به، وإجراء محادثات في غرف جانبية افتراضية، يستطيع الأطفال الاجتماع معاً في مواعيد للعب افتراضياً، في مجموعات مختلفة الأحجام، وابحث عن طرق جديدة لإنجاز الأمور.
لا تغفل الصورة الكبرى.
يمكننا بصفتنا آباء وأمهات عاملين أن نعبر بأطفالنا هذه المرحلة العصيبة بسلام، فيمكننا التعامل معها كفرصة للحديث عن الأمور الأكثر أهمية وسبل العمل معاً كفريق واحد، فهذه الأزمة تلقي الضوء على مدى الترابط بين عالمنا وبين مسؤولياتنا تجاه الآخرين.
قد يبدو الأطفال أكثر مقاومة للفيروس ويظهرون مقاومة للعدوى، ولكنهم حاملون للمرض ويشكلون خطراً على الفئات الأكثر عرضة للخطر داخل مجتمعاتنا، كأحبائنا من الأجداد أو الجيران المسنين، أو الأصدقاء المرضى أو من يجتازون مرحلة التعافي.
وهناك فرص لا حصر لها للحديث مع أطفالنا حول الأمور التي تهمنا كآباء، وعن بعض الأمور التي كشفت عنها هذه الأزمة الصحية المجتمعية، مثل أهمية مساعدة الآخرين، وإغاثة الملهوفين، وعن آثر أبسط السلوكيات (مثل غسل اليدين أو تجنب أماكن التجمعات الكبيرة) حرصاً على حماية الآخرين. وعلى الرغم من صعوبة القيام بذلك، حاول أن تضع الإحباطات والتنازلات اليومية ضمن الإطار الأكبر الذي قد يتسبب في إغلاق المدارس وأماكن العمل، لحماية الأفراد الأضعف في مجتمعنا.
بمقدورنا كآباء يتولون زمام القيادة أن نعلّم أطفالنا درساً مهماً حول الأمور المهمة فعلاً في هذه الأوقات العصيبة.