التعاطف هو ما يحتاج إليه موظفوك الآن

6 دقائق
التعاطف مع الموظفين

عن نفسي، أرى أنه قد أصبح من السهل جداً انتقاد الآخرين في هذه الأيام، ولا أعرف إن كنت توافقني الرأي أم لا. في أواخر الأسبوع الماضي، أخبرتني زميلة لي في محادثتنا على برنامج "سلاك" أنها ستضطر للتغيب عن المحادثة قليلاً في أي لحظة، إذ إنها تتوقع وصول جليسة الأطفال ويجب أن تستقبلها. أول فكرة خطرت لي كانت: "هذا ليس بتباعد اجتماعي"، وشعرت بالغضب منها لأجزاء من الثانية. كيف أمكنها إدخال شخص ما إلى منزلها في هذا الوقت؟ لماذا لا تقوم بدورها في تسطيح منحنى انتشار العدوى؟ لكن، سرعان ما هدأت مشاعري وتحولت إلى تأنيب ضمير ثم حزن وأسى. لم أرغب في الشعور بالاستياء من زميلتي، لكن لماذا شعرت بالاستياء فعلاً؟ وهل يجب عليّ إبداء التعاطف مع الموظفين الآخرين في هذه الأوقات العصيبة؟

سمعت كثيراً من أصدقائي يصفون لحظات مماثلة مروا بها مع زملائهم على مدى الأسابيع القليلة الماضية، وهذا منطقيّ. فكثير منا يعمل الآن في ظروف جديدة وغير مثالية، ونتعامل مع مستويات غير مسبوقة من التوتر والقلق، ومستقبل وظائفنا وشركاتنا والاقتصاد بأكمله غامض.

وكل ذلك يمهد لحالات الغضب والاستياء، وفقاً لما تقوله بريانا كازا، الأستاذة المشاركة في مادة الإدارة في "كلية برايان للأعمال والاقتصاد" (Bryan School of Business and Economics)، جامعة كارولينا الشمالية (University of North Carolina) في غرينزبورو. إذ قامت مع زملائها في التأليف بمراجعة 300 دراسة تركز على العلاقات في مكان العمل وتجاوزاتها وطرق إصلاحها، ولاحظوا أن الضغوط الخارجية تنعكس على العلاقات بين الزملاء.

وللأسف، فنحن نفقد مشاعر التعاطف عندما نمر بحالات مليئة بالتوتر، وذلك ما قالته مونيكا ورلين، عالمة أبحاث في مركز جامعة ستانفورد لأبحاث التعاطف والإيثار وتعليمهما. تقول: "عندما نمر بتوتر شديد، نعود إلى أنماط التكيف المألوفة والمتصلبة داخلنا، ويصعب علينا رؤية أي طريقة أخرى للقيام بما نقوم به. فنفكر أننا على صواب وأن الآخرين مخطئون. وهذا الأمر يضر بتعاملك مع زملائك، فتقطع علاقاتك مع زملائك من غير قصد، وهذا يسبب المزيد من المعاناة".

لذا، ليس هذا الوقت مناسباً للابتعاد عن اللطف والاهتمام، حتى وإن كانت أذهاننا تدفعنا بهذا الاتجاه. ومن الضروري أن نبحث عن طرق لنحافظ على التعاطف مع الموظفين الآخرين حتى وإن كنا مثقلين بالهموم. أجرت مؤلفتا كتاب "إيقاظ التعاطف في العمل" (Awakening Compassion at Work)، وورلين وجين داتون، بحثاً يبين أن التعاطف يرتبط بمستوى رضاك الوظيفي ومدى شعورك بأن عملك هادف. لكن كيف ستتمكن من الشعور بالتعاطف وإظهاره لزملائك عندما تكون قد استنفدت مواردك المعرفية؟

إليك ما قالته كازا وورلين حول التعاطف مع الموظفين.

تذكر أن هذه فرصة للتواصل.

تقول كازا عما وجدته في بحثها مع زملائها: "كان هناك كثير من العوامل المثيرة للتوتر والممرات التي تؤدي إلى تصدع العلاقات. ولكن أيضاً، كانت هناك إمكانية زيادة متانة هذه العلاقات أثناء الفترات التي نتعرض فيها للضغط. وعندما تضطرب الأمور، ينشأ احتمال توليد تغيير إيجابي". ولأن هذه الأزمة عالمية، فقد تأثر بها الجميع تقريباً بشكل أو بآخر. وهذا ما رأيته في الأسابيع القليلة الماضية. فقد تواصل معي زملاء ممن لا أتعامل معهم كثيراً عادة، للاطمئنان عني، وفعلت المثل مع زملاء آخرين. ولربما وحّدنا شعورنا بأننا نعيش هذه الأزمة معاً، على الرغم من أننا نعيش في ضغط بالغ، وهو السبب على الأرجح.

تقبل أن كل شخص يتأقلم مع الوضع بطريقته.

شارك زميل آخر مقالة عن التوتر الذي ينشأ بين الأزواج في هذه الأزمة، وهي تلقي الضوء على السبب الذي يؤدي إلى توليد التوتر في علاقات العمل. في هذه المقالة، أشارت إيستر بيريل إلى أن كل شخص يتبع آلية تأقلم خاصة به. فالبعض يحبون الاطلاع على أكبر قدر من المعلومات، ويمضون ساعات على موقع تويتر يتابعون المستجدات أو يقرؤون مقالة تلو الأخرى، في حين يفضل البعض الآخر أن يحد من كمية الأخبار التي يطلع عليها. وقد يكون البعض صارماً في الالتزام بالتباعد الاجتماعي (مثلي!)، في حين تجد آخرين يتبعون أسلوباً أكثر مرونة. وقد يغرق بعض الأشخاص أنفسهم في العمل، لأنهم يجدون الراحة في البقاء منشغلين، في حين يعاني آخرون من صعوبة في متابعة العمل والحفاظ على تركيزهم.

كما أن هناك تفاوت في درجة تفاؤل الناس أو تشاؤمهم، وأرى ذلك بوضوح يومياً في الاجتماعات الافتراضية، عندما يسأل شخص الآخرين عن حالهم، فيجيب أحدهم "أنا بحال ممتازة" في حين يصدر شخص آخر تنهيدة مثقلة بالهموم. جميع هذه الإجابات صحيحة، وليس علينا أن نتأقلم جميعنا بنفس الطريقة.

تقول كازا إن الناس لا يختلفون في أساليب التكيف فقط، بل يختلفون في ظروفهم أيضاً، والأزمة لا تؤثر على الجميع بنفس الطريقة. فالبعض لديهم أطفال صغار، وهم الآن يعملون من المنزل ويحملون مسؤولية تدريس أطفالهم بنفس الوقت، وهناك من يشعر بالقلق على شخص مسن، سواء كان أحد الوالدين أو الأقرباء. هناك من ازداد ضغط العمل عليهم، في حين أصبح عبء العمل على آخرين أقل. كما يعمل كثير من زملائي من منازلهم منذ عدة سنوات، لذلك تسير أمورهم الآن على خير ما يرام، بينما هناك من لا يملك مكاناً هادئاً في المنزل ولا يمكنه تلقي المكالمات الهاتفية، فما بالك باتصال الفيديو.

كن سخياً في تفسيرك لمواقف الآخرين.

نظراً للتفاوت بين الزملاء، تقول كل من وورلاين وكازا أن أحد أهم الأمور التي يمكنك القيام بها الآن هو أن تكون سخياً في تفسير مواقف الآخرين. إذا استلمت رسالة إلكترونية مكتوبة بأسلوب جاف، لا تفترض أن مرسلها منزعج أو يخاطبك بفظاظة، بل تخيل أنه يعاني من الضغط بسبب ضيق الوقت ولم يتح له وقت لصياغة الرسالة بأسلوبه اللطيف المعتاد.

تقول وورلاين إن هذا ليس بالأمر السهل، فعندما نمر بأزمة تتغير طريقتنا في تفسير الأمور من حولنا. ويبدو أن ألمنا ومعاناتنا يخيمان على كل شيء، وننسى أن الآخرين يعانون من هذه الضغوط بنفس الدرجة أو أكثر. وقد يكون أسهل علينا الشعور بالعجز تجاه احتياجات الآخرين، فنفكر بأنه ليس هناك ما يمكننا فعله، أو أن مشاكلهم هذه لا تعنينا.

عندما تظهر التوترات، حاول أن تفكر بسبب عدم قدرتك أنت وزملائك على التواصل على نحو جيد، واحرص على ألا تقع في فخ التفكير في الصواب والخطأ، تقترح وورلاين أن تقول لنفسك: "أنا لدي القدرة، وكذلك كل من حولي"، ثم أن تسأل نفسك عن مكامن الصعوبات، والطريقة التي تتبعونها للتواصل. فعندما تركز على الأسلوب والظروف لا على الشخص نفسه، ستتمكن من إدراك المشكلة الأساسية من دون إلقاء اللوم على أحد.

اعترف بشعورك.

يمكنك تفادي سوء الفهم وجرح المشاعر عن طريق توضيح ما تمر به في هذه اللحظة. مثلاً، تقترح كازا أن تشرح لزميلك أنك قد تكون بحاجة إلى البقاء لوحدك بعض الوقت، وخصوصاً إذا كانت الأمور تتحرك بسرعة. يمكن أن تقول: "أشعر بكثير من القلق والتوتر الآن، دعني أفكر بالأمر لبعض الوقت". تواصل أكثر مما اعتدت عليه في الظروف العادية، مع الانتباه لما تقوله وطريقتك في الكلام. تلقيت رسالة من زميلة لي على "سلاك" منذ عدة أيام تقول فيها: "كنت أتنقل بين المحادثات وأدركت أن ما قلته من قبل كان شديد الخشونة، لكني لم أقصد ذلك. نحمل جميعنا عبئاً كبيراً". وكنت قد لاحظت أن رسالتها تلك كانت حادة، ولكن لحسن الحظ، لم آخذ الأمر على أنه إساءة شخصية. تقول كازا إنك إذا شعرت بتنامي شعور غير صحي في علاقتك مع أحد زملائك، فلا تسمح له بالتفاقم. ومن الأفضل أن تعالجه عاجلاً وليس آجلاً.

ولا تقسو على نفسك كثيراً إذا ندمت على شيء قلته أو جرحت زميلاً لك بغير قصد. تقول وورلاين: "كلما ازداد تعاطفك مع نفسك ومع عجزك عن أن تكون الشخص الذي تتمنى، ازدادت قدرتك على تخفيف توترك".

تقبل أن حياة زملاء العمل في منازلهم أصبحت تعنيك الآن.

عندما يعاني الإنسان من الضغط يميل لإبعاد نفسه عن معاناة الآخرين. لذلك، قد تعتبر أنك غير معنيّ بمشكلة زميلك مع مسؤوليته عن رعاية طفليه من دون مساعدة برامج رعاية الأطفال، مثلاً. تقول وورلين: "قبل عدة أسابيع، لم يكن لمشكلة زميلك فيما يخص رعاية أطفاله أي علاقة بعملك وطريقة عمله. لكن الآن، أصبحت هناك علاقة بالتأكيد، وعليك أن تدرك أن هذا التغير يرجع إلى الوضع الذي نعيشه". وفيما يتعلق بهذه النقطة، تقترح وورلين تغييراً آخر في طريقة التفكير: "الناس عموماً صالحون، ويحاولون بذل قصارى جهدهم". وبدلاً من شعورك بالاستياء من ابن زميلك الذي يقاطع محادثتكما باستمرار، دع الأحكام جانباً وفكر بطريقة لتغيير أسلوب عملكما معاً. كيف يمكنكما التعامل بمرونة أكبر كي يتمكن كل منكما من إنجاز ما عليه؟

لا تقارن بين أشكال المعاناة.

على مواقع التواصل الاجتماعي، لاحظت تكرر أحد الردود على شكاوى الموظفين مما يعانونه، وهو يقول: "على الأقل أنت لا تعمل في قطاع الرعاية الصحية الآن". تقول وورلين: "هذا النوع من المقارنات قد يحط من معاناة الآخرين بقسوة، في حين يظن الناس خاطئين أنهم يقدمون وجهة نظر ضرورية. ولكنها لا تخفف المأساة، بل تزيد الانتقاد والشعور بالذنب، وتضاعف الألم". تشير وورلين إلى أن هناك أشكالاً مختلفة من الصعوبات، وأن "التعاطف لا يقبل انتقاد أهمية معاناة الآخر".

وفي ضوء هذه النصائح، أورد فيما يلي بعض الأمور التي أحاول تذكير نفسي بها كل يوم كي أتمكن من التعاطف مع الموظفين والتصرف معهم بلطف وبصدق ووعي.

نختلف أنا وزملائي في رؤيتنا للعالم، ولكل منا طريقته، ولا بأس في ذلك.

لكل منا طريقته في التعامل مع الغموض والحزن والتوتر.

يعاني زملائي من ضغط لا أستطيع رؤيته دائماً ولا يمكنني فهمه تماماً (وهو غالباً لا يعنيني).

مقارنة الصعوبات التي يمر بها كل منا لن تفيد أحداً.

نبذل جميعنا قصارى جهدنا.

ليس من السهل دائماً أن نتحلى بالصبر ونتفهم الآخرين، وخصوصاً مع كل ما يجري حولنا. ولكني سأستمر في محاولة التعاطف مع الموظفين لأن ذلك ما يستحقونه، وما أستحقه أنا أيضاً.

اقرأ أيضاً: ما علاقة نقص التعاطف بفشل بعض القادة؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي