قد يكون للتضحية في العمل أنواع عديدة ومرهقة، مثل العمل لساعات طويلة، وتحمّل الضغوط، والاستعداد للعمل خارج أوقات الدوام، والخضوع لأنظمة تقييم تؤدي إما إلى الترقية وإما إلى التسريح. وقد يكون سفر العمل مرهقاً جسدياً أيضاً ويصعّب التمتع بالحياة الشخصية. قد توفر التغييرات التي تحدث داخل الشركات فرصاً جديدة للموظفين بالفعل، لكنها قد تفرض عليهم تحديات شخصية أيضاً. وبالتالي، يُعد فهم متطلبات المنصب قبل قبوله أمراً مهماً في أي قرار مهني.
يختار الموظفون مجالات عمل متطلبة لتحقيق أهداف مهمة وبناء مسارات مهنية ناجحة، لكن قد تتسبب العواقب المرتبطة بها في إحساسهم بالتعب والاحتراق الوظيفي؛ فالبقاء في حالة استعداد دائم للعمل والعمل باستمرار دون توقف يعني امتلاك وقت أقل لتخصيصه للعائلة أو الأصدقاء أو الحياة الشخصية. وقد يتأثر الأداء سلباً إذا أدت التضحية المستمرة إلى ضعف الطاقة الشخصية والقدرة على الإبداع. مثّلت إدارة التضحيات بفعالية في ثلث القرارات المهنية التي أجريتُ دراسة عليها أولوية قصوى، على الرغم من أن جميع الأفراد الذين شملتهم الدراسة كانوا متحفزين للغاية وبذلوا جهوداً كبيرة للاستثمار في مساراتهم المهنية.
لنتأمّل مثال سامر (اسم مستعار) الذي سعى إلى الموازنة بين التضحيات الشخصية والمهنية في أحد القرارات المهنية. عندما عُرض عليه منصب رئيس تنفيذي في مدينة أخرى، قال إن شرطه الأساسي لقبول العرض هو عدم الانتقال، فلديه أطفال في المدرسة والعديد من الأصدقاء. وعندما وافق مجلس الإدارة على شرطه، أدرك سامر أنه سيتغيّب عن المنزل كل يوم من أيام الأسبوع تقريباً. فقبِل الوظيفة والسفر المتكرر لاعتقاده أنه قادر على التعامل مع أثرها وتحدياتها.
ووضع سامر 3 حدود؛ رتّب مواعيد اجتماعاته بطريقة تتيح له مغادرة المنزل صباح يوم الاثنين (بدلاً من مساء الأحد) والعودة يوم الجمعة قبل ساعة الذروة. وحجز غرفة في فندق قريب من مكتبه وضع فيها ملابسه وأغراضه الشخصية الأخرى. وتواصل مع عائلته بانتظام: "أهاتف زوجتي مرتين أو ثلاث مرات في اليوم. وأتحدث إلى ابنتَي كل يومين على الأقل؛ وأرسل رسالة نصية لكل منهن كل يوم تقريباً. وبذلت جهداً كبيراً لحضور جميع أعياد الميلاد والفعاليات المدرسية. صحيح أن مكان عملي بعيد، لكني أحرص على ألا يشعر أفراد أسرتي ببعدي عنهم".
تمتع سامر بمرونة استثنائية بصفته رئيساً تنفيذياً، لكن إذا كان قرارك المهني يتطلب قبول بعض التضحيات، فتذكر ما فعله سامر، وضَع شروطك قبل قبول العرض.
يواجه الأشخاص الذين يقبلون التضحيات دائماً مخاطر طويلة الأجل؛ في حين يحدّ الأشخاص الذين يرفضونها دائماً من فرص تقدمهم. وإذا كنت تفكر في مجال أو عرض وظيفي جديد فاحرص على تقييم التضحيات قبل أن تتخذ أي قرار.
اعرف متطلبات الوظيفة
اسأل الشركة عن ساعات العمل وضغط العمل. هل العمل لساعات طويلة أمر ضروري؟ قد تفترض أن تحقيق النجاح يتطلب التفاني في العمل، لكن ذلك غير صحيح في الواقع. على سبيل المثال، افترض المستشارون المبتدئون في الفرق التي أجريتُ دراسة عليها أن العمل حتى وقت متأخر أمر لا بد منه؛ لكن لو أنهم سألوا الإدارة بالفعل، لعلموا أن ذلك يعتمد على الوضع.
هل السفر مطلوب، وإذا كان مطلوباً بالفعل، فهل هو مهم؟ يفترض الأشخاص الذين يعملون في وظائف تتطلب السفر أحياناً أن طبيعة عملهم تستلزم منهم الابتعاد عن المنزل طوال الوقت، ولا يدركون أن بإمكانهم أحياناً تنظيم جداول مواعيدهم وملفاتهم لتسهيل عملهم من المكتب أو من المنزل.
أخيراً، قد لا يكون الانتقال ضرورياً أيضاً، بل يمكن للناس قبول منصب جديد يوفر ترتيبات عمل مرنة، بدلاً من الاضطرار إلى الانتقال، مثل حالة سامر.
ضع حدودك
بالنسبة للتضحيات المهمة، ضع لنفسك مبادئ توجه سلوكك وتصرفاتك معظم الوقت؛ وكن محدداً. على سبيل المثال:
- احضر الأحداث المهمة في مدرسة أطفالك.
- احرص على تناول طعام العشاء مع الأسرة (ثم واصل العمل على المهام المطلوبة منك لتحافظ على مستوى جيد من الأداء).
- اصطحب زوجتك لتناول طعام العشاء يوم عيد ميلادها.
- اعمل حتى وقت متأخر خلال رحلات العمل لتستمتع بوقتك خلال عطلات نهاية الأسبوع.
- حدد مواعيد إجازاتك مسبّقاً وخطط جدول مواعيدك بناءً على ذلك.
تعرّف على حدود الآخرين الشخصية أيضاً. وقيّم قدرتك على النجاح في الوصول إلى أهدافك ضمن الحدود التي وضعتها. يساعدك وضع حدود بشأن التضحيات أيضاً على مناقشة عرض العمل مع الشركة المحتملة.
ابدأ حواراً
عندما تقدم لك الشركة عرض عمل، فذلك يعني أنها تريد منك قبول المنصب بعد تقييم جوانب عرض العمل جميعها، وذلك يشمل الضغط وعدد ساعات العمل والسفر والانتقال. ويمكنك بعد ذلك التوصل مع الإدارة إلى حلّ وسط، مثلما فعل سامر. قد تكون الشركة مرنة بالفعل بشأن بعض الجوانب في شروط العمل، وصارمة في جوانب أخرى. وقد تكون المناقشة المفتوحة حول تلك الشروط في مصلحتك (ومصلحة الشركة أيضاً).
أخيراً، قيّم إن كانت التضحية مقبولة لك
التمتع بمسار مهني ناجح ليس أمراً سهلاً، إذ إنك قد تضطر إلى التضحية ببعض الأمور لتحقيق مزيد من الإنجازات والتقدم في حياتك المهنية. ومع ذلك، قد تكون بعض التضحيات غير مقبولة. باختصار، يتطلب اتخاذ قرار بشأن قبول وظيفة ما أو الدخول في مجال جديد إجراء موازنة بين الفوائد والعواقب. وعندما توضح ماهية التضحيات وتقيّم إمكانية وضع حدود معقولة بالفعل، فستكون قادراً حينها على اتخاذ قرارك بحكمة.