ملخص: يُعد التسريح أو ترك الوظيفة أمراً صعباً. وإذا سُرّحت من عملك مؤخراً، فكن على يقين بأن في ذلك خيراً لك. وفيما يلي بعض الدروس التي تعلمتها الكاتبة عندما سُرّحت من عملها.
- لا تفترض أن قرار تسريحك شخصي، إذ يخضع الموظفون للتسريح بناءً على عدة عوامل، مثل أهمية دورهم في توليد الإيرادات وموقع الشركة والبُنية التنظيمية للفريق، لكن معظم هذه العوامل خارج عن إرادتهم، وغالباً ما يواجه قادة الشركات صعوبة في تحديد هوية الموظفين الذي ينوون تسريحهم.
- لا تجعل البحث عن عمل شغلك الشاغل، بل خصص بضع ساعات من يومك للبحث عن عمل والخطوات التي ستتخذها في بحثك لتتجنب الشعور بالاستنزاف.
- كن صبوراً. قد يستغرق العثور على وظيفة جديدة ما يصل إلى 6 أشهر، ويختلف الجدول الزمني من قطاع لآخر بالفعل. لذلك، ابقَ منفتحاً على الفرص الجديدة في أثناء انتظار عرض الأحلام، فقد يساعدك العمل المؤقت أو الحر في تعويض دخلك وتوسيع شبكة علاقاتك.
ترك الركود العالمي بصمته على العالم قبل 15 عاماً، وكان الركود الاقتصادي الكبير أطول فترة ركود منذ الحرب العالمية الثانية، فقد بلغ معدل البطالة عند بدئه في شهر ديسمبر/كانون الأول عام 2007، نحو 5%، ووصل إلى نسبة 10% بعد أشهر من إعلان الخبراء انتهاءه في شهر يونيو/حزيران عام 2009. بمعنى آخر، فقد ما يقرب من 9 ملايين شخص وظائفهم.
وكنت واحدة منهم.
لن أنسى أبداً جلوسي في مقهى مع والدتي والبكاء هناك. لقد سُرّحت من شركة جوجل آنذاك، وشعرت أن حياتي المهنية توقّفت حينها. كان يجب أن أقول في الماضي: هذه بداية رحلتي التالية. لكن صعُب عليّ آنذاك تقبّل ما بدا لي أنه فشل ذريع.
وإذا كنت تواجه موقفاً مشابهاً اليوم، فأنا أتفهم موقفك تماماً، فسوق العمل الحالي ليس في أفضل حالاته، ويعتقد بعض خبراء الاقتصاد أن عاصفة الركود التي ضربت الولايات المتحدة في نهاية عام 2022، قد تستمر طوال عام 2023. وقد رفعت البنوك المركزية حول العالم أسعار الفائدة استجابة للتضخم بالفعل، لكنها خطوة قد تقود إلى سلسلة من الأزمات المالية في الأسواق الناشئة والأنظمة الاقتصادية النامية بحسب البنك الدولي. ويشير تقرير إلى أن 39% من الرؤساء التنفيذيين أوقفوا عمليات التوظيف وأن أكثر من 45% منهم يخططون لتسريح بعض العاملين خلال الأشهر الستة المقبلة.
ولا أتعمّد بذلك إخافتك، بل إعدادك لواقع يلوح في الأفق، وإذا تعرّضت للتسريح مؤخراً ولم تكن متأكداً من المسار التالي الذي يجب عليك سلكه، فكن على يقين بأن مآل الأمور سيكون خيراً لك. وساعدني تدريب عقلي على التركيز على الاحتمالات بعد التسريح، بدلاً من التفكير بالهزيمة، في التحلّي بالصبر والتفكير بتفاؤل. وتعلمت منذ ذلك اليوم الذي قضيته في المقهى باكية بعض الدروس ذات القيمة وغيّرت أسلوب تفكيري في مساري المهني.
وإليكم بناءً على تجربتي 5 نصائح أود مشاركتها مع أي شخص يشعر بالأسى بعد فقدان وظيفته:
لا تفترض أن قرار تسريحك شخصي
عندما تقرر شركة ما تقليل قوة عملها بنسبة معينة، فنادراً ما يكون القرار مرتبطاً بأداء الموظفين الأفراد، بل يُسرّح الموظفون بناءً على عدة عوامل، مثل أهمية دورهم في توليد الإيرادات (على سبيل المثال، فريق يُشرف على المجلة المطبوعة التي ستتحول إلى رقمية)، وموقع الشركة (بعض "مراكز" الشركة أكثر أهمية من غيرها)، والبُنية التنظيمية للفريق (تولي فرق العلاقات العامة ووسائل التواصل الاجتماعي أدواراً متداخلة). لكن معظم هذه العوامل خارج عن إرادتهم، وغالباً ما يواجه قادة الشركات صعوبة في تحديد هوية الموظفين الذي ينوون تسريحهم.
بمعنى آخر، لم تُسرّح من عملك لأن أداءك كان ضعيفاً أو لأنك لم تحظ بتقدير كافٍ لشخصك أو حتى بصفتك موظفاً. صحيح أن تلك الأفكار هي أول ما سيتبادر إلى ذهنك بداية، إذ إن فقدان الوظيفة قد يعزز متلازمة المحتال داخلك، وقد يصعب عليك تجنب التفكير في الخطأ الذي ارتكبته أو كيفية تصحيحه.
اسمح لنفسك بالحزن على هذه التجربة المؤلمة، لكن ابذل قصارى جهدك لمنع عقلك من مواصلة ذلك التفكير السلبي. وضع نفسك مكان صناع القرار في الشركة، وأعِد النظر في العوامل الموضحة أعلاه لتذكّر نفسك بأن القرار لم يكن شخصياً. وإذا نجحت في السيطرة على مشاعرك، فستدرك حينها أن هذا التسريح ليس موجهاً لشخصك.
لا تجعل البحث عن عمل شغلك الشاغل
قد تفترض أن لديك الكثير من وقت الفراغ، وتدفعك غريزتك إلى قضاء كل وقتك في البحث عن فرص جديدة. وهذا الحماس رائع بالفعل، لكن تذكر أن عليك تخصيص وقت محدد لرحلة البحث هذه، كما لو أنك ما زلت "موظفاً"، أي عليك أن تنفصل ذهنياً عن العمل وترتاح.
وقد ساعدتني تلك الخطوة بالفعل عام 2008، وأؤكد لك أن الالتزام بها سيعزز صحتك النفسية أيضاً. خصص ساعات محددة للعمل على وظيفتك الجديدة المتمثلة في البحث عن عمل. ولا تبق مستيقظاً حتى الساعة الثانية صباحاً بحثاً عن منصب جديد، ولا تقض 16 ساعة في اليوم في التقدّم إلى وظائف جديدة، ولا تخصص عطلات نهاية الأسبوع للبحث أيضاً، بل خصص بضع ساعات من يومك فقط للبحث عن عمل والتفكير في الخطوات التي ستتخذها في بحثك.
على سبيل المثال، يمكنك أن تقضي معظم يوم عملك بعد التسريح في التواصل مع زملائك السابقين، وتنظيم مواعيد الاجتماعات القادمة، وإنهاء تلك المهام بحلول الساعة الخامسة مساءً للراحة. وتلك الاستراتيجية ليست سيئة بالطبع، فقد تكتشف أن صاحب عملك السابق يحتاج إلى موظفين جدد أو قد يكون لدى زملائك السابقين اقتراحات لشركات أخرى يمكنك التقدم إليها.
وخطط في الأيام التالية لقضاء 3 ساعات يومياً في تصفّح مواقع الوظائف مثل لينكد إن، وساعتين يومياً للتواصل مع شبكة علاقاتك لتستفسر منهم عن ارتباطاتهم بالشركات التي تنوي التقدم إليها، و3 ساعات يومياً للتقدم إلى وظيفة واحدة على الأقل، وستكون بذلك قضيت 8 ساعات من العمل في يومك.
باختصار، عندما تضع جدول مواعيد منظم وتتحلّى بالواقعية بشأن أهدافك ستتجنب بذلك شعورك بالاستنزاف والضغط والتوتر.
كن صادقاً مع الآخرين
لا تخف من مشاركة قصتك مع الآخرين عندما تطلب المساعدة منهم، بل ستندهش من سرعة تجاوبهم معك وتقديم الدعم لك، وهو أمر بالغ الأهمية في الأيام الأولى بعد التسريح لتحافظ على تفاؤلك.
قد تشعر بالخجل لإخبار الآخرين بقرار تسريحك من العمل وتختار عدم مشاركة الخبر معهم، لكن ذكّر نفسك مرة أخرى أن تسريح العمال ليس قراراً شخصياً، فإبداء ضعفك أمام الآخرين سيجعلهم يتعاطفون معك ويسارعون إلى تقديم المساعدة لك.
كن صبوراً
تعلّمت من التجربة أن العثور على وظيفة جديدة قد يستغرق ما يصل إلى 6 أشهر أحياناً، لذلك هوّن على نفسك، وتذكر أن مقدار الوقت الذي تقضيه في البحث لا يرتبط بك بقدر ما يرتبط بالعديد من العوامل الأخرى المختلفة، بما فيها القطاع والاقتصاد.
ولتحافظ على حماسك، حاول الانفتاح على الفرص الجديدة في أثناء انتظار عرض الأحلام، فقد يساعدك ذلك في تعويض دخلك ويتيح لك توسيع شبكة علاقاتك. عندما سُرّحت صديقتي من وظيفتها في الشركة، حاولت استكشاف فرص العمل المستقل، على الرغم من أنها لم تكن من مناصريه، لكنها نجحت لدرجة أنها أسّست شركة استشارية خاصة بها حتى بعد انتعاش سوق العمل. وبالتالي، يمكنك استكشاف فرص الانضمام إلى وكالات إبداعية أو مؤقتة اعتماداً على مهاراتك، فانفتاحك على الفرص الجديدة أو المتوافقة مع مهاراتك قد يفتح لك آفاقاً جديدة.
خصص وقتاً لممارسة المهارات التي تجعلك سعيداً
من المفيد أن تعبّر عن كل مشاعرك، لكن حاول ألا تتخلّ عن تفاؤلك، بل أوصي في الواقع ببذل جهد للتحّلي بالإيجابية.
هل تتذكر عندما كنت تعمل كثيراً لدرجة لم يكن لديك وقت لتناول الغداء مع الأصدقاء أو ممارسة اليوغا أو اصطحاب أطفالك إلى الحديقة؟ حاول أن تعتني بصحتك النفسية من خلال تخصيص وقت لممارسة الهوايات التي تجعلك سعيداً لكيلا تجلس في المنزل وتعمل دون توقف وتتقدم للوظائف وتبكي. فإذا لم تسع جاهداً لممارسة الأنشطة التي تجعلك سعيداً، فقد يطغى الإحباط على عقلك ومشاعرك.
وإذا لم تكن متأكداً من ماهية الأنشطة التي تجعلك سعيداً، فجرّب ممارسة هواية جديدة وممتعة. انضم إلى دورة اليوغا مجدداً، أو خطط لقضاء بعض الوقت مع العائلة والأصدقاء، أو سافر إلى وجهة جديدة إن أمكنك، والأهم من ذلك، اعتن بنفسك.
يُعد التطوع طريقة رائعة للحفاظ على نشاطك والتأكد من تفاعلك مع أشخاص خارج دائرة علاقاتك المباشرة. وكافئ نفسك من حين لآخر، فذلك مفيد لروحك. تطوعّت ذات مرة لقراءة قصص لكبار السن في أحد دور الرعاية، وهي تجربة أثّرت في روحي منذ ذلك الحين وما زلت أكررها بعد سنوات عديدة. بمعنى آخر، قد يعزز أداء الأنشطة التي تحبها صحتك النفسية ويربطك بأهداف لا تجلب لك سوى الفرح.
سُرّحت من عملي أكثر مرة، هو شعور مروّع بصراحة، واستغرقت نحو 3 أشهر للعثور على فرصة أخرى بعد تجربتي الأولى في التسريح، حيث حصلت على وظيفة رائعة في شركة آبل عملت فيها مدة 5 سنوات تقريباً. لكن تقبّل الأمر بصدرٍ رحب وتواصل مع الأشخاص الذين تهمهم سعادتك، وستخرج من تلك المحنة أكثر قوة وفطنة، كما حصل معي. وتذكّر أنك لم تبدأ من الصفر، بل إنك حصلت على فرصة لإعادة كتابة قصتك المهنية وتعزيزها.