دراسة حالة: هل ينبغي لك التصدي للسلوك المتقلب الذي يُبديه زميلك في العمل؟

14 دقيقة
التعامل مع زميل العمل المتقلب

إليكم هذه القصة التي تتحدث عن كيفية التعامل مع زميل العمل المتقلب، لاحظ كارلوس جوريرو، بينما كان يدخل إلى غرفة السبورة البيضاء التي تشهد لقاء فريق تطوير التطبيق في الاجتماع اليومي، غياب لاري بيرمان مجدداً. لكنه لم يكلف نفسه عناء سؤال أحد بشأن الأمر، بل مضى فيما حضر لأجله.

قائلاً "صباح الخير"، وهو يحدّق في التشكيلة الهائلة من الملاحظات الملصقة على السبورة البيضاء. وقال للحاضرين "أطلعوني على ما لديكم من مستجدات".

وكان كارلوس، بصفته مدير الاستراتيجية الرقمية بشركة "ميلز ناو" (Meals Now)، التي تقدم خدمة توصيل الوجبات بالاشتراك، يشترك في رعاية مشروع إعادة تصميم تطبيق مهم، يعمل فيه فريق يتكون من سبعة موظفين إلى جانب بعض الاستشاريين الخارجيين. وكان لاري، رئيس قسم التكنولوجيا، شريكه في هذا المسعى، لكنّ الأمر بينهما لم يعُد يوحي مؤخراً بهذه الشراكة. في واقع الأمر، عرض كارلوس إدارة الاجتماعات القصيرة حسب الضرورة فحسب، والتي كان ينبغي أن تكون مهمة لاري.

اقرأ أيضاً: هذا ما يجب فعله بعد محادثة متوترة مع زميلك في العمل

وحاول كارلوس التركيز على ما تخبره به إيرينا، وهي واحدة من مطوري البرمجيات التي تعمل مع لاري، بشأن المراحل القصيرة في منهجية أجايل الحالية المستخدمة في تطوير التطبيق. وبعد مرور ستة أشهر على بداية إعادة تصميم التطبيق، وقطع أكثر من نصف الطريق في هذا الصدد، كانت أهمية هذه الاجتماعات القصيرة اليومية تتزايد إذا ما أراد الفريق الالتزام بالمواعيد الزمنية الصارمة.

قالت إيرينا "لسنا متأكدين بعد مما إذا كان لاري قد وقّع العقد مع الجهة التي سوف تزودنا بتسجيل الدخول الاجتماعي".

ورد عليها كارلوس "حسناً، دعينا نتأكد منه بشأن ذلك"، وهو يدرك أنه قال الكلام نفسه بالأمس. وأضاف "في أي وقت قال إنه سيأتي؟" فتبادلت إيرينا نظرات متوترة مع مايك، نائب لاري، وهز كلاهما كتفيه، فقال كارلوس وهو يتنهد "سأتصل به".

وكان كارلوس يعلم أن لاري قد مر بسنة عصيبة. فمصمم التطبيق في فريقه قد تركهم قبل أيام قليلة من بداية مشروع إعادة تصميم التطبيق، وقد وجد صعوبة في العثور على بديل له، وتولى في غضون ذلك العديد من مسؤوليات هذا المنصب. ومن الناحية الشخصية، كانت الشائعات تقول إنه انفصل عن زوجته منذ سبعة أشهر، وإنه يسكن في شقة بالقرب من المكتب. ورغم أنه كان معتاداً على العمل من المنزل من وقت لآخر، إلا أنّ جدوله الزمني أضحى غير منتظم بدرجة كبيرة في الأسابيع الأخيرة. وكان لا يحضر إلى العمل في بعض الأيام. وفي أيام أخرى، كان يحضر قبل الجميع، ويعمل بشراسة على مكتبه دون مغادرته لتناول الطعام، ويبقى حتى المساء إذا لم يكن حتى نهاية الليلة.

وبينما كان الاجتماع على وشك أن ينفض، لفت كارلوس انتباه إيرينا بعد أن سألها: هل لي بدقائق من وقتك؟ فأومأت برأسها وسارا إلى غرفة اجتماعات صغيرة.

سألها: ما خطب لاري؟

اقرأ أيضاً: أسئلة القراء: كيف أتصرف مع زميلة تريد الحصول على شارة القيادة دون أن تبذل أي مجهود؟

وبدتْ إيرينا متوترة، فطمأنها قائلاً: لا تقلقي، أنا أحاول أن أطمئن فحسب أننا نمضي على المسار الصحيح بشأن هذا المشروع".

لتعترف له إيرينا قائلة: كما تعلم، فهو لم يحضر يوماً في هذا الأسبوع، لكن ما نزال في يوم الأربعاء، ونحن نسيطر على مجرى الأمور بشكل أو بآخر، وبصراحة، من اللطيف أن يحظى المرء بفترة استراحة لإيجاد حل للأمور العالقة بنفسه. كما أن مايك يبلي حسناً. وأنا آسفة لغياب لاري الذي كان سيحمل عنّا عبء بقية أقسام الشركة في الوقت الحالي، لكني واثقة من عودته قريباً، وعندما يعود، سيعمل بجهد ضعف ما يقوم به بقيتنا".

واتصل كارلوس، وهو في طريق عودته إلى مكتبه بهاتف لاري، ولم يتلق رداً. كان بوسعه الشعور بضيق في صدره، لأنّ شركة "ميلز ناو" تعوّل بشدة على هذا المشروع. وكانت سينثيا ووكر، الرئيسة التنفيذية البارعة والحازمة، قد أكدت لمجلس الإدارة أن إعادة تصميم التطبيق سوف تميّز شركتهم عن المنافسين في سوق تشتد فيها المنافسة بصورة متزايدة، كما أنّ الشركة قد استثمرت ما يقرب من 500 ألف دولار أميركي في هذا المشروع. ولم تكن "السيطرة على مجرى الأمور بشكل أو بآخر" جيدة في الواقع بما فيه الكفاية. فأين هو لاري؟

قلق متزايد

وفي وقت لاحق بعد ظهر ذلك اليوم، ذهب مايك إلى مكتب كارلوس واستأذنه في إغلاق باب المكتب، وقال "أود الاطمئنان على توقيت إطلاق التطبيق".

فقال له كارلوس "يبدو أن الأمور تمضي قدماً، أليس كذلك؟".

ليرد عليه مايك "نعم. لكن ربما يتعين علينا تأجيل تاريخ إطلاق التطبيق مجدداً".

فرد كارلوس باقتضاب "ينبغي لنا أن نحاول تجنب التأجيل"، ثم أضاف بصورة أكثر دبلوماسية "أنت تعلم أننا لا نستطيع تحمل مزيد من التأجيل. فالرئيسة التنفيذية تضيّق الخناق عليّ، ومجلس الإدارة يضيّق الخناق عليها".

وقال مايك "أعلم ذلك، وجميعنا يشعر بالضغوط"، "وبمناسبة الحديث عن الضغوط، أود الحديث معك بشأن لاري. إنني أشعر بالقلق عليه. فالكثير من تصرفاته التي كنا نتغاضى عنها باعتبارها تصرفات غريبة، بدأت تبدو أكثر مدعاة للخوف عليه. وأنا أعلم أنه قد نام على الأقل ليلتين في غرفة الاجتماعات في الأسبوع الماضي، ولم يحضر إلى الشركة طوال هذا الأسبوع مطلقاً. وقد تحدثتُ إليه بالأمس، غير أنه لم يرد على الهاتف اليوم".

"هل سألته ما خطبه؟".

أومأ كارلوس برأسه، وهو يتذكر تجربته الشخصية مع القلق وقال لمايك "لقد حاولت ذلك، لكنه في الحقيقة لم يرد، ولا أشعر أنّ من حقي الضغط عليه.

اقرأ أيضاً: ماذا تفعل عندما يتخطاك زميلك في العمل ويلجأ إلى مديرك؟

ولا أود القفز إلى استنتاجات، كما أنني لست طبيباً نفسياً، بالطبع، لكنني أعتقد أنه ربما يكون محطماً نوعاً ما، فقد كان يقابل، قبل بضع سنوات، طبيباً نفسياً وفكّر في تناول الأدوية.

واستمر مايك قائلاً "أعرف أن كليكما مسؤولان أمام سينثيا، لكنّ الشيء الأخير الذي أود القيام به هو الذهاب إليها، وأنا لستُ مرتاحاً على الإطلاق بشأن التكهن بصحته النفسية مع الرئيسة التنفيذية، وإذا ركزتُ على المشكلات المتعلقة بالعمل فحسب، فإنني أخشى أن تقوم بفصله من العمل، ومن الواضح أن هذا الأمر سيكون فاجعاً بالنسبة إليه وبالنسبة إلينا. فهو، بأي حال، أكثر معرفة من أي شخص آخر بشأن طريقة التعامل مع الموردين والموظفين بعقود، كما أنه يحمل عن كاهلنا مسؤوليات بقية أقسام المؤسسة، لكي يتسنى لنا إنجاز الأعمال التي نقوم بها. ولستُ واثقاً مما إذا كان بوسعنا تحقيق الأهداف المتعلقة بالمشروع كلها دون وجوده معنا".

قال كارلوس "لكن يبدو أنه غير موجود معكم في الوقت الحالي".

ليجيب مايك "وجوده نصف الوقت أفضل من عدم وجوده نهائياً".

وقال كارلوس "لكن مَن سيتولى قيادة الفريق؟".

فأجابه مايك بصوت يكتسي بالوهن "أعتقد أنني سأقود الفريق".

وسأله كارلوس "هل تحدثتَ إلى كارا أو أنايا؟" وهو يشير إلى فريق الموارد البشرية الصغير بالشركة.

ليرد عليه مايك "كلتاهما حديثتا عهد بالشركة، وأخشى أن يبالغا في رد فعلهما ويعرضا الأمر مباشرة على سينثيا، ولا أود أبداً أن يسمع لاري أنني أتحدث عنه في غيابه، ناهيك عن إبلاغ قسم الموارد البشرية بشأنه، أعتقد أنني بذلك أقول إنني لا أدري وجهتي التي أمضي إليها".

وفي واقع الأمر، لم يكن كارلوس أيضاً يعرف وجهته.

ملايين الأشياء

كانت سيارة كارلوس هي آخر سيارة واقفة في موقف السيارات، فقد كان قد بقي حتى وقت متأخر لأنه كان سيقابل أصدقاءه لتناول العشاء في المدينة. وبينما كان يضع حاسوبه المحمول على المقعد الخلفي للسيارة، لمح سيارة لاري الفولكس فاغن تتوقف في مكان قرب واجهة مبنى الشركة. قال كارلوس وهو يسير نحو لاري بينما كان الأخير يخرج من سيارته: لاري!

اقرأ أيضاً: أسئلة القراء: ماذا أفعل مع زملائي الذين يمنعونني من خدمة العملاء؟

ورد عليه لاري وهو يبدو متفاجئاً من رؤيته: مرحباً يا صاح! كان شعره أشعث وعيناه محمرتين وقميصه مجعّداً وملطخاً بالبقع. أضاف قائلاً: أنا على عجلة من أمري قليلاً. قال ذلك وسحب حقيبة كمبيوتره وأغلق باب السيارة وبدأ في المسير نحو مدخل المبنى. وعندما تحرك كارلوس للحاق به، لوّح بيده رافضاً وقال "لا تعُد إلى داخل المبنى من أجلي، سأراك في الغد".

ليعود كارلوس إلى سيارته، غير أنه لم يدخل إليها، فقد بدا له أن من الغريب ترك لاري في مكان كان من المؤكد أنه خال من الأشخاص في هذا الوقت. فأرسل رسالة إلى أصدقائه قائلاً "سأتأخر في العمل، "لا تنتظروني وتناولوا عشاءكم".

وفي داخل المبنى، كان بوسع كارلوس سماع لاري يتحدث بصوت عال. أكان يتحدث عبر الهاتف أم إلى نفسه؟ طرقَ كارلوس على باب المكتب الذي كان مفتوحاً ودلف إلى الداخل، إلا أنه تمنى في الحال لو أنه لم يفعل. إذ رفع لاري رأسه إليه غاضباً وقال: ما الذي تفعله هنا؟

ورد كارلوس: أنا قلِق عليك يا لاري، الساعة الآن الثامنة مساءً تقريباً وقد حضرت لتوّك للعمل.

فقال لاري: أعلم ذلك، هل تعتقد أنني لا أعلم ذلك؟ وارتفع صوته وهو يقول: لقد ظللت أعمل طيلة النهار في المنزل أيضاً، توجد ملايين الأشياء التي يتعين القيام بها، ملايين الأشياء. ملايين الأشياء. "فما الذي يمنع وجودي هنا ليلاً؟ ما المانع بحق الله؟

وأرغم كارلوس نفسه على التحلي بالهدوء، وقال للاري: لكنك لم تحضر إلى العمل لثلاثة أيام في هذا الأسبوع، ولبضعة أيام في الأسبوع الماضي والأسبوع الذي سبقه، ولم يستطع أعضاء فريقك الوصول إليك. وقد كنا بانتظارك لدفع بعض الأمور قدماً.

وخفّت حدة وجه لاري بعض الشيء، إلا أنّه كان ما يزال لا يبدو في حال جيدة. وقال: أكيد، أكيد. بالطبع، أي شيء تحتاجون إليه، أرسل لي رسالة بريد إلكتروني وسأحرص على إنجازه لكم الليلة.

فقال كارلوس: هل أنت واثق أنك بخير؟ الأمر لا يتعلق فحسب بالمشروع، بل يتعلق بك أيضاً. إذا شعرتَ بالحاجة إلى التحدث بشأن أمر ما، فأنا موجود ومستعد للإصغاء إليك.

ومجدداً، بدا لاري غاضباً وقال: أسدِ لي معروفاً يا كارلوس واذهب إلى منزلك، فكل شيء على ما يرام، دعني فحسب أؤدي عملي بطريقتي.

وخطر على بال كارلوس أن مايك قد كان محقاً. فحالة لاري قد تجاوزت السلوك الغريب، فهل كان لاري ينهار تحت ضغط العمل؟ أم أن حالته هي مرض نفسي؟ هل من الممكن أنه يتعاطى المخدرات؟

أخبرني في حالة وجود مشكلة

في صباح اليوم التالي، وجد كارلوس صندوق الوارد في بريده الإلكتروني مليئاً برسائل من لاري. وكانت بعض هذه الرسائل تؤكد مسائل من قبيل: نعم، وقّعت العقد مع الجهة التي ستزودنا بتسجيل الدخول الاجتماعي. نعم، لقد أرسلتْ النسخة التجريبية بالفعل إلى الأشخاص المسؤولين من تجربة المستخدم، نعم، راجعوا خطة التكامل بين وسائل التواصل الاجتماعي مرات عديدة وكانت خطة طيبة. لا، لم يحصل على الموافقة من الموارد البشرية لتعيينه في منصب مصمم التطبيق الذي يعاد تصميمه بعد، إلا أنهم تجاوزوا المسألة الأخيرة المتعلقة بالمرتب، ويتوقع أن يحصل على الموافقة بحلول يوم الجمعة. فيما كانت الرسائل الأخرى مثيرة للقلق، إذ احتوت على أشياء من قبيل: هل فكروا في إضافة ميزة بحث ذات مقومات أكثر فاعلية؟ هل يمكنهم مضاعفة مقدار اختبارات الاستخدام؟ هل ينبغي لهم تبديل تناسق الألوان؟ وكان لاري يعلم أن سينثيا ومجلس الإدارة وفريق المشروع قد قرروا بشأن هذه المسائل كلها. أو لنقل إن لاري في حالته القديمة كان يعلم.

وعندما ذهب كارلوس إلى مكتب زميله للحديث بشأن محتوى هذه الرسائل، لم يكن لاري موجوداً. لتوقفه سينثيا عندما كان عائداً إلى مكتبه، قائلة له:

كنت على وشك المجيء إليك لتطلعني على آخر الأخبار، فقد أرسل لي ثلاثة أعضاء من أعضاء مجلس الإدارة رسائل بريد إلكتروني هذا الأسبوع متسائلين عما إذا كنا ما نزال نمضي حسب الجدول الزمني المقرر. فهل نحن كذلك؟ وأين هو لاري؟

وقال لها كارلوس، وهو يأمل ألا يحمرّ وجهه: لست متأكداً، ما أعلمه أنه كان يعمل حتى وقت متأخر ليلة الأمس. وقد دفع نفسه إلى أن يكون واضحاً ومباشراً معها بدلاً من محاولة تجميل الأمور. وقال لها: أخبرني مايك بالأمس أنه ربما سوف يتعين علينا تأجيل موعد إطلاق التطبيق مجدداً، ففريق التكنولوجيا يقوم بما في وسعه، إلا أننا قد مررنا ببعض العثرات غير المتوقعة والوقت المتاح أمامنا ضيق.

وردت سينثيا: لا يمكننا تحمّل تأجيل آخر يا كارلوس، سيطيح بي مجلس الإدارة إذا أجّلنا الموعد المعلن، أخبرني أن لاري يمكنه معالجة المشكلة.

التزم كارلوس الصمت. فقالت سينثيا:

هل هناك أمر آخر يجب أن تخبرني به؟ أعلم أنني كنتُ أسافر كثيراً في الفترة الماضية، ولم أرَ لاري منذ أسابيع، وقد ذكرتْ مساعدتي أنه كان يتصرف بغرابة وقد بدا فريقه مجهداً، هل هذا صحيح؟

تردد كارلوس ومن ثَم قال: نحن جميعنا نرزح تحت الكثير من الضغوط.

فقالت سينثيا: أصغِ إليّ يا كارلوس، أنا أثق أنك ستخبرني في حالة وجود مشكلة، وأنه يجب عليّ استقدام شخص آخر لأداء هذه المهمة، لأنك تعلم مثلما أعلم أنه يلزمنا إنجاز هذا المشروع.

قال كارلوس: أنا أتولى الأمر يا سينثيا.

وحالما غادرت سينثيا، أغلق كارلوس مكتبه والتقط هاتفه وطلب رقم هاتف لم يتصل به منذ فترة طويلة. وقال: هل يمكنني ترك رسالة للدكتورة ثاليس، فضلاً؟ إذ كان يعلم أنها لن تكون متاحة في الحال، لكنها ستعاود الاتصال به خلال أقل من نصف ساعة.

وقال في محادثته معها بعد أن أعادت الاتصال به، وهو سعيد بسماع صوت طبيبته النفسية السابقة: أشكرك على محادثتي. هذه المسألة في الواقع لا تتعلق بي، فأنا أود أن أطلب مشورتك بشأن صديق لي. ووصف لها حالة لاري.

لترد الطبيبة النفسية ثاليس قائلة: من الواضح أنني لا أستطيع تشخيص حالته دون مقابلته، لكن بناءً على ما قلته، أعتقد أن حالته يمكن أن تكون سلوكاً هوسياً.

فقال كارلوس: مثل الاضطراب ثنائي القطب؟

وردت ثاليس: "نعم، هذا محتمل، وهو اضطراب شائع بصورة أكثر مما يعتقد الأشخاص، ليس بمعدل انتشار القلق أو الاكتئاب، لكن ما يقرب من 4% من الأشخاص البالغين في الولايات المتحدة يعانون منه. هل تعلم ما إذا كان يقابل أي طبيب نفسي؟

وكان رد كارلوس: لا، لا أعلم.

فقالت: حسناً، إذا كانت تلك هي المشكلة، ففي الغالب يمكن التعامل معها بمساعدة الطبيب النفسي وتناول الأدوية. لكن هل يعترف بأنه يعاني من مشكلة؟ وهل لاحظ الآخرون هذه المشكلة عليه؟

ورد عليها كارلوس: لقد حاولتُ التحدث معه بشأن ذلك، وكذلك حاول أعضاء فريقه، لكنه تجاهلنا فحسب، وقد كان بوسعي الذهاب إلى مديرنا أو إلى قسم الموارد البشرية، لكني لا أرغب أن يفصلوه".

واستمر كارلوس قائلاً: إذا شُخّصت حالته بأنها اضطراب في الصحة النفسية، فسيكون ضمن فئة تتمتع بالحماية.

كما أنني قلِق قليلاً من أن نخسره. وعلى الأرجح أنني ما كنتُ لأعترف بذلك لأي أحد سواك، لكنه شخص بالغ الأهمية لإنجاح هذا المشروع، فإذا حصل على المساعدة وكان يجب عليه الحصول على إجازة أو شيء من هذا القبيل، فقد قُضي علينا، وأنا أعلم أن هذا التفكير أناني تماماً".

فقالت ثاليس: أستطيع أن أتفهم حقيقة شعورك، إذ يبدو أن هذه النوبات قد جعلته منتجاً لفترة من الوقت، غير أنها مختلفة في الوقت الحالي، على الأقل مختلفة بما يكفي بالنسبة إليك لكي تتصل بي، إذ يمكن أن تكون حالته آخذة في التدهور.

وخطر لكارلوس أن عبارة ’آخذة في التدهور‘ بدتْ وكأنها التعبير المناسب.

السؤال: ما الذي ينبغي لكارلوس فعله؟ رد الخبراء

يتعين على كارلوس مساعدة لاري. سوف يتجاهل الكثير من الأشخاص ما يجري للاري ويركزون على المشروع، لكن إذا ما حضر لاري وهو ينزف بعد تعرضه لحادث مروري وهو في طريقه إلى العمل، فما من أحد سيتجاهل ذلك. فسوف يأخذه أحد زملائه إلى المستشفى.

وما يعادل ذلك في هذه الحالة هو إيجاد وقت للجلوس مع لاري وإبداء قلقك على انفراد. فيمكن لكارلوس أن يقول "ينتابني القلق عليك، فقد أصبح سلوكك متقلباً وهذا يؤثر على عملك وعلى فريقك، أعتقد أنه يجدر بك التماس العلاج". ويمكنه أن يذكر الاستشارة النفسية التي حصل عليها للتعامل مع القلق (إذا لم يكن سيزعجه القيام بذلك)، وأن يسأل لاري ما إذا كان يعرف طبيباً يثق به أو أحداً آخر يمكن أن يطلب منه المساعدة.

هذه الحالات أكثر شيوعاً مما يعتقد الأشخاص. فمن بين كل خمسة أشخاص في أميركا، يوجد شخص واحد مصاب بمشكلة من مشكلات الصحة النفسية، في أي سنة من السنوات. فالاكتئاب بمفرده مسؤول عن إهدار 200 مليون يوم من أيام العمل في كل عام. ومن المؤسف أنه بسبب الوصمة الاجتماعية والخوف من التداعيات في مكان العمل والافتقار إلى الرعاية الصحية الجيدة التي يسهل الحصول عليها وتحمّل تكلفتها، فإن ثلث الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة فحسب يحصلون عليها.

وإذا كان لاري، بالفعل، مصاباً بالحالة الهوسية، فمن الممكن أن يستمر في رفض عروض كارلوس لمساعدته لأنه يستمتع بحالة الهوس هذه. ولا يبدو أن أي أحد في شركة "ميلز ناو" لديه الدراية الفنية بالصحة النفسية، لذا، أقترح أن يطرح كارلوس الأمر على الرئيسة التنفيذية، سينثيا. ويمكنه أن يقول "لاري يعاني من خطب ما، لا أدري ما هو، لكن لا يمكننا تجاهله، ويتعين عليه الخضوع لعلاج وأخذ إجازة". فإذا كانت مديرة جيدة، فستصر - بحصافة ورأفة - على أن يأخذ لاري إجازة إلى أن يغدو قادراً على العمل مجدداً، وعلى الأرجح، لن يتسبب ذلك في عرقلة المشروع، حيث يتمتع لاري بفريق قوي، ويمكن لمايك تولي قيادته بصورة مؤقتة.

غالباً ما يعتقد الأشخاص أن المرض النفسي ذو طابع شخصي للغاية، بحيث لا يمكن مناقشته في العمل.

فقد مررتُ، من قبل، بالموقف الذي يمر به كارلوس. فعندما اعتراني الشك أن أحد العملاء مصاب بنوبة هوس، لأنه كان يتحدث بصوت أعلى، وبصورة أسرع عما اعتاد عليه، وكان يقيم علاقات تجارية ضخمة وغير حكيمة - بصورة تدعو إلى القلق - مع محفظة شركته الاستثمارية، فاتحتُه بشأن هذا الأمر بصورة مباشرة. ومن المؤسف أنه لم يكن يدرك أنه مريض نفسي، لأنه - على الأرجح - كان يستمتع بحالة الهوس والمشاعر المتعالية هذه، لذا، فقد توجب عليّ في نهاية المطاف أن أُطلع مديره بشأنه، والذي طلب منه أخذ إجازة. ثم عاد إلى العمل بعد بضعة أسابيع وتحسّن أداؤه لوظيفته كثيراً.

ويتعين على المؤسسات تحسين أدائها فيما يتعلق بدعم الصحة النفسية لموظفيها ولعائلاتهم وتحسينها. وقد تعاونّا نحن في التحالف الوطني المعنِي بالأمراض النفسية التابع لمنطقة مدينة نيويورك الكبرى مع شركات "أميركان إكسبريس" (American Express) و"إي واي" (EY) و"غولدمان ساكس" ( Goldman Sachs) و"برودينشيال إنشورانس" (Prudential Insurance)، لأن هذه الشركات قد طورت برامج متقدمة لزيادة الوعي بشأن هذه القضايا وتشجيع الأشخاص على دعم زملائهم في العمل. ولو كان لدى شركة "ميلز ناو" برنامج مثل هذه البرامج، لكان بوسع كارلوس التماس المشورة من المختصين ذوي المعرفة، ولكان بوسع لاري الحصول على موارد الدعم التي يحتاج إليها. والأهم من ذلك كله، أنه سيكون بمقدوره هو والآخرين التحدث عن صحتهم النفسية بالقدر الذي يرغبون به من الصراحة، مثل مرضى السكر وارتفاع ضغط الدم. وغالباً ما يعتقد الأشخاص أن هذا الموضوع ذو طابع شخصي للغاية، فلا يمكنهم مناقشته في مكان العمل، غير أن ذلك يُطيل فحسب أمد الوصمة. وفي نهاية المطاف، ما لم يكن بإمكانك التحدث عن المرض النفسي، فلن يكون بوسعك التعامل معه.

ينبغي أن تكون أولوية كارلوس في الوقت الحالي هي المشروع. صحيح أن لاري على ما يبدو يعاني من اضطراب صحته النفسية، لكن عندما يواجه المرء احتمالات مرتفعة بحدوث واقعة من شأنها التأثير على الكثير من الأشخاص (وتتمثل في هذه الحالة في فشل إعادة تصميم التطبيق)، واحتمالات ضئيلة بحدوث واقعة من شأنها التأثير بشدة على أحد الأشخاص (تؤدي إلى انهياره)، يجب عليه التركيز على الحالة الأولى.

ولا يعني هذا أنه ينبغي لكارلوس تجاهل حالة لاري، بل يتعين عليه فحسب تقبّل مسألة أنه يحمل على عاتقه قيادة المشروع بمفرده، في ضوء عدم انتظام لاري، الذي ما يزال مساهماً قيّماً يستحق اهتماماً خاصاً، وينبغي لكارلوس الحفاظ على تعاملات وجيزة وإيجابية مع لاري، وأن تكون مباشرة قدر الإمكان، وأن يراقب حدوث أي انحراف في قدراته على اتخاذ القرارات، ويمكنه الاستعانة بمايك للقيام بالأمر نفسه. ولا يعني هذا التجسس على لاري، بل إعطاءه الفرصة للثقة بأحدهما إنْ شاء ذلك.

ويجدر بكارلوس ومايك دعم بعضهما البعض، بالعمل على نحو أوثق على مشروع إعادة تصميم التطبيق وأيضاً فيما يتعلق بتحديد ما يتعين القيام به بشأن لاري. فمن المرهق التعامل مع شخص يعاني من مرض نفسي لم يُشخّص ولم يخضع للعلاج، ومن الصعب أن تكون بمفردك في التعامل معه.

ينبغي لكارلوس الحفاظ على تعاملات وجيزة وإيجابية مع لاري.

وبطبيعة الحال، إذا تدهور سلوك لاري أكثر وبدأ في التأثير على معنويات فريق المشروع وعلى إنتاجيته، فأعتقد أنه يتعين على كارلوس اللجوء إلى مدراء قسم الموارد البشرية بالشركة وإطلاعهم على ما لاحظه بشأن لاري. وأعلم أن بعض الأشخاص لا يثقون بقسم الموارد البشرية وينظرون إليها باعتباره وكيلاً يعمل لحماية الشركة بدلاً من أن يكون حليفاً للموظفين. غير أن معظم أقسام الموارد البشرية تتوفر لديها سبل الحصول على أدوات وموارد مفيدة. على سبيل المثال، تتضمن خطط التأمين الصحي الاستفادة السرية والمجانية من مستشاري الصحة النفسية (سواء أكان ذلك عبر الهاتف أو وجهاً لوجه).

فتردد كارلوس في اللجوء إلى سينثيا أو قسم الموارد البشرية مفهوم، ولكن في ضوء أن كارلوس لديه ما يكفي بالفعل من المشكلات التي يتعامل معها، ينبغي ألا يشعر بالذنب بشأن نقل جزء من المسؤولية إليهم، وتجدر به الثقة في أن قسم الموارد البشرية سوف يفعل الصواب، الذي يتضمن إطلاع سينثيا على المشكلة. على أمل أن تدرك الرئيسة التنفيذية أهمية وجود موظف ذي أداء وظيفي رفيع يتمتع بالصحة السليمة، وأن يكون ردها ملائماً، وهذا ما يمنح لاري الإجازة والدعم اللازمين اللذين يحتاجهما. وإذا أقدمت على فصله من العمل لمجرد الوفاء بالأجل المحدد لتنقيح أحد المنتجات، مع علمها أنه يعاني من مرض نفسي، فإن كارلوس سيدرك نوعية الشركة التي يعمل لديها.

وإذا قام كارلوس بهذه الخطوات، فمن الممكن أن يشعر لاري بالخيانة، وهو ما يمكن أن يؤثر سلباً على العلاقة بينهما في المدى المنظور. غير أن هذا الثمن يستحق أن يدفعه.

فبعد أن فشلت أول شركة عملت فيها، في عام 2001، اعتراني اكتئاب شديد، ولم أتواصل، في ذلك الوقت، مع زملائي، ولم يخطر لي أن أطلب المساعدة. وكانت شركة صغيرة للغاية، ولم يكن بها قسم خاص بالموارد البشرية. وتعافيت من الاكتئاب من تلقاء نفسي، وخرجت من تلك الهاوية بالتركيز على مشروعي التالي. غير أنه عند التفكير فيما حدث، أتمنى لو أن أحداً قد لاحظ أنني أمر بأوقات صعبة، ودعاني إلى إجراء محادثة بعيداً عن العمل، أو زارني عندما كنت مريضاً في المنزل. ولربما كنتُ سأحاول إبعاد هذا الشخص في البداية، إلا أنني كنتُ سأقدّرُ مساعيه على المدى الطويل من أجل معرفة التعامل مع زميل العمل المتقلب عموماً.

اقرأ أيضاً: كيف تتصدى لزميل عمل يهدر وقتك باستمرار؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي