كيف تصممون استراتيجية تسويقية مبنية على الذكاء الاصطناعي؟

12 دقيقة
التسويق المبني على الذكاء الاصطناعي

ما الذي يمكن للتكنولوجيا أن تفعله اليوم وما الذي يحمله المستقبل؟ وما هو التسويق المبني على الذكاء الاصطناعي؟

التسويق هو الوظيفة الأقدر على الاستفادة من الذكاء الاصطناعي من بين جميع وظائف أي شركة. وتتمثل الأنشطة الأساسية للتسويق في فهم احتياجات الزبون والمطابقة بينها وبين المنتجات والخدمات، وإقناع الناس بالشراء، وكلّها قدرات بوسع الذكاء الاصطناعي إدخال تحسينات هائلة عليها. ولا عجب في أن دراسة لماكنزي تعود إلى عام 2018 شملت تحليل أكثر من 400 استعمال متقدم للذكاء الاصطناعي أظهرت أن التسويق كان المجال الذي سيسهم فيه الذكاء الاصطناعي في توفير أكبر قدر من القيمة.

وقد أصبح مدراء التسويق في الشركات يزيدون من تبنّيهم للتكنولوجيا، حيث كشف استبيان لجمعية التسويق الأمريكية في عام 2019 أن استعمال تطبيقات الذكاء الاصطناعي قفز بنسبة 27% في الأشهر الثمانية عشر السابقة. كما أظهر استبيان عالمي لديلويت في 2020، شمل المتبنين الأوائل للذكاء الاصطناعي، أن ثلاثة من أهم خمسة أهداف للذكاء الاصطناعي كانت تتركز حول التسويق، ألا وهي تحسين المنتجات والخدمات الحالية، وطرح منتجات وخدمات جديدة، وتعزيز العلاقات مع العملاء.

رغم أن استعمال الذكاء الاصطناعي في التسويق قد قطع أشواطاً بعيدة، إلا أننا نتوقع له أن يؤدي أدواراً أكبر وأكبر في هذه الوظيفة في السنوات المقبلة. ونظراً للإمكانيات الهائلة التي تنطوي عليها التكنولوجيا، فإن من الضروري جداً بمكان أن يفهم مدراء التسويق في الشركات أنماط تطبيقات التسويق المبني على الذكاء الاصطناعي المتاحة اليوم وكيف يمكن أن تتطور مستقبلاً. اعتماداً على خبرتنا التي تزيد على عقد من الزمن في دراسة تحليل البيانات، والذكاء الاصطناعي، والتسويق، وتقديم المشورة إلى الشركات في عدد من القطاعات حول هذه المجالات، فقد وضعنا إطاراً يمكن أن يساعد مدراء التسويق في تصنيف مشاريع الذكاء الاصطناعي الحالية، والتخطيط لتطبيق مشاريع من هذا النوع مستقبلاً. ولكن قبل أن نصف الإطار المقترح، دعونا نلقي نظرة سريعة على واقع الحال اليوم.

الذكاء الاصطناعي اليوم

تستعمل شركات عديدة الآن الذكاء الاصطناعي للتعامل مع المهام الضيقة، مثل تحديد آلية عرض الإعلانات بالاستفادة من التكنولوجيا الرقمية (التي تعرف أيضاً باسم "الشراء بالاعتماد على البرمجيات" (programmatic buying)؛ والمساعدة في أداء المهام العريضة، كتعزيز دقة التنبؤات (مثل توقعات المبيعات)؛ وتدعيم الجهود البشرية في المهام ذات البنى والهيكليات المحددة، مثل خدمة الزبائن. (راجعوا الفقرة الجانبية بعنوان "تطبيقات الذكاء الاصطناعي الراسخة في مجال التسويق" للاطلاع على قائمة ببعض الأنشطة الشائعة التي يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في أدائها).

كما توظف الشركات أيضاً الذكاء الاصطناعي في كل مرحلة من مراحل رحلة الزبون. فعندما يكون الزبائن المحتملون في طور "دراسة" المنتج وإجراء الأبحاث عنه، سيوجه الذكاء الاصطناعي الإعلانات إليهم ويمكن أن يساعد في توجيه عملية البحث التي يقومون بها. ونحن نرى ذلك يحصل لدى شركة تجارة التجزئة "وايفير" (Wayfair) المتخصصة ببيع الأثاث عن طريق الإنترنت وهي تستعمل الذكاء الاصطناعي لتحديد الزبائن الذين سيكون بالإمكان إقناعهم على الأرجح، ومن ثم اختيار المنتجات التي سيعرضها عليهم بناء على تاريخهم السابق في التصفح. ويمكن لروبوتات الدردشة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي التي تستعملها شركات مثل "في 24" (Vee24) أن تساعد المسوقين في فهم احتياجات الزبائن، وزيادة تفاعلهم في عملية البحث، وترغيبهم للسير في اتجاه مرغوب (مثل الذهاب إلى صفحة محددة على الإنترنت)، وإذا اقتضت الضرورة ربطهم بمندوب مبيعات بشري بواسطة الدردشة أو الهاتف أو الفيديو أو حتى "التصفح المشترك" الذي يسمح للمندوب بمساعدة الزبون في مراجعة محتويات شاشة مشتركة.

بوسع الذكاء الاصطناعي تبسيط عمليات البيع عبر استعمال بيانات شديدة التفصيل تخص الفرد المعني، بما في ذلك بيانات الموقع الجغرافي الآنية، لتقديم عروض تشمل منتجاً أو خدمة مصممين حسب الاحتياجات الشخصية لذلك الفرد. وفي وقت لاحق من الرحلة، يساعد الذكاء الاصطناعي في البيع البديل (أو ما يسمى أيضاً بالارتقاء بالمبيعات) والبيع المتقاطع، ويمكن أن يقلل من احتمال تخلّي الزبائن عن عربات تسوّقهم الرقمية. فعلى سبيل المثال، بعد أن يملأ زبون ما عربة التسوق، بوسع روبوتات الدردشة المبنية على الذكاء الاصطناعي تقديم شهادات محفزة للمساعدة في إتمام عملية البيع – من قبيل "عملية شراء عظيمة! جيمس من فيرمونت اشترى السجادة ذاتها". يمكن لهذه المبادرات أن تزيد معدل تحويل الزبائن بمعدل خمسة أضعاف أو أكثر.

بعد إتمام عملية البيع، يكون وكلاء الخدمة المدعومون بالذكاء الاصطناعي في شركات مثل آميليا (Amelia) (التي كانت في السابق "آي بي سوفت" (IPsoft))، و"إنترأكشنز" (Interactions) متاحين على مدار الساعة، وطوال أيام الأسبوع لفرز طلبات الزبائن – وهم قادرون على التعامل مع أحجام طلبات الخدمة المتقلبة بطريقة أفضل مقارنة بالوكلاء الآدميين. وبوسع هؤلاء الوكلاء الآليين التعامل مع استفسارات بسيطة، مثل زمن التسليم أو تحديد موعد، وبمقدورهم تصعيد القضايا الأعقد إلى وكيل خدمة بشري. في بعض الحالات، يساعد الذكاء الاصطناعي المندوبين البشريين من خلال تحليل نبرة الزبائن واقتراح استجابات تختلف بحسب اختلاف الحالة، أو توجيه الوكلاء إلى الطريقة الفضلى لتلبية احتياجات الزبائن، أو اقتراح تدخّل معيّن من أحد المشرفين.

فكرة المقالة بإيجاز

التحدي  

في العديد من الشركات، باتت وظيفة التسويق تتبنّى الذكاء الاصطناعي بصورة متسارعة. ولكن لتحقيق الاستفادة الكاملة من القدرات الكامنة الهائلة للتكنولوجيا، فإن مدراء التسويق في الشركات بحاجة إلى فهم مختلف أنماط التطبيقات – وكيف يمكن أن تتطور مستقبلاً.

الإطار

يمكن لتصنيف الذكاء الاصطناعي بحسب مستوى ذكائه (سواء تعلّق بأتمتة مهمة بسيطة أو كان يستعمل تعلّم الآلة المتقدّم) وبنيته (ما إذا كان تطبيقاً قائماً بذاته أو تطبيقاً مُدمَجاً ضمن منصات أكبر) أن يساعد الشركات في التخطيط لتحديد التكنولوجيات التي تريد اقتناءها ومتى تفعل ذلك.

التنفيذ  

يجب على الشركات تبنّي مقاربة متدرجة تطبّق على خطوات بادئة بالتطبيقات القائمة بذاتها والمعتمدة على القواعد التي تساعد الموظفين في اتخاذ قرارات أفضل، ومع مرور الوقت الاستعانة بأنظمة ذكاء اصطناعي أعقد وأكثر اندماجاً وتكاملاً في الأوضاع التي يوجد فيها تعامل مباشر مع الزبائن.

بمقدور نماذج تعلّم الآلة التعرف على الصور، وفك شيفرة النصوص، وتقسيم الزبائن إلى شرائح، وتوقّع الطريقة التي سيتجاوب بها الزبائن مع مختلف المبادرات، مثل العروض الترويجية.

الإطار

يمكن تصنيف التسويق المبني على الذكاء الاصطناعي وفق بعدين: البعد الأول هو مستوى الذكاء والبعد الثاني هو ما إذا كان قائماً بذاته أو مدمجاً بمنصة أوسع. فبعض التكنولوجيات مثل روبوتات الدردشة أو المحركات التي تقدّم التوصيات يمكن أن تقع ضمن أي من الفئتين؛ لكن طريقة استعمالها ضمن تطبيق معيّن هي ما يحدد تصنيفها.

دعونا نراجع هذين النوعين من الذكاء أولاً.

أتمتة المهام. تنفّذ هذه التطبيقات مهاماً تكرارية ذات بنية أو هيكلية محددة تتطلب مستوى متدنياً نسبياً من الذكاء. وهي مصممة لاتّباع مجموعة من القواعد أو تنفيذ تتابع محدد سلفاً من العمليات بناءً على معطىً معيّناً، ولكن ليس بوسعها معالجة مشاكل معقدة مثل طلبات الزبائن غير المعتادة. من الأمثلة على ذلك نظام يبعث رسالة ترحيب تلقائية إلى كل زبون جديد. وتندرج ضمن هذه الفئة أيضاً روبوتات الدردشة الأبسط، كتلك المتاحة من خلال تطبيق فيسبوك ماسنجر وغيره من شبكات التواصل الاجتماعي. وهي يمكن أن توفّر بعض المساعدة إلى الزبائن خلال التفاعلات البسيطة بحيث تتعامل مع الزبون وفق شجرة قرارات محددة سلفاً، لكنها لا تستطيع قراءة نوايا الزبون، أو تقديم استجابات تتناسب مع الحالات الخاصة للزبائن، أو التعلم من التفاعلات مع مرور الوقت.

تعلّم الآلة. هذه الخوارزميات مدربة على استعمال كميات كبيرة من البيانات لوضع تنبؤات واتخاذ قرارات معقدة نسبياً. وبمقدور هذه النماذج التعرف على الصور، وفك شيفرة النصوص، وتقسيم الزبائن إلى شرائح، وتوقّع الطريقة التي سيتجاوب بها الزبائن مع مختلف المبادرات، مثل العروض الترويجية. وها هو تعلّم الآلة أصلاً يقود عملية تحديد آلية عرض الإعلانات بالاستفادة من التكنولوجيا الرقمية في الإعلانات عبر الإنترنت، ومحركات التوصيات الخاصة بالتجارة الإلكترونية، والنماذج المخصصة لقياس مدى ميل الزبائن إلى الشراء في أنظمة إدارة علاقات الزبائن (CRM). وتُعتبرُ النسخة الأعقد منه التي تسمّى التعلم العميق من أكثر التكنولوجيات شهرة في مجال الذكاء الاصطناعي وباتت وبصورة متزايدة من الأدوات القوية المستعملة في التسويق. ومع ذلك، فمن المهم أن نوضح أن تطبيقات تعلّم الآلة الحالية ما تزال تؤدي مهاماً ضيقة وهي بحاجة إلى أن تدرّب باستعمال كم هائل من البيانات.

الآن دعونا نلقي نظرة على الذكاء الاصطناعي القائم بذاته في مقابل الذكاء الاصطناعي المدمج بمنصة أوسع.

تطبيقات الذكاء الاصطناعي القائم بذاته. أفضل طريقة لفهم هذه التطبيقات هي النظر إليها بوصفها برامج ذكاء اصطناعي معزولة أو ذات حدود واضحة. وهي منفصلة عن الأقنية الأساسية التي يستعملها الزبائن للتعرف على منتجات الشركة أو شرائها والحصول على الدعم لاستخدامها، أو الأقنية التي يستعملها الموظفون لتسويق منتجات الشركة أو بيعها أو تقديم الخدمة الخاصة بها. ببساطة، يتعيّن على الزبائن أو الموظفين القيام برحلة خاصة تتجاوز هذه الأقنية لاستعمال الذكاء الاصطناعي.

لنأخذ مثلاً تطبيق اكتشاف الألوان الذي صممته شركة الدهانات "بير" (Behr). يستعمل هذا التطبيق قدرات معالجة اللغة الطبيعية وتحليل النبرة التي يوفّرها نظام واتسون للذكاء الاصطناعي من شركة "آي بي إم" (يتيح قدرات تسمح باكتشاف العواطف الموجودة في النصوص) لتقديم عدة توصيات إلى الزبائن تخص ألوان دهانات "بير" بما يستند إلى المزاج الذي يفضّله المستهلكون للأماكن التي يقيمون فيها. يستعمل الزبائن التطبيق لوضع قائمة مختصرة تضم لونين أو ثلاثة ألوان للغرفة التي ينوون دهن جدرانها. بعد ذلك، فإن البيع الفعلي للدهان ينفّذ خارج التطبيق، وإن كان التطبيق يسمح بطلب الدهان المرغوب من شركة "هوم ديبوت" (Home Depot).

التطبيقات المدمجة. تطبيقات الذكاء الاصطناعي هذه مدمجة ضمن أنظمة قائمة وهي غالباً ما تكون أقل بروزاً من التطبيقات القائمة بذاتها بالنسبة للزبائن والمسوّقين ومندوبي المبيعات الذين يستعملونها. فعلى سبيل المثال، تعلّم الآلة الذي يتّخذ قراراً في جزء من الثانية بخصوص الإعلانات الرقمية التي يجب أن يعرضها على المستخدمين يكون مدمجاً ضمن منصات مسؤولة عن مجمل عملية شراء الإعلانات وعرضها. من الأمثلة على ذلك تعلّم الآلة المدمج ضمن منصة نتفلكس الذي كان يقترح الأفلام للزبائن منذ أكثر من عقد من الزمن، حيث تظهر الخيارات المنتقاة ببساطة في قائمة العروض التي يراها المشاهدون على الموقع. ولو كان محرّك التوصية قائماً بذاته، لكانوا بحاجة إلى الذهاب إلى تطبيق مخصص وطلب الاقتراحات.

يلجأ صانعو أنظمة إدارة علاقات الزبائن، وبصورة متزايدة، إلى بناء قدرات تعلّم الآلة ضمن منتجاتهم. ففي شركة "سيلز فورس" (Salesforce)، تنطوي برمجية "سيلز كلاود أينشتاين" (Sales Cloud Einstein) على عدة قدرات بما في ذلك نظام معتمد على الذكاء الاصطناعي لوضع علامات لعمليات البيع المحتملة ما بين الشركات يصنف هذه العمليات بحسب درجة احتمال حصولها. كما أن شركات مثل "كوغيتو" (Cogito) التي تبيع برنامجاً للذكاء الاصطناعي يقدّم الإرشادات لمندوبي المبيعات في مراكز الاتصالات، تُدرِجُ تطبيقاتها ضمن نظام إدارة علاقات الزبائن الخاص بشركة "سيلز فورس".

الجمع بين نمطي الذكاء ونمطي البنية هذين يُنتج الأقسام الأربعة للإطار: تطبيقات تعلّم الآلة القائمة بذاتها، وتطبيقات تعلّم الآلة المدمجة، والتطبيقات القائمة بذاتها لأتمتة المهام، والتطبيقات المدمجة لأتمتة المهام. (للمزيد من المعلومات راجع الفقرة الجانبية بعنوان "الأنواع الأربعة للتسويق باستعمال الذكاء الاصطناعي").

من الضروري أن يفهم المسوقون ضمن أي قسم من هذه الأقسام الأربعة تندرج التطبيقات لأن ذلك يساعدهم في التخطيط لاستعمالات جديدة وفي تحديد تتابع طرحها في السوق.

تطبيقات الذكاء الاصطناعي الراسخة في مجال التسويق

  • روبوتات الدردشة المتخصصة بتطوير المبيعات المحتملة، أو دعم الزبائن، أو البيع المتقاطع  (cross-selling)، أو البيع البديل (أو ما يسمى أيضاً بالارتقاء بالمبيعات - upselling).
  • تحليل المكالمات الواردة وتوجيهها، وتحليل تعليقات الزبائن والرسائل الإلكترونية، وتصنيفها، والرد عليها.
  • أتمتة الحملات التسويقية (بما في ذلك الرسائل الإلكترونية، وإنشاء صفحة الهبوط، وتقسيم الزبائن إلى شرائح).
  • تحليل المزيج التسويقي.
  • الترويج للبضائع عبر الإنترنت.
  • التسعير.
  • تقديم توصيات بالمنتجات أو الخدمات والعروض ذات الطابع شديد الشخصية.
  • شراء الإعلانات الرقمية بالاعتماد على البرمجيات.
  • المبيعات وتحديد العلامات لعمليات البيع المحتملة.
  • التخطيط والشراء والتنفيذ عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
  • تحليل المعنويات على شبكات التواصل الاجتماعي.
  • وضع الإعلانات في التلفزيون (جزئياً).
  • صياغة سردية خاصة بتحليل بيانات موقع الإنترنت.
  • تشغيل موقع الإنترنت والوصول بأدائه إلى الصيغة المثالية (بما في ذلك الاختبار).

مقاربة مؤلفة من خطوات

نعتقد أن المسوقين سيحققون القيمة العظمى في نهاية المطاف عبر استعمال التطبيقات المدمجة لتعلّم الآلة، وإن كانت الأنظمة القائمة على قواعد بسيطة محددة وأنظمة أتمتة المهام قادرة على تعزيز العمليات ذات البنى والهيكليات شديدة الوضوح، وهي تنطوي على إمكانيات معقولة لتحقيق عوائد تجارية. غير أن من الجدير بالذكر أن أتمتة المهام هذه الأيام باتت وبصورة متزايدة تُجْمَع مع تعلّم الآلة – لاستخلاص البيانات الأساسية من الرسائل، واتخاذ قرارات أعقد، وإضفاء الطابع الشخصي على التواصل، وهو نموذج هجين يغطي عدة أقسام من الأقسام الأربعة للإطار الرباعي المقترح دفعة واحدة.

لا تزال التطبيقات القائمة بذاتها مستعملة في المواضع التي يكون فيها استعمال التطبيقات المدمجة صعباً أو مستحيلاً، وإن كانت هناك حدود لمنافعها. لذلك فإننا ننصح المسوقين بالانتقال مع مرور الوقت إلى دمج الذكاء الاصطناعي ضمن أنظمة التسويق الحالية عوضاً عن الاستمرار في استعمال التطبيقات القائمة بذاتها. وفي حقيقة الأمر، هناك العديد من الشركات التي تسير في هذا الاتجاه العام؛ ففي استبيان ديلويت الذي يعود إلى عام 2020، اتفق 74% من التنفيذيين العالميين في مجال الذكاء الاصطناعي مع مقولة إن "الذكاء الاصطناعي سيُدمج ضمن جميع التطبيقات الرقمية للشركات في غضون ثلاثة أعوام".

الانطلاق

بالنسبة للشركات التي ليس لديها إلا خبرة محدودة في مجال الذكاء الاصطناعي، إحدى الطرق الجيدة للبدء هي بناء تطبيقات قائمة على قواعد بسيطة أو شراء مثل هذه التطبيقات. وتتّبع شركات عديدة مقاربة "الزحف – المشي – الجري"، بحيث تبدأ بتطبيق قائم بذاته لأتمتة المهام لا يعتمد على الاتصال المباشر بالزبائن، مثل التطبيق الذي يقدّم الإرشادات إلى وكلاء الخدمة من البشر الذين يتفاعلون مع الزبائن.

بعد اكتساب الشركات للمهارات الأساسية في مجال الذكاء الاصطناعي وحصولها على كم وفير من المعلومات التي تخص الزبائن والسوق، بوسعها البدء بالانتقال من أتمتة المهام إلى تعلّم الآلة. ومن الأمثلة الجيدة على النوع الثاني الذكاء الاصطناعي المخصص لانتقاء الملابس الذي تستعمله شركة "ستيتش فكس" (Stitch Fix) ويساعد اختصاصي الأزياء على تقديم العروض إلى الزبائن بناء على ما أعلنوه من خيارات مفضّلة للأزياء، والثياب التي يحتفظون بها وتلك التي يرجعونها، والملاحظات التي يقدّمونها. وازدادت فاعلية هذه النماذج أكثر عندما بدأت الشركة تطلب من زبائنها الاختيار من صور تضم مزيجاً كبيراً من أنماط الأزياء، ما أسهم بإيجاد مصدر قيّم للبيانات الجديدة.

يجب على المسوقين البحث دوماً عن مصادر جديدة للبيانات – مثل العمليات الداخلية، والموردين الخارجيين، بل وحتى عمليات الاستحواذ المحتملة – بما أن معظم تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ولا سيما تعلّم الآلة، تحتاج إلى كم هائل من البيانات عالية الجودة. لنأخذ مثلاً نموذج التسعير المعتمد على تعلّم الآلة الذي استعملته شركة تأجير الطائرات "إكس أو" (XO) لزيادة أرباحها قبل الفائدة والضريبة والاهتلاك وإطفاء الدين بنسبة 5%. تمثَّل العنصر الأساسي بالاستفادة من مصادر خارجية للبيانات حول المعروض من الطائرات الخاصة وحول العوامل التي تؤثر على الطلب، مثل الأحداث الكبرى، والاقتصاد الكلي، والنشاط الموسمي، والطقس. البيانات التي تستعملها "إكس أو" متاحة علناً، غير أن من الجيد أيضاً البحث عن مصادر لمعلومات خاصة توفرها جهات معيّنة كلما كان ذلك ممكناً، لأن النماذج التي تعتمد على البيانات المتاحة عموماً قابلة للتقليد من المنافسين.

بعد أن يزداد تعقيد استعمال الشركات للذكاء الاصطناعي في التسويق، يلجأ العديد منها إلى أتمتة بعض أنواع القرارات بالكامل، ما ينفي الحاجة إلى الاستعانة البشر تماماً. وتعتبر هذه المقاربة ضرورية جداً في حالة القرارات المتكررة التي يجب أن تتخذ بسرعة شديدة، كما هو حال القرارات المطلوبة في شراء الإعلانات باستعمال البرمجيات (حيث تُعْرَض الإعلانات الرقمية بطريقة شبه آنية على المستخدمين). وفي الميادين الأخرى، ربما يكتفي الذكاء الاصطناعي بتقديم التوصيات إلى شخص يواجه أمامه خياراً – مثل اقتراح فيلم سينمائي لزبون أو استراتيجية لتنفيذي متخصص بالتسويق. أما القرارات البشرية فهي متروكة للمسائل التي قد تترتب عليها أكبر التبعات، مثل المضي قدماً أم لا في حملة معيّنة، أو الموافقة على إعلان تلفزيوني باهظ التكلفة.

يجب على الشركات الانتقال إلى قرارات أكثر اعتماداً على الأتمتة كلما كان ذلك ممكناً. ونحن نعتقد أن هذا المجال هو الذي سيشهد تحقيق أكبر قدر من العوائد من التسويق المبني على الذكاء الاصطناعي.

الأنواع الأربعة للتسويق باستعمال الذكاء الاصطناعي

يمكن لتصنيف التطبيقات المحتملة بحسب مستوى ذكائها وبنيتها أن يساعد الشركات في التخطيط لاستعمال استراتيجيات تسويق مبنية على الذكاء الاصطناعي. وتعتبر التطبيقات البسيطة القائمة بذاتها مكاناً جيداً للانطلاق منه لأن إنشاءها أسهل، لكن منافعها محدودة. وبعد أن تستحوذ الشركات على مهارات الذكاء الاصطناعي وتراكم المعلومات، بوسعها إضافة تطبيقات أكثر تقدماً وتشكّل جزءاً من منصات أخرى، على أن تنتقل بعدها إلى تعلّم الآلة المدمج، الذي يمتلك قدرة كامنة على تحقيق أقصى قدر من القيمة.

يجب على الشركات الانتقال إلى قرارات أكثر اعتماداً على الأتمتة كلما كان ذلك ممكناً. فهذا المجال هو الذي سيشهد تحقيق أكبر قدر من العوائد من التسويق المبني على الذكاء الاصطناعي.

التحديات والأخطار

يمكن لأبسط تطبيقات الذكاء الاصطناعي حتى أن تنطوي على مصاعب. فالذكاء الاصطناعي القائم بذاته والمستخدم في أتمتة المهام، وعلى الرغم من أن درجة تعقيده التقني أقل، إلا أنه قد يكون صعب التطبيق في بعض العمليات، وقد يتطلب استحواذ الشركات على مهارات مناسبة في مجال الذكاء الاصطناعي. فالاستعانة بأي نوع من الذكاء الاصطناعي لاستعماله في تنظيم سير العمليات تتطلب تحقيق التكامل المتأني بين مهام البشر ومهام الآلات بحيث يسهم الذكاء الاصطناعي في تعزيز مهارات الموظفين ولا يطبّق بطرق تؤدي إلى إحداث مشاكل. على سبيل المثال، رغم أن العديد من المؤسسات تستعمل روبوتات الدردشة المبنية على القواعد لأتمتة خدمة الزبائن، إلا أن الروبوتات ذات القدرات الضعيفة يمكن أن تكون مصدر إزعاج لهؤلاء الزبائن. لذلك قد يكون من الأفضل استعمال هذه الروبوتات لمساعدة الوكلاء الآدميين أو المستشارين عوضاً عن تركها تتفاعل مع الزبائن مباشرة.

مع تبنّي الشركات لتطبيقات أكثر تعقيداً واندماجاً، تنشأ اعتبارات أخرى. ويمكن لإدماج الذكاء الاصطناعي في منصات الغير، تحديداً، أن يكون مُربِكاً. أحد الأمثلة على ذلك برمجية "أولاي" التي تقدّم نصائح تتعلق بالبشرة (Olay Skin Advisor) وتستعملها شركة "بروكتر & غامبل" (Procter & Gamble). تعتمد هذه البرمجية على التعلم العميق لتحليل الصور الذاتية (السيلفي) التي التقطها الزبائن، وتقدير أعمارهم ونمط بشرتهم، وتقديم توصية بالمنتجات المناسبة. البرمجية مدمجة ضمن منصّة للتجارة الإلكترونية والولاء هي (Olay.com) وقد أسهمت في تحسين معدلات تحويل الزبائن، ومعدلات الارتداد، والحجم الوسطي لسلّة التسوق في بعض المناطق الجغرافية. لكن إدماجها كان أصعب مع متاجر التجزئة وأمازون، وهي أطراف أخرى تمثل نسبة مئوية عالية من مبيعات "أولاي". وهذه البرمجية الخاصة بشؤون البشرة غير متاحة على متجر "أولاي" الشامل على موقع أمازون، ما يعوق من قدرة العلامة التجارية على تقديم خدمة زبائن سلسلة بمساعدة الذكاء الاصطناعي هناك.

أخيراً، يجب على الشركات ألا تنسى اهتمامات الزبائن وأن تعطيها الأولوية. وكلما كانت تطبيقات الذكاء الاصطناعي أذكى وأكثر اندماجاً وتكاملاً، كانت مخاوف الزبائن أكبر ربما فيما يتعلق بالخصوصية، والأمن، وملكية البيانات. فالزبائن قد لا يكونون مرتاحين للتطبيقات التي تجمع بيانات مواقعهم وتتشاركها مع الآخرين دون علمهم أو للسماعات الذكية التي ربما تتنصت عليهم. وبشكل عام، فإن المستهلكين أظهروا استعدادهم (بل وتوقهم حتى) لمقايضة بعض البيانات الشخصية والخصوصية في مقابل القيمة التي يمكن للتطبيقات المبتكرة أن توفّرها. والمخاوف المتعلقة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي من قبيل "أليكسا" (Alexa) تبدو مهملة أمام التقدير الكبير لمنافعها. وبالتالي، فإن العنصر الأساسي بالنسبة للمسوقين الذين يسعون إلى توسيع درجة ذكاء تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي يستعينون بها وانتشارها يكمن في ضمان شفافية الضوابط الموضوعة لمسائل الخصوصية والأمن، وإعطاء الزبائن فرصة معيّنة لتحديد الكيفية التي تُجمع بها وتستخدم بها معلوماتهم، وضمان حصولهم على قيمة عادلة من الشركة في المقابل. وإذا ما أراد مدراء التسويق أن يكفلوا وجود هذه الإجراءات الحمائية والمحافظة على ثقة الزبائن، فإنهم يجب أن ينشئوا مجالس لمراجعة المسائل الأخلاقية وقضية الخصوصية، على أن تضم في عضويتها خبراء في التسويق والقانون، لفحص مشاريع الذكاء الاصطناعي، ولا سيما المشاريع التي تشمل بيانات الزبائن أو خوارزميات قد تكون عرضة لممارسة التمييز، كما هو حال خوارزميات تحديد الجدارة الائتمانية.

رغم أن التسويق المبني على الذكاء الاصطناعي يَعِدُ بالكثير، إلا أننا نعتقد أن مدراء التسويق يجب أن يتحلوا بالواقعية بخصوص قدراته الحالية. فعلى الرغم من الضجة الكبيرة المثارة، لا يزال الذكاء الاصطناعي غير قادر إلا على إنجاز المهام الضيقة، دون أن يتمكن من إدارة عملية أو وظيفة تسويق كاملة من أولها إلى آخرها. ومع ذلك، فإنه يوفّر حالياً منافع كبيرة للمسوقين – وهو في الحقيقة أساسي جداً في بعض الأنشطة التسويقية – عدا عن أن قدراته تتنامى بسرعة. نحن نؤمن أن الذكاء الاصطناعي سوف يُحدِثُ نقلة نوعية في نهاية المطاف في التسويق، لكن هذه الرحلة ستستغرق عقوداً. ووظيفة التسويق والأقسام التي تدعمه، وتحديداً قسم تكنولوجيا المعلومات، ستحتاج إلى إيلاء الاهتمام على المدى البعيد لبناء قدرات الذكاء الاصطناعي ومعالجة أي أخطار محتملة. ونحن نحث المسوقين على البدء بتطوير استراتيجية اليوم للاستفادة من الوظائف الحالية للذكاء الاصطناعي ومن مستقبله المرجح.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .