متى يكون التسعير على أساس التكلفة والربح فكرة جيدة؟

5 دقائق
التسعير على أساس التكلفة والربح

يشبه التسعير على أساس التكلفة والربح لدرجة كبيرة الرواية الرومانسية، فهو يتمتع بشعبية كبيرة برغم السخرية التي يتعرض لها على نطاق واسع. سيدّعي أغلبية المدراء الذين أعرفهم كرههم للتسعير بناء على التكلفة فقط، ومع ذلك يبقى التسعير على أساس التكلفة والربح أكثر طرق التسعير انتشاراً، وهو مستخدم في تسعير كل شيء بدءاً من علبة العصير ووصولاً إلى مشاريع البنية التحتية التي تكلف عدة مليارات من الدولارات.

إنّ الفكرة التي يستند عليها التسعير على أساس التكلفة والربح واضحة ومباشرة، حيث يحسب البائع جميع التكاليف الثابتة والمتغيرة التي دفعها أو سوف يدفعها مستقبلاً في تصنيع المنتج، ثم يطبق نسبة مئوية للربح على هذه التكاليف من أجل تقدير السعر المطلوب. وتتحدد هذه النسبة بناء على المشتري، كما هو الحال غالباً في المشاريع الحكومية، أو يقوم المدير باختيارها. (أعرف شركات تستخدم هوامش أرباح تتراوح بين 5% إلى 800%).

سلبيات مبررة للتسعير على أساس التكلفة والربح

لا يحبذ الخبراء هذا الأسلوب لأسباب مشروعة، منها أنه يقلص الكفاءة والقدرة على استيعاب التكاليف، وتحديداً في المشاريع المنفردة. فعندما يتم تسجيل كلفة منخفضة تجني الشركة عوائد وأرباحاً كلية أقل، بينما يرفع هيكل التكاليف المتضخم الأسعار بالمقابل ويزيد الربح.

والسلبية الثانية تنتج عن التصور الخاطئ بأنّ السعر المبني على التكلفة والربح سيغطي التكاليف بصورة أكيدة. ويمكن أن يجعل ذلك المدراء راضين بصورة واهمة. وفي الحقيقة، وبما أنه في الأغلب يجب تخمين حجم المبيعات مسبقاً، وتخصيص التكاليف الثابتة لكل وحدة بناء على هذا التخمين، يمكن للسعر المبني على التكلفة والربح أن يرتفع كثيراً أو ينخفض كثيراً بسهولة، ما يتسبب بحسابات خاطئة ومدمرة. إذن، لا تقدم الأسعار على أساس التكلفة والربح أي ضمان على تغطية التكاليف أو كسب الأرباح.

أما السلبية الثالثة فهي أنّ حساب التسعير على هذا الأساس يتجاهل كلاً من رغبة المشتري بأن يقوم بالدفع ويتجاهل كذلك أسعار المنافسين. وعندما يتم تجاهل هذه العوامل يمكن أن يكون قرار التسعير خاطئاً تماماً. مثلاً، قد يتمتع أحد المنافسين بمزايا هائلة خاصة بالتكلفة، وعندئذ سيكون سعر الشركة المبني على التكلفة والربح أعلى من أن يكون فعالاً. وفي حالة أخرى، قد يكون لدى الزبون رغبة بدفع مبلغ أكبر بكثير، وفي هذه الحالة يكون السعر على أساس التكلفة والربح منخفض جداً ما يسبب خسارة الربح. ولكن التسعير على أساس القيمة يأخذ هذه العوامل بعين الاعتبار بوضوح، ولذلك فهذا الأسلوب في التسعير رائج اليوم جداً ويحظى باحترام العديد من المدراء.

الفوائد الاستراتيجية والتكتيكية للتسعير على أساس التكلفة والربح

أحياناً، وبرغم أوجه القصور التي ذكرت آنفاً، تكون هناك أسباب تكتيكية لاستخدام  هذا التسعير. إذ يمكن أن يحقق هذا لأسلوب للشركة تمايزاً قوياً وثقة زبائن أكبر وكذلك تخفيض مخاطر حروب الأسعار، بالإضافة إلى تحقيق أرباح ثابتة قابلة للتنبؤ إذا تم تطبيقه بحرص وحذر.

لا توجد طريقة تسعير يسهل شرحها أو تبريرها. والتسعير على أساس الربح والتكلفة هو أسلوب منصف في جوهره وغير تمييزي بالنسبة للزبائن. وهل هناك تفسير منطقي لارتفاع السعر أكثر من عبارة: "ارتفعت تكاليف الإنتاج بنسبة 8% هذا العام، ولذلك قمنا برفع أسعارنا بنسبة 8%"؟

تذهب شركة إيفرلين (Everlane) لبيع الألبسة بالتجزئة إلى أبعد من ذلك، حيث تستخدم التسعير على أساس الربح والتكلفة في عرض قيمة "الشفافية المطلقة" التي تتميز بها بشكل فعلي، حيث تقدم مع كل قطعة ملابس تبيعها حساباً تفصيلياً لتكاليف المواد المستخدمة في إنتاجها وتكاليف العمالة والضرائب والنقل بالإضافة إلى هامش الربح. وبهذه الطريقة يمكن للمستهلك بسهولة التحقق من تركيز الشركة على دفع أجور منصفة لعمالها الذين يصنعون ألبستها، وبالتالي يقر بقيمة هذه الشركة بصورة فاعلة عن طريق شراء منتجاتها.

إنّ أسلوب التسعير على أساس التكلفة هو على النقيض تماماً من أسلوب التسعير على أساس القيمة الذي يسعى لاكتشاف الاختلافات بين التقديرات الاقتصادية للزبون واستثمارها عن طريق تخصيص الأسعار. عليك فقط أن تتذكر غضب المستهلكين الذي ولدته الزيادة الكبيرة في أسعار شركة أوبر لسيارات الأجرة وكذلك أسعار آلات بيع مشروب كوكاكولا المتقلبة بناء على حرارة الجو، أو تباين أسعار مرافق توليد الكهرباء وتوزيعها. في جميع هذه الحالات، اعتبر العديد من المستهلكين أنّ هذا التغيّر في تسعيرة البائع بناء على القيمة ما هو إلا عملية ابتزاز. بينما لا يواجه الباعة الذين يحددون أسعارهم على أساس التكلفة والربح هذه المخاطر. وبالتأكيد، يمكن لمن يقومون بالتسعير على أساس التكلفة والربح تخفيض أسعار منتجاتهم لبعض الزبائن، ولكن ضمائرهم تبقى مرتاحة لأن زبائنهم يعتبرون أسعارهم منصفة.

وهناك فائدة عملية أخرى لهذه الطريقة تتمثل في بساطة تطبيقها. فيمكن لأي موظف يعمل في الخطوط الأمامية لبيع بالتجزئة أو عامل في مقهى معه آلة حاسبة أن يطبق النسبة المئوية للربح على تكاليف الشراء بسعر الجملة وحساب السعر المطلوب، وهو أمر منتشر ومرغوب في المحال التجارية والمقاهي العائلية الصغيرة.

إذا استخدم كبار المتنافسين في سوق ما التسعيرة على أساس التكلفة والربح ستستقر مستويات الأسعار وستنخفض كمية المخاطر المرافقة لقرارات التسعير لدى الجميع، وستبقى الأسعار مستقرة نسبياً وبالأخص عندما يعرض الموردون أصحاب الكلفة الأعلى في السوق منتجات ذات جودة أعلى ويعرض البائعون الأقل كلفة منتجات أقل جودة. وستقل حروب الأسعار بين الشركات إذا حددت أسعارها بناء على الكلفة بصورة أساسية بدلاً من تحديدها بناء على أسعار المنافسين.

يمكن أن يشجع التسعير على أساس الربح والتكلفة المتسوقين على استخدام العوامل الأخرى، عدا عن السعر، في اتخاذ قرارات الشراء. عندما ندخل إلى أحد المتاجر الكبرى التي تقدم خصومات فإننا نتوقع أن نجد أسعاراً منخفضة مع جودة خدمة منخفضة متناسبة معها. وبالمقابل، نتوقع أن نجد خدمة ذات جودة أعلى ومنتجات ذات مستوى أعلى وسعر أغلى أيضاً في المتاجر الراقية. وعندما يعتقد المستهلكون أنّ السعر يعكس الكلفة فإنهم على الأرجح سيدخلون عامل الجودة في حسابات قرارات الشراء التي يتخذونها بدلاً من شراء أرخص منتج مهما كان.

آخر وأهم حسنة للتسعير على أساس التكلفة والربح تكمن في تنفيذ استراتيجية قيادة الكلفة. فعندما تمتلك الشركة ميزات تنافسية مميزة تسمح بهيكلية كلفة مميزة نسبة للمنافسين، يمكنها استخدام هذا التسعير من أجل إنشاء عرض القيمة الأكثر إغراء وتقديمه. وتصبح بذلك قائدة كلفة، وتصبح تكاليفها المنخفضة وما ينتج عنها من أسعار منخفضة، بالإضافة إلى قيمة احتفاظها بأرقى الزبائن، جزءاً لا يتجزأ من هوية علامتها التجارية. وقد احتفظت شركة كوستكو (Costco) بقيادة الكلفة في السوق على مدى عقود من الزمن عن طريق استخدام هذا المبدأ. حيث فرضت الشركة ألا يتجاوز الربح على أي منتج في متاجرها نسبة 14% (و15% بالنسبة لمنتجات علامتها التجارية الخاصة). وتنشر كوستكو سياسة التسعير هذه على نطاق واسع. وبترافق هذه السياسة التسعيرية مع عوامل أخرى مثل بيئة المتجر التقشفية والتشكيلات المحدودة والشراء بالجملة، فقد شكل تسعير التكلفة والربح لدى الزبون صورة قوية تفيد بأنه سيحصل على صفقات رابحة لدى كوستكو. 

برغم سخرية المدراء المتزايدة بشأن طريقة التسعير على أساس التكلفة والربح تحديداً، إلا أنّها تترافق مع حسّ سليم ومنطق جازم يصعب الاختلاف معهما. وبالنسبة للشركات التي تتمتع بميزة التكلفة أو التي تهتم بالاستفادة من شفافية السعر كمميزة تنافسية لها، يصبح التسعير على أساس التكلفة والربح أداة استراتيجية قوية. وبالنسبة للبائعين المهتمين بإثبات أنّ أسعارهم منصفة ويرغبون ببناء جسور الثقة مع الزبائن، يصبح التسعير على أساس التكلفة والربح تكتيكاً فعالاً. ويجب على المدراء، وسط هذا الجنون الجماعي في التوجه نحو التسعير على أساس القيمة، ألا يهملوا التسعير على أساس التكلفة والربح ككل بسبب عدم رضاهم عن الجزء.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي