ملخص: ترجع ظاهرة التضخم التي نشهدها اليوم إلى مزيج غير مسبوق من الصدمات الناجمة عن الزيادات الحادة في الطلب على السلع الاستهلاكية بالتوازي مع نقص العرض نتيجة تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد. تسهم هذه الأسباب مجتمعة في زعزعة التوازنات التقليدية بين العرض والطلب التي تمثّل حجر الأساس في استقرار الأسعار. وفي ظل استمرار الموجات المتلاحقة لفيروس كورونا وتغيُّر الأنماط المعيشية والاستهلاكية للأفراد، سيظل الطلب غير منتظم نسبياً، من حين لآخر ومن منتج إلى آخر. وفي الوقت نفسه، من المرجَّح أن تستمر ظاهرة زعزعة العرض لفترة من الزمن نتيجة تعطل العمل بسبب تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد على المدى القريب والمشاكل المؤسسية على المدى البعيد، مثل القيود المفروضة على قدرة الموانئ وتعطُّل سلاسل التوريد، ومن المتوقَّع أن يتكرر حدوث هذه الظاهرة من حين لآخر. وقد تم تصميم نظام التسعير الدقيق بما يناسب هذه البيئة غير المستقرة، بحيث يكون هذا التسعير موجهاً بدقة ويمكّن المدراء من تحديد الأسعار على أساس التكاليف الحالية والحقيقية لكل منتج والربحية الحالية الحقيقية لكل عميل. ويقدّم كاتبا المقالة 4 طرق لتنفيذ التسعير الدقيق بدلاً من زيادة الأسعار بالطريقة التقليدية وبصورة شاملة.
يُمثّل نظام التسعير الدقيق مفتاح التسعير في البيئة التضخمية الحالية وفي أسواق التضخم المركّب التي من المتوقَّع أن نشهدها في السنوات المقبلة. يجب أن يكون هذا التسعير موجهاً بدقة وأن يمكّن المدراء من تحديد الأسعار على أساس التكاليف الحالية والحقيقية لكل منتج والربحية الحالية الحقيقية لكل عميل.
وتُعتبر الزيادات التقليدية في الأسعار أقل فاعلية بكثير لأنها تتم بصورة شاملة وبطريقة تتعامل مع كل التكاليف والعملاء على قدم المساواة دون تمييز.
تجدر الإشارة إلى أن هذه المشكلة تواجه جميع الشركات، ولكنها أكثر التصاقاً بالشركات الصناعية، حيث يتم تحديد التكاليف القياسية لمدخلات عوامل الإنتاج (مثل المواد الخام والمكونات والخدمات الضمنية) بصورة سنوية. وغالباً ما تزداد تكاليف عوامل الإنتاج خلال العام بمعدلات مختلفة في البيئات التضخمية. ولأن عملية إعادة تعيين التكاليف القياسية لمدخلات عوامل الإنتاج مرهقة للغاية بسبب تغيُّر التكاليف الفعلية على مدار العام، يتم تسجيل الفروق بين التكاليف الفعلية والقياسية على أنها فروق في المشتريات (أي الفارق بين الأسعار المتوقعة والفعلية لمدخلات عوامل الإنتاج). ونظراً لأن التكاليف الدقيقة ضرورية في تسعير المنتجات، يضطر المدراء إلى الإعلان ببساطة عن زيادات الأسعار بصورة شاملة يصعب فرضها وغالباً ما تتسبب في افتراض سوء النوايا على نطاق واسع.
ترجع ظاهرة التضخم التي نشهدها اليوم إلى مزيج غير مسبوق من الصدمات الناجمة عن الزيادات الحادة في الطلب على السلع الاستهلاكية بالتوازي مع نقص العرض نتيجة تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد. تسهم هذه الأسباب مجتمعة في زعزعة التوازنات التقليدية بين العرض والطلب التي تمثّل حجر الأساس في استقرار الأسعار. وفي ظل استمرار الموجات المتلاحقة لفيروس كورونا وتغيُّر الأنماط المعيشية والاستهلاكية للأفراد، سيظل الطلب غير منتظم نسبياً، من حين لآخر ومن منتج إلى آخر. وفي الوقت نفسه، من المرجَّح أن تستمر ظاهرة زعزعة العرض لفترة من الزمن نتيجة تعطل العمل بسبب تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد على المدى القريب والمشاكل المؤسسية على المدى البعيد، مثل القيود المفروضة على قدرة الموانئ وتعطُّل سلاسل التوريد، ومن المتوقَّع أن يتكرر حدوث هذه الظاهرة من حين لآخر. وقد تم تصميم نظام التسعير الدقيق بما يناسب هذه البيئة غير المستقرة. وفيما يلي 4 طرق لتنفيذها:
حدد التكاليف والأرباح الفعلية
يواجه المدراء اليوم مشكلتين حساستين في التسعير:
- أنهم مجبرون على الاعتماد على التكاليف القياسية لشركاتهم التي غالباً ما يتم تحديدها بصورة سنوية. ويؤدي هذا إلى حرمانهم من معرفة التكاليف الفعلية لكل مُنتَج.
- أنهم مجبرون على الاعتماد على مقاييس الربح الإجمالية للإيرادات والتكاليف وهوامش الربح الإجمالية. ويؤدي هذا إلى حرمانهم من معرفة الأرباح الفعلية لكل عميل.
ويعالج نظام إدارة أرباح المؤسسة (EPM) هاتين المشكلتين ويمكّن المدراء من تحديد الأسعار بدقة وفعالية لكل مُنتَج ولكل عميل.
ويسهم نظام إدارة أرباح المؤسسة في تسعير المنتجات بدقة متناهية. وهو عبارة عن عملية برمجية تُظهِر الصورة الكاملة للأرباح والخسائر لكل معاملة في الشركة. ونظراً لسهولة الحصول على التكاليف مباشرة من دفتر الأستاذ العام للشركة، فهي عملية تتصف بالدقة المتناهية وتتم على نحو فوري. يتيح ذلك للمدراء التخلص من الطريقة التقليدية لحساب التكاليف القياسية التي كان يجري اتباعها قبل ظهور العصر الرقمي، والاستعاضة عنها بالتكاليف الفعلية التي تعكس صورة التكلفة الحقيقية للشركة ويتم تحديثها بشكل دوري (بصورة شهرية عادةً).
ونظراً لأن كل معاملة تحتوي على مجموعة من المُحدّدات، مثل العميل والمُنتَج والجهة المورِّدة والمخزون والتاريخ وما إلى ذلك، فيمكن لنظام إدارة أرباح المؤسسة إنشاء ملف تعريفي دقيق لربحية العميل باستخدام التكاليف الفعلية الحالية. ومع تغيُّر تكاليف مدخلات عوامل الإنتاج، فإنه يُظهِر التغيُّرات في ربحية المُنتَج والعميل التي تعتبر ضرورية للتسعير الموجَّه بدقة. وستجد الشركات التي تستخدم نظام إدارة أرباح المؤسسة أن عملاءها يندرجون تحت أحد قطاعات الربح العامة التالية:
- أعلى الأرباح: العملاء الذين يدرّون إيرادات كبيرة ويحققون أرباحاً مرتفعة (يشكّلون عادةً نحو 20% من العملاء الذين يدرّون 150% من الأرباح).
- استنزاف الأرباح: العملاء الذين يدرّون إيرادات كبيرة لكنهم يحققون أرباحاً ضئيلة أو يتسببون في تكبد الخسائر (يشكّلون عادةً نحو 30% من العملاء الذين يتسببون في تآكل هذه الأرباح بنسبة 50% تقريباً).
- الأرباح الصفرية: العملاء الذين يدرّون إيرادات ضئيلة ويحققون أرباحاً ضئيلة أيضاً، تكاد تكون معدومة.
انظر هذه الأمثلة لأربعة من عملاء إحدى الشركات الصناعية. يشهد كل سيناريو تضاعف تكلفة الشحن عبر المحيط الهادئ.
تعتبر الشركة "أ" عميلاً يحقق أعلى الأرباح، إذ يدرّ إيرادات كبيرة ويحقق أرباحاً مرتفعة. وإذا تضاعفت تكلفة الشحن، فسوف تؤثر على 10% فقط من مشتريات الشركة. وإذا كانت المنتجات ذات قيمة عالية نسبياً ووزن منخفض لكل شحنة، فقد تؤثر زيادة تكلفة الشحن على 5% فقط من تكلفة هذه المنتجات. في هذه الحالة، لن يكون لزيادة التكلفة سوى تأثير طفيف على ربحية الشركة في خدمة هذا العميل. وسيكون من الخطأ أن نحاول تقييم زيادة الأسعار بصورة شاملة، لأن ذلك سيحقق نتائج عكسية وسيتسبب في استعداء هذا العميل.
وتعتبر الشركة "ب" أيضاً عميلاً كبيراً ومربحاً. وستؤثر مضاعفة تكاليف الشحن على نحو 60% من مشتريات الشركة. علاوة على ذلك، فإن هذه المنتجات عبارة عن سلع ذات قيمة منخفضة ولكنها ذات وزن مرتفع لكل شحنة. في هذه الحالة سيكون تأثير الربح مرتفعاً جداً. وسيضمن ذلك إلقاء نظرة جادة على المدة التي ستستغرقها زيادة التكلفة وطول المدة التي سيطلب فيها العميل هذه المنتجات. وإذا بدا أن هذا الموقف سيستمر طويلاً، فسيكون من الضروري عقد اجتماع مع العميل لمناقشة إمكانية إعادة التفاوض على الأسعار.
أما الشركة "ج" فهي عميل يدرّ إيرادات كبيرة، لكنه يتسبب في تكبد الخسائر واستنزاف الأرباح. وسيكون لمضاعفة تكاليف الشحن تأثير ضئيل على المنتجات التي تشتريها الشركة. في هذه الحالة، قد يتواصل فريق مبيعات العملاء مع مسؤولي الشركة "ج" لينقل لهم اقتراحاً يفيد بأنه يمكنهم تجنب الزيادة العامة في الأسعار إذا تعاونوا على خفض تكاليف التشغيل عن طريق تقليل تكرار الطلبات، مثلاً، أو إلغاء عمليات التسليم العاجلة، ما قد يؤدي إلى تحويل هذا العميل المستنزف للأرباح إلى عميل مدرّ للربح.
وأخيراً، فإن الشركة "د" هي أيضاً عميل كبير يتسبب في تكبد الخسائر. يمتلك هذا العميل مزيجاً من المنتجات التي تخضع غالبيتها لارتفاع تكلفة الشحن. لكن الشركة لديها عدد من المنتجات البديلة المماثلة التي لا تتطلب الشحن عبر المحيط الهادئ. هنا، قد يقدم فريق مبيعات العملاء برنامجاً شاملاً لاستبدال المنتجات، بحيث يخلق هذا البرنامج مزيجاً أكثر ربحية من المنتجات. قد يكون التهديد بحدوث زيادة كبيرة في الأسعار على مزيج المنتجات الحالي كافياً لتحفيز العميل على إجراء التغيير. وإذا لم يقبل العميل بهذا العرض بالتغيير والحصول على منتجات بديلة، فسيكون لدى الشركة المصنِّعة ما يبرر فرض زيادة سعرية تعويضية تغطي كلاً من التكلفة الإضافية للشحن والتكاليف التشغيلية الزائدة الأخرى التي تسببت في تكبُّد الخسائر جرّاء التعامل مع هذا العميل في المقام الأول.
ركّز على العملاء الذين يحققون أعلى الأرباح والعملاء الذين يتسببون في استنزاف الأرباح
يمكن استخدام نظام إدارة أرباح المؤسسة لإعطاء الأولوية للعملاء استناداً إلى حجم تراجع الأرباح الناتج عن تغيُّر تكاليف مدخلات عوامل الإنتاج. ويعكس هذا ما يلي: 1) أهمية زيادة التكلفة على تكلفة المُنتَج، 2) تأثير المنتجات المتأثرة بارتفاع الأسعار على ربحية كل عميل بسبب مزيج منتجاته، 3) شريحة ربحية العميل بناءً على ربحية الشركة في خدمة هذا العميل.
ويجب أن يكون فريق المبيعات أكثر حرصاً في التعامل مع العملاء الذين يحققون أعلى الأرباح والذين ستتأثر ربحيتهم بشكل كبير بزيادة التكلفة. حتى إذا رأى فريق المبيعات أن ربحية العملاء الذين يحققون أعلى الأرباح لن تتراجع بشدة بسبب زيادة التكلفة، فيجب على الفريق أن يؤكد للعميل أنه سيتخلى عن الزيادة العمومية في الأسعار على الرغم من ارتفاع تكاليف عوامل الإنتاج.
ويتطلب العملاء الذين يتسببون في استنزاف الأرباح الذين سيتأثرون كثيراً بارتفاع الأسعار أن توليهم الشركات المنتجة اهتماماً خاصاً أيضاً، لأن ارتفاع التكلفة قد يتسبب في تكبُّد هؤلاء العملاء خسائر فادحة بصورة غير مقبولة. يجب أن يكون فريق المبيعات صريحاً مع العميل في هذه الحالة، بحيث يوضح للعميل ما يجب عليه فعله حتى تواصل الشركة توريد المنتجات له.
وتعتمد خطة التسعير للعملاء ذوي الإيرادات والأرباح المنخفضة على ما إذا كانت هناك احتمالية لتطوير العميل، كأن يكون عميلاً جديداً أو شركة كبيرة ذات حصة منخفضة من محفظة الأعمال التجارية. إذا كانت هناك احتمالية لتطوير العميل، فيمكن لفريق المبيعات أن يعرض التخلي عن زيادة الأسعار مقابل نمو المبيعات المربح (ما لم يتسبب ارتفاع التكلفة في جعل هذا الاحتمال غير مقبول). وبالنسبة لصغار العملاء وغيرهم من العملاء الهامشيين الآخرين، فيمكن لفريق المبيعات إنشاء نطاقات لزيادة الأسعار تعكس أثر زيادة التكلفة على ربحية خدمة كل عميل. ويمكن الحصول على هذه المعلومات من نظام إدارة أرباح المؤسسة.
ضع إطاراً عاماً لصياغة عقود العملاء بشكل استباقي
يجب على قسم التعاقدات في شركتك فحص طلبات تقديم العروض للمنتجات الرئيسية ذات المدخلات المتقلبة التي قد تؤثر سلباً على ربحيتك في خدمة هؤلاء العملاء. فعلى الرغم من أن الكثير من أشكال الزيادات في التكلفة يتوزع على الكثير من عوامل الإنتاج، فإن بعض السلع والخدمات (مثل المواد البترولية الأولية وتكاليف الشحن البحري) متقلبة ومهمة للغاية في الوقت نفسه لبعض المنتجات.
وإذا كان من المحتمل أو المؤكد أن يشتري العميل المحتمل عدداً من المنتجات التي ستتأثر بالزيادات المحتملة في تكلفة العوامل التي من شأنها أن تجعل خدمة هذا العميل أمراً غير مربح، فيجب على فريق التعاقدات بالشركة أن يأخذ التدابير الاحتياطية التي تضمن رفع الأسعار تلقائياً بصورة تعكس أي زيادات كبيرة في التكلفة.
ابحث عن العملاء المناسبين
في حين أنه من المهم إدراج التدابير الاحتياطية في العقود لحماية شركتك من الزيادات الكبيرة في التكلفة، فإن الوضع المثالي يقتضي تجنب العملاء الذين يتعرضون بوضوح لزيادات كبيرة في التكلفة يصعب التحكم فيها والذين يشي تاريخهم برفض العقود ذات التدابير الاحتياطية.
وسيتيح لك نظام إدارة أرباح المؤسسة إمكانية إجراء تحليل الحساسية الذي يحدد المنتجات والتكاليف في طلبات تقديم العروض التي قد تمثل مخاطر كبيرة على الأرباح، إلى جانب الربحية المحتملة لخدمة العميل المحتمل. ويجب أن تشكل هذه المعلومات عنصراً مهماً في خريطة طريق العملاء المحتملين الذين يحاول مندوبو المبيعات استقطابهم.
يتيح نظام التسعير الدقيق للمدراء إمكانية استهداف العملاء المرشحين بقوة لزيادة الأسعار وتزويد أعضاء فرق المبيعات بمعلومات دقيقة عن التكلفة، بحيث يستطيعون توضيح أسباب الزيادات المحددة في الأسعار. ويمكنهم عندئذٍ إنجاز التعديلات المطلوبة في الأسعار من خلال مناقشة المسألة استناداً إلى الحقائق الماثلة على الأرض بطريقة ترتكز على البيانات الفعلية.
وفي حالات أخرى، خاصة مع العملاء الذين يتسببون في تكبُّد الخسائر ولا يتأثرون بشكل كبير بزيادة تكلفة عامل معين من عوامل الإنتاج، يمكن لفريق المبيعات أن يعرض التخلي عن الزيادة العمومية في الأسعار مقابل تعاون العميل في تقليل تكاليف التشغيل الأخرى. وبالمثل، يمكن لفريق المبيعات إشراك عملاء جدد تتوافر لديهم احتمالات تحقيق نمو كبير مع عرض التخلي عن زيادات الأسعار مقابل تحقيق نمو كبير في الأرباح.
قارن هذه العملية بالممارسة التقليدية المتمثلة في زيادات الأسعار بصورة شاملة التي تنشئ علاقة صفرية لكافة العملاء، بغض النظر عن ربحية العميل والملف التعريفي لتكلفة المُنتَج، وتهدر فرصة ثمينة لاستخدام فكرة التخلي عن زيادة السعر كوسيلة لزيادة ربحية العميل.
وبهذه الطريقة، يولّد نظام التسعير الدقيق نمواً مربحاً مع إظهار حسن النوايا لدى عملائك، ما يحوّل الوضع الصفري إلى مكسب يسهم في تحقيق النفع للطرفين.