لماذا يُبلغ ما بين 25% و50% من الموظفين عن شعورهم بالإرهاق أو الاحتراق الوظيفي في العمل؟ لا تتعلق المشكلة بعدد الساعات التي نقضيها بالعمل فحسب، بل بحقيقة أننا نقضي ساعات مطولة من العمل المتواصل على مهام متعددة في الوقت نفسه أيضاً.
علاوة على ذلك، فقدنا القدرة على أخذ فترات للراحة وتمييز أهداف واضحة للمهام ووضع الحدود بين عملنا وحياتنا الشخصية. لقد أدت التكنولوجيا إلى طمس هذه الحدود إلى درجة لم يعد بالإمكان التعرف إليها. أصبح عملنا يتبعنا في كل مكان على أجهزتنا الرقمية، يلّح علينا ويقاطعنا باستمرار، وبات مثل الحكة المزعجة، تصيبنا ولكن لا يمكننا مقاومة إغراء خدشها على الرغم من أنها تزيد الأمر سوءاً دائماً.
لنكن صادقين: ألا تردّ على رسائل البريد الإلكتروني في أثناء مكالمات المؤتمرات عبر الفيديو وأحياناً حتى في أثناء إجراء مكالمة مع شخص آخر؟ ألا تجلب الكمبيوتر المحمول إلى الاجتماعات ثم تتظاهر بأنك تدوِّن الملاحظات بينما أنت في الواقع تتصفح الإنترنت؟ ألا تتناول الغداء على مكتبك؟ هل تجري مكالمات، وحتى ترسل رسائل نصية أحياناً، في أثناء قيادة سيارتك على الرغم من أنك تعلم أن ذلك غير آمن؟
يتمثل التأثير الأكبر لتعدد المهام -إذا افترضنا أنك لم ترتكب حادثاً- في انخفاض إنتاجيتك، وذلك بطريقتين؛ من خلال تشتيت تركيزك في مهام مختلفة، بحيث تنخرط جزئياً في كل منها ولكن نادراً ما تركز كلياً على أي منها، وعن طريق زيادة الوقت اللازم لإنهاء المهمة الأساسية بنسبة تصل إلى 25% عند التبديل من مهمة إلى أخرى.
لكن الجزء الأسوأ هو أنك إذا لم تتوقف عن أداء عدة مهام في الوقت نفسه، فإنما تستنفد باستمرار مخزون طاقتك المتاح على مدار اليوم، الأمر الذي يقلل طاقتك المتاحة مع مرور كل ساعة.
لقد اختبرت هذا شخصياً. تعلمت من تجربتي الخاصة أن بمقدوري مضاعفة إنتاجيتي في الكتابة من مرة إلى 3 مرات عندما أركز على مهمة ما لفترة زمنية محددة دون انقطاع ثم أخذ استراحة حقيقية بعيداً عن مكتبي، وأعتقد أن أفضل طريقة للمؤسسات لتعزيز الإنتاجية والتفكير الابتكاري لموظفيها هي تشجيع العمل المركّز على المهام لفترات محدودة إلى جانب فترات أقصر من التعافي الحقيقي.
بصفتك مديراً، يمكنك استخدام هذه السياسات الثلاث المفيدة التالية:
1. حافظ على انضباط الاجتماعات
نظّم الاجتماعات بحيث لا تزيد مدتها على 45 دقيقة حتى يتمكن المشاركون من الاستمرار في التركيز وأخذ الوقت الكافي بعد ذلك للتفكير ملياً فيما نوقِش والتعافي قبل الانتقال إلى المهمة التالية. ابدأ الاجتماعات جميعها في وقت محدد وأنهها في وقت محدد أيضاً، وشدد على ضرورة إيقاف تشغيل جميع الأجهزة الرقمية طوال الاجتماع.
2. توقف عن مطالبة موظفيك بالاستجابة الفورية وافتراض أنهم قادرين على ذلك على مدار اليوم
فمن شأن ذلك دفعهم للبقاء متحفزين في وضع رد الفعل دائماً، ما يشتت انتباههم ويعوق قدرتهم على الاستمرار في التركيز على أولوياتهم. دعهم يوقفون الاتصال بواسطة بريدهم الإلكتروني في أوقات معينة، وإذا كانت هناك مسألة مُلحة، يمكنك الاتصال بهم، ومع ذلك، يجب أن تكون هذه الحالات نادرة.
3. شجع موظفيك على أخذ فترات راحة
خصص فترة محددة خلال اليوم لتشجيع موظفيك على التوقف عن العمل وأخذ قسط من الراحة. على سبيل المثال، قدِّم لهم دروساً في اليوغا أو التأمل في منتصف النهار، أو نظِّم نزهة جماعية أو نشاطاً بدنياً خفيفاً، أو فكر في إنشاء غرفة مخصصة للتجديد حيث يمكن للموظفين الاسترخاء أو أخذ قيلولة.
الأمر منوطٌ بالموظفين لوضع الحدود التي تناسبهم. ضع في اعتبارك هذه السلوكيات الثلاثة لنفسك:
1. ابدأ صباحك بالعمل على أهم مهمة لديك، ويفضل أن يكون ذلك لمدة تتراوح من 60 إلى 90 دقيقة دون انقطاع، مع الالتزام بوقت محدد للبدء والتوقف. اعمل في مكان منعزل إذا كان ذلك ممكناً خلال هذه الفترة أو استخدم سماعات مخصصة لتقليل الضوضاء. أخيراً، قاوم كل المشتتات وتذكّر أن لديك نقطة توقف محددة تلتزم بها. كلما زاد تركيزك على المهمة التي بين يديك، زادت إنتاجيتك. عند الانتهاء، خذ بضع دقائق على الأقل للتجديد.
2. خصص أوقاتاً منتظمة ومجدولة للتفكير على المدى الطويل على نحو خلاّق أو استراتيجي، وإلا فسوف تنشغل دائماً بالطلبات العاجلة وتفقد التركيز على أهدافك الطويلة الأمد. ابحث أيضاً عن بيئة مختلفة للقيام بهذا النشاط، ويفضل أن تكون مريحة وتعزز التفكير الإبداعي.
3. احرص على أخذ إجازات حقيقية ومنتظمة. الإجازات "الحقيقية" هي التي تنفصل خلالها عن العمل كلياً، وينبغي أخذها عدة مرات في السنة إن أمكن، حتى لو كانت قصيرة ليومين أو 3 أيام تضيفها إلى عطلات نهاية الأسبوع. تشير الأبحاث بقوة إلى أن أخذ إجازتك بالكامل يؤدي إلى تحسين صحتك ويعزز إنتاجيتك عموماً.
هناك مبدأ أساسي تستند إليه هذه السلوكيات المقترحة كلها: من المهم أن تنخرط كلياً فيما تعمل عليه لفترات زمنية محددة، ولتكن فترات الراحة التي تأخذها حقيقية. اصنع إيقاعاً في حياتك. توقف عن العيش في حالة دائمة من عدم اليقين.