يتمتع الضمير "نحن" الذي يستخدمه الملوك بتاريخ طويل ومثير للاهتمام؛ يعزو الكثيرون أول استخدام له إلى الملك هنري الثاني في عام 1169 لتعظيم نفسه. ومع مرور الوقت، بدأ القادة باستخدامه للإشارة إلى أنفسهم وإلى ناخبيهم (وهو تمييز أصبح ضبابياً بعض الشيء عندما أعلنت مارغريت تاتشر عن مولد أول حفيد لها قائلة "أصبحنا جدة" وتلقّت قدراً كبيراً من التوبيخ). ولكن بالإضافة إلى استخدام ضمير الجمع للإشارة إلى أنك تتحدث نيابة عن الآخرين، فقد اتضح أن استخدام "نحن" قد يعني أيضاً أنك أكثر مراعاة للآخرين وربما حتى أنك قائد أفضل.
درس فريق من الباحثين (إيوا كيسفيتش، وجيمس بينيبيكر، وماثيو ديفيس، ومونغي جون، وآرثر غرايسر) استخدام الأفراد للضمائر في مجموعة متنوعة من السياقات، وكانت نظريتهم هي أن استخدامات الضمائر (المتكلم أو المخاطب أو الغائب، والمفرد مقابل الجمع) يمكن أن تقدم أدلة على مكانة الفرد داخل مجموعة أو تسلسل هرمي وربما أيضاً احتمالية اكتسابه مكانة أعلى.
تساعد الضمائر في الإشارة إلى محور اهتمام المتحدِّث، وعندما يشعر الإنسان بعدم الأمان أو الضعف أو عندما يتمتع بالوعي الذاتي، فمن المرجح أن يركز أفكاره ومشاعره وسلوكياته على ذاته. في الواقع، تشير الدراسات إلى أن الشخص الذي يُدفع للتركيز على ذاته غالباً ما يزداد معدل استخدام ضمير المتكلم الدال على المفرد (أنا) في كلامه، وعلى النقيض من ذلك، افترض الباحثون أن مَن يستخدم ضمير المتكلم بصيغة الجمع وضمائر المخاطب ("نحن" أو "أنتم") يُتوقَّع أن يركز على ما يحدث حوله، مع مراعاة أفكار الآخرين ومشاعرهم وسلوكياتهم.
بالإضافة إلى ذلك، يشير الباحثون إلى أن تركيز الإنسان على ما يحدث حوله هو أحد المتطلبات الأساسية لمن يتمتع بمكانة أو يتطلع إلى اكتسابها؛ والقائد يكتسب المكانة أو الشرعية غالباً حين تمنحه إياها المجموعة التي يقودها. ولهذا السبب، افترض الباحثون أن الفرد الذي يركز بقوة على المجموعة وأعضائها (بدلاً من التركيز على نفسه) غالباً ما يحصل على مكانة أعلى، إذ يُنظر إلى من يركز على نفسه بازدراء، حتى إن كان يشغل منصباً يتمتع بالسلطة. ربما كان الضمير كلمة صغيرة، ولكنه إشارة قوية للآخرين.
لاختبار هذه الافتراضات، صمَّم الباحثون 5 دراسات منفصلة استُخدمت فيها اللغة في مجموعة متنوعة من السياقات ضمن مواقف يختلف فيها الأشخاص الذين يتواصلون معاً من حيث المكانة. في الدراسة الأولى، قسَّم الباحثون المشاركين إلى مجموعات من 4 أشخاص مع قائد اختير عشوائياً وكُلفوا بمهمة صنع قرار. في الدراسة الثانية والثالثة، أُعطيت فِرق مكونة من شخصين سلسلة من المشكلات لحلها أو كُلِّفت بخوض حوارات غير رسمية من خلال منتدى دردشة عبر الإنترنت (ثم أبلغ كل مشارك لاحقاً عن تقييمه لمكانته لدى الفرد الآخر). في الدراسة الرابعة، قدَّم 9 مشاركين متطوعين مراسلاتهم عبر البريد الإلكتروني مع ما يصل إلى 20 فرداً آخرين وذكروا مكانتهم لدى كل فرد. ربما كانت الدراسة الخامسة الأكثر إثارة للاهتمام؛ فقد جمع الباحثون 40 رسالة كتبها جنود في الجيش العراقي في عهد صدام حسين من خلال مشروع المنظورات العراقية (Iraqi Perspectives Project)، وكتب نصف هذه الرسائل ضباط من الرتب الأعلى موجهة إلى ضباط من الرتب الأدنى، وكتب النصف الآخر ضباط من الرتب الأدنى إلى ضباط من الرتب الأعلى.
وجد الباحثون نتائج متسقة بدرجة مثيرة للدهشة، من خلال تحليلهم لجميع السيناريوهات الخمسة المنشورة في مجلة اللغة وعلم النفس الاجتماعي (Journal of Language and Social Psychology). يميل الأفراد ذوو المكانة الأدنى إلى استخدام ضمير المتكلم الدال على المفرد (أنا) مقارنة بالأفراد ذوي المكانة الأعلى، وبالمثل، استخدم الأفراد ذوو المكانة الأعلى عدداً أكبر بكثير من ضمير المتكلم الدال على الجمع (نحن) مقارنة بذوي المكانة الأدنى (كان هناك استثناء وحيد لتأثير استخدام "نحن" في الدراسة الرابعة، في الاستخدام الطبيعي لرسائل البريد الإلكتروني والإفادات الذاتية بالمكانة). كما ظهرت ضمائر المخاطب (أنت وأنتم) بتكرار أكبر في لغة المشاركين ذوي المكانة العالية في الدراسات الخمس جميعها، إلا أن تأثيرها كان أضعف من تأثير (نحن).
تشير نتائج الدراسات إلى أن الأفراد ذوي المكانة الأعلى يُظهرون "توجهاً نحو الآخرين" أكثر بكثير من الأفراد ذوي المكانة الأدنى، وبالمثل، يبدو الأفراد الأدنى مكانة أكثر توجهاً نحو الذات. كانت الدراسات الخمس جميعها ارتباطية، لذلك من الصعب تحديد إذا ما كان التوجه نحو الآخرين سبباً لارتفاع المكانة أو مجرد نتيجة للعمل في مكانة أعلى، ولكن في كلتا الحالتين تؤكد نتائج الدراسات أهمية التركيز على الآخرين بالنسبة لمن يسعون إلى الترقّي في مؤسساتهم.
في حين أن التحول من صيغة المفرد (أنا) إلى صيغة الجمع (نحن) قد لا يجعلك ملكاً أو رئيس وزراء، فإنه قد يساعد على تحويل منظورك من التركيز على الذات إلى التركيز على الآخرين ويزيد وعيك باحتياجاتهم، وعندما تعمل على تلبية تلك الاحتياجات، قد تصبح قائداً أفضل.