أينما وجّهت نظرك هذه الأيام تجد شخصاً يروج لفوائد اليقظة الذهني أو ما تسمى بالتركيز الذهني، وهي الممارسة التي يصفها ببساطة جون كابات زن، مؤسس برنامج الحد من الإجهاد اعتماداً على التركيز الذهني، على أنها "الانتباه بطريقة معينة عمداً، في اللحظة الحالية ومن دون إصدار أحكام". وتُبين الدراسات أنّ الناس الذين يمارسون التركيز الذهني هم أقل توتراً، وأكثر تركيزاً وأكثر قدرة على تنظيم عواطفهم.
ولكن، إذا كنت والداً عاملاً ومشغولاً، فكيف يمكنك أن تجد مكاناً للتركيز الذهني في يومك المشحون بالفعل؟ غالباً ما يشعر الأشخاص الذين لديهم أطفال ووظائف بالتعب وبأنهم في عجلة من أمرهم. نملك باستمرار مهاماً متعددة يجب إنجازها، كما أننا مضطرون لتلبية المسؤوليات الشخصية والمهنية في آن واحد، ويغمرنا الشعور بالتوتر بسبب كل ما لا يمكننا إنجازه في الموعد المحدد. وفقاً لتحليل مركز بيو للأبحاث (Pew Research Center)، يجد 56 في المئة من الآباء العاملين صعوبة في موازنة وقتهم بين العمل والأسرة. وعلى الرغم من أنني الآن مستشارة أقوم بنصح الآخرين حول كيفية كسر هذه الحلقة، إلا أنني بالتأكيد واقعة تحت تأثيرها بشكل أو بآخر.
عملت منذ سنوات في منصب رئيسة قسم التعلم والتنمية في شركة تويتر عندما كانت الشركة تنمو بمعدل 350 في المئة عاماً بعد عام. كان الأمر أشبه بالوجود على متن صاروخ فضائي، ولقد أحببت العمل بالفعل. لكنني وجدت نفسي أكافح للبقاء على اتصال مع عائلتي. ما أزال أتذكر عصر ذلك اليوم الذي تلقيت فيه اتصالاً من مدرسة ابني ليخبرونني أنه لم يأت أحد لاصطحابه إلى البيت. كان في الصف الأول ذلك الوقت، ما جعلني أنفجر في البكاء.
وعلى الرغم من أنني كنت ملتزمة بالفعل بممارسة التركيز الذهني (إذ كنت أتسلل بعيداً في بعض الأحيان إلى غرفة التأمل واليوغا التي كانت لدينا في المكتب)، إلا أنني كنت ما أزال أواجه مشكلة في اكتشاف وسيلة لإدماج الوجود والوعي في ثنايا يومي. وإليكم في ما يلي الحل الذي توصلت إليه والذي أنصح الآخرين به الآن:
ابدأ من خلال قضاء بضع دقائق في كتابة ما تفعله كل يوم. يبدو أمراً مثل هذا: الاستيقاظ، القهوة، الإفطار مع الأسرة، تجهيز وجبات الغداء، الإعداد ليوم المدرسة، أخذ الكلب في نزهة، حمام سريع قبل الذهاب إلى العمل، قيادة السيارة، ركوب القطار، المشي إلى المكتب، العمل طوال اليوم، السير إلى القطار، قيادة السيارة إلى المنزل، العشاء، وقت الاستحمام، القراءة أو اللعب مع الأسرة، وقت النوم.
انظر الآن أين يمكنك إيجاد الوقت لممارسة التركيز الذهني. على سبيل المثال:
القهوة: احرص على أن تتمهل قليلاً قبل الرشفة الأولى. تنشق الرائحة والعبق، اشعر بحرارة الكوب على يدك، واستنشق بعمق ثلاث مرات. ثم استمتع بقهوتك الآن.
ركوب القطار: حالما تستقر في مقعدك، اضبط جهاز توقيت لمدة 5 إلى 10 دقائق ومارس التأمل. اجلس صامتاً وركز على تنفسك أو استخدم تطبيق تركيز الذهن الموجود على هاتفك للاستماع إلى تأمل موجه. ويمكن لعينيك أن تكونا مفتوحتين أو مغلقتين اعتماداً على الوضع وما تشعر بأنه آمن أو مريح.
العمل: كلما جلست إلى حاسوبك، تمهل قليلاً. أغمض عينيك، لاحظ إحساس قدميك بالأرض، وإحساس جسمك بالكرسي، اشعر بأنفاسك التي تدخل إلى جسمك وتخرج منه. ثم تابع يومك.
العشاء: بينما تقوم بإعداد وجبة، حاول إمضاء لحظة في التأمل بالمكان الذي أتى منه الطعام. تخيل الذين زرعوه، أو حصدوه، أو أتوا به إلى المتجر، حيث قمت بشرائه. وبين الحين والآخر عندما تجلس مع عائلتك بأكملها حول طاولة الطعام في نفس الوقت، خذ لحظة لتشعر بالامتنان.
وقت النوم: اتخذ قراراً بشأن الطقوس التي يمكنها تنمية الوعي اليقظ لديك. للأطفال الأصغر سناً، خذ بعين الاعتبار أن تجعلهم يضعون حيواناً محشواً من ألعابهم على بطنهم بينما يقوم كل منكما بعد المرات التي يمكن للحيوان أن يصعد ويهبط على بطن الطفل خلال الفترة الفاصلة بين نفسين. إذا كان أطفالك أكبر سناً، حاول تفحص الرأس أو القلب عند النوم. هل العقل مشغول أم هادئ في هذه اللحظة؟ هل توجد أي مشاعر أو ما تزال أي أحاسيس متبقية من اليوم؟ هل هناك أي شيء لم تتم مشاركته أو قوله بعد؟
هل يبدو التركيز الذهني أكثر قابلية للتنفيذ الآن؟ تشير الدراسات إلى أنّ الأمر يستغرق ثمانية أسابيع فقط من الممارسة المنتظمة نسبياً لإجراء تغييرات إيجابية في الدماغ. ولكن إذا كنا ننتظر حتى يصبح لدينا ما يكفي من "الوقت المناسب" لتكريس فترات زمنية طويلة لممارسة ذلك، فقد لا نبدأ على الإطلاق. نصيحتي للوالدين العاملين هي أن يحاولوا إقحام بضع لحظات صغيرة من التركيز الذهني في يومهم، حتى عندما (بل خصوصاً عندما) تبدو الحياة محمومة بالمشاغل، وخارج نطاق السيطرة.