تبحث الشركات المتميزة باستمرار عن المواهب المتميزة. وتدرك أن كل موظف سابق يعتبر عميلاً محتملاً وشريكاً تجارياً ومصدر إحالة مرتقب في المستقبل، وموظفاً محتملاً في المستقبل أيضاً. ويُعد الموظفون العائدون جزءاً مهماً من مسار أصحاب المواهب. وهي القاعدة التي تنطبق على كافة المؤسسات، خاصة في الأوقات التي تشهد نقصاً في المواهب، وكذلك في القطاعات التي تعاني زيادة في الطلب ما يؤدي إلى نقص في المواهب المتاحة، مثلما يحدث الآن في قطاع الرعاية الصحية.
ومن المؤكد أنك ستظل بحاجة إلى فرز الموظفين العائدين بشكل صحيح. لكنّ هناك عدداً من الخطوات التي يجب اتباعها لتأهيل هؤلاء المرشحين المحتملين. وقد توصّلتُ بعد دراسة متأنية إلى استراتيجيات مستوحاة من الشركات التي اتخذت خطوات من أجل الترحيب بالموظفين السابقين مجدداً، ويمكن أن تساعدك الاستراتيجيات التالية على إنشاء مسارات واضحة ومقنعة تسهل على الموظفين العائدين الرجوع إلى مؤسستك.
إزالة وصمة العار وتطبيع مغادرة المؤسسة
يعتبر بعض المؤسسات أن مغادرة الموظف سلوك ينم عن الخيانة، ما قد يدفع زملاءهم إلى النظر إليهم نظرة سلبية. لكن هذا الموقف ليس داعماً ولا مشجعاً لأي فرد قد يفكر في العودة يوماً ما، وقد يسفر عن توليد حالة من إضمار سوء النوايا تجاه الموظف المغادر. وتعتبر إزالة الوصمة عن الموظفين المغادرين والنظر إلى مغادرتهم كجزء طبيعي من التقدم المهني للموظفين هما الخطوة الأولى في ترك الباب مفتوحاً لهم للعودة يوماً ما.
يبدأ تطبيع مغادرة المؤسسة في طليعة مسار أصحاب المواهب. وهو ما أوضحته نائبة رئيس شركة "بين آند كومباني" (Bain & Company) ورئيسة شؤون خريجي الشركة على مستوى العالم، جين أندراسكو، التي تُعتَبر هي نفسها موظفة عائدة:
ننظر إلى خريجينا في "باين" باعتبارهم جزءاً لا يقدر بثمن من بيئة العمل في الشركة لإنشاء قاعدة من الموظفين المندمجين. لدينا هذا النهج القائم على دورة الحياة لإدماج الخريجين، لذلك يجب أن يبدأ عند التوظيف في واقع الأمر. ويجب أن تتحدث عن الخريجين ونجاحاتهم والعمل الذي يؤدونه في العالم عندما تلتقي مع الموظفين، لأنهم يُعتبَرون بمثابة علامة تجارية في مجال الموهبة بسوق العمل.
لا يؤدي ذلك إلى إزالة وصمة العار عن مغادرة الشركة فحسب، بل يُظهر أيضاً أنه أمر طبيعي تماماً بل ومن المتوقَّع أن يغادر الكثيرون ممن ينضمون إلى الشركة في وقت ما.
وقد أشارت أندراسكو أيضاً إلى أن المحادثات المهنية المستمرة طوال رحلة الموظف، وليس عند المغادرة فقط، تساعد على تطبيع مغادرة المؤسسة. فلدى كل موظف في شركة "باين" مستشار مهني يناقش الخريجين وما يفعلونه الآن في سياق التطوُّر المهني، بالإضافة إلى تسليط الضوء على الموظفين العائدين لإثبات أنه لا بأس بعودة الموظفين بعد مغادرتهم وأن هذا أمر شائع الحدوث.
تقديم تجربة رائعة للموظف في العمل
ثمة عامل آخر يسهم في تمهيد الطريق أمام عودة الموظفين السابقين، من خلال ضمان مرورهم بتجربة إيجابية في العمل حتى يرغبوا في العودة. إذ ينظر مدراء المواهب المتمرسون إلى الموظفين باعتبارهم مستهلكين، بمعنى أنهم إذا لم يمروا بتجربة إيجابية، فقد لا يفكرون في العودة أو يضعونها في الحسبان.
على سبيل المثال، بعد ترك إحدى الشركات التي عملت فيها لبضع سنوات سعياً وراء فرصة أخرى في الخارج، أجريتُ مقابلة شخصية للعودة وشغل دور مختلف عند العودة إلى الولايات المتحدة. وعلى الرغم من ارتفاع مستوى أجور الشركة وامتيازاتها الإضافية ومكانتها المرموقة التي جعلتني أهتم في البداية بفرصة العودة، فإن العودة إلى مكاتبهم لإجراء مقابلة شخصية ذكرتني سريعاً بالثقافة القاسية، فقررتُ عدم مواصلة مساعي العودة.
خلق تجربة جيدة عند إنهاء علاقة العاملين بالشركة
وفقاً لـ "مؤسسة غالوب"، فإن الموظفين الذين مروا بتجربة إيجابية عند إنهاء علاقتهم بالشركة أكثر عرضة بمقدار 2.9 مرة لنُصح الآخرين بالالتحاق بالعمل في هذه الشركة. وترتفع هذه النسبة في شركة "باين" التي يركز مسؤولوها بقوة على قياس شعور الأفراد المدعومين عند المغادرة. وقد أكدت أندراسكو هذه النقطة، قائلة: "نعمل على ضمان مغادرة الموظفين المغادرين بشكل جيد، ما يعني أنهم يشعرون بالدعم عند المغادرة، وهو ما يؤدي بدوره إلى زيادة احتمالية ترويجهم للشركة بمقدار خمسة أضعاف". وللمرء أن يستنتج أن هؤلاء المروّجين سيكونون أكثر عرضة للعودة من تلقاء أنفسهم.
تعكس هذه البيانات الاستثمار الكبير الذي تنفذه شركة "باين" في موظفيها المغادرين. وأضافت أندراسكو: "لدينا شريك مغادرة في جميع مكاتبنا تقريباً... تتمثل مهمته في ضمان سير عملية المغادرة بسلاسة"، ويُسهِّل وصول الموظفين المغادرين إلى الموارد المختلفة التي تقدمها لهم الشركة. على سبيل المثال، يقدم المهنيون الداخليون في قسم الاستشارات المهنية بشركة "باين" التدريب والتخطيط المهني طوال رحلة الموظف لدعم التطلعات المهنية الفردية. وفي أثناء المغادرة، يساعدون منتسبي الشركة المغادرين على التواصل مع الخريجين في مجالات اهتمامهم والتعرُّف على فرص العمل في المؤسسات المرغوبة، بالإضافة إلى منحهم إمكانية الوصول إلى مدربين مهنيين خارجيين.
إيضاح أن الباب سيظل مفتوحاً
أوضح للموظف قبل آخر يوم له في العمل أن باب الشركة سيظل مفتوحاً أمامه للعودة في أي وقت إذا لم تسر الأمور على ما يُرام في وظيفته الجديدة أو بعد اكتساب المزيد من الخبرة في مكان آخر. فعندما أخبرت أندراسكو مديرها السابق بأنها ستترك شركة "باين" من أجل اغتنام فرصة جديدة، قالت عنه: "كان داعماً لي بشكل مطلق. وقال بصراحة شديدة: ’لا نريدك أن تغادري بالطبع. كنا نتمنى أن تبقي معنا. أتفهم سبب رغبتك في المغادرة... واعلمي أننا هنا لدعمك. وإذا قررتِ العودة إلى الشركة في أي وقت، فبابُنا مفتوح لك دائماً". ثم ذهب إلى أبعد من ذلك ليسألها عن كيفية دعمها لتحقّق النجاح في عملها الجديد.
كما أوصت مديرة الاستراتيجية الجماعية والموظفة العائدة في وكالة الإعلانات "وايدن + كينيدي" (Wieden+Kennedy)، بروك لين هوارد، بمراعاة أقصى درجات الوضوح مع الموظفين بأن الباب سيظل مفتوحاً إذا أرادوا العودة في أي وقت. إذ قالت: "لا أعتقد أن الكثير من الشركات يتناول هذه النقطة بالصراحة المطلوبة. وقد أجريتُ محادثات مع أشخاص ربما كانت لديهم أفكار أخرى حول اتخاذ هذه الخطوة، ولكنهم لم يكونوا متأكدين من قدرتهم على العودة... لذا كانوا يخشون التواصل. وبالتالي، فإن معرفتهم بأن الباب سيظل مفتوحاً لهم سيكون مفيداً حقاً".
إعداد برنامج مكثَّف للخريجين يضيف قيمة.
تُعتبَر برامج الخريجين بمثابة عوامل قوية لتحسين سمعة العلامة التجارية وتطوير الأعمال وإدارة المواهب. لكن الدراسة التي أجرتها مؤسسة "غالوب" أثبتت أن 12% فقط من الموظفين السابقين يوافقون بشدة على أنهم جزء من شبكة خريجي أصحاب العمل السابقين. يعد هذا إلى حدٍّ بعيد أحد أكبر مجالات الفرص غير المستغلة. إذ لا يوجد لدى الكثير من المؤسسات وظيفة للخريجين، في حين أن البعض الآخر قد يكون في المراحل الأولى من تطوير وظائف للخريجين، من خلال إنشاء مجموعة على "لينكد إن"، مثلاً، أو الرسائل الإخبارية عبر البريد الإلكتروني التي تنشر آخر الأخبار حول التحديثات الدورية للشركة أو منشورات الوظائف.
وتقدم مؤسسات أخرى برامج مكثَّفة للموظفين السابقين توفر فرصاً للتواصل الهادف والمستمر مع كل من المؤسسة وزملائهم الخريجين، وبالتالي تعزيز ارتباطهم بالشركة والحفاظ على علاقتهم المستمرة بها.
وبالإضافة إلى قاعدة بيانات الخريجين التي يمكن للموظفين السابقين الوصول إليها بغرض التعارف، فإن شركة "باين" لديها شريك للخريجين في كل مكتب تتمثل وظيفته في التواصل مع مجتمع الخريجين المحليين وتنفيذ استراتيجية خريجي المكاتب المحلية والاحتفال بمغادرتهم وتسليط الضوء على الخريجين في فعاليات تنظمها المكاتب على المستوى المحلي.
تنظّم الشركة أيضاً برنامجاً باسم "مستجدات المعرفة" (In the Know)، وهو عبارة عن سلسلة معرفية شهرية للخريجين يستمعون خلالها إلى روّاد الفكر في شركة "باين" حول موضوعات، مثل التنوع والمساواة والشمول والحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات ومستقبل العمل ومعرفة كيفية تنفيذ هذه الممارسات في الشركات التي يعملون بها. هناك أيضاً فرص للتواصل من خلال عدد من المحافل، مثل منتديات المسؤولين التنفيذيين الموجَّهة لخريجي الشركة من مسؤولي الإدارة التنفيذية العليا. وتطرح الشركة هذا العام مجموعات القطاع الرقمي والشبكات الوظيفية، وتعتزم تطبيق نظام ساعات الاجتماع في المكتب بصورة ربع سنوية في المجالات المهنية للخريجين للتعرف على الفرص الجديدة في الشركة ومدى تطورها منذ مغادرتهم.
الحفاظ على التواصل
تأكد من حصولك على بيانات التواصل مع الموظفين المغادرين واطلب منهم الاشتراك في عمليات التواصل المستقبلية. وترسل شركة "باين" نشرة أخبار شهرية تحتوي على معلومات حول آخر أخبار الشركة والكوادر البشرية، وقد أضافت مؤخراً باب "أهم أخبار الموظفين العائدين".
ثمة جانب آخر مهم للاستمرار في التواصل عندما يترك الموظف شركة "باين" ويتمثل في علاقة "الوصاية". والوصي هو الموظف الحالي الذي يختاره الموظف المغادر بحيث يتولى التواصل معه وبناء علاقة طويلة الأمد مع الشركة. وقد علّقت أندراسكو على هذه النقطة، قائلة: "إذا أجدنا التواصل بك وكان هناك موظف محدّد تتواصل معه بصفة شخصية وتشعر بأنه يهتم بأمرك، فإن هذا يعني أننا قد نجحنا على الأرجح في دعمك بالطرق التي تحتاج إليها". وعادةً ما يحرص الأوصياء على تفقد أحوال خريجي الشركة عدة مرات في العام، لا سيما إذا كانت هناك حملات تخص المكتب لاغتنام فرص العودة إلى العمل.
من المهم أيضاً فهم أفضل طريقة للاستمرار في التواصل. وقد أعادت مؤسسة "كومن سبيريت هيلث" (CommonSpirit Health) تعيين 2,000 موظف في النصف الأول من السنة المالية الحالية (من إجمالي قاعدة موظفيها البالغ عددهم 150,000 موظف)، وتعتمد المؤسسة على التواصل عبر الرسائل النصية بالإضافة إلى البريد الإلكتروني أو بدلاً منه. وتعليقاً على هذه النقطة، قالت النائبة الأولى لرئيس المؤسسة لشؤون استقطاب المواهب، واندا كول فريمان: "لقد انتقلنا مؤخراً إلى إجراء الكثير من عمليات التوظيف عبر الرسائل النصية، لا سيما في التخصصات الطبية. إذ يعمل الكثير من هؤلاء الموظفين والموظفين السابقين على الأرض. وبالتالي فهم لا يجلسون أمام جهاز كمبيوتر محمول... ونبدأ من هذه النقطة، ثم ننتقل إلى المحادثات المباشرة".
الحفاظ على النظام
بالإضافة إلى الحفاظ على التواصل، من المهم تتبع بيانات الخريجين والحفاظ على النظام، عادةً من خلال تطبيق نظام إدارة علاقات العملاء أو نظام تتبع مقدمي الطلبات.
وقد أشارت مديرة استقطاب المواهب في شركة "يو إس فنتشر" (US Venture)، نيكول كارتر، إلى أن الشركة تستخدم نظام إدارة علاقات العملاء داخلياً، بحيث يمكنهم الاحتفاظ بالملاحظات حول الموظفين المغادرين تحسباً لاحتمالية إعادة توظيفهم. وقد ضربت مثالاً لشخص أرسل إخطاراً مؤخراً يفيد بأنه يريد تقديم استقالته لأنه يريد العمل في القطاع غير الربحي. فما كان من كارتر إلا أن سلّطت الضوء على العمل الذي أنجزه فريق المشاركة الاجتماعية في شركة "يو إس فنتشر" مع المؤسَّسات غير الربحية وأرسلته إلى الموظف الذي يريد المغادرة، قائلة: "ربما ليست لدينا فرصة في الوقت الحالي، ولكننا سنضع ذلك في الاعتبار. وإذا كنت مشغوفاً بالعمل في هذا المكان، فما الذي يمكننا فعله كمؤسسة للحفاظ على التواصل معك وإشراكك في بعض الفعاليات غير الربحية التي سننظمها خلال العام المقبل حتى أعرض عليك الانضمام إلى الأشخاص المناسبين إذا كانت لدينا فرصة متاحة؟". ثم أبلغته بعد ذلك بأنها ستضيف هذه المعلومات إلى نظام إدارة علاقات العملاء وستضيفها إلى قائمة فرص المشاركة الاجتماعية. وتابعت: "وبعد ذلك، بمجرد أن يصبح لديَّ منصب متاح، يمكنني أن أفتح هذه القائمة وأقول لنفسي: ’يا إلهي، أجل! أتذكره‘".
الحفاظ على المرونة
تُجري شركة "باين" استقصاء تطلب فيه من خريجيها تحديد موقفهم من فرص العمل بدوام كامل أو بدوام جزئي أو بنظام التعاقد أو الشراكة، ما يوفر الكثير من طرق العودة إلى الشركة. وقد ألمحت كول فريمان إلى أن "حملة الموظفين العائدين" الخاصة بمؤسسة "كومن سبيريت" تبحث عن المواهب في كافة مستويات قدرات العمل أيضاً، بدايةً من العمل اليومي إلى العمل بدوام جزئي أو بدوام كامل. إذ تقول: "لا بد من الحرص على الانفتاح والمرونة لأنني أعتقد أن شخصاً ما قد يكون موظفاً بدوام كامل في بعض الأحيان، لكنه لا يريد العودة بهذه الصفة. فكن منفتحاً لاستكشاف كيفية التعامل مع الأمر بالمرونة الكافية لإنجاح فرص العودة. أعتقد أن المرونة هي مفتاح النجاح". وأضافت أن العاملين العائدين في قطاع الرعاية الصحية، بمن في ذلك العاملون المتقاعدون وأولئك الذين قرروا أخذ قسط من الراحة، قد يبدؤون بوردية عمل يومية أو اثنتين ثم يتحولون في نهاية المطاف إلى العمل بدوام جزئي أو بدوام كامل.
يجب ألا يُنظر إلى مغادرة المؤسسة على أنها نهاية للعلاقة مع موظف سابق. فغالباً ما يكون هذا تطوراً طبيعياً للمسار المهني للموظف في السياق العام لسوق المواهب، ما قد يعيده إلى العمل بشركتك في وقت ما. ويمكنك استخدام الاستراتيجيات المذكورة أعلاه كخطوة من أجل الترحيب بالموظفين السابقين وللاستمرار في تنمية العلاقة وترك الباب مفتوحاً، ما يسهّل على الموظفين السابقين العودة والإسهام بشكل أكبر في مؤسستك.