ملخص: تنبع مزايا التدريب في مجموعات صغيرة من قدرته على إتاحة فرص التفاعل التعليمي المكثف بين قادة لا يعملون في الفريق ذاته ولكنهم يتساوون تقريباً من حيث الخبرات المهنية والمراكز الوظيفية، ويمكن أن تؤدي هذه العملية إلى تطوير القدرات القيادية بمعدلات هائلة تتجاوز نتائج التدريب الفردي. وعلى هذا الأساس، يقدّم مؤلفا هذه المقالة عدداً من المبادئ التوجيهية التي ستساعدك في التعرّف على نفسك وعلى المؤسسة التي تتولى قيادتها بشكل أفضل. فحينما تطلب الدعم من الآخرين وتنشئ مكاناً آمناً للاستكشاف، ستتمكن من بناء المهارات الأساسية اللازمة لتحقيق النمو على المستويين الشخصي والمؤسسي في المستقبل.
إذا خيَّرنا المسؤولين التنفيذيين بين تلقي التدريب بصورة فردية على يد مدرّب تنفيذي أو التدرُّب مع مجموعة من الأقران في عملية تدريبية منظمة، فإن معظمهم سيختار الخيار الأول. وسيكون مبررهم بكل تأكيد هو أن تلقي التدريب على يد مدرّب متمرس يركّز كل اهتمامه عليك أفضل من الاعتماد على الحوار مع أقرانك لتطوير قدراتك. وفي هذه الحالة سيتعرف المدرّب عليك جيداً، ويفهم احتياجاتك التنموية، ويركز عليك وحدك. فمن أين جاءت، إذاً، أفضلية التدرُّب مع مجموعة؟
يتجاهل هذا التفسير المنطقي المزايا الجوهرية للتدريب في مجموعات صغيرة. فغالباً ما يعلّق المشاركون في برامج تطوير القدرات القيادية التي نديرها على القيمة المستمدة من تجارب التدريبات الجماعية ويشيرون إلى أنها كانت أكبر مما توقعوا. إذ تختلف فوائدها عن تلك التي تتحقق في البيئات الفردية وتتكامل معها.
مزايا التدريب في مجموعات صغيرة
وتنبع مزايا التدريب في مجموعات صغيرة من قدرته على إتاحة فرص التفاعل التعليمي المكثف بين قادة لا يعملون في الفريق ذاته ولكنهم يتساوون تقريباً من حيث الخبرات المهنية والمراكز الوظيفية. فحينما تجمع بين أشخاص لا يتحمّلون مسؤوليات رسمية أو يحتكُّون ببعضهم في العادة، ستتمكن آنذاك من توفير بيئة تحقق التعليم العميق بصورة غير متاحة في البيئات التعليمية الأخرى. وقد وجدنا أن هذا يحدث لأن تلك العملية توفر المزايا التالية:
الانغماس في الديناميكيات الجماعية في الوقت الحقيقي
لا يراك المدرّب خلال تفاعلك مع الآخرين في التدريبات الثنائية مع المدرّب وحده، لذا فإن الاعتقاد بأن المدرّب سيعرفك على نحو أفضل من خلال جلسات التدريب الثنائية لا يستند إلى دليل حقيقي لأن تجربة المدرّب معك ستكون محدودة للغاية. وإذا كنت تهدف، مثلاً، إلى الانخراط بشكل أكثر فاعلية مع فريقك، فسيشاهد كل من المدرب والمجموعة أثر سلوكياتك في البيئة الجماعية ويلمسونه بأنفسهم.
التعرّف على مختلف الرؤى والتصورات
إذا تم إعداد العملية بشكل جيد، فسيكون لأعضاء مجموعتك شخصيات وتجارب وأهداف مختلفة. سيرون العالم من زوايا مختلفة، وستستفيد من فهم رؤاهم وتصوراتهم والتحديات التي يواجهونها. ستتيح لك هذه الاختلافات اكتساب رؤى أعمق من خلال مقارنة نفسك بأفراد مجموعتك الآخرين. وسيساعدك تحديد القواسم المشتركة والاختلافات على فهم نقاط قوتك والتعرف من كثب على أثر الجوانب الغائبة عن تفكيرك.
اغتنام الفرص المتاحة لممارسة مهارات جديدة في مكان آمن
تعتبر المجموعات الصغيرة وسيلة لتعزيز مهارات القيادة المهمة، مثل الاستماع للآخرين وإبداء نقاط ضعفك أمامهم وتقبُّل آراء الآخرين وانفعالاتهم بكل أريحية وطرح أسئلة ثاقبة وتقديم ملاحظات صريحة وتلقيها والأخذ بيد الآخرين للتوصل إلى حلول مشاكلهم بأنفسهم. يرتبط الكثير من هذه المهارات ارتباطاً مباشراً بأهدافك التعليمية، وستجعلك أقدر على تدريب الآخرين وتحفيزهم وتطوير قدراتهم.
وضع نظام مُحكَم للمساءلة
يواجه الكثير من القادة صعوبات في الحصول على آراء صريحة وصادقة في العمل. وحينما تتمكن مجموعتك من إرساء أسس الأمان النفسي، ستحصل على هذه الآراء بكل سهولة. وسواء كان هدفك أن تكون أكثر جرأة أو أن تطور مهاراتك في التفكير الاستراتيجيّ أو أن تتواصل عاطفياً مع فريقك، فإن أعضاء مجموعتك سيسهمون بانتظام في تحقيق هدفك. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الإعلان عن أهدافك وخططك أمام أعضاء مجموعتك ومراجعتها معهم بانتظام، سيحفزك على تحمل مسؤولياتك أمامهم. وهكذا، فإن أثر الضغوط الاجتماعية التي تُمارس عليك في المجموعات التدريبية سيكون أقوى من أثر تلقي التدريب على يد مدرب بصورة فردية.
تكوين شبكة دعم دائمة
تتميز المجموعات التدريبية بقدرتها على إرساء أسس الانفتاح والثقة المتبادلة في معظم الأحيان، شريطة أن يتوافر لأفرادها الوقت الكافي للعمل معاً. فقد يتسبب شغلك لمنصب قيادي بارز في الشعور بالعزلة لأنك لا تستطيع إطلاع مرؤوسيك المباشرين وزملائك على مشكلات العمل ومخاوفك الشخصية في معظم الأحيان. في حين أن أعضاء المجموعة يمكن أن يمثلوا مصدراً للدعم والرؤى الثاقبة. وغالباً ما تستمر هذه العلاقات إلى ما بعد عملية التدريب الرسمي في مجموعات صغيرة ولا يعتمد استمرارها على وجود المدرّب. بالإضافة إلى ذلك، فإن الكثير من القادة سيعملون على خلق قدر أكبر من الترابط في العمل وفي حياتهم الشخصية، بعد أن يجربوا قوة الروابط العميقة بين أفراد المجموعة.
إجراءات تحقيق الفائدة من التدريب في مجموعات صغيرة
لكن لن تستفيد من هذه المزايا الهائلة ما لم تنجح في إرساء بعض الأسس اللازمة في وقت مبكر. فالهدف النهائي لتلقي التدريب في مجموعات الصغيرة هو تحقيق أعلى المستويات الممكنة من التعلم الفردي والجماعي. ولتحقيق هذه الغاية، يجب أن يلتزم كل أعضاء المجموعة بالإجراءات التالية:
خلق مناخ يشجع على الثقة والدعم المتبادلين
لخلق بيئة كهذه، يجب أن يُبدي أعضاء المجموعة التزامهم المشترك بالحفاظ على السرية التامة. إذ يسمح الشعور بالأمان النفسي لأعضاء المجموعة (بمن فيهم أنت شخصياً!) بعدم التحرُّج في الكشف عن الشكوك ونقاط الضعف وتبادل الآراء بصدق تام.
ترسيخ السلوك التعاوني
يجب أن يتحمل أعضاء المجموعة مسؤولية مساعدة الآخرين على التحسن بدلاً من الاكتفاء بكشف أخطائهم أو نقاط ضعفهم. فتلقي التدريب في مجموعات الصغيرة ليس وسيلة للتقييم، وينبغي ألا يكون ميداناً للمنافسة. يجب أن يسعى أعضاء المجموعة إلى التعاون المشترك والتحلي بالموضوعية والعدالة. فالهدف الرئيس أن يدعم بعضنا بعضاً من خلال تقديم ملاحظات بنّاءة والمشورة الإيجابية دون تهكم على الآخرين أو إصدار الأحكام عليهم.
الاستماع الصادق
يجب أن يتعامل أعضاء المجموعة مع بعضهم كشركاء في التفكير، ويقدم كل منهم معلومات دقيقة حول سلوك الآخرين، ويطرحوا أسئلة استقصائية ترتبط بموضوع التدريب، ويتبادلوا وجهات النظر. وبهذه الطريقة سيظهرون تقديرهم لمهارات الآخرين وآرائهم. فاحرص على حب الاستطلاع والرغبة في التعرّف على الآخرين وتجاربهم.
تقديم آراء وملاحظات مباشرة
يجب ألا تكون السلوكيات التعاونية والتعاطفية مبرراً لتجنب مناقشة أوجه القصور. إذ يؤدي الإفراط في الإيجابية إلى القناعة بالوضع الراهن والرضا عن رداءة مستوى الأداء، بينما يؤدي الإفراط في السلبية إلى خلق شعور بالدفاعية والرغبة في الانسحاب. يجب أن يكون أعضاء المجموعة منفتحين لرؤية أنفسهم من وجهة نظر الآخرين.
الاتصاف بالسماحة والكرم
لا مناص من ظهور بعض الانفعالات السلبية التي ستطفو على السطح خلال المناقشات التي تجري عند تلقي التدريبات في مجموعات صغيرة، ولا بد من مناقشة هذه الانفعالات. يجب التعامل معها من خلال التعبيرات المناسبة الدالة على الفهم وحب الاستكشاف.
المخاطرة
يستلزم التدريب الجماعي أن تخرج من منطقة راحتك، لأن التعلم يتطلّب الاعتراف بنقاط ضعفك وإبداء الرغبة في استكشاف التحديات التي تواجهك واستحضار الشجاعة لمناقشة الآخرين حول القضايا الحساسة وتقديم ملاحظات مباشرة.
يمكن أن تؤدي عملية التدريب في مجموعات صغيرة إلى تطوير القدرات القيادية بمعدلات هائلة تتجاوز نتائج التدريب الفردي. وإذا اتبعت هذه المبادئ التوجيهية، فسوف تتعرّف على نفسك وعلى المؤسسة التي تتولى قيادتها بشكل أفضل. علاوة على ذلك، فحينما تطلب الدعم من الآخرين وتنشئ مكاناً آمناً للاستكشاف، ستتمكن من بناء المهارات الأساسية اللازمة لتحقيق النمو على المستويين الشخصي والمؤسسي في المستقبل.