لماذا لا يمكن أن يحل التدريب على المهارات محل التعليم العالي؟

4 دقائق

في رأيي، الكثير من مواقف واضعي السياسات والنقاد التي تتناقلها وسائل الإعلام حول إخفاق الكليات والجامعات الأميركية في إعداد الطلاب على نحو ملائم لمكان العمل في القرن الحادي والعشرين إما أنها مغلوطة أو مضللة.

من الروايات السائدة في وسائل الإعلام هي أننا في حاجة الآن إلى إعداد مزيد من العمال، الذين يمكنهم أداء كل ما يتطلبه وقتنا الحالي، باستخدام البرامج قصيرة الأجل لمنح الشهادات فيما بعد المرحلة الثانوية. كما أنه من المعتاد أن يكون التركيز منصباً على المهارات "المهنية"، مقارنة بما يتصف في كثير من الأحيان بأنه نتاج التعليم الحر عديم الفائدة نسبياً، وهو يشمل المعرفة بتاريخ العالم والثقافات وأشياء أخرى مثل تعلُّم صياغة نثر مفهوم والحكم على مدى صحة المعلومات وجدواها.

ليصبح من السهل على أصحاب العمل تحديد العمال ذوي الكفاءة، يُزعم أن الحصول على سلسلة من الأوسمة والشهادات وما يشابهها، سيكون هو الدال على مستوى الكفاءة. وبطريقة ما، ما زال يتعين توضيحها، سيتم بعد ذلك تجميع هذه البدائل معاً بواسطة جهة موثوقة لتكفل منح ما يُنظر إليه تقليدياً على أنه درجة جامعية. وبعدها يُفترض أن المتعلمين من جميع الأعمار سيتسمون بالاتساق وسيحققون أعلى درجات الفهم من خلال خوضهم تلك التجارب المتنوعة.

وهناك رواية أخرى صاغها مجموعة من الرؤساء التنفيذيين والمدراء الذين يشتكون من أن العديد من المتقدمين للوظائف الحاصلين على شهادة مشارك وشهادة إتمام الدراسة الثانوية لا يمكنهم كتابة فقرات مترابطة ومتسقة أو شرح المشكلات المعقدة بوضوح أو العمل بفاعلية مع الأشخاص المختلفين عنهم. وهذا بعد السنوات العديدة التالية للدراسة ما بعد الثانوية، وليس في الأسابيع أو الشهور القليلة اللازمة للحصول على وسام ما. وفي الوقت نفسه، يصرح العديد من قادة الشركات أنهم يفضلون المرشحين الذين لا يتمكنون من إنجاز الأعمال الحالية فحسب، ولكن أيضاً يمكنهم مواصلة التعلم بأنفسهم بصورة آنية كي تمكنوا من إنجاز الأعمال المستقبلية، ما يعني الوظائف التي لم تُستحدث بعد. ولكن هل هناك وسام أو شهادة لاعتماد المهارات المطلوبة للوظائف التي لم تُستحدث بعد؟!

بالطبع تعد البرامج قصيرة الأجل القائمة على المهارات المهنية ذات أهمية كبيرة ومناسبة تماماً لكثير من الناس. لطالما كان الأمر كذلك وسيظل هكذا. ولكن هل هذا خيار سياسي مقبول للوفاء بمتطلبات مكان العمل في القرن الحادي والعشرين ومعالجة أوجه القصور في التعليم العالي الأميركي في الوقت الحالي؟

الإجابة هي لا، وإليكم الأسباب:

لقد عرفنا منذ عقود عديدة أنه لا توجد طرق مختصرة لغرس العادات الذهنية والعاطفية التي بمرور الزمن تُمكّن الأشخاص من تعميق التعلم وتعزيز قدرتهم على التحمل وتحويل المعلومات إلى أفعال والتوفيق على نحو إبداعي بين الأفكار والنُهج المتنافسة وتقييمها. وهذه هي أنواع الكفاءات والترتيبات اللازمة لاستكشاف استجابات بديلة للتحديات التي تفرضها الطبيعة المتغيرة للوظائف الحالية أو الوظائف التي لم تُستحدث بعد، حيث ستتطور أماكن العمل والمؤسسات المجتمعية والنظام العالمي لتصبح أكثر تعقيداً وصعوبة فيما يتعلق بالتعاملات والإدارة، وهو ما يزيد من الحاجة إلى أشخاص ذوي حكمة متراكمة وكفاءة في التعامل مع الأشخاص وكفاءة عملية وأكثر من مجرد القليل من التفكير النقدي والتحليل المنطقي والإيثار.

يُعد التقصير عن عمد في تطوير الذات والتنمية التعليمية أو تجزئتهما بدعوى تعزيز الإنتاجية الاقتصادية في الوقت الحالي، قصر نظر ويتسبب في أضرار كارثية للأفراد وللازدهار الوطني وللرفاهية طويلة الأجل للمجتمع المدني الديموقراطي. والمزعج أيضاً هو احتمالية أن يتم تمثيل الفئات التي تعاني من نقص الخدمات على مر التاريخ بصورة غير متناسبة في برامج التدريب قصيرة الأجل (أو حتى توجيههم إليها)، كما هو الحال في الفئات منخفضة الدخل والأقليات العرقية، حيث يمثل الطلاب المنتمون إلى هذه الفئات أغلبية الطلاب الذين خُدعوا من الوعود المضللة المتعلقة بالعائد على الاستثمار التي تقدمها بعض المؤسسات باهظة التكلفة والهادفة للربح، مثل شركة "كورنثيان كولدجز" (Corinthian Colleges) و"معهد آي تي تي الفني" (ITT Technical Institutes) وشركة "إيديوكيشن كوربوريشن فور أميركا" (Education Corporation for America).

لا توجد وسيلة للتيقن من ذلك ولكني أشك أن العديد ممن يؤيدون بقوة التعليم المهني قصير الأجل يوجهون أبنائهم صوب الكليات أو الجامعات التي توافق على شهادة إتمام الدراسة الثانوية. فالذهاب إلى مثل هذه الكليات والجامعات يزيد من احتمالية أن يعمل الطلاب على توسيع آفاقهم وقراءة وكتابة كميات لا بأس بها وأيضاً تكريس قدر كبير من جهودهم على مدار فترة زمنية طويلة للتفكر في الأسئلة الصعبة وإيجاد حلول بديلة للمشكلات المعقدة، وجميعها مهارات ستكون مطلوبة في المستقبل.

نحن بحاجة إلى جيل من قادة الشركات الذين يتمكنون من التحدث بلسان واحد بشكل دائم ومتسق حول المخاطر المترتبة على محاولة بذل الكثير من الجهود في التعليم في وقت قصير وبثمن زهيد. فالخطاب حول ما تحتاج الدولة إلى تحقيقه من نظام التعليم ما بعد الثانوي الخاص بها يجب إعادة موازنته وإصلاحه فيما يتعلق بما استفاده رواد الصناعة الواعين من مختلف التجارب وما الذي أظهرت البحوث التعليمية أن له أهمية في إعداد الأشخاص ليكونوا مكتفين ذاتياً ومسؤولين مدنياً وينعمون بحياة مرضية.

صحيح أن هناك مجال للتحسين في التعليم العالي في أميركا. ومع ذلك، عندما تعمل الكلية أو الجامعة على إعداد الطلاب عمداً للمشاركة في أنشطة التعلم ذات التأثير الكبير داخل وخارج الفصول الدراسية وتحثهم على ذلك، ستكون النتائج أفضل بكثير مقارنة بالطلاب الذين لا يخوضون مثل هذه التجارب. فللمشاركة في تلك الأنشطة عالية التأثير، مثل دورات الكتابة المكثفة وأبحاث مرحلة ما قبل التخرج والمشاريع والبرامج التدريبية ذات الصلة بخدمة المجتمع، مزايا واعدة خاصة بالنسبة إلى الطلاب الذين يعانون من نقص الخدمات على مر التاريخ الذين سيمثلون نسبة كبيرة من العاملين وقادة المجتمعات في المستقبل. ولكن للأسف فقط قلة قليلة من الطلاب يشاركون في تلك الأنشطة، وهي مشكلة تتصدى لها مؤسسات، مثل "جامعة كاليفورنيا دومينغيز هيلز" (California State University Dominguez Hills) و"معهد ورسستر بوليتكنك" (Worcester Polytechnic Institute) و"كلية سبرينغفيلد" (Springfield College) وكثير غيرها، من خلال تعديل ما تقدمه المناهج الدراسية بحيث تطالب الطلاب بالمشاركة في تلك الأنشطة وأدائها.

من المحتمل بدرجة كبيرة أن يؤدي اختزال برامج الإعداد لما بعد التعليم الثانوي إلى خفض التكاليف التي يتكبدها الطلاب والمؤسسات والعديد من جهات التوظيف. وعلى الرغم من ذلك فإن تفضيل البرامج التدريبية قصيرة الأجل على اكتساب الخبرات التعليمية الشاقة المقترنة بمستويات عالية من التنمية الفكرية والشخصية والاجتماعية، وهو أساس التعلم المستمر لمدى الحياة، قد يكون فكرة سيئة بالنسبة إلى الأفراد وإلى نشاط الاقتصاد الأميركي على المدى الطويل وإلى ديمقراطيتنا أيضاً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي