كيف يمكن للغة أن تقف عائقاً أمام التدخلات السلوكية المثبتة؟

5 دقائق
التدخلات السلوكية
shutterstock.com/microstock3D

استخدمت معظم الأبحاث الأكاديمية حول صناعة القرار مجموعة فرعية صغيرة من سكان الكرة الأرضية: الأفراد المتعلمون الذين ينتمون إلى الغرب والذين يعيشون في دول صناعية وغنية وديمقراطية، أو ما يمكن الإشارة إليهم اختصاراً باللغة الإنجليزية بـ "WEIRD" أو "الويرد". إن ما يصل إلى 96% من العينات المستخدمة في دراسات علم النفس مصدرها 12% من مجمل سكان العالم – من أميركا الشمالية، وأوروبا، وأستراليا، وغير ذلك، ويأتي ثلثا هذه النسبة من الولايات المتحدة الأميركية تحديداً، ما يعني أن احتمال أن يكون أميركي يجري اختياره عشوائياً مشاركاً في أحد الأبحاث أكثر بـ 300 مرة من شخص يتم اختياره عشوائياً من خارج المجتمعات الغربية.

إلا أن الدراسات قد كشفت أن تلك المجموعات السكانية من الأفراد المتعلمين الذين ينتمون إلى الغرب والذين يعيشون في دول صناعية وغنية وديمقراطية (الويرد)، مختلفة في عملية صناعة القرار الأخلاقي، ونموذج التفكير المنطقي، والإنصاف، والتعاون، وحتى في أمور أخرى مثل الإدراك البصري عن غيرها من المجموعات، وتمثل هذه الفئة الأساس لمعظم الافتراضات التي يستخدمها الباحثون حول الطبيعة البشرية، على الرغم من أنه، كما يستنتج هينريك وزملاؤه، فإن "هذه الجماعة السكانية الفرعية لا تمثل على الإطلاق النوع البشري".

وقد أكدت الأبحاث العابرة للثقافات أنه يمكن للعوامل الثقافية والتاريخية والاقتصادية أن تؤثر بشكل كبير في عمليات صناعة القرار الفردية. فعلى سبيل المثال، تبحث إحدى الدراسات العلمية في الفروقات الثقافية بين جنوب الصين، وهي منطقة تعتمد على زراعة الأرز تاريخياً، وبين شمال الصين، حيث تسود زراعة القمح. ويعود ذلك إلى أنه "كان على المزارعين الذين يعملون في زراعة الأرز غير المقشور التشارك في العمل وتنسيق عمليات الري بطريقة لم يكن معظم مزارعي القمح مضطراً لها"، فيقول تالهيلم (أحد مؤلفي الدراسة البحثية) وآخرون بأن هؤلاء الذين يعيشون في جنوب الصين لديهم ثقافات أكثر جماعية. ويجد الباحثون أن هذا الفرق يظهر في عملية صنع القرار لدى الجماعات التي تعيش في المدن الحديثة في جنوب الصين، على الرغم من انقطاعهم لأجيال كاملة عن أسلافهم من المزارعين.

إن محدودية أبحاث علم النفس في السياقات الثقافية غير الغربية تعني بأننا على الأرجح نغفل العديد من الفروقات بهذا الحجم حتى في النظريات السلوكية الأكثر أساسية. إن حقيقة اعتبار علماء السلوك أنفسهم في معظمهم ينتمون إلى مجتمعات الأفراد المتعلمين الذين ينتمون إلى الغرب والذين يعيشون في دول صناعية وغنية وديمقراطية، تزيد من عمق هذه المشكلة، حيث من شأن ذلك أن يؤثر من خلال الانحياز التأكيدي لدى الباحثين عندما تتطابق النتائج مع التوقعات من الدراسة.

دراسات حول التدخلات السلوكية

في الدراسات التي أجريت في الدول الغربية، كان للوكز التحفيزي (الترغيب) (nudge) تأثير على اختيارات الأفراد للطعام. وتجدر الإشارة إلى أننا نتخذ خياراتنا حول ما نريد أن نتناوله بشكل رئيسي من خلال عملية بديهية وسريعة وآلية – وتسمى هذه العملية بـ "النظام 1". في المقابل، فإن المهام الأكثر تعقيداً – مثل البحث في الذكريات أو عملية ضرب العدد 23 في العدد 17 – تتم معالجتها من خلال "النظام 2" الأكثر عمديّة.

إن عملية التحفيز تشمل تقديم إشارات وتلميحات في البيئة المحيطة تعمل على توجيه عملية تفكيرنا اللاواعي. ولأن مثل هذه التلميحات الخفية تؤثر على المستوى ذاته الذي تصنع فيه القرارات المراد التأثير عليها، فإنها تؤثر بفعالية في سلوكياتنا وتعدلها. على سبيل المثال، عمدت واحدة من الدراسات إلى تغيير موضع أطعمة الفطور في صف البوفيه؛ في أحد الصفوف، تم وضع أطعمة إفطار أكثر صحية في بداية الصف، وفي الصف الآخر تم وضع أطعمة الإفطار الأقل صحيّة في بداية الصف. في كلتا الحالتين، فإن العناصر الغذائية الأبرز والملحوظة بشكل أفضل مثلت 66% من مجمل الطعام الذي اختاره المشاركون. وفي دراسة أخرى، فإنه عندما تم وضع أصناف من الساندويتش الصحية على قائمة أوضح بالنسبة للأشخاص الذين يختارون، فقد تم اختيار العناصر الأوضح أكثر بـ 35-44% من معدل اختيارها عندما كانت هذه الأصناف ذاتها مدرجة في قائمتين أقل وضوحاً وأصعب للوصول (قائمة على الصفحة التالية، أو قائمة موضوعة في ظرف).

إلا أن هذه الاستنتاجات قد لا يمكن تعميمها عالمياً كما تقترح هذه الأدبيات، عندما أجري بحث على مجموعة من الأفراد في مدينة الدوحة في قطر من خلال تقديم وكز تحفيزي (ترغيب) ضمن استبيان استطلاعي حول التغذية الصحية قبيل دخولهم إلى متجر البقالة للتسوق، تبين أنهم استهلكوا متوسطاً من المال وأنفقوا نسبة منه على الفواكه والخضراوات مماثلاً للإنفاق والنسب التي لوحظت عند مجموعة المراقبة – والتي قدم لها استبيان حول استخدام الهواتف المحمولة.

في الواقع، إن الفرق بين المجموعتين لم يبلغ 5 ريال قطري أو أكثر من المبلغ المنفق على شراء الفواكه والخضار، وذلك بنسبة تأكد بلغت 95%. وتبدو هذه النتيجة مناقضة بشكل مباشر لهذه الدراسات السابقة.

للوهلة الاولى، قد تبدو القاعدة الذهبية في العلوم السلوكية أي أهمية السياق هي التفسير البديهي. إلا أنه سرعان ما يظهر لنا بالنظر بدقة أكبر إلى البيانات بأن السبب الكامن وراء هذا الاختلاف قد يكون الحاجز اللغوي، إذ إن الاستبيان الذي قدم للمستهلكين كان باللغة الإنجليزية أو العربية، وذلك وفقاً لتفضيلهم الشخصي. إلا أن الدوحة واحدة من أكثر المدن تنوعاً لغوياً في العالم – حيث يوجد أكثر من 12 لغة يتحدثها قاطنوها كلغة أمّ. بالنسبة للكثير من سكان الدوحة، فإن اللغة الإنجليزية هي لغة ثانية، أو ثالثة، أو حتى رابعة.

باستخدام المعلومات المتوفرة حول الجنسية كآلية ووسيط للتعرف على اللغة الأم بصفة غير مباشرة، فإن أولئك الذين ينحدرون من دول ناطقة باللغة العربية أو الإنجليزية كانوا أكثر تأثراً بالمعالجة من أولئك القادمين من دول ناطقة بلغات أخرى.

وعلى الرغم من أن هذا الدليل يعتمد على الجنسية كوسيط للتعرف على اللغة وليس قاطعاً إحصائياً، فإنه يوحي إلى وجود فجوة في فعالية الوكزة (الترغيب) عندما يتم تقديمها بلغة مختلفة عن اللغة الأم للأشخاص الخاضعين لها.

الترغيب باستخدام لغات غير اللغة الأم

إن تقديم الوكز (الترغيب) باستخدام لغات غير اللغة الأم التي يتحدث بها الخاضعون للتجربة قد يجبرهم على معالجتها بطريقة أكثر وضوحاً وعمدية، لأنه من خلال عملية الترجمة العمدية داخلياً للاستبيان المقدم، فإن الأشخاص الذين يقرؤون اللغة غير الأم سيستخدمون "النظام 2" من التفكير. ويعني هذا بأنهم سيعالجون الوكزة على مستوى واعٍ مختلف عن ذلك الذي سيستخدمونه في النهاية لصنع قراراتهم الغذائية.

ما زالت الدراسات التي تستكشف أثر اللغة التي تقدم من خلالها الوكزة على فعاليتها قليلة، إلا أن مثل هذه الأبحاث مهمة للغاية خاصة في البيئات متعددة اللغات. إذا ما تم تقديم الوكزات بشكل افتراضي باستخدام اللغة القومية للبلد، فإن الجماعات السكانية المهاجرة – والتي يتم إغفالها باستمرار – قد لا تنجح في حصد فوائدها.

على سبيل المثال، من حالات الاستخدام الرائجة للوكز هي التشجيع على الإقبال على اللقاحات. في إحدى الدراسات، عندما طُلب من الموظفين كتابة التاريخ والتوقيت الذي سيقومون به بأخذ اللقاح، ارتفع احتمال أن يقوموا بأخذ اللقاح بالفعل بنسبة 4%.

إن الجماعات السكانية من المهاجرين في كل من الولايات المتحدة والهند وكينيا والدنمارك والصين – وغيرها من الدول – تسجل معدلات أقل من تلقي اللقاحات من السكان الأصليين. ويعني هذا التفاوت في النسب بأن مجتمعات المهاجرين، والتي تعاني باستمرار بالفعل من صعوبة الوصول إلى الرعاية الصحية الموثوقة، تعاني من معدلات أعلى من الأمراض وحالات العدوى. ويُظهر الوكز (الترغيب) إمكانية أكبر حتى من التعليم في التشجيع على أخذ اللقاحات، ولكن في حال تقديمه حصراً باللغة القومية وفشله في مساعدة مجتمعات المهاجرين، فإن فجوة النتائج المتعلقة بالصحة قد تستمر في الاتساع.

إن التأكد من فعالية الوكز (الترغيب) بما يتجاوز تأثيره على الفئات السكانية من الأفراد المتعلمين الذين ينتمون إلى الغرب والذين يعيشون في دولٍ صناعية وغنية وديمقراطية في غاية الأهمية إذا رغبنا في استخدامه كوسيلة فعالة لرفع مستوى الرفاه والمساواة. إن الأبحاث الحالية المتوفرة محدودة بشكل كبير بما يتعلق بالفئات السكانية المستهدفة، إلا أن توسيع نطاق أماكن البحث والشرائح المستهدفة من خلاله سيساعدنا في تحسين هذا الواقع.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي