كيف تتخلّص من بقايا هُويتك القديمة عندما تنتقل لمنصب جديد؟

6 دقائق
الملاءمة الوظيفية
ميغان بينسونولت/ستوكسي

ملخص: تشير الدراسات إلى أن ما يقرب من نصف الموظفين الجدد يفشلون عند تولي مناصب جديدة لسبب رئيسي يتمثّل في عدم "الملاءمة الوظيفية". وتبيّن المؤلفة في هذه المقالة بأن "الملاءمة الوظيفية" لا تعني دائماً عدم التوافق، بل تعني الفشل في تحقيق الانتقال النفسي من هوية إلى أخرى. وتؤكّد أن تحقيق الانتقال الكامل للهوية هو السر وراء النجاح في أي منصب جديد، وتقدم نصائح حول تسهيل عملية الانتقال.

 

يغيّر عدد كبير من العمال وظائفهم والمؤسسات والقطاعات التي يعملون فيها مقارنة بالأجيال السابقة نتيجة التحوّلات الكبرى في سوق العمل. لكن على الرغم من اتخاذهم تلك القفزات الكبيرة في مساراتهم المهنية، فشلوا في إحداث تغييرات في نفسياتهم، فنقلوا مخلّفات تجارب أعمالهم السابقة معهم في عقولهم، ما جعلها أشبه بالمخطوطات القديمة بدلاً من سبورة بيضاء يمكن مسحها عند تولي منصب جديد. ولجأتُ في بحثي المنشور إلى صياغة مصطلح "مخلّفات الهوية" لوصف هذه البقايا من الماضي.

لماذا يُعتبر هذا الأمر مهماً؟ يقترح بحثي أن مخلّفات الهوية قد تخلّف آثاراً وظيفية عميقة عند إساءة التعامل معها. وفي الواقع، تشير الدراسات إلى أن ما يقرب من نصف الموظفين الجدد يفشلون عند تولي مناصب جديدة لسبب رئيس يتمثّل في عدم "الملاءمة الوظيفية". وعادةً ما تُوصف "الملاءمة الوظيفية" بأنها التوافق بين قيم الموظف وقدراته الأساسية وبين وظيفته. لكن لا القيم ولا القدرات متأصلة فينا منذ الولادة، بل هي مستمدة من خبرتَي الحياة والعمل. ولهويتنا الذاتية دور مهم بالفعل. ولا تعني "الملاءمة الوظيفية" هنا عدم التوافق، بل تعني الفشل في الانتقال النفسي من هوية إلى أخرى.

إن انتقالات الهوية هي مناورات معقدة، وقد أظهرتُ في بحثي بالفعل أنها تستلزم اتخاذ خطوات ضمن أربعة أصعدة مختلفة في وقت واحد: الجسدية والسلوكية والعلائقية والنفسية. في الواقع، نحن غالباً ما نولي حالتنا النفسية اهتماماً قليلاً وسط تقلّبات العالم الحديث المتزايدة. وعندما نهمل صحتنا النفسية تتولد مخلّفات الهوية، لا سيّما عندما لا يغير الناس تعريفهم لذواتهم على الرغم من أن وظائفهم "تتطلّب" منهم تبنّي هويات مختلفة.

فالتحدي الذي تواجهه بصفتك باحثاً عن عمل هو تحدٍ يشتمل على ثلاثة جوانب. بمعنى آخر، عليك:

  1. فهم مخلّفات هويتك لفرز الفرص المتاحة.
  2. البحث عن منصب يتوافق مع هويتك.
  3. الانتقال إلى المنصب الجديد.

والأمر صعب بالتأكيد، لكن إنجاز جميع الخطوات الثلاث يجعل نجاحك سهل المنال بصفتك موظفاً جديداً. وإليك الطريقة.

1. افهم مخلّفات هويتك

أجرِ تحليلاً على شخصيتك قبل أن تتخذ أي خطوة، بعبارة أخرى، عليك فهم مخلّفات الهوية التي ستنقلها إلى وظيفتك التالية. ونجد في مجال السلوك التنظيمي أن للهوية ثلاثة أبعاد أساسية، وهي القيمة والمعاني والسلوك، وهي تشكل مجتمعة إطار عمل مفيد يساعدك على فهم هويتك وهويات الآخرين.

القيمة

تشير القيمة إلى درجة تقدير الذات التي يستمدها شخص ما من هوية معينة. على سبيل المثال، تخيل مساعداً تنفيذياً ينتقل من قطاع جذاب مثل الموضة إلى قطاع التأمين. قد يشعر أنه شخص عديم القيمة، حتى لو كان التغيير طوعياً وشغل منصباً أعلى أو حصل على زيادة في الراتب،

وذلك لأنه استثمر قيمته (تقدير الذات) في قطاعه. وقد يستمد آخرون القيمة من سمعة صاحب العمل، أو من رؤية شعار الشركة على بطاقة أعمالهم. في حين يستمدها آخرون من شبكات الصداقة التي طوروها في مؤسساتهم. وقد لا يجد بعضهم أي قيمة من المكان الذي يعملون فيه، لأنهم يستمدونها من مكان آخر. باختصار، يتمثّل أحد العناصر المهمة للتقييم الذاتي في معرفة إذا ما كنت تستمد تقديرك لذاتك من عملك وتحديد المجالات التي تستمد منها تلك القيمة.

المعاني

المعاني هي الارتباطات والدلالات في الهوية. على سبيل المثال، قد تتضمن المعاني المرتبطة بهوية "عامل في قطاع الرعاية الصحية" صفات مثل "المعالج" أو "الخبير" أو "الشجاع". وتبرز المشكلات عندما تتعارض مخلّفات معاني منصب سابق مع احتياجات وظيفة جديدة. وهي مشكلة شائعة في التنقّلات الأفقية أو عند تجديد المسارات المهنية.

ولتقييم المعاني المهمة لك في مكان العمل، فكّر في الصفات التي تريد أن يصفك بها زملاؤك. حاول الابتعاد عن الكلمات الإيجابية العامة وركّز على الكلمات التي تصف جهدك في إضفاء القيمة. وابدأ بمصطلحات مثل "ذكي" و"أهل للثقة" و"صادق"؛ ثم ركّز على الكلمات والعبارات الأكثر تحديداً، مثل "رائد أعمال" و"وكيل التغيير" و"الداعم".

السلوك

يوضّح السلوك كيفية تمثيل الهوية على أساس يومي. وهو يتعلق بماهية العمل وأسلوبه والأشخاص الذين نعمل معهم.

وقد تكون مهمة تقييم سلوكك بسيطة جداً، مثل المراجعة الذهنية لروتين عملك المعتاد ثم تخيل نفسك مضطراً إلى أداء مهامك بشكل مختلف. لكن ينبغي ألا يرهق هذا الخيال تفكيرك، فجميعنا تعلّم مؤخراً معنى أن تتزعزع حياتنا العملية تماماً بعد أن أدت الجائحة إلى إغلاق المكاتب، ما تسبب في اضطراب عاداتنا وجداول مواعيدنا وروتيننا وعلاقاتنا أحياناً. وقد يكون التفكير في جوانب الإغلاق العام التي وجدت صعوبة في التعامل معها وسيلة لتحديد أوجه الأداء والسلوك التي ترغب في تجنبها.

2. ابحث عن دور يتطابق مع هويتك

بمجرد أن تطبق إطار عمل القيمة والمعاني والسلوك على مخلّفات هويتك، يمكنك استخدام ما تعلمته لتقييم مدى توافق صاحب العمل المحتمل. ولعلّك سمعت بالفعل أن مقابلات العمل هي طريق ذو اتجاهين، بمعنى أنك تقيّم المحاورين ويقيّمونك بدورهم. ويُعتبر سؤال "هل لديك أي أسئلة لي؟" فرصة مهمة لتقييم مدى التغيير في الهوية التي يتطلبها منك المنصب الجديد.

على سبيل المثال، إذا كان بُعد "القيمة" بالنسبة لك يعتمد على مكانة صاحب العمل وسمعته، فمن الواضح أنك ترغب أن تتمتع مؤسستك التالية بشهرة مماثلة لشهرة مؤسستك الحالية. لكن لا طائل من المكانة إن لم تستطع التباهي بها في الواقع. وإذا كنت من هذا النوع من الأشخاص بالفعل، فعليك التحرّي إن كان المنصب المنشود يتضمن فرصاً لتمثيل الشركة في الأحداث التجارية أو المؤتمرات، أو يتطلّب سفراً إلى المقر الرئيس، وما إلى ذلك.

ولتوضيح "المعاني" المرتبطة بمنصب ما، يمكنك أن تطلب من المُحاور ذكر ثلاث أو أربع صفات تصف مرشحهم المثالي، فقد تكشف مقارنة هذه الصفات بصفات هويتك عن اختلال محتمل.

فإذا كانت الوظيفة الجديدة التي تجري مقابلة بشأنها تتعارض مع ماضيك المهني، ومع مخلّفات هويتك عبر أبعاد القيمة والمعاني والسلوك، فستجد أن تحقيق الملاءمة الوظيفية (وبالتالي الأداء والرضا الوظيفي) يشكّل تحدياً كبيراً. وقد يكون من الأفضل لك حينها مواصلة البحث إلى حين تجد وظيفة أكثر ملاءمة.

لكن لنكن واضحين. لن تجد وظيفة تتناسب مع مخلّفات هويتك ما لم تمتلك عملك الخاص (وحتى لو امتلكت عملك الخاص بالفعل). ولا بد أن تلتزم الصرامة في بعض النواحي والتساهل في بعضها الآخر. ولا يُعتبر ذلك سيئاً بالضرورة. كما أن إجراء تعديلات معقولة على المناصب الجديدة هو خطوة مستدامة للنمو المهني، لأن تجنب إجراء تلك التعديلات قد يؤدي إلى تقويض إنتاجيتك بسبب مخلّفات هويتك. ولا ينطوي الهدف على السعي وراء الكمال، بل إلى "الإرضاء": وهو مصطلح صاغه هربرت سيمون حول كيفية اختيار الناس "حلولاً مرضية لعالمهم الواقعي". ولتحقق النجاح في مسارك المهني إذاً، عليك اختيار وظيفة ملائمة تشعر أنها "مرضية".

وهناك نقطة أخرى يجب وضعها في الاعتبار، إذ تتمثل الميزة الرئيسية لتقييم بحثك عن عمل من منظور التوافق في الهوية في أنه يوسّع خياراتك، فقد تكتشف قفزات إبداعية معقولة تقود مسارك المهني إلى اتجاهات غير متوقعة. على سبيل المثال، قد يكتشف أحد المتخصصين في التواصل المؤسسي وجود فرصة جذابة في المبيعات إذا وجد تطابقاً كافياً في بُعد "المعاني". ويتمتع بعض أفضل مندوبي المبيعات بالفعل بالقدرة على الإقناع والتخطيط الاستراتيجي بفطرتهم.

ومن السهل تحديد تلك الفرص بمساعدة مدير التوظيف، شرط أن تكون منفتحاً وتتمتع بالشفافية بشأن مخلّفات هويتك في أثناء بحثك عن عمل. قد يبدو ذلك التحدي صعباً، لكن تحلّيك بالصدق قبل أن تحظى بفرصة التعيين سيجنّبك أنت (وصاحب عملك الجديد) التجارب السلبية والنكسات المهنية المحتملة. وعليك لهذا السبب أن تحلّل جوانب مخلّفات هويتك التي تنقلها إلى المنصب الجديد لكي تشعر بالرضا وتقدّم أفضل أداء.

3. أكمل عملية الانتقال إلى منصبك الجديد

يمكنك بمجرد الانضمام إلى الشركة متابعة حوار الهوية الصادق والصريح مع مديرك. والمدير الفعّال هو ذلك القادر على استخدام المعلومات لتوقع التحديات ومساعدتك على التكيّف. ومن المحبّذ أن تحدّد أنت ومشرفك أصعب المجالات في عملية الانتقال. على سبيل المثال، غالباً ما يواجه المهنيون الذين يمتلكون خلفية عسكرية صعوبة في أداء المهام غير القائمة على التراتبية، مثل العصف الذهني، فغياب تسلسل قيادي واضح يهدد هويتهم الراسخة بصفتهم "جنوداً جيدين". ويمكنهم من خلال إدراك وجود تضارب في الهويات استكشاف عناصر الهوية غير المألوفة عمداً بدلاً من تجنبها دون وعي. فقد يؤدي الانتهاك الذاتي المستهدف لمخلّفات هوياتهم إلى اكتساب مهارات جديدة، وبالتالي دعم مساراتهم المهنية وتعزيز عملية انتقالهم إلى مناصب جديدة.

يمكنك أيضاً الاستفادة من مخلّفات هويتك لتقديم الملاحظات دون أن تبدو شخصاً فظاً. فقد يمتنع الموظفون الجدد أحياناً عن مشاركة آرائهم الصريحة لكيلا تتزعزع علاقاتهم مع الآخرين، على الرغم من حقيقة أن وجهة نظر الطرف الخارجي قد تكون ضرورية أحياناً للفريق المُنغلق على نفسه. لكن عندما تعترف أن اقتراحاتك مستندة إلى مخلّفات هويتك، سيعتبرها الآخرون تبادلاً متواضعاً لوجهات النظر بدلاً من ملاحظة فظة. كما أنها تجسّد استثمارك الشخصي في تحقيق انتقال مهني ناجح.

إن حالة عالمنا المتقلّبة تعني احتمال اختبارنا كثيراً من القفزات المهنية خلال السنوات القادمة. وستعتمد صحتنا النفسية وإنجازاتنا الوظيفية على قدرتنا على تحقيق تلك التحوّلات وتقييمها دون خيانة أنفسنا الصادقة. وقد يساعدك إطار عمل القيمة والمعاني والسلوك على تحديد الجوانب المتضاربة في مخلّفات هويتك والتخلص منها، والجوانب التي ترغب في استبقائها وتعزيزها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي