التخطيط ليس عدو مرونة الأجايل بالضرورة

5 دقائق

لطالما كان التخطيط أحد الأركان الأساسية للإدارة؛ ففي أوائل القرن العشرين، حدد هنري فايول وظيفة المدراء بأنها تقوم على التخطيط، والتنظيم، والقيادة، والتنسيق، والتحكم. وقد تطورت قدرة المدراء واستعدادهم للتخطيط على مدار القرن. وفي أواخر الخمسينيات ظهرت الإدارة بالأهداف كواحدة من طرق الإدارة الأكثر شيوعاً، وبدا العالم متوقعاً، فبات التخطيط للمستقبل ممكناً. إذن كان من المناسب بالنسبة للمدراء التنفيذيين تحديد أهدافهم، وأمكنهم بعد ذلك التركيز على الإدارة بطريقة تعمل على تحقيق هذه الأهداف.

كان هذا هو المعادل الرأسمالي للخطط الخمسية للنظام الشيوعي. في الواقع، يقول أحد باحثي الإدارة في الستينيات أن أفضل الشركات في العالم من ناحية الإدارة هي شركة ستاندرد أويل في نيوجيرسي، والكنيسة الكاثوليكية الرومانية، والحزب الشيوعي. كان الاعتقاد السائد أنه إذا تم تخطيط المستقبل، فستصير الخطة واقعاً.

لاحقاً، تطورت الإدارة بالأهداف إلى التخطيط الاستراتيجي. طورت الشركات وحدات كبيرة لديها وخصصتها لذلك. وقد تم فصل العاملين في التخطيط عمداً من قبل الإدارة عن الأحداث اليومية لشركاتهم، وأكدوا على ضرورة اتباع الإجراءات الرسمية في أي عمل يخص الأرقام. وقد عرّف هنري مينتزبيرغ التخطيط الاستراتيجي على أنه "نظام رسمي لتشفير، وتفصيل، وتفعيل الاستراتيجيات التي تمتلكها الشركات أصلاً". كان الاعتقاد الأساسي هو أن المستقبل لا زال بالإمكان توقعه بشكل كبير.

أما الآن، فقد سقط التخطيط الاستراتيجي من قائمة المفضلات، ففي مواجهة التغييرات التكنولوجية المتسارعة، وظهور القوى المزعزعة في صناعة بعد أخرى، والمنافسة العالمية، وما إلى ذلك، يبدو التخطيط وكأنه تفكير حالم لا طائل منه.

ومع ذلك، ما زال التخطيط ضروري لأي شركة من أي حجم. انظر للمؤسسة التي تعمل بها، إن حقيقة أن لديك مكاناً للعمل مجهزاً ومعداً له، وأنك وزملاؤك تعملون على مشروع معين في وقت ومكان محددين، يتطلب نوعاً من التخطيط. الواقع هو أنه يجب وضع خطط باستمرار لاستخدام موارد الشركة، بعضها يكون قصير المدى، والبعض الآخر يمتد إلى مستقبل متصور.

إن التخطيط، على الرغم من اتفاق الجميع على أهميته، إلا أنه غير ملائم للعصر، ويبدو مثل عانس في رواية جين أوستن تنتظر حتى يدرك شخص ما قيمتها.

إلا أنّ الرؤساء التنفيذيين يشعرون بالقلق إزاء التخطيط، لأنه يبدو جامداً، وبطيئاً، وبيروقراطياً، وما زال إرث فايول باق. في هذا السياق، أظهر استطلاع أجرته تحليلات هارفارد بزنس ريفيو لعام 2016 شمل 385 مديراً، أن معظم الرؤساء التنفيذيين يصابون بالإحباط بسبب التخطيط، وذلك لاعتقادهم بأن السرعة مهمة، وأن الخطط تتغير في الغالب. فلماذا تبذل جهداً ووقتاً في عملية التخطيط، وأنت لن تتبع هذه الخطة؟

تترافق الإحباطات الناتجة من ممارسات التخطيط الحالية مع ظهور اتجاه إداري أساسي آخر وهو: المرونة التنظيمية عبر نظام أجايل. إن إعادة تنظيم فرق الإدارة الذاتية الصغيرة، التي تعززها أساليب المرونة مثل عمل الفرق بطريقة سكرَم (Scrum)، وسكرَم ذو النطاق الكبير (LeSS)، تظهر كطريق مؤد إلى المرونة التنظيمية المطلوبة للتنافس في واقع الأعمال سريع التغير. ويعتبر أحد المبادئ الرئيسة المرتكزة على المرونة على أساس الفريق، أن الفرق تقرر أولوياتها بشكل مستقل، وكذلك مجالات تخصيص مواردها الخاصة.

يتناقض منطق التخطيط الاستراتيجي المركزي طويل المدى (الذي يتم مرة واحدة في السنة في وقت معين) مع توجه المؤسسات التي أُعيد تصميمها على أساس الفرق التي تحدد أولوياتها وتُخصص مواردها بوتيرة أسبوعية.

لكن إذا كان كل من التخطيط ومرونة الأجايل ضروريان، فإنه يتعين على المؤسسات أن تستخدمهما سوياً. عن طريق استخدام مخطط فِن ووضع التخطيط في جانب والمرونة في الجانب الآخر، وإيجاد مكان وسطي بحيث يكون عملي وقابل للتنفيذ. ولذلك، فإن إعادة التفكير في التخطيط الاستراتيجي لم يكن أكثر إلحاحاً وأهمية من اليوم. ينبغي أن يتخذ التخطيط في القرن الحادي والعشرين نمط التخطيط المرن.

للتخطيط المرن عبر الأجايل عدد من الخصائص هي:

1- وجود أطر عمل وأدوات تمكن الفريق من التعامل مع مستقبل مختلف عما هو عليه الآن.

2- القدرة على التعامل مع التغييرات التي تتسم بالتكرار والديناميكية.

3- الحاجة إلى استثمار الوقت لإجراء محادثة استراتيجية حقيقية بدلاً من التركيز على الأرقام فقط.

4- الموارد والتمويل المتاح بطريقة مرنة للفرص الناشئة.

يولّد تقاطع التخطيط مع المرونة التنظيمية متطلبين رئيسيين اثنين وهما:

عملية قادرة على التنسيق والمواءمة مع الفرق المرنة.

تواجه المؤسسات المرنة تحدي إدارة الاستقلالية المحلية للفرق (مدخلها من الأسفل إلى الأعلى) باتساق مع الصورة الأكبر المُمَثلة في أهداف القبيلة (أي الفريق)، وعن طريق الاعتماد المتبادل بين القبائل والأولويات الاستراتيجية للمؤسسة (وتوجهها من الأعلى إلى الأسفل). حيث يتطلب إدارة هذا التوتر اعتماد عمليات وروتين جديد للتخطيط والتنسيق.

ومن أحد الأمثلة التي نذكرها بنك آي إن جي الهولندي (مؤسسة الخدمات المالية الهولندية). فقد أعاد هيكلة عملياته في هولندا عن طريق إعادة تنظيم 3,500 موظف على شكل فرق مرنة. هذه الفرق مستقلة ومتعددة التخصصات (لا يتجاوز عدد أعضاء الفريق الواحد تسعة أشخاص)، وهي قادرة على تحديد مجال عملها واتخاذ قرارات العمل بسرعة ومرونة. ويتم تنظيم الفرق في قبيلة (لا تزيد عن 150 شخصاً)، وهي تتكون من مجموعة من الفرق التي تعمل في المجالات ذات الصلة.

راجع البنك عملياته، وبدأ بعقد اجتماعات روتينية ونماذج لإيجاد التوافق بين القبائل المختلفة وضمن القبيلة نفسها أيضاً. تطور كل قبيلة تقرير ربع سنوي لتقييم الأعمال، وهي وثيقة مكونة من ست صفحات تحدد أولويات القبيلة وأهدافها والنتائج الرئيسية، ثم تناقشها بعد ذلك في اجتماع كبير للتنسيق (يسمى سوق تقييم الأعمال ربع السنوي) يحضره قادة القبائل والقادة الآخرين ذوو الصلة. في هذا الاجتماع، يتم طرح سؤال أساسي واحد: عندما نضيف كل شيء، هل يساهم ذلك في تحقيق الأهداف الاستراتيجية لشركتنا؟

يحدث التنسيق داخل القبيلة فيما يسمى بحدث سوق الأوراق المالية، حين يجتمع ممثلون عن كل فريق من الفرق التي تُشكّل القبيلة للاتفاق على كيفية تحقيق الأهداف المحددة، ومناقشة فرص التعاون.

يوضح مثال بنك آي إن جي كيف أن عملية التخطيط لا تزال ضرورية وأساسية للشركات المرنة، وإن اختلفت العمليات والآليات والطرق.

ومع تحول المزيد والمزيد من الشركات إلى مؤسسات مرنة، فإنه من المرجح أن يصبح التخطيط المرن هو الوضع الطبيعي الجديد ليستبدل نهج التخطيط المركزي التقليدي.

وهو عملية توظف كل من البيانات الكمية غير المحدودة والحكم البشري.

لطالما كان هاجس المخططين هو جمع البيانات الكمية عن صناعتهم، والأسواق، ومنافسيهم، فيما تم تجاهل البيانات النوعية، مثل شبكات الاتصالات، والتحدث مع العملاء والموردين والموظفين، باستخدام الحدس والمصادر غير الرسمية.

ابتداء من الستينيات، كان التخطيط مبنياً على أساس التحليل. أما الآن، وبفضل البيانات الضخمة، فإن القدرة على توليد البيانات غير محدودة. ولكن هذا لا يعني بالضرورة وضع خطط أفضل للمستقبل.

ولا يمكن إغفال أهمية البيانات النوعية. يقول هنري مينتزبيرغ: "بينما تبلغ البيانات الكمية الفكر، تُولّد البيانات النوعية الحكمة إلى حد كبير. وقد يكون من الصعب "تحليلها"، ولكن لا غنى عنها للتركيب، وهو مفتاح تكوين الاستراتيجية".

تحتاج الشركات أولاً إلى تصور الاحتمالات، وثانياً لاختيار احتمال واحد منهم يمكن استخدام الحجة الأكثر إقناعاً لدعمه. فعند اتخاذ القرار الذي تدعمه أكثر الحجج إقناعاً، يجب الأخذ في الحسبان جميع البيانات التي يمكن تحليلها. ولكن بالإضافة إلى ذلك، يجب عليهم استخدام الحكم النوعي.

في المؤسسات التي تعتمد الأجايل تستخدم الفرق التفكير التصميمي والتقنيات الاستكشافية الأخرى (بالإضافة إلى البيانات) لاتخاذ قرارات سريعة وتغيير دورة العمل بشكل أسبوعي. ويتم اتخاذ القرار بواسطة فريق من الأشخاص، لضمان تجنب التحيز في حال اتخاذ القرار من قبل شخص واحد استناداً إلى حكمه الفردي. تتمكن المؤسسة المرتكزة على فريق العمل المرن من الاستفادة إلى حد ما من البيانات النوعية والحكم، جنباً إلى جنب مع البيانات الكمية اللامحدودة، وذلك لاتخاذ قرارات أفضل.

لقد أدى الاعتماد على البيانات الكمية وحدها إلى قتل العديد من فرص الأعمال. ومن أحد الأمثلة منتج "نسبرسو"، وهو المنتج الرائد في كبسولات القهوة الذي طورته شركة نستله. حقق منتج نسبرسو نجاحاً باهراً عندما توقفت الشركة عن استهداف المكاتب وبدأت بتسويق المنتج للأسر. لم يكن هناك بيانات كافية عن كيفية استجابة الأسر للمفهوم، وأشارت المعلومات المتاحة إلى قيمة استهلاكية مُتصورة لا تتجاوز 25 سنتيماً سويسرياً لكل مستهلك، في مقابل شرط عام للشركات من أجل البداية وهو 40 سنتيماً. اضطر فريق نسبرسو إلى تفسير البيانات بمهارة لتقديم فكرته بشكل مقنع أكثر للإدارة العليا. ولشدة إيمانه بالفكرة، أجبر الشركة على تحمل مخاطر أكبر من المعتاد. في حال استرشدت شركة نستله بأبحاث السوق الكمية فقط، أي المعتمدة على الأرقام، فإن هذه الفكرة لم تكن لتتحقق يوماً.

يلزم إعادة النظر في نهج التخطيط التقليدي من أجل خدمة أهداف الشركات المرنة في القرن الحادي والعشرين بشكل أفضل. إن التخطيط المرن عبر الأجايل هو مستقبل التخطيط. وسيتطلب هذا النهج الجديد عنصرين أساسيين؛ أولهما: استبدال الهواجس التقليدية بالبيانات الكمية والاعتماد الكلي على الأرقام، بتحقيق توازناً بين البيانات الكمية والنوعية، حيث يلعب الحكم أيضاً دوراً مهماً. وثانيهما: تقديم آليات وطرق جديدة تضمن التوافق بين المئات من الفرق المحلية المستقلة ذاتية التنظيم، وبين الأهداف والتوجهات الشاملة للشركة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي