تقرير خاص

التخطيط الحضري الصديق للطفل: مدن مثالية للجميع

4 دقائق
التخطيط الحضري
shutterstock.com/Suti Stock Photo

ما الذي يحتاج إليه الأطفال في مدنهم؟ يتجاهل صناع القرار هذا السؤال في أثناء تخطيط المدن أو تصميمها، منشغلين بأولويات أخرى تخص الأعمال على الأغلب، وينسون ورثة هذه المدن!

ظهر مؤخراً اتجاه يدعو إلى التخطيط الحضري الصديق للطفل، عبر وضع الأطفال واحتياجاتهم كأولوية في أثناء رسم الخطوط الأولى للمدن. فماذا يعني التخطيط الحضري الصديق للطفل، وكيف يؤثر على نمو الطفل وسلوكه، وكيف يعمل هذا التخطيط لصالح المجتمع بأكمله؟

ما الذي يعنيه التخطيط الحضري وفقاً لاحتياجات الطفل؟

يتعدّى التخطيط الحضري الملائم للطفل، تصميم الملاعب أو المرافق الترفيهية والحدائق، إلى  تطوير بنية تحتية متكاملة، وشبكة من الشوارع، ووسائل نقل مستقلة، ومساحات طبيعية في النسيج الحضري، ليتمكن الأطفال من التجول بحرية وأمان.

المدن هي المكان الذي يعيش فيه غالبية الأطفال، حيث يعمل ذووهم ويخلقون سبل عيشهم، وحيث تتم معالجة المشاكل الاجتماعية المتنوعة، وحيث يتم توفير الخدمات الأساسية، وحيث تتكوّن الروابط الاجتماعية.

ولا بد أن يدعم التخطيط الحضري المثالي التواصل الصحي بين الأجيال المختلفة، ويُشجع السلوكيات الإيجابية والمستدامة مثل التنقل المستقل للأطفال الصغار، والتعلم الاستكشافي في الأماكن العامة، وتوسيع شبكات الخدمات التي يمكنها بالفعل سد الفجوات الاجتماعية التي تؤثر في الغالب على النساء والأطفال في جميع أنحاء العالم.

ماذا يريد الأطفال في مدنهم؟

حينما نتحدث عن الطفل، فنحن نشير إلى مجتمع كامل من أُسرة وحضانة ومربيين ومدرسة ومستشفى وسائقين وبائعين ومصلحين اجتماعيين وداعمين نفسيين وحتى واعظين دينيين، وغيرهم، إذ إن هناك نحو 120 وظيفة مرتبطة بالطفل. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال صوت الطفل مفقوداً في مناقشات التخطيط الحضري.

أجرت جامعة أوتاغو مشروعاً لمعرفة المدن المثالية للأطفال، شارك خلاله نحو 27 طفلاً تتراوح أعمارهم بين سنتين وخمس سنوات  رسموا خرائط مدينتهم المثالية. فكانت مدنهم النموذجية آمنة، ومتصلة اجتماعياً ومادياً، مع الوجهات والخدمات والمرافق المتاحة التي يمكن للناس من جميع الأعمار والقدرات الوصول إليها بأمان، إذ يفكرون في احتياجاتهم الخاصة وكذلك احتياجات الآخرين.

قدّر الأطفال حرية التنقل، والاختيار والتنوع، ورحبوا بالمساحات الخضراء، وكرهوا حركة المرور والأماكن المزدحمة وغير المنظمة. وخلصت نتائج المشروع إلى أن اتباع نهج صديق للأطفال في التخطيط الحضري ضروري لإنشاء مدن شاملة تعمل بشكل أفضل للجميع.

كيف يؤثر التخطيط الحضري المناسب على نمو الطفل وسلوكه؟

هناك مثل شائع يقول: "يحتاج تربية طفل واحد إلى مجتمع كامل"، ما يعني أن المجتمع بأكمله يجب أن يدعم نشأة الأطفال، ويتفاعل معهم بشكل إيجابي حتى يضمن لهؤلاء الأطفال النمو في بيئة آمنة وصحية.

يتعلم الأطفال منذ يومهم الأول من خلال التواصل، ففي كل مرة يتم إطعامهم أو مواساتهم أو اللعب معهم، يقومون بإجراء اتصالات جديدة حول كيفية تصرف الأشخاص وكيفية سير الحياة. إذ إن الأشخاص الذين يلتقون بهم والأماكن التي يذهبون إليها والطرق التي ينتقلون بها يعلمونهم كيف يعمل العالم وبيئتهم المباشرة.

وتُظهر التجارب المبكرة أن العلاقات الداعمة والظروف البيئية تشكل "بنية الدماغ" وتضع الأسس للتعلم والصحة في وقت لاحق. حيث يحتاج الأطفال الصغار إلى علاقات داعمة وظروف بيئية لبناء "بنية دماغية" قوية ومرنة في المواقف العصيبة، وسيساعد التخطيط والتصميم الحضري في بناء حياة عامة صحية ومبهجة في المدن وتمكين النمو الأمثل لدماغ الطفل.

تعتبر مرحلة الطفولة المبكرة، وهي المرحلة الممتدة من فترة الحمل إلى عمر 8 سنوات، ذات حساسية عالية للضغوط البيئية، وقد تؤدي الاضطرابات في أثناء نمو الطفل إلى عواقب صحية قصيرة وطويلة الأجل. فعلى سبيل المثال، يؤثر تلوث الهواء على النمو العصبي، بما في ذلك زيادة خطر اضطراب طيف التوحد، ومشاكل الانتباه، وانخفاض الوظيفة الإدراكية والحركية. وفي المقابل، يبدو أن التعرض للمساحات الخضراء مفيد لسلوك الأطفال وإدراكهم.

وأظهرت دراسة أجريت على 5,403 طفل في مناطق حضرية أوروبية، ارتباطاً بين عوامل تصميم البيئة المحيطة والوظيفة المعرفية للأطفال في سن الخامسة. فارتبطت زيادة كثافة تقاطعات الشوارع بالقدرات اللفظية المنخفضة. وفي المقابل، كان للبيئة الطبيعية تأثير مفيد على التطور المعرفي لهم.

لا يتعلق الأمر بالنمو فقط، وإنما يتحكم التخطيط الحضري بسلوكيات الأفراد، الأطفال والبالغين، فتفيد دراسة للباحث والمصمم دان لوكتون أن التصميم والتخطيط البيئي الجيدين من أهم العناصر الأساسية التي تؤثر على سلوك الإنسان وإنتاجيته ومساهمته في المجتمع. فيقول لوكتون: "هناك خيط طويل الأمد من الاعتراف بأن الطريقة التي يعيش بها الناس حياتهم مرتبطة ارتباطاً مباشراً بالبيئات المصممة التي يعيشون فيها".

الأطفال هم مؤشر المدن

يقول العمدة الأسبق للعاصمة الكولومبية بوغوتا، إنريكي بينالوسا: "الأطفال هم مؤشر للمدن، فإذا تمكّنا من بناء مدينة ناجحة للأطفال، فسيكون لدينا مدينة ناجحة لجميع الناس".

إذ إن مقدار الوقت الذي يقضيه الأطفال في اللعب في الهواء الطلق، وقدرتهم على التنقل بشكل مستقل، ومستوى اتصالهم بالطبيعة هي مؤشرات قوية على كيفية أداء المدينة، ليس فقط للأطفال ولكن لجميع الأجيال من سكان المدينة. وعلى العكس، إذا فشلت المدن في تلبية احتياجات الأطفال، فإنها تخاطر بآثار اقتصادية وثقافية.

فغالباً ما يشعر آباء الأطفال الصغار بالعزلة والإرهاق، خاصة خلال السنوات الحرجة الأولى من حياة أطفالهم، نظراً لعزلة أماكن الطفل عن الأماكن العامة في كثير من الأحيان. في حين نجد أن الساحات والحدائق والشوارع التي تم تصميمها عن قصد لتكون مشتركة وصديقة للأسرة توفر فرصاً للعائلات ومقدمي الرعاية للتواصل وتعزيز شبكة دعم بعضهم مع بعض.

لا تعزز هذه المساحات التفاعل الاجتماعي الإيجابي وتحسن الروابط بين الأفراد فحسب، بل تعزز أيضاً نظام المجتمع الأكبر والشعور بالانتماء الذي يمكن أن يوفر الدعم الجماعي لمن يحتاجون إليه. ويمكن للآباء وموظفي المدينة العمل مع المجتمعات لإنشاء برامج ثقافية محددة تلبي رغبات الأطفال والبالغين من جميع الأعمار.

مبادئ تدعم تطوير المدن لتلبية احتياجات الطفل والمجتمع

يطبق العديد من المدن حالياً منهجيات تتمحور حول احتياجات الناس وتجعل المدن أكثر صحة وخضرة وصالحة للعيش وأكثر استدامة ومرونة مثل كوبنهاغن وفيينا وغنت وأوترخت وبوا فيستا وتيرانا وفورتاليزا وميلانو. ومع الوقت، يلتزم المزيد من المدن بمسارات أكثر استدامة يمكن أن تضمن تأثيراً طويل المدى في رفاهية الناس.

وفي أبوظبي، تسعى هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة إلى اتباع نهج شامل يسمح بالعمل عبر مختلف القطاعات وعبر مختلف مستويات الحكومة. وتتبع الهيئة بعض المبادئ لدعم التنمية الشاملة للطفولة المبكرة في المجال العام للمدن، وهي كالأتي:

  • جمع البيانات حول رغبات الأطفال الصغار ومقدمي الرعاية في الأماكن العامة.
  • ضمان القرب من الأماكن العامة ذات الجودة الصحية ووسائل النقل الآمنة.
  • تصميم شوارع عالية الجودة توفر فرصاً آمنة للعب وتناول طعام صحي وإنشاء روابط إيجابية.
  • تحفيز الإبداع وفرص التعلم الاجتماعي والعاطفي للأطفال الصغار وأسرهم.
  • دعم اتصال الأطفال بالطبيعة.
  • تحمل المسؤولية الجماعية لتربية الأطفال الصغار.
  • قياس تأثير التدخلات وتحسينها وتكرارها وتوسيع نطاقها.
  • توثيق قصص النجاح وتبادلها حول التغيير السلوكي الإيجابي في المجال الحضري في أبوظبي.

تحتاج المدن في جميع أنحاء العالم بشكل عاجل إلى تدخلات طموحة وفعالة لضمان بيئات صحية والمساهمة في تنمية مستدامة ومنصفة ومرنة وشاملة للجميع، والسبيل إلى ذلك البدء برغبات الأطفال.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي