التحيّز في اتخاذ القرارات

3 دقائق
التحيز في اتخاذ القرار

ثمّة نتيجة واضحة جداً توصلت إليها عقود طويلة من الأبحاث المتعلقة بالتحيز في اتخاذ القرار، وكذلك الكتب الصادرة حديثاً والتي تحظى بشعبية كبيرة مثل كتاب "التفكير السريع والتفكير البطيء" (Thinking, Fast and Slow)، لدانيال كانيمان، ويمكن تلخيص هذه النتيجة على النحو التالي: الأسلوب غير العقلاني الذي يتصرف به الدماغ البشري يؤثر غالباً على قرارات الناس بطرق لا يتوقعوها هم ولا الأشخاص من حولهم. والأخطاء الناجمة عن ذلك تمنعنا من اتخاذ قرارات سليمة، سواء فيما يخص العمل أو الحياة الشخصية، حتى بعد أن تراكمت لدينا خبرة عملية كبيرة ومعارف هائلة.

اقرأ أيضاً: الحيادية أثناء اتخاذ القرارات

ولكن للأسف، على الرغم من أننا نعرف الكثير عن التأثير الذي تتركه تحيزاتنا، مثل الثقة المفرطة ومحاولة تحاشي الخسارة، على قراراتنا، لا يزال الناس يعانون لمعالجة هذه التحيزات بطريقة منهجية لا تجعلنا نتخذ قرارات غير فعالة أو حتى سيئة. نتيجة لذلك، حتى عندما يعتقد المدراء التنفيذيون أنهم يتخذون خطوات مناسبة لتصويب تحيزات الموظفين أو التغلب عليها، فإن إجراءاتهم غالباً ما تكون عديمة الفائدة.

الاقتصاد السلوكي وحل مشكلة التحيز في اتخاذ القرار

فما هو الحل إذاً؟ الاقتصاد السلوكي يمكن أن يعطينا الإجابة. نظراً لوجود صعوبة كبيرة في إعادة تشكيل الدماغ البشري بغية تغيير الأنماط التي تقود إلى التحيزات، فإن الاقتصاد السلوكي يطالبنا بتقبّل الأخطاء المرافقة لعملية اتخاذ القرارات لدى البشر، وعوضاً عن ذلك هو يدعونا إلى تغيير السياق الذي نتخذ فيه القرارات بطرق تقودنا إلى نتائج أفضل.

ولكن كيف يتم ذلك؟ دعونا نأخذ المثال التالي: ربما تتذكرون في مسلسل "ساينفيلد" (Seinfeld)، كيف كان جورج كوستانزا يترك سيارته مركونة في المكتب عمداً، بحيث يعتقد مديره بأنه كان يعمل لساعات طويلة. هنا نحن أمام محاولة للاستفادة من حالة معروفة لدى علماء النفس، وهي الميل إلى استعمال المؤشرات الدالة على بذل مجهود بغية الحكم على النتائج، في وقت قد يكون فيه الارتباط بين الجهد المبذول ونتيجة العمل ضعيفاً عملياً. في هذه الحالة، كوستانزا يستعمل التحيز لمصلحته، من أجل تغيير الطريقة التي يحكم بها مديره على إنتاجيته.

اقرأ أيضاً: 10 طرق للتقليل من الانحياز في عملية اتخاذ القرارات ضمن شركتك

لكن معرفة هذا النوع من التحيز يمكن أن تساعد المدراء أيضاً في تعزيز الفعالية ضمن المؤسسة. على سبيل المثال، يمكنهم ذلك من خلال تحديد العناصر المهمة في "آلية الاختيار" التي تسهم في تحسين التجربة التي يشعر بها العميل. درس الباحثان ريان بيول ومايك نورتون من كلية "هارفارد للأعمال" في ورقة بحثية حديثة الطرق التي يمكن أن تساعد المؤسسات على تحسين مستوى الرضا لدى زبائنها. واكتشفوا أنه عندما تُظهر شركة ما بطريقة بصرية واضحة حجم الجهد الذي بذلته خلال إتمام العمليات، فإن احتمال شعور الزبائن بالرضا أثناء انتظار الحصول على الخدمة كان أكبر. فعندما يستطيع الناس رؤية الجهد المبذول نيابة عنهم في تقديم خدمة ما – والذي يصفه بيول ونورتون بعبارة "الشفافية في العمل" – فإنهم لا يمانعون بالانتظار لفترة أطول فحسب، وإنما هم يثمّنون الخدمة أكثر أيضاً.

وفيما يلي تفسير هذه الحالة. في إحدى دراسات الباحثين بويل ونورتون، أنشآ موقع إنترنت وهمي للسياحة والسفر، وطلبا من الناس المشاركين في الدراسة البحث عن رحلة من بوسطن إلى لوس أنجلوس. بعض الناس رأوا الشريط التقليدي الملون الذي يبين مدى التقدم المحرز في عملية البحث، بينما اختبر أشخاص آخرون "الشفافية في العمل": حيث كان الموقع يظهِر كل شركة طيران يجري البحث فيها، كأن تظهر عبارة "البحث جارٍ الآن في موقع "دلتا دوت كوم" (delta.com)". ثم "البحث جارٍ الآن في موقع "جت بلو دوت كوم" (jetblue.com) – مع عرض رقم متغيّر يبين عدد الرحلات ذات السعر الأرخص. ورغم أن جميع المشاركين في الدراسة حصلوا على القائمة نفسها من الرحلات والأسعار، فإن الأشخاص الذين اختبروا "الشفافية في العمل" منحوا الخدمة علامة أعلى بالمقارنة مع الأشخاص الذين لم يروا سوى "الشريط الملون الذي يبين التقدم المحرز".

إن هذه الأمثلة تشير بوضوح إلى التحيز في اتخاذ القرار وإلى أن هذا التحيز الماكر والخفي هو غالباً السبب الرئيس الكامن وراء عدم الفعالية في المؤسسات. لكنها تسلط الضوء أيضاً على أن المعرفة بوجود هذه التحيزات والطريقة التي تعمل بها، يمكن أن تقود إلى حلول فعالة للمشاكل المؤسسية. نحن عادة ننظر إلى القادة بوصفهم مدراء، لكن المدراء يجب أن يكونوا أيضاً مثل المهندسين المعمارين بحيث يبحثون عن الفرص في الطريقة التي يجري بها العمل لتحسين السلوك لصالح الأفراد والزبائن والمؤسسة.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي