كيف تبتعد عن التحيّز الجندري في تقييم أداء العاملين؟

5 دقائق
التحيز في تقييم الموظفين

ثمّة اعتراضات كثيرة تثار حول عمليات مراجعة الأداء السنوية. إذ غالباً ما يقوم المدراء المتعجّلون بالتذكر السريع للأمور الإيجابية والسلبية جداً، ويحصل غالبية الموظفين على توجيهات غير واضحة المعالم. فكيف نتخلص من مشكلة التحيز في تقييم الموظفين؟

التحيز ضد النساء في عمليات مراجعة الأداء

يظهر عيب إضافي في عمليات مراجعة أداء النساء، إذ يتم التعامل مع النساء في أغلب الأحيان بطريقة غير منصفة. وفي كتابي المقبل حول التحيّز الجندري في مكان العمل (أي التحيّز المبني على جنس الإنسان ونوعه الاجتماعي)، الذي شاركتني في تأليفه الصحفية كيم كليمان (Kim Kleman)، نستعرض مجموعة واسعة من الإجراءات الناجحة التي استعملتها في العديد من الشركات الكبيرة المحلية والأجنبية المتخصصة بالخدمات المهنية الفكرية من أجل ضمان وجود مجال متكافئ للنساء في التقييمات والترقيات، فضلاً عن عدة مجالات أخرى. وكانت إحدى نتائج تحليل مضمون المراجعات السنوية الخاصة بالأداء الفردي، أن النساء يتلقين قدراً أكبر من الآراء النقدية الذاتية، مقابل الآراء الإيجابية أو الآراء النقدية الموضوعية، وبنسبة تزيد بمقدار 1.4 مرّات مقارنة مع الردود التي يتلقاها الرجال.

اقرأ أيضاً: كيف تبدو الآراء التقييمية الجيدة؟

ويعود السبب في ذلك إلى الطبيعة الذاتية للتقييمات السنوية، ما يؤسس لظهور التحيّز الجندري عند استخدام عبارة مثل "عادل أكثر ارتياحاً واستقلالاً من ريم في التعامل مع مخاوف هذا الزبون"، والتحيّز التأكيدي عند استخدام عبارة مثل "كنت أعلم بأنها ستعاني في تنفيذ هذا المشروع"، بين جملة أخرى من التحيّزات.

قد تقود هذه التحيّزات إلى استعمال معايير مزدوجة، بمعنى أن وضعاً معيناً يمكن أن يُعطى تفسيراً إيجابياً أو سلبياً، اعتماداً على النوع الاجتماعي للشخص المعني إن كان ذكراً أم أنثى. ففي إحدى المراجعات التي اطلعت عليها، قال المدير: "يبدو أن سارة تنكمش على ذاتها في حضرة الآخرين، وخاصة في حضرة الزبائن، وهي يجب أن تكون أكثر ثقة بنفسها". لكن مشكلة مشابهة – تخصّ الثقة في العمل مع الزبائن – أُعطيت تفسيراً إيجابياً عندما كان رجلاً هو المعني بها، بالقول: "يحتاج فراس إلى تطوير قدرته الطبيعية على العمل مع الناس".

وفي مجموعتين أخريين من المراجعات، سلّط الشخص الذي يجري هذه المراجعة الضوء على "وجود حالة من الشلل في مجال التحليل" عندما كان يتعلّق الأمر بامرأة، في حين نظر إلى السلوك ذاته لدى زميل لها على أنه ضرب من التفكير المتأني، حين قال "يبدو أن بشرى كانت تعاني من الشلل والارتباك عندما كانت تعطى مهلاً نهائية لاتخاذ القرار، في حين "يبدو أن إبراهيم يتردد في اتخاذ القرارات، ومع ذلك فإنه قادر على التوصل إلى عدة حلول بديلة واختيار الأنسب بينها". هذا النوع من المعايير المزدوجة يؤثر تأثيراً واضحاً على فرص النساء في الارتقاء.

وعلى المنوال ذاته، لن تستفيد الشركة إذا كان تقييم الموظف معتمداً على تحيزات ذاتية تدعو للتساهل معه وتجد له المبررات، وهذا ما يسمّى "تأثير الهالة" (Halo Effect)، التي يتأثر بها بعضنا حين نفترض الخصلة الإيجابية في بعض الأشخاص ونرفض احتمال تغييرها.

اقرأ أيضاً: كيف بإمكانك التماس تقييم سلبي عندما لا يريد مديرك إعطاءه؟

وتكشف البيانات التي توصلت إليها، أن النساء تلقيّن قدراً أقل من الآراء النقدية البنّاءة. إذ يسمح النقد البنّاء للموظف بالتركيز على الإيجابيات مع تحديد المجالات التي يمكن تطويرها. وعلى سبيل المثال، يمكن إبداء هذا النوع من الآراء باستخدام عبارة من قبيل: "سارة، غالباً ما تكون إجاباتك المقدّمة إلى الشركاء بخصوص المسائل المتعلقة بالزبائن بعيدة عن الهدف"، عوضاً عن قول: "سارة، لقد فوّتي فرصاً مهمة لتقديم معلومات واضحة ومقتضبة مثل كذا وكذا. وأنا لديّ بعض الأفكار التي قد تساعدك في تجنب حصول هذا الأمر مستقبلاً". وقد كانت هذه النتائج متوافقة مع الأبحاث التي أجرتها كل من شيلي كاوريل وكارولين سيمارد (Caroline Simard) في جامعة "ستانفورد". وتشير أبحاثهما إلى أن النساء يتلقين آراءً أكثر غموضاً بالمقارنة مع الآراء التي يتلقاها الرجال.

في أغلب الأحيان، كان أداء النساء يُنسب إلى أشياء مثل الحظ أو القدرة على قضاء ساعات أطول في المكتب، وكان يُنظر إلى ذلك بوصفه التزاماً حقيقياً بالشركة، عوضاً عن اعتباره جزءاً من القدرات والمهارات. وعلى هذا النحو، غالباً لم يحصلن على ذلك التقدير الذي تستحقه إنجازاتهن.

إلا أن قابلية التعديل التي يتمتع بها نظام تقييم الأداء، تُمكنك من استبعاد تدخّل التحيّزات الذاتية، لا سيما إذا ما استعملت معايير أكثر موضوعية، تشمل مجموعة أوسع من الأشخاص المعنيين بإجراء المراجعة، مع إدخال تعديل على وتيرة إجراء المراجعات.

وبالتحديد، فإن تجاربي الميدانية في الشركات المتخصصة بالخدمات المهنية الفكرية، تشير إلى أن استعمال أدوات الاتصال المؤتمتة والآنية والمفصّلة بحسب الحاجة، التي تقدّم رأياً فورياً بخصوص الأداء الأسبوعي للموظف من المشرفين والزملاء والزبائن، يمكن أن تقود إلى نتائج دراماتيكية في حالة النساء.

وخلافاً للنظام التقليدي لتقييم الأداء السنوي، صُمِّمت هذه الأدوات لاستبعاد التحيّزات من الإجابات، كاستخدام لغة تُعتبر حيادية من حيث الجنس عند تقديم الرأي، التي تساعد بدورها من يجرون المراجعة في تقديم رأي بنّاء.

وثمّة فائدة أخرى تتمثّل في أن طلب هذه الآراء بوتيرة أكبر يمنح فرصاً للتعرّف على أساليب القيادة المختلفة. كما أظهر العمل المهم الذي أجرته أليس إيغلي (Alice Eagly) في جامعة "نورث ويسترن"، أن هناك فروقات في الأساليب القيادية بين الجنسين، وتتصف أساليب النساء بقدر أقل من التراتبية وقدر أكبر من التعاون والتشاركية مقارنة بالأساليب القيادية للرجال.

كما تبيّن أن تمييز نقاط قوة النساء -كاتباعهن الأساليب التشاركية والتعاونية - كان أسهل عند استعمال نظام التقييم الجديد هذا. فعلى سبيل المثال، شمل الرأي الفوري المطلوب ما يلي: "الموظف يجيد التعاون مع أعضاء الفريق ويعرف كيف يساعد الآخرين في وقت الحاجة" أو "الموظف يُسهم في نجاح الفريق دائماً". بعبارة أخرى، لقد ساعد ذلك في جعل المعلومات المستعملة لأغراض التطوير والتقييم أكثر دقة وحيادية تجاه جنس الشخص المعني.

قد يبدو تقديم الرأي بصورة متكررة عملاً شاقاً، وخاصة في حالة الفرق الكبيرة. لكنه بالتأكيد ليس كذلك. فآلية تقديم الرأي تشمل شخصين إلى ستة أشخاص يشاركون في العملية كل أسبوع، ولا يحتاج أي منهم إلى أكثر من 15 دقيقة.

اقرأ أيضاً: الرد على تقييم لا تتفق معه

واحد من المنافع الأخرى؛ هو أن الزبائن الذين شاركوا في هذه التجارب طلب منهم تقييم أداء الأشخاص الذين كانوا يسهرون على خدمتهم. وقد شعر الزبائن أن هناك من أصغى إليهم وتفاعل معهم خلال عملية تقديم الرأي البنّاء بخصوص الأشياء التي كانوا يثمّنونها في العلاقة وكيف يمكن خدمتهم بطريقة أفضل.

فعلى سبيل المثال، قد يضع الزملاء تقييماً لبعضهم وفقاً للمعيار التالي: "هناك معلومات واضحة تقدّم إلى الزبون في أثناء المكالمة"، في حين يُسأل الزبائن ما إذا كان الموظف الذي يسهر على خدمتهم قد "تجاوب مع مخاوفي وأظهر اهتماماً خلال المكالمة". ثم تُجمع هذه التقييمات مع مرور الوقت ضمن فئة أوسع تُسمى "العلاقة مع الزبون".

مراجعة

يُقاس وزن هذه الإجابات بمدى احتكاك الشخص الذي يعطي الرأي مع الشخص الذي يخضع لتقييمه. ويجلس الموظف مرّة كل ثلاثة أشهر مع المدير من أجل مراجعة النتائج.

تُعتبرُ المزايا التي تتّصف بها هذه المقاربة، مقارنة مع المراجعات السنوية، هائلة للمدراء، إذ إنهم:

  • يتلقّون معايير موضوعية بخصوص تقديم نظرة شاملة على الأداء. علاوة على ذلك، هم يحصلون على تفاصيل لم تتح لهم من قبل، مثل مدى ثبات أداء الموظف، وكيف يتطوّر خلال العام (أو خلال دورة حياة المشروع)، وكيف يتجاوب مع الآراء المقدّمة له مع مرور الوقت، ومكامن القوّة والضعف لديه، والمجالات التي يتميّز فيها.
  • يستطيعون مراقبة الموظف، وتقييم سلوكه ضمن سياقات مختلفة، حيث إن كل واحد من الأشخاص الذين يجرون المراجعة يقدّم رأيه ويعبّر عن خياراته المفضّلة بخصوص بعض الأساليب. وبوسع المدراء أن يروا كيف أن المراجعين المختلفين يعطون أوزاناً مختلفة للجوانب ذاتها في الأداء الذي اختبروه.
  • وبدورهم، فإن المدراء يتعرّفون على نوع الدعم الذي يحتاجون إلى تقديمه إلى كل موظف لكي يقدم الأداء الأمثل مع المشرفين، والأقران، والمرؤوسين، والزبائن.

كما أن الموظفين الخاضعين للمراجعة يكسبون أيضاً، إذ إنهم:

  • يخضعون للتقييم بناءً على أدائهم الفعلي وعلاقاتهم في العمل، وليس بناءً على انطباعات مدرائهم. ففي أبحاثي، يختفي احتمال حصول النساء على رأي ذاتي على شكل نقد سلبي يستند إلى انطباعات شخصية، أو يتراجع هذا الاحتمال تراجعاً كبيراً عند استعمال هذه المقاربة الجديدة.
  • يحصلون على أداة تشخيصية تسهّل عملية إدارة الذات، لأن المراجعات الآنية تعطي أمثلة عن السلوك الفعال (أو غير الفعال) وتوفر معلومات بخصوص الأشياء التي يجب على ذلك الفرد البدء فيها، أو وقفها، أو الاستمرار فيها.

يمكن للشركات أن تبدأ بتوفير ميدان متكافئ للجميع من خلال إعادة تصميم نظام تقييم الأداء المعمول به لديها عبر اتباع بضع خطوات بسيطة:

  • اتباع الأنظمة القائمة على حشد الآراء ومواصلة تجميع البيانات المتعلقة بأداء الناس والفرق. فحشد البيانات الخاصة بالأداء طوال العام يعطي استنتاجات أفضل بخصوص الموظف.
  • تدريب المسؤولين عن إجراء المراجعات على تقديم الآراء وفقاً لمعايير محدّدة يمكن لصاحب العمل والموظف الاتفاق عليها، مايجعل التقييم أكثر انصافاً.
  • تصميم مقياس للتقييم يحدد الأشياء التي يجب على الموظف البدء فيها، أو إيقافها، أو الاستمرار بها، بحسب المهمة الموكلة إليه، وبحسب دورة حياة المشروع.
  • استعمال أداة تقييم مبنية على معيار حيادي من ناحية النوع الاجتماعي من أجل الابتعاد عن التحيز في تقييم الموظفين.

اقرأ أيضاً: لماذا معظم تقييمات الأداء متحيزة وكيف يمكن إصلاح ذلك؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي