لماذا لن يكون التحول الصناعي في أفريقيا مثل نظيره في الصين؟

5 دقائق
التحول الصناعي في أفريقيا

عكفت الصين على تصميم وتنفيذ سياسة مكنتها من اختصار زمن عملية التحول الصناعي إلى 25 عاماً فقط، وهو الأمر الذي استغرق تحقيقه نحو قرن على الأقل في العديد من الاقتصادات. وأدت إعادة تصميم هذه العملية على هذا النحو إلى إحداث خلخلة هائلة في قطاعي التجارة والصناعة العالميين، ما مكَّن الصين من أن تصبح أحد الاقتصادات الرائدة في العالم.

وقد أغرى نجاح الصين العديد من العواصم الأفريقية باتباع مسار التحول الصناعي ذاته. وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، عكف القادة الأفارقة على اتباع سياسات تهدف إلى محاكاة المسار الذي سلكته الصين، وتنطوي بعض هذه السياسات على إنشاء مناطق اقتصادية خاصة مثل شنجن الصينية، واعتبار قطاع الصناعة نقطة ارتكاز لجذب الاستثمارات وخلق فرص عمل جديدة. وعلى الرغم من هذه الجهود، فلا تزال أفريقيا في حاجة إلى المضي قدماً على طريق التحول الصناعي بالسرعة ذاتها التي تقدمت بها الصين.

وببساطة، فإن ما كان مناسباً للصين لا يناسب أفريقيا.

فقد استحوذت الصين بالفعل على حصة كبيرة من الصناعة العالمية، حيث تجاوز نصيبها 32% من الإنتاج الصناعي العالمي في مايو/ أيار 2019، كما أصبحت عاصمة الصناعة في العالم من خلال توافر مجموعة من العوامل، من أهمها وجود بنية تحتية مثالية وأيد عاملة رخيصة بأعلى مستويات المهارة في قطاع الصناعة. وبذلك، نجحت الصين في خلق ميزة نسبية انفردت بها عن غيرها من الدول المنافسة، ما حدا بشركات من الولايات المتحدة وأوروبا – ولاحقاً من سائر أنحاء العالم – إلى توجيه أنشطتها الصناعية إلى الصين.

وعلى مدار أكثر من 36 عاماً، تكونت حلقة قوية: حيث أدت وفرة الطلب من الولايات المتحدة وأوروبا إلى إتاحة الفرصة أمام الصين للاستثمار في بنيتها التحتية حتى تلبي احتياجاتهما. وبمرور الوقت، انتقلت الصين من الصناعات الأولية إلى مجالات الصناعات المتطورة، حيث استخدام أحدث التقنيات في تحسين العمليات وأتمتة العديد من العمليات التي لا تتطلب مهارات دقيقة. وهكذا طوّرت الصين من قدراتها في مجال الاستعانة بالروبوتات والتقنيات الحديثة، مثل الواقع الافتراضي والواقع المعزز والذكاء الاصطناعي، حتى إن الصين تُعد اليوم إحدى الدول الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي.

وفي ظل هذه التطورات التكنولوجية تستطيع الصين مواصلة هيمنتها، في حين أن أفريقيا قد تعاني هذا السياق، لأنه من المتوقع أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى اختلال التوازن في سوق العمالة العالمية من خلال القضاء على العديد من الوظائف في المصانع، فمعظم الشركات الغربية ستستعين بالذكاء الاصطناعي لأداء معظم الوظائف في قطاع الصناعة التي تسندها حالياً إلى منشآت صينية. الحقيقة أن الذكاء الاصطناعي سيُحدث تحولاً هائلاً في أساليب تطوير منتجات وخدمات القرن الواحد والعشرين، وصناعتها وتوزيعها.

إذا لم يكن هناك داعٍ يضطر كيانات عالمية، مثل "ديل" و"هيوليت-باكارد" (آتش بي) و"سيمنز"، إلى الاستعانة بمصادر خارجية لأداء وظائفها الصناعية، فقد لا تتحقق الفرصة المرجوة التي تعوِّل عليها أفريقيا، حيث توقع القادة الأفارقة أنه مع تحقيق الصين المزيد من الازدهار، ستمثل مستويات الأجور لديها عقبة أمام شركات الصناعة العالمية تمنعها من مواصلة إسناد أعمالها إلى جهات صينية، وعند حدوث ذلك، يأملون أن يُنظر إلى بعض الدول الأفريقية، كأثيوبيا ورواندا وكينيا باعتبارها بدائل موثوقة تقدم عمالة رخيصة وبنية تحتية ملائمة للصناعات الأولية، ولكن مع انخفاض معدلات الاستعانة بمصادر خارجية نتيجة تطور الذكاء الاصطناعي، يصبح توافر العمالة الرخيصة أمراً غير مهم. والصين تتفهم هذا الواقع، لذا تضخ استثمارات ضخمة في مجال الذكاء الاصطناعي لكي تفوز بسباق الصناعات المتقدمة، مستغلة ما لديها من قدرات تحصلت عليها من خلال اقتحامها لمختلف القطاعات الصناعية في العالم كله، فإذا كان هناك قطاع صناعي سيظل يستعين بمصادر خارجية، فهو قطاع الصناعة المتقدمة. وبناء على التقارير المتاحة، فإن أفريقيا غير مستعدة لهذا المستوى بعدُ، إذ ما زالت تواصل كفاحها من أجل توفير عناصر التمكين الأساسية، مثل الكهرباء، ومواجهة التحديات التي تغلبت عليها العديد من الدول منذ عقود مضت.

الطرق المناسبة للتحول الصناعي في إفريقيا

يمكن لأفريقيا أن تجد طرقها نحو التصنيع، ولكن ليس بمحاكاة الطرق التي سلكتها الصين. وإليك بعض الطرق التي تناسب هذه القارة، والتي أحرزت في بعضها تقدماً ملموساً وتحتاج إلى تعزيزها بعض الشيء:

تشجيع الاستهلاك الداخلي والتبادل التجاري بين دول القارة

يتعين على أفريقيا وضع آليات لتحسين الاستهلاك الداخلي، بدلاً من التركيز على استخدام العمالة الرخيصة بوصفها ميزة نسبية للصناعة العالمية، فإذا توسعت أفريقيا في الاستهلاك الداخلي من خلال تحفيز أنشطة التبادل التجاري بين دولها، وفك الارتباط بطرق التجارة الاستعمارية القديمة، فستنجح في شق طريقها نحو التحول الصناعي، لاسيما أن لديها أسواقاً كبيرة لدعم نمو الشركات. واليوم، تبلغ حصة الصادرات بين دول القارة نحو 17% من إجمالي الصادرات الأفريقية، أي أقل بكثير من صادرات البينية في أوروبا التي تبلغ 69% وآسيا التي تبلغ 59%. إن تحسين سبل التبادل التجاري بين الدول الأفريقية سيرفع من شأن هذه القارة.

المضي قدماً في تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة

دخلت اتفاقية التجارة الحرة بين الدول الأفريقية حيز التنفيذ يوم 7 يوليو/ تموز من العام الجاري، ومن شأنها أن تزيل بعض الحواجز الداخلية التي تعيق حركة التبادل التجاري داخل القارة والتي تسببت في تفضيل معظم الدول الأفريقية التبادل التجاري مع الدول الأوروبية وسائر دول العالم بدلاً من الدول الأفريقية. أُبرمت هذه الاتفاقية بغرض تسهيل حركة تبادل السلع المصنعة في أفريقيا بين دول القارة مقابل رسوم جمركية ضئيلة للغاية، ومن المتوقع أن تشجع تلك الخطوة شركات الصناعة على الاستثمار في أفريقيا من أجل الوصول إلى السوق المتكاملة، وإذا جرت الأمور كما خُطط لها، فستكون اتفاقية التجارة حافزاً كبيراً للتحول الصناعي في أفريقيا.

اعتماد عملة أفريقية موحدة

اكتسبت العملة الموحدة المزمع اعتمادها زخماً كبيراً عندما أعلن كيان اقتصادي إقليمي، ممثلاً في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، عن خطط لبدء اعتماد الإيكو (ECO) عملة موحدة للإقليم بحلول عام 2020، ومن المتوقع أن يتشكل اتحاد نقدي على مستوى القارة كلها بمجرد توافق هذه الاقتصادات الإقليمية على اتحاد نقدي، وستحد العملة الموحدة من عوائق التبادل التجاري من خلال القضاء على نظام تبادل العملات المتعددة، الذي يحتم التحويل إلى أي من العملات العالمية الرائدة، مثل الدولار الأميركي أو اليورو أو الجنيه الاسترليني قبل إجراء أي تبادل تجاري في أفريقيا، ومن ثم فإن التخلص من معوقات التبادل التجاري على هذا النحو من شأنه أن يعزز التحول الصناعي في القارة.

ومع ذلك، فثمة مخاطر لهذا النوع من إعادة الهيكلة، ولا بد من التعامل معها، إذ إن الاتحاد الذي ينشأ عن اعتماد عملة موحدة يستلزم وجود بنك يتخطى حدود السلطة القومية ويضطلع بمهمة تنظيم السياسات النقدية، ويحرم الدول الأعضاء من المرونة الفردية فيما يخص السياسات النقدية، وهذا يعني أن بعض الاقتصادات الكبرى سيكون لها أثر مفرط على أداء الاتحاد، لذا فإن انعدام الإدارة الواعية من شأنه أن يعرض الاقتصادات الصغرى المتضررة لخسائر الرفاهية، ما يجعلها أسوأ حالاً مما كانت عليه قبل الانضمام للاتحاد.

تطوير البنية التحتية

في تقرير التوقعات الاقتصادية الأفريقية لعام 2019، صرح البنك الأفريقي للتنمية بأن "التكاليف الناجمة عن سوء أداء أسواق الخدمات اللوجستية، ربما تمثل عائقاً أكبر أمام التبادل التجاري يفوق العوائق الجمركية وغير الجمركية". فأفريقيا في حاجة إلى مزيد من موانئ المياه العميقة، وخطوط السكك الحديدية، والمطارات، وغيرها من العناصر اللازمة لتمكين وتطوير التبادل التجاري في العصر الحديث، فعلى سبيل المثال: لا تزال عملية استيراد القهوة من رواندا أكثر تكلفة بالنسبة للمصانع في أكرا بغانا من عملية استيرادها من شركة مقرها في باريس، كما أن معظم الصادرات الأفريقية عبارة عن مواد خام غير معالجة لعدم وجود ما يشجع على معالجتها محلياً، بسبب سوء أحوال سلاسل التوريد والطبيعة المتباينة للأسواق. ومن شأن الاستثمار في البنية التحتية أن يسد كل هذه الفجوات.

الاستثمار في التعليم

تحتاج أفريقيا أيضاً إلى الاستثمار في التعليم حتى تستطيع المنافسة والنهوض بمواطنيها، ما يعزز مستويات الاستهلاك الداخلي، فلا بد أن يصبح كل من التعليم الابتدائي والثانوي في القارة إلزامياً ومجانياً، بالإضافة إلى تعزيز جودة التعليم بتخصيص المزيد من الموارد للعملية التعليمية، وما لم تتمكن أفريقيا من رفع مستوى التعليم بحيث ينافس أفضل دول العالم، فستظل تعاني في سبيل تحقيق الازدهار.

مع تطور الروبوتات والذكاء الاصطناعي، ستحتفظ معظم دول العالم بعمليات الإنتاج داخل حدودها نتيجة التخلص من الحاجة إلى العمالة الخارجية رخيصة التكلفة. وفي هذا النوع من عمليات إعادة الهيكلة، فإن الصين ليست هي التي المنافس الحقيقي لأفريقيا، بل إن الروبوت والذكاء الاصطناعي هما منافساها الحقيقيان. ولم يعد بوسع أفريقيا التعويل على الصناعة العالمية للتحول الصناعي، ولا بوسعها ببساطة أن تحاكي سياسات الصين، ولكن إذا عملت أفريقيا على تعليم مواطنيها، وتوحيد سياساتها التجارية والصرافية، وتسهيل سبل التبادل التجاري فيما بين دولها، فستتمكَّن صناعاتها من المنافسة على خدمة أسواقها المحلية على أقل تقدير. وعندما يحدث ذلك، يمكن لأفريقيا أن تشق طريقها نحو التحول الصناعي بشكل أسرع من خلال توسيع نطاق الابتكارات المحلية والاستعانة بالذكاء الاصطناعي بوصفها عوامل تمكين.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي