مدن عالمية تقود الريادة في التحول الرقمي ومقرات العمل

4 دقائق
المدن العالمية التي تقود التحول الرقمي

تسعى معظم الشركات إلى أن تواكب أعمالها التطورات التي تحققها الشركات الرقمية الناشئة، لكنها غالباً ما تصطدم بالحاجة إلى تحديث أنظمة تكنولوجيا المعلومات القديمة التي تعتمدها. فكيف يمكن إعادة تصميم وبناء البنى التحتية الرئيسية لهذه الشركات مع ضمان استمرار أعمالها؟ وكيف يمكن إدارة التحول الرقمي والتخطيط العمراني معاً؟

غالباً ما يتم تشبيه هذا النوع من التحديات بـ "بإصلاح طائرة أثناء تحليقها"، في حين التشبيه الأكثر ملائمة هو "إعادة تصميم البنى التحتية للمدن الكبرى"، حيث تتبع المدن الكبرى عادة ثلاث استراتيجيات للتخطيط العمراني، والتي يمكن لقادة الأعمال الاستعانة بها باعتبارها مصدراً للإلهام من أجل مواكبة متطلبات المنافسة الرقمية. تشمل هذه الاستراتيجيات: إنشاء معالم عصرية مذهلة لترسيخ الاستراتيجية الرقمية (كما فعلت دبي)، أو إزالة المعوقات والمصاعب لتحسين إمكانيات السرعة والمرونة (بوسطن)، أو إحداث تغيير جذري في المنهج المتبع بهدف بناء المدن الجديدة كلياً (شنغهاي).

المدن العالمية التي تقود التحول الرقمي

دبي: إنشاء معالم عصرية

يعتبر الاستثمار في إنشاء مواقع جديدة ومذهلة، مثل "برج مكاتب الإمارات في دبي" و"عجلة فيريس العملاقة في لندن"، نقطة انطلاق قوية تسهم في توسيع آفاق خطط التجديد. إذ يُعد "برج مكاتب الإمارات" من أوائل ناطحات السحاب التي أسهمت في عملية تحول دبي إلى نقطة انطلاق مركزية في مسيرة تطور دولة الإمارات العربية المتحدة. كما تفخر دبي حالياً باحتوائها على أطول مبنى في العالم، إلى جانب الجزر الاصطناعية، وأول فندق على مستوى العالم يحتوي على غابة مطرية، وأكبر منتزه داخلي على وجه الأرض.

وعلى نحو مماثل، يمكن أن يساعد الاستثمار في المشاريع الرقمية الكبرى في تحسين تجارب العملاء وإطلاق عمليات تحول رقمي أوسع نطاقاً. فمن خلال تطوير تطبيقات عالية التأثير، أو الاكتفاء بإجراء تحسينات على قدرات تحليل البيانات دون تطوير أنظمة تكنولوجيا المعلومات الأساسية، يمكن للشركات طرح عروض جديدة تسهم بتغيير صورتها السائدة، وتضغط على المنافسين في المجال الرقمي حتى لو كانت أنظمتها ما زالت بحاجة إلى أعوام طويلة من الترقية والتحديث. إلى جانب ذلك، يمكن للنهج العملي الذي يركز على الإنتاج أن يوفر حافزاً لعملية التحول التي ينبغي اتباعها، إلى جانب الشروع في تنفيذ عملية تحول رقمي ذات نتائج فعلية يستحيل إغفالها.

على سبيل المثال، عندما تصمم إحدى شركات الطاقة منصة جديدة تعتمد على الحوسبة السحابية لخدمة العملاء، يمكنها خلال 9 أشهر فقط أن تنافس الشركات المزودة لخدمات الإنترنت، التي بدأت في بيع الكهرباء إلى جانب توفير خدمات الإنترنت اللاسلكية والسيارات ميسورة التكلفة. وبذلك يصبح بمقدور شركة الطاقة توفير العديد من الخدمات الإضافية، مثل خدمات الهاتف والإنترنت والعدادات الذكية والمنازل الذكية والخدمات الأمنية. بينما سينظر العملاء إلى الشركة على أنها إحدى الشركات الذكية والمبتكرة التي تضاهي منافسيها في المجال الرقمي، حتى وإن كانت إشكاليات الأنظمة القديمة لا تزال قائمة.

بوسطن: إزالة المعوقات

من ناحية أخرى، يمكن للشركات التركيز أولاً على إزالة العقبات الهيكلية التي تعيق قدرتها على التطور بسرعة ومرونة على المدى الطويل. على سبيل المثال، وظفت مدينة بوسطن الأميركية استثمارات هائلة في مشروع النفق الكبير "بيج ديج"، الذي تمت توسعته بحيث يستوعب المزيد من السيارات ويلبي متطلبات النمو المستقبلية، وذلك من خلال هدم أحد الطرقات السريعة والقديمة واستبدالها بشبكة معقدة من الطرق السريعة في منطقة وسط المدينة. وعلى الرغم من تأخر المشروع وتكاليفه الباهظة، فقد أدرك مخططو المدينة حقيقة أن البنى التحتية القديمة لن تلائم احتياجات النقل في المنطقة.

وبالمثل، يمكن للشركات الاعتماد على مواردها وإمكاناتها الداخلية لزيادة مرونتها وإزالة العقبات التي تواجهها. على سبيل المثال: سيستمر تجار التجزئة في مواجهة مصاعب جمّة في أثناء اختيار المنتجات الملائمة للعرض إلى أن يحين الوقت الذي يمتلكون فيه بيانات دقيقة عن منتجاتهم. وبدورها، ستواجه الشركات التي تجمع بيانات العملاء المهمة على نحو غير متسق في حقول الملاحظات (نتيجة لعدم ترقية أنظمة جمع البيانات) الكثير من المشاكل المتعلقة بالعمليات النهائية بسبب الحاجة إلى إيجاد حلول للتعويض عن انخفاض جودة بيانات المدخلات الأولية.

وغالباً ما يصعب إثبات الجدوى التجارية لهذه التحسينات، لأن الفوائد المتمثلة بالسرعة والمرونة لا تكون مباشرة. كما تتطلب هذه الحالة مستويات استثنائية من الرؤية النافذة لمعرفة مدى تطور الشركة عند الانتهاء من هذه العملية وحجم التحمل والصبر الذي تطلبه. (ويشهد مهندسو مشروع "بيج ديج" على ذلك دون أدنى شك).

شنغهاي: الانطلاق من نقطة الصفر

يمكن للشركات الاقتداء بمدينة شنغهاي الصينية التي انقطعت عن الماضي من خلال بناء مدينة جديدة كلياً. عندما قررت شنغهاي الاستثمار في طموحاتها الرامية إلى أن تصبح أحد المراكز المالية العالمية، تم بناء منطقة جديدة بالكامل فوق أرض غير مستصلحة نسبياً ضمن المدينة بجانب النهر وعلى مقربة من منطقة وسط شنغهاي التاريخية، وذلك بدلاً من محاولة إعادة تأهيل مركز التجارة التقليدي. ونتيجة لذلك، أصبح حي "بودونغ" اليوم مقراً لبورصة "شنغهاي"، ويُنظر إليه عموماً على أنه يجسّد مستقبل شنغهاي الحديثة.

وتتبنى الكثير من الشركات (بدءاً من شركات الاتصالات وصولاً إلى شركات الخدمات المالية) استراتيجية مماثلة لإعادة بناء مهام تكنولوجيا المعلومات من نقطة الصفر في السحابة الإلكترونية. وبدلاً من إضاعة سنوات طويلة في العمل على التحديث التدريجي لأنظمة تكنولوجيا المعلومات القديمة، تستثمر الشركات في الأنظمة الحديثة التي تعتمد على الحوسبة السحابية، التي يستغرق إنشاؤها عادة 18 شهراً، ويبلغ متوسط تكلفة تشغيلها 20% من تكاليف تشغيل الأنظمة القديمة.

ونظراً لأن الأنظمة التي تعتمد على الحوسبة السحابية تتألف من وحدات قابلة للتطوير، فيمكن إدارتها بكل سهولة ويسر. وبناء على ذلك، يمكن للشركات تحقيق وفورات كبيرة وتحسين الخدمات المصغرة التي تقدمها، إذ ينطوي ذلك على إمكانيات كبيرة عندما يكون الهدف هو مواكبة المشهد التنافسي الذي يشهد تطوراً مستمراً. ويتيح اتباع هذا النهج أيضاً للمدراء إمكانية تجنب المخاطر التشغيلية المتعلقة بعملية التحول من الأنظمة القديمة نحو أخرى جديدة ومتطورة. وبدلاً من ذلك، وعلى غرار الشركات الرقمية المحلية، يمكن للشركات بناء أنظمة فائقة التطور ودمجها مع أنظمتها القديمة فيما بعد، أو التخلي عن الأنظمة القديمة بكل بساطة كما هو الحال بالنسبة لرصيف الميناء في مدينة شنغهاي.

أخيراً، تعد مواكبة الشركات الرقمية الناشئة التي تعيد صياغة قواعد عمل القطاعات المختلفة، بدءاً من قطاع التجزئة، مروراً بالخدمات المصرفية، وصولاً إلى قطاع الطاقة، واحدة من أكبر التحديات الإدارية التي تواجه الشركات الكبرى حالياً. وأحد أسباب استمرار المدراء في مواجهة المصاعب أثناء سعيهم لحل هذه المعضلة في أنهم غالباً ما يحاولون تحديث أنظمتهم على عدة مستويات في وقت واحد. في حين يتعين على هؤلاء المدراء صياغة منهج واضح يهدف إلى تحسين إمكانياتهم الرقمية عبر الاستفادة من تجارب المدن الكبرى التي واجهت الكثير من التحديات على نطاق أوسع. إضافة إلى ذلك، يعتبر التحول الرقمي والتخطيط العمراني عملية صعبة وباهظة التكلفة في معظم الأحيان، ولكن يمكن للتفكير مثل مخططي المدن أن يساعد كثيراً في هذا السياق.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي