ما هي استراتيجيتك الرقمية؟
غالباً ما يتسبب هذا السؤال البسيط في حالة من الذعر للرؤساء التنفيذيين للشركات التقليدية، وذلك لاعتقادهم أن التقنيات الرقمية ونماذج الأعمال التجارية تشكل تهديداً وجودياً للأسلوب الذي يتّبعونه في ممارسة الأعمال التجارية؛ وهم على حق بالطبع. لكن غالباً ما يقودهم الضغط الذي ينتابهم إلى إجراء رهانات كبيرة تفضي عادة إلى عواقب وخيمة. فما هو التحول الرقمي المدفوع بالإكتشاف؟
أبرز مثال على ذلك هو شركة "فيون" (Veon)، وهي مزود كبير متعدد الجنسيات لخدمات الاتصالات. كانت منصة شركة "فيون" الرقمية الجديدة التي أطلقتها الشركة في عام 2017 مشروعاً ضخماً شارك فيه 100 موظف في أمستردام و100 آخرون أو أكثر في مكتب الشركة في لندن. وانطوت الفكرة على ابتكار تطبيق للهواتف المحمولة يقدم للمستخدمين تجارب محلية وغنية ويمثّل قناة مبيعات لشركاء شركة "فيون" التجاريين، مثل شركة "ماستركارد". اعتبرت إدارة الشركة المشروع أهم أولوياتها، وقابل إطلاقه كثيراً من الضجة، إلا أن الزبائن استقبلوا التطبيق بفتور وبذلك ضاعت هباءً جهود تشكيل منظومة بيئية متكاملة جديدة. وأسفر هذا الفشل عن تنحّي الإدارة وتسريح العمال واتباع استراتيجية العودة إلى الأساسيات وتهميش الجهود الرقمية وصولاً إلى المرحلة التجريبية للمشروع.
اقرأ أيضاً في المفاهيم الإدارية: تعريف ميزان المدفوعات
لا تزال شركة "فيون" بحاجة إلى نموذج عمل جديد، لكن من الواضح أنها غير قادرة على تحمل بذل مزيد من الاستثمارات الضخمة في ابتكار نموذج عمل جديد.
ولم تكن مضطرة إلى فعل ذلك. إذ لا يعني تعرض الشركة لتهديد كبير أن الاستجابة لهذا التهديد ستكون كبيرة، بل على العكس، فقد تحقق شركات مثل شركة "فيون" النجاح في حال اتخذت نهجاً تدريجياً للتحوّل بمرور الوقت. وعلى الرغم من ضرورة أن تمتلك هذه الشركات رؤية واضحة لمستقبلها، يجب عليها أن تعمل على تحقيق هذه الرؤية من خلال إيجاد فرص لرقمنة العمليات الإشكالية في عملياتها الأساسية. فتناول هذه المشكلات، سيجعل الشركات تدرك ماهية المقاييس التي يجب استخدامها، والافتراضات التي يجب مراجعتها، والمجال الذي يجب عليها ابتكار نماذج أعمال جديدة فيه، وهوية منافسيها الجدد. ومن المؤكد أن يتغيّر فهم هذه الشركات لبيئتها التنافسية والأهداف الطويلة الأجل التي تضعها لنفسها في أثناء محاولة التعلم من هذه الدروس.
ويوجد بالفعل عملية لهذا النوع من نهج التعلم المستمر للاستراتيجية، ألا وهي التخطيط المدفوع بالاكتشاف. طوّرت ريتا، إحدى المؤلفات المشاركات في إعداد هذا المقال، بالتشارك مع إيان ماكميلان، هذه العملية في التسعينيات من القرن العشرين باعتبارها منهجاً لابتكار المنتجات، ودُمجت هذه العملية لاحقاً في مجموعة أدوات "شركة ناشئة رشيقة" لطرح الأعمال في بيئة تتّسم بدرجة عالية من الغموض. تُعتبر هذه العملية في جوهرها عملية منخفضة التكلفة لاختبار الافتراضات الناجحة بشكل أسرع، والحصول على معلومات جديدة، وتقليل المخاطر.
وسنصف في الصفحات التالية أهمية نموذج مقتبس من عملية التخطيط المدفوع بالاكتشاف في مساعدة الشركات القائمة في مواجهة التحديات الرقمية واكتشاف السبيل إلى ابتكار نموذج عمل جديد. لنبدأ بإجراء دراسة مفصلة لسبب نجاح عملية التحول القائمة على نهج التغيير "خطوة بخطوة" بالنسبة للشركات التقليدية مقارنة بنهج "كل شيء أو لا شيء" الذي يميز محور عمل أي شركة ناشئة.
فكرة المقالة باختصار
المشكلة
تنفق الشركات الراسخة المليارات من الدولارات في محاولة لأن تصبح المنسق الرقمي لبعض بيئات العمل الجديدة، إلا أنها تفشل فشلاً ذريعاً.
لماذا تحصل؟
يعتقد الرؤساء التنفيذيون أن التهديد الوجودي الذي تشكله الزعزعة الرقمية يتطلب استجابة تنطوي على تغيير نماذج العمل.
الحل
اعتماد نهج تجريبي تدريجي يتمثّل في التخطيط المدفوع بالاكتشاف. ابحث عن المشكلات التي يجب إصلاحها باستخدام التكنولوجيا الرقمية، واستغل معرفتك الغنية بالزبائن، ونطاق العمليات الواسع، ومجموعات المواهب في أثناء تحديد نموذج عمل جديد.
الميزة المتزايدة للشركات القائمة
تساءل خبراء الاقتصاد منذ فترة طويلة عن سبب وجود الشركات، وبشكل خاص، ماهية المهام التي تنتمي إلى حدود شركة معينة. وأشار أحد مسارات التفكير الذي طرحه رونالد كوس (Ronald Coase) في الثلاثينيات من القرن العشرين إلى أن معاملات السوق غالباً ما تكون غير مرضية للأفراد في ظل ظروف معينة، وذلك عندما يكون من الصعب أو المكلف الحصول على معلومات حول ما تود شراءه، وعندما يكون من الصعب إجراء صفقات في ظل وجود معلومات غير متكافئة، وعندما تكون عملية إنفاذ الاتفاقيات مكلفة أو صعبة. وفي حال انطبق أي من هذه العوامل، فمن المنطقي أن تبقى الأنشطة المعنية داخل الشركة.
كانت الحدود بين الشركات والأسواق مفهومة جيداً وثابتة نسبياً في الآونة الأخيرة، لكن التقنيات الرقمية غيّرت هذا الوضع من خلال تمكين استخدام الأسواق لإنجاز الأعمال التي كان يجري إنجازها بكفاءة أكبر داخل الشركات فيما مضى. وأتاحت منصات مثل منصة "علي بابا" و"أمازون" الاستعانة بمصادر خارجية لوظائف مثل اختيار الموردين، والتفاوض على الأسعار، وإنفاذ العقود، وإدارة المدفوعات وغير ذلك.
نتيجة لذلك، توّلد لدى المسؤولين التنفيذيين في الشركات الرقمية افتراضات حول كيفية هيكلة المعاملات التي تختلف تماماً عن معاملات المسؤولين التنفيذيين في الشركات القديمة. ونظراً لاستمرار تطور هياكل الشركات الرقمية، يُعيد مدراؤها النظر في هذه الافتراضات بشكل متكرر. وتواصل الشركات التي تتبع نموذج "شركة إلى مستهلك" إجراء تجارب على الميزات وتعديلها، مثل الشحن المجاني وحزم المنتجات ومكافآت شراء عناصر إضافية وما إلى ذلك، مثل شركة "كاسبر" (Casper) المتخصصة في مراتب الأسرّة وشركة "هاريز" (Harry’s) المتخصصة في منتجات الحلاقة و"واربي باركر" (Warby Parker) المتخصصة في صناعة النظارات. لا تتّبع هذه الشركات نهج البيع التقليدي من خلال الموزعين. وبما أن الشركات الرقمية ترفض التعامل مع الوسطاء، يمكنها تحقيق أرباح وإن كانت على نطاق صغير.
وتتمثّل النتيجة الرئيسة لهذا النهج في قدرة الشركات الرقمية الناشئة على تغيير مسار أعمالها أو تركيزها دون أن تفقد كثيراً من القيمة. وعادة ما تتطلب هذه الشركات رأسمال أقل وتكون رواتب موظفيها قليلة. على سبيل المثال، باع مؤسسو شركة "روتد" (Rooted) النباتات خارج شقتهم بشكل مباشر إلى المستهلكين، وانتقلوا لاحقاً إلى مكان عمل منفصل وعملوا على تعيين موظفين. يكون الفشل بالنسبة لمثل هذه الشركات رخيصاً نسبياً، ما لم يحدث في وقت متأخر (وقد يستسلم المستثمرون لنهج النمو مهما كان الثمن الذي كشف عن ثروات العديد من الشركات التي أطلق عليها شركات أحادية القرن).
ومع ذلك، لا يمكن للموظفين والمدراء والمساهمين في الشركات التقليدية تحويل تركيز أعمالهم دون تقويض القيمة. وقد يُسفر فشل رهاناتها الرقمية عن فقدان العمال وظائفهم، وعن بيع أصول الشركة المادية بأسعار زهيدة. وعلى عكس شركات رأس المال المغامر (أو شركات رأس المال الجريء) التي تدعم الشركات الناشئة، قد لا يكون لدى المستثمرين فيما كان يُدعى في السابق شركة آمنة، الهامش الوقائي من الاستثمارات ذات العائد المرتفع لتعويض خسائرهم.
وعلى الرغم من عدم قدرة الشركات القائمة على تحويل تركيزها بسهولة، يتمثّل الخبر السار في عدم حاجتها إلى القيام ذلك. فكّر في الأمور التي يمكن للشركات الكبيرة تحقيقها مقارنة بالشركات الناشئة. دائماً ما تستغل مشاريع الأعمال الحرة فكرة عدم قدرتها على إجراء تجارب على صيغ متعددة من الفكرة نفسها في الوقت نفسه، ناهيك عن أفكار متعددة. على النقيض من ذلك، تمتلك الشركات الكبيرة الموارد التي تمكّنها من استكشاف مجموعة متنوعة من الأفكار وإجراء تجارب على العمليات والإجراءات المختلفة بسهولة، وهو ما يتيح لها اكتشاف نموذج عمل مهيمن أكثر من الشركات الناشئة. وهو ما يمنح أيضاً الشركات الكبيرة فرصة أفضل للاستجابة بفاعلية للتحدي الرقمي.
تأمل حالة شركة التوزيع الألمانية المستقلة لمنتجات الصلب والمعادن "كلوكنر" (Klöckner). أراد الرئيس التنفيذي للشركة، غيزبرت روهل، إنشاء منصة رقمية للقطاع بأكمله، لكنه لم يبذل جهداً استثنائياً لإنشاء منصة، وإنما تمثّل هدفه في بناء الكفاءات الرقمية بشكل تدريجي، مع الاستفادة من خبرة الأفراد الذين يعملون في مجال الصلب في الشركة ورؤاهم الثاقبة. وركّز روهل خلال العامين الأولين على رقمنة العمليات اليدوية غير الفاعلة؛ وأسّست الشركة متجراً عبر الإنترنت، وبوابة للعقود، ووضعت أدوات شفافة لوضع الطلبيات، وطرحت تطبيقاً لإدارة المخزون. وتمكّنت الشركة نتيجة هذه الجهود من إنشاء منصة مكّنت الزبائن من التفاعل معها بسلاسة.
وتكشف قصة "كولكنر" عن ميزة أخرى تتمتع بها الشركات القائمة، على الأقل في المراحل الأولى من تبني القطاع للنماذج الرقمية، وتتمثّل في تمتّعها بإدارة من قبل أشخاص يعرفون زبائنهم بالفعل ويمكنهم استخراج قواعد بيانات غنية للمعاملات السابقة من أجل الحصول على رؤى ثاقبة. في المقابل، غالباً ما يدير الشركات الناشئة خبراء تقنيون تدفعهم القدرة الوظيفية التقنية الجديدة بدلاً من طرح مجموعة منتجات تجذب اهتمام الزبائن بالفعل. إذا وضعت فريقاً من الأشخاص الذين يعرفون زبائن الشركة، ستحظى بفرصة أفضل لجعل استثمارك الرقمي يؤتي ثماره. لهذا السبب، أصرّت شركة "كلوكنر" على أن يركز كل مشروع على كيفية مساعدة الزبائن في التواصل مع الشركة بسهولة وكفاءة أكبر. ومن المؤكد أن هذا الهدف ليس الهدف الوحيد الذي يجب بلوغه، فقد تتمثّل أولوية شركة أخرى في تقليل الوقت الذي تستغرقه في الاستجابة لطلب الزبون. ولكن من الضروري اعتبار التقنية فرصة للشركة بدلاً من اعتبار الشركة فرصة للتقنية، بغض النظر عن ماهية الهدف الرئيس.
وبمجرد أن تتقبّل فكرة أن تسعى الشركات إلى الزعزعة بطريقة غير مزعزعة، يتحول التحدي من تحديد "ماهية نموذج العمل الجديد الذي يجب علينا دعمه" إلى القضية الأكثر دقة التي تتمثّل في "كيفية ابتكار نموذج عمل مناسب لأعمالنا". وهنا يأتي دور التخطيط المدفوع بالاكتشاف.
من الضروري اعتبار التقنية فرصة للشركة بدلاً من اعتبار الشركة فرصة للتقنية، بغض النظر عن ماهية الهدف الرئيس.
السياق الرقمي
إن التخطيط المدفوع بالاكتشاف يماثل الهندسة العكسية إلى حد ما، فعندما تستخدمه في تطوير المنتج، تبدأ بتخيل العرض الذي ترغب في تقديمه ومن ثم تحديد الأمور التي تود تغييرها بهدف تحقيق مبتغاك. ومع ذلك، عندما تطبّق نهج التخطيط المدفوع بالاكتشاف على التحولات الرقمية ينصب التركيز على إعادة ابتكار الأسلوب الذي تتبعه في بيع المنتجات التي تنتجها بالفعل وكيفية تسليمها وكذلك على تحديد كيفية خلق قيمة جديدة وتسليمها من خلال القدرات الرقمية الجديدة.
تأمل مثال قطاع توليد الطاقة. تزعزع التقنيات الرقمية هذا القطاع الذي كان مستقراً فيما مضى، تماماً مثل العديد من القطاعات الأخرى. عادة ما كان يجري توليد الطاقة من مصدر مركزي وإرسالها إلى وجهتها عبر شبكة تُدار مركزياً، لكن التطورات الجديدة أتاحت التوزيع الديناميكي للطاقة المولّدة من صغار المنتجين المنتشرين في أماكن مختلفة، وهو ما أتاح الاستفادة من العديد من مصادر الطاقة. ويمكن للأشخاص الذين يمتلكون ألواحاً للطاقة الشمسية على أسطح منازلهم أو طواحين هواء في حدائقهم بيع فائض الطاقة مرة أخرى إلى الشبكة، وهو ما يجعل تكاليف الاستثمار في أجهزة توليد الطاقة ميسورة التكلفة ويقلل من اعتماد السكان الهائل على محطات توليد الطاقة الضخمة القائمة على الوقود الأحفوري. وفي حال افترضت الشركات القائمة أن نموذج الأعمال القديم سيتنبأ بالنجاح المستقبلي، فمن المحتمل أن يُسفر افتراضهم هذا عن أخطاء فادحة. ويقدم الرهان الفاشل لشركة "جنرال إلكتريك" على الهيمنة المستمرة لمحطات توليد الكهرباء القائمة على الوقود الأحفوري مثالاً مثيراً.
خطوات تطبيق التحول الرقمي المدفوع بالإكتشاف
لنستكشف أولاً خطوات تطبيق النهج المدفوع بالاكتشاف على التحولات الرقمية. يوجد خمس خطوات رئيسة:
1- تحديد تجربة التشغيل: الأمر لا يتعلق بالتجربة الرقمية فقط
تحقق من الأساليب غير الناجحة في عملياتك قبل أن تستثمر في كتابة أول سطر في التعليمات (الشفرة) البرمجية. ما هي العمليات التي تحتاج إلى إيجاد حلول لها بشكل منتظم؟ ما هي العمليات التي يجب عليك إيقافها بشكل غير متوقع إلى حين الحصول على مزيد من المعلومات أو إشراك أشخاص آخرين؟ من المحتمل أن تكون هذه مجالات يمكن للرقمنة أن تحسنها. ثم فكر في كيفية إعادة تصميم هذه العمليات بطريقة تمكّن التكنولوجيا من إضافة قيمة، وذلك من خلال جعل العروض والعمليات أفضل وأسرع وأرخص أو أكثر ملاءمة.
تمكّنت شركة البيع بالتجزئة القائمة "بيست باي" (Best Buy) من إعادة تصميم عملياتها التجارية بطريقة خلقت مزايا تنافسية لا يمكن للجهات الفاعلة في القطاع الرقمي تكرارها. وفي عام 2010، أصدرت شركة "أمازون" تطبيقاً لمقارنة الأسعار، وهو أحد الأدوات التي أتاحت للمتسوقين التحقق من المنتجات في متجر فعلي ومن ثم طلب العناصر نفسها بسعر مخفض عبر الإنترنت. وهددت الممارسة التي يطلق عليها "صالات العرض" بزعزعة سلاسل البيع بالتجزئة التي كانت تكافح من أجل تقديم أسعار تنافسية في أثناء تسديد تكاليف العقار والموظفين والمخزون. وكان ذلك أحد أسباب خسارة شركة "بيست باي" 1.7 مليار دولار في ربع واحد في عام 2012.
قام هيوبرت جولي، الرئيس التنفيذي الذي تم تعيينه لتغيير الشركة، بتركيز استراتيجيته ونموذج أعماله على حل مشكلتين، ألا وهي مبيعات سلبية قابلة للمقارنة وخفض هوامش التشغيل. ولتحقيق هذه الرؤية، تصوّر هوبير شركة مزجت بين الجهد البدني والرقمي بطرق يصعب على الجهات الفاعلة الرقمية مجاراتها. وبدأ بتخيّل نوع تجربة العملاء التي يمكن لشركة "بيست باي" تقديمها، وحدد المجالات التي فشلت التقنيات الرقمية في تحسينها بهدف خلق تلك التجربة.
ولتحسين تجربة الموظف، أطلقت شركة "بيست باي" مبادرات ركزت على معنويات قوة العمل، مثل إعادة تفعيل ميزة التخفيضات الخاصة بالموظفين الشهيرة بعد إيقافها والاستثمار في عقد دورات تدريبية مكثّفة. وبهدف جذب الزبائن، بدأت الشركة في مواكبة أسعار شركة "أمازون" والجهات اللاعبة الأخرى في قطاع التجارة الإلكترونية، وهو ما تطلّب جهداً كبيراً لإصلاح أنشطة التخزين والبرمجيات وأنشطة سلسلة التوريد الخاصة بشركة "بيست باي". ونظراً لقدرة العملاء على شراء المنتجات من المتاجر، تمكّنت الشركة من تجاوز مشكلة أوقات الانتظار الطويلة والمتاعب التي تنطوي على طلب منتجات باهظة الثمن عبر الإنترنت، مثل سرقة هذه المنتجات، وهو ما منح شركة "بيست باي" ميزة مهمة. كما أنشأت الشركة نظاماً يمكّن العملاء من طلب السلع عبر الإنترنت واستلامها في المنزل أو استلامها في المتجر. وبما أن 70% من الأميركيين يقطنون على بعد 15 ميلاً من منفذ "بيست باي"، أثبت هذا النهج أنه فاعل للغاية من حيث التكلفة.
لا يساعدك العائد على الاستثمار في فهم القيمة التي يضفيها المشروع إلى الزبائن. يجب وضع مقاييس ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتحسينات المنشودة.
كما حوّل نموذج "بيست باي" الجديد مشكلة ارتفاع تكاليف شراء عقارات إلى ميزة، وهو ما أتاح لعلامات تجارية مثل "آبل" و"سامسونج" و"مايكروسوفت" استئجار متاجر لها داخل متاجر "بيست باي" الكبيرة في أكثر من 1,000 موقع بهدف تقديم عروض مكّنت المتسوقين من اكتشافها بشكل شخصي. وتُعتبر شركة "بيست باي" طرفاً محايداً للصراع المحتدم بين عمالقة التكنولوجيا، ذلك أنها أتاحت لكل من الشركتين المتنافستين "أمازون" و"جوجل" بيع سلعهما بشكل مباشر في متاجرها. أخيراً، استثمرت شركة "بيست باي" في تطوير خدمة "مستشار في المنزل"، حيث يتوجه المستشارون المدربون وذوو الأجور العالية إلى منازل الزبائن ويقدمون لهم المساعدة التقنية دون بيعهم أي شيء. وتمثّل الهدف من طرح هذه الخدمة في بناء علاقات أقوى مع المستهلكين. وعملت شركة "بيست باي" خلال تلك الفترة على تحويل بصمتها الرقمية بشكل منتظم بهدف دعم الاستراتيجية.
وتوضح قصة "بيست باي" أهمية إعادة التفكير في الافتراضات حول كيفية استخدام الأصول والتفاعل مع الشركاء. فشل القادة السابقون في الشركة في إدراك الطريقة التي تمكّنهم من مطابقة أسعارهم مع أسعار بائعي التجزئة عبر الإنترنت. ولكن جولي تحدّى التفكير التقليدي، وحفّز الشركة على إعادة تصور علاقاتها مع الموردين الذين يدفعون مبالغ طائلة اليوم للحصول على أمكنة لعرض منتجاتهم في متاجر "بيست باي" وأعاد تصميم سلسلة التوريد الخاصة بالشركة بطريقة تمكّن الأصول المادية للشركة من دعم نموذج أعمال جديد للتنافس مع شركات التجارة الإلكترونية العملاقة.
2- التركيز على مشكلات محددة: تحديد النتائج ومقاييس التقدم
يتمثّل السؤال الرئيس في أي استراتيجية للتحول الرقمي في كيفية استخدام البيانات والقدرات الرقمية لخلق قيمة جديدة لزبائننا. وتحول عملية التخطيط المدفوع بالاكتشاف هذا التحدي إلى أهداف واضحة للمشروع.
ويتمثّل مقياس النجاح التقليدي والحالي للمشاريع الجديدة في العائد على الاستثمار. لكن لا يساعدك العائد على الاستثمار في فهم القيمة التي يضفيها المشروع إلى الزبائن، على الأقل ليس بشكل مباشر. علاوة على ذلك، يجب عليك إجراء تقديرات لكل من الاستثمارات والعوائد بهدف حساب العائد على الاستثمار، وهو الأمر الذي لم تدرك كيفية حسابه بشكل دقيق بعد. وكل ما يجب عليك القيام به بدلاً من ذلك هو تحديد المقاييس الأكثر ارتباطاً بالتحسينات المحددة التي تأمل في أن تحققها المبادرات الرقمية.
نقوم عادة بجمع كل هذه المعلومات في جدول مكوّن من عمودين "من-إلى" يوضّح المشكلة ويصف ما يمكن أن يحققه الحل، ويقترح طريقة لقياس التقدم. (على سبيل المثال، راجع الشكل التوضيحي الذي يحمل اسم "إدارة التغيير الكبير خطوة بخطوة"). ومن الضروري في أثناء محاولة حل هذه المشكلات أن تجري بعض الاختبارات وتنقح الافتراضات، وهي مهام أساسية في عملية التخطيط المدفوع بالاكتشاف. يمكنك أيضاً إعداد بيان بالأموال التي أنفقتها بهدف الحصول على رؤى ثاقبة جديدة وتقييم ما تمكّنت من توفيره، وهو ما يقودك في النهاية إلى نهج مشابه لنهج حساب العائد على الاستثمار.
كان الهدف النهائي في شركة "كلوكنر" تغيير نموذج الأعمال لمنتجات الصلب من زيادة سعر المخزون إلى نموذج إيرادات الخدمات. وكانت المبادرات الرقمية في البداية بسيطة وتركز على تحسين عملية وضع الطلبيات، على سبيل المثال، عن طريق استبدال رسائل الفاكس ببوابة إلكترونية لوضع الطلبيات. وفي كل مرة، يتحسن الأداء في المقاييس، مثل المدة الزمنية المطلوبة لإنجاز العمليات وعدد الخطوات المطلوبة لإكمال عملية وضع الطلبية. ومع اكتساب الشركة مزيداً من المعرفة والقدرات، أصبحت مشاريعها أكثر طموحاً.
بالطبع، ما زلتَ بحاجة إلى طريقة لقياس التقدم في التحول الرقمي بشكل عام، وللقيام بذلك نقترح مقياساً نسميه العائد على الوقت المستثمر. ولحساب ذلك، يمكنك ببساطة تقسيم إجمالي الإيرادات على عدد الموظفين. وتنطوي الفكرة على ضرورة أن تتيح لك الاستثمارات التكنولوجية الناجحة إنجاز مزيد من الأعمال مع عدد أقل من الموظفين. على سبيل المثال، استخدمنا بيانات التقرير السنوي لعام 2018 لإجراء مقارنة بين شركة "أمازون" التي تُعتبر شركة رقمية مع شركة "وول مارت" التي تُعتبر شركة تقليدية قديمة. ووجدنا أن شركة أمازون تمتلك 232.9 مليار دولار في صافي المبيعات و647,500 عاملاً بدوام كامل وجزئي. وبلغت مبيعاتها لكل موظف 359,671 دولاراً. في المقابل، كانت شركة "وول مارت" تمتلك 495.8 مليار دولار في صافي المبيعات و 2.3 مليون موظفاً. وبلغت مبيعاتها 217,8521 دولاراً لكل موظف. وتتمتع أمازون بأداء أعلى بنسبة 67% لكل موظف.
3- تحديد منافسيك: توسيع نطاق الشبكة التنافسية
لقد تشوهت حدود القطاع كثيراً لدرجة أن رموز التصنيف الصناعي الموحد أصبحت عديمة الفائدة إلى حد ما. وهذا في حد ذاته هو أحد الأسباب التي تجعل الأساليب التقليدية لإعداد الاستراتيجيات المستندة إلى افتراضات الحدود تخذل الشركات القائمة.
ونقترح ألّا يعتبر القادة مجال المنافسة سوقاً تقدّم فيه جهات لاعبة متشابهة منتجات وخدمات منافسة، وإنما أن يعتبرونها ساحة، كما يُطلق عليها خبراء الاستراتيجية. تُحدّد الساحة حسب حاجة الزبون، أو "المهمة التي يجب القيام بها" بحسب ما أفاد كلايتون كريستنسن. وهي فكرة تعود إلى تيد ليفيت، الذي أوصى أن تعتبر شركات السكك الحديدية نفسها كمنافسة في مجال النقل ضد شركات الطيران والحافلات والشاحنات وحتى السيارات. فإذا شكّل ركاب السكك الحديدية سوقاً، فإن مستخدمي وسائل النقل يشكلون ساحة.
إدارة التغيير الكبير خطوة بخطوة
ينطوي جزء أساسـي من التحول المدفوع بالاكتشـاف على تحديد المشـكلات التنظيمية التي يمكن معالجتها بالتكنولوجيا الرقمية، وإجراء التحسـين المطلوب لكل منها، ويمثل مقياسـاً لتقييم التقدم المنشـود. يجري تدوين كل هذه المعلومات في أداة تسـمى الجدول "من-إلى". ونعرض فيما يلي كيفية قيام إحدى مؤسسـات الخدمات المالية التي عملنا معها بملء جدولها.
وتفكر الشركات الرقمية الذكية بهذه الطريقة بالفعل. على سبيل المثال، كانت شركة "نتفليكس" واضحة جداً بنيتها عدم التنافس ضد التلفاز أو الأفلام، وإنما كانت تنوي التنافس ضد كل نشاط ترفيهي محتمل قد يمارسه أي شخص بدلاً من مشاهدة محتوى البث التدفقي. ففي حين كانت شركة "نتفلكس" تعتبر شركات الإعلام التقليدية منافسة لها، كانت قيادتها تنظر إلى المجلات والكتب والمدونات الصوتية والأحداث الرياضية على أنها ممارسات منافسة لها أيضاً.
وفي هذه المرحلة من العملية، يجب عليك أن تحدد ما إذا كانت نتائج النجاح ومقاييسه التي حددتها في الخطوتين الأولى والثانية معقولة، بالنظر إلى الساحة التي تتنافس فيها. هل تخسر في الفئة التي تتنافس فيها زبائن راسخين لصالح شركات أخرى في الساحة، أم تحتفظ بزبائنك؟ لدى شركة "نتفلكس" مجال واسع لتحقيق أهداف نموها، وذلك لأن إجمالي ساعات مشاهدة الفيديو في ازدياد ولأن الكثير من هذا النمو ناتج عن البث التدفقي للفيديو.
4- البحث عن منصات: عدم نسيان تأثيرات بيئة العمل
يُعدّ سعي الشركات في الاقتصاد الرقمي إلى أن تصبح وسيطاً يقوم من خلالها الآخرون بشراء السلع وبيعها استراتيجية شائعة للغاية. إنه نموذج عمل مغر، لأنه بمجرد انضمام جانبي السوق إلى منصة ما، سيقل حافز انتقالهم إلى منصة أخرى. ويرجع ذلك جزئياً إلى تأثيرات الشبكة، بمعنى أن قيمة المنصة تزداد لدى أي مستخدم مع ازدياد عدد المستخدمين الآخرين لهذه المنصة. على سبيل المثال، تستفيد منصة "إير بي إن بي" (Airbnb) عندما يستخدمها مزيد من المضيفين ومزيد من الضيوف، وقد قطعت جهوداً كبيرة لضمان ولاء كلا الجانبين.
وتُعتبر المنصة جاذبة أيضاً لأنها تتطلّب رأسمال أقل. على سبيل المثال، إذا كنت ترغب في إدارة فندق تقليدي، يجب أن تمتلك عقاراً وغرفاً تحتاج إلى من يهتم بنظافتها وأنظمة حجز وموظفين وما إلى ذلك. على النقيض من ذلك، تستفيد منصة "إير بي إن بي" من بيئة عمل من المضيفين لتقديم كل هذه الأشياء، وتقتصر جميع أنشطتها الخاضعة للرقابة المباشرة على التوفيق بين المضيفين والضيوف وضمان المعاملات، وكلا هذين النشاطين يحدثا في السحابة، وبالتالي يمكن تطويرهما بشكل لا حدود له.
ولفهم ما إذا كانت هناك فرصة لبناء منصة، نستخدم أداة نسميها سلسلة استهلاك الزبون (وهي فكرة طُرحت في مجلة هارفارد بزنس ريفيو عام 1997). والفكرة بسيطة: فعندما يحاول الزبون إنجاز مهمة ما، يمرّ بسلسلة من التجارب، بدءاً من الوعي بالحاجة إلى إنجاز المهمة، ومن ثم العمل على كيفية تلبية تلك الحاجة، والتوصل إلى استنتاج بالاستفادة من خدمة ما أو يمضي دون تلبية حاجته. وتنطوي أهمية التقنيات الرقمية في أنها تجعل معاملات السوق المفتوحة للعديد من الروابط في هذه السلسلة ممكنة، وهو ما يتيح للشركات بناء منصات.
وتبدو هذه الأخبار سيئة بالنسبة للمؤسسات القائمة، إلا أنها قد تمتلك ورقة رابحة: فهي توظف العديد من الأشخاص الذين يمتلكون خبرة فنية متعمقة أو يفهمون مشكلات الزبائن. ويمكن لهذه القدرات أن تمنحهم ميزة في تحديد الفرص الشبيهة بالمنصة وبناء بيئات عمل متكاملة. أدرك روهل في شركة "كلوكنر" أنه بمجرد تطبيق نظام الشفافية في الأسعار واتباع نهج الاحتكاك الأقل في تداول السلع المعدنية الأساسية، ستتحول الميزة التنافسية إلى الموردين الذين يمكنهم تقديم حلول وخدمات متفوقة. ومزجت الشركة الطرق الجديدة للعمل على المنصات، مثل إنشاء تصاميم مشتركة مع الزبائن قائمة على الخبرة الرقمية مع الخبرة المتعمقّة لقوة عملها، مثل التصنيع باستخدام ليزر ثلاثي الأبعاد، وذلك بهدف تطوير عروض مخصصة عالية القيمة.
ليس من السهل على الشركات الكبرى أن تصبح منصات شهيرة، فعالم الأعمال التجارية مليء بالمنصات المحتملة التي فشلت على الرغم من امتلاكها جميع مكونات النجاح. وتُعتبر مبادرة "بريديكس" التي طرحتها شركة "جنرال إلكتريك" (General Electric)، والتي كان من المفترض أن تكون منصة لإنترنت الأشياء في القطاع الصناعي مثالاً على ذلك. وبدلاً من رقمنة الخدمات التي يقدّرها الزبائن، انخرطت مبادرة "بريدكس" في خدمة وحدات شركة "جنرال إلكتريك" الداخلية. علاوة على ذلك، مُنحت المبادرة مسؤولية الأرباح والخسائر، والتي وجهتها نحو عقود قصيرة الأجل مع الزبائن الذين يمكنهم سداد بعض الفواتير في تلك الأثناء، وذلك باعتبار هذه المبادرة جزءاً من استراتيجية "جنرال إلكتريك" الرقمية. كما أنها قبلت مهاماً كثيرة في وقت مبكر جداً، بدلاً من محاولة إيجاد مهام مناسبة لقدراتها وتطويرها.
5- اختبار الافتراضات: الإخفاقات تمثّل دروساً أيضاً
تتمثّل أحد أكثر الأدوات شيوعاً لنجاح عملية التخطيط المدفوع بالاكتشاف في جدول التحقق من الافتراضات. وكل ما يجب عليك فعله لإعداد هذا الجدول هو تدوين مراحل تطور مشروعك الرقمي، والافتراضات التي يجب اختبارها في كل مرحلة وتكلفة هذه الاختبارات، إذا كان ذلك ممكناً. وتكمن أهمية هذا النهج في أنه ينقل الحوار من "لقد كنتَ مخطئاً، وكانت تلك خطوة فاشلة" إلى "هل كان الأمر يستحق بذل تلك الأموال لنتعلم هذه الدروس؟"
تأمّل الأسلوب الذي اتّبعته شركة "بافر" (Buffer) التي تتيح للناس تنظيم عروضهم على وسائل التواصل الاجتماعي دون الاضطرار إلى تحديد التوقيت مسبقاً، في اختبار الافتراضات في مرحلة إطلاقها. استحوذ جويل جاسكوين، المؤسس المشارك لشركة "بفر" على فكرة العمل بعد شعوره بالإحباط بمدى صعوبة محاولة التغريد بشكل منتظم على منصة تويتر.
وكان الافتراض الأول الذي أراد اختباره هو تحديد ما إذا واجه أشخاص آخرون المشكلة ذاتها. لذلك، قام بإنشاء موقع ويب بسيط مكون من صفحتين، تضمنت الصفحة الأولى رسالة مفادها "غرّد بشكل أكثر انتظاماً مع "بافر". عندما ينقر المستخدمون على الرسالة، سيجري نقلهم إلى صفحة ثانية تحمل رسالة تقول: "مرحباً، لقد عثرت علينا قبل أن تجهز هذه الخدمة"، وضمّت مساحة تمكّن الأشخاص من إدخال عناوين بريدهم الإلكتروني في حال كانوا مهتمين بالخدمة التي ستقدّمها "بافر". أحجم معظم الناس عن إدخال عناوين بريدهم الإلكتروني، لكن البعض الآخر كانوا مهتمين في الخدمة. لذلك، أضاف جاسكوين صفحة ثالثة بين الصفحتين الأخريين لاختبار فرضيات التسعير. ومرة أخرى، لم يكن معظم الأشخاص مهتمين بالدفع لقاء هذه الخدمة، إلا أنه حصل على ما يكفي من الزبائن لإقناعه بطرح الخدمة.
وكان يجب عليه بعد ذلك أن يتخذ قراراً بمدى تعقيد الخدمة وعدد المنصات الاجتماعية التي يود تطبيق هذه الخدمة عليها. واتخذ قراراً في النهاية في جعل الخدمة بسيطة ومقتصرة على دعم منصة "تويتر" فقط في البداية. واعتباراً من عام 2018، كان لدى شركة "بفر" أكثر من 1.4 مليون حساب اجتماعي متصل بتطبيقاته.
وتبنّت العديد من الشركات الكبرى عقلية الاختبار والتعلم المماثلة. وتعمل العديد من الخدمات الجديدة على تسهيل عمليات التجريب، مثل خدمة "ألفا" التي أتاحت لمشتركيها الحصول على تقييمات سريعة حول المنتجات من العملاء المحتملين قبل اتخاذ قرارات بشراء منتجات باهظة الثمن. وفي "ويل ماتش" (WellMatch)، وهي وحدة أعمال تابعة لشركة "أتنا" (Aetna)، ساعدت التجربة في حل الخلافات حول قرارات التصميم. ووفقاً لإيتغو نوكا، الرئيس التنفيذي السابق للمنتجات، كان أحد مجالات الخلاف يتعلق بموقع الشركة على الويب: فقد أرادت كل مجموعة في الوحدة عرض محتواها على صفحة الهبوط. وانتهى الأمر بأن أصبحت صفحة الدخول التجريبية مشغولة للغاية لدرجة أنها أربكت المستهلكين. وكان على الشركة العودة إلى مرحلة التخطيط الأولى وإجراء إعادة تصميم، لكنها كانت قادرة على القيام بذلك بتكلفة منخفضة ومخاطر أقل بكثير مما لو أنها أطلقت صفحة الويب بشكل حقيقي.
الثمار الإيجابية
إن التحول الرقمي معقدٌ جداً ويتطلب طرقاً جديدة للتعامل مع الاستراتيجية. فعندما تنفق كثيراً من الأموال في البداية وتفترض أنك تمتلك كل المعلومات، قد تشهد بعض الهجوم من جهات معارضة ضد كل شيء، من ضرورة تفادي المخاطرة وإبداء الاستياء من مشروعك إلى مقاومة بسيطة للتغيير.
يمكّن التخطيط المدفوع بالاكتشاف القادة من تخطّي العوائق المشتركة التي تقف أمام التحول الرقمي. إلا أن اتباع أسلوب بسيط وإنفاق قليل من الأموال على مجموعة مستمرة من التجارب، واستقاء الدروس، يمكّنك من كسب أوائل المؤيدين وأوائل المتبنين لمشروعك. وبعد إثبات التأثير الواضح للتحول الرقمي على مؤشرات الأداء المالي، يمكنك أن تدعم هدفك من تطوير استراتيجية رقمية وتكتشف السبيل إلى تحقيقها. ويمكنك أيضاً استخدام مشاريع الرقمنة لبدء عملية التحول التنظيمي. وكلّما أصبح الناس أكثر راحة مع الاتصالات الأفقية والأنشطة التي تتيحها التقنيات الرقمية، ازداد تبنّيهم لطرق جديدة للعمل.
تتمتع الشركات القائمة ببعض المزايا الرائعة مقارنة بالمنافسين الجدد، وتتمثّل هذه المزايا في وجود زبائن راسخين، وامتلاكها موارد مالية، وبيانات الزبائن والسوق، ومجموعات أكبر من المواهب. لكن سيتعين على الرؤساء التنفيذيين دمج الرشاقة والابتكار في مؤسساتهم الأكبر ومشاركة الأساليب الجديدة للتفكير الرقمي مع تقليل الزعزعة في أعمالهم التجارية. ويوفر التخطيط المدفوع بالاكتشاف طريقة للتعامل مع تلك التحديات المتعلقة بموضوع التحول الرقمي المدفوع بالإكتشاف.
اقرأ أيضاً: