تقرير خاص

كيف تسهم حلول الخزانة الذكية في تعزيز التحول الاقتصادي في الإمارات؟

6 دقيقة
التحول الاقتصادي في الإمارات

لم تعد الحدود الجغرافية عائقاً أمام طموح الشركات، بل تحولت إلى نقطة انطلاق نحو بناء كيانات عالمية ذات توجه استراتيجي عابر للحدود. من هذا المنطلق، فتح التحول الاقتصادي في الإمارات العربية المتحدة آفاقاً جديدة حتى أصبحت مركزاً مالياً عالمياً ومقصداً للاستثمار والابتكار، مدفوعة برؤية "نحن الإمارات 2031"، الرامية إلى إظهار الفرص التي توفرها للشركاء العالميين في قطاعات حيوية مثل التكنولوجيا المالية، والذكاء الاصطناعي، والنقل الذكي، والرعاية الصحية والطاقة المتجددة، بهدف تعزيز النمو المستدام وتنويع الاقتصاد.

ومع الدعم الحكومي للمستثمرين، سواء من خلال تملك كامل أو إعفاءات ضريبية أو توفير الإقامة، ازدادت جاذبية بيئة الأعمال بالنسبة للشركات العالمية، ولا سيما أن هذه التسهيلات تتكامل مع الاقتصاد الإماراتي الديناميكي المتنوع. ونتيجة لذلك جاءت الإمارات في المركز العاشر عالمياً من حيث جاذبية الاستثمار الأجنبي. كما أظهر تقرير الاستثمار العالمي الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ، أن حجم تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر تجاوز 45 مليار دولار أميركي في عام 2024، بارتفاع 48% على أساس سنوي.

ويمثل القطاع المالي أحد المحاور الرئيسية ضمن استراتيجية التحول الاقتصادي؛ لذا كان لزاماً دعمه بالأدوات التكنولوجية المتطورة لتعزيز الفرص الاستثمارية للشركات العالمية. في هذا السياق، يبرز قادة الخزانة في المؤسسات المالية باعتبارهم شركاء في وضع نهج يعتمد على حلول الخزانة الذكية لضمان استدامة هذا الزخم. وقد وجدت دراسة بعنوان "مستقبل إدارة النقد للشركات" أن 63% من الشركات تملك رؤية فورية للتدفقات النقدية، ما يعكس التحول المتسارع نحو أنظمة خزانة أكثر تطوراً، وقدرة فرق الخزانة على تتبع السيولة لحظياً. ويتيح هذا التطور تحسين التنبؤات المالية، وتعزيز القدرة على استباق المخاطر وإدارتها بكفاءة أعلى.

من هنا، التزمت الشركات الكبرى بتبني هذه الآليات التي وفرتها القيادة المالية العالمية المبتكرة، مثل خدمات جي بي مورغان بايمنتس في الإمارات والمنطقة. وتتضمن خدماتها حلول التمويل المدمج، وإدارة فعالة للمخاطر، وتوظيف الابتكار في عمليات الدفع والخزانة. وفي هذا الصدد، قال رئيس قسم مبيعات المؤسسات المالية لمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا في جي بي مورغان بايمنتس، سوراب خان: "إن دور إدارة الخزانة أصبح أكثر استراتيجية من أي وقت مضى".

التكامل مع التحول الاقتصادي في الإمارات

"ترى جي بي مورغان بايمنتس التغيير في الخزانة بصفته جزءاً من رؤية أوسع للاقتصاد المستقبلي"، وفقاً لحديث خان. ومع تعاظم الاهتمام الإماراتي بالقطاع المالي، واكبت خدماتها تطلعات سوق أبوظبي العالمي باعتباره منطقة مالية حرة توفر بيئة تنظيمية عالية الجودة للشركات المتخصصة بالقطاع. فقد استهدفت استراتيجية السوق للنمو 2023‑2027 تطوير الخدمات المصرفية، وإدارة الأصول ورأس المال، والتأمين، خاصة مع جذبها الشركات المتعددة الجنسيات لتأسيس مراكز خزانة إقليمية.

ففي عام 2024، تجاوز إجمالي الكيانات التشغيلية 2300 كيان، ما عكس نمواً بنسبة 32% على أساس سنوي.

ووسط هذا المشهد الديناميكي، حرصت جي بي مورغان بايمنتس على تقديم خدمات مالية متكاملة للشركات المدرجة في سوق أبوظبي العالمي، تشمل عمليات الدفع، والخدمات المصرفية ذات الصلة، وقبول الودائع، ما يعزز كفاءة العمليات المالية للشركات العالمية والمحلية التي تتخذ من السوق مركزاً للخزانة. وقد أشار خان إلى أن "حلول الخزانة الذكية أصبحت ممكنات لا غنى عنها لاستراتيجيات الإمارات الوطنية." فكيف واكبت هذه الحلول الذكية استراتيجيات الإمارات الوطنية؟

الشراكات وتعزيز النمو الدولي

يعتمد مستقبل الشركات على مدى توسعها في الأسواق العالمية. في هذا السياق، تجاوزت القيمة السوقية للكيانات المدرجة في سوق أبوظبي العالمي 136  مليار دولار أميركي، وارتفعت الأصول المدارة بنسبة 42%، ما عزز مكانته باعتباره المركز المالي الدولي الأسرع نمواً في المنطقة، وعكس قدرة الإمارات على جذب المؤسسات والصناديق الاستثمارية.

من هنا، وفرت الشراكة مع جي بي مورغان بايمنتس بنية تحتية مالية تستند إلى حلول الخزانة الذكية المرنة وأنظمة المدفوعات المتقدمة لدعم استراتيجيات التوسع المستدام. ومن خلال خدماتها المنتشرة في أكثر من 160 دولة وبـ 120 عملة، ساعدت على تخطي التحديات التنظيمية، وإدارة صرف العملات الأجنبية والسيولة العابرة للحدود.

وتستهدف جي بي مورغان بايمنتس التحول إلى أنظمة الخزانة الفورية من خلال توفير حلول إدارة المدفوعات والسيولة في الزمن الفعلي، ما يضمن إدارة النقد والسيولة بكفاءة، وتقديم الحلول الشاملة للتمويل التجاري.

وازدادت أهمية هذه العلاقات الاستراتيجية في ظل الحاجة الملحة لتجاوز التعقيدات التنظيمية، وإدارة صرف العملات الأجنبية في منطقة مجلس التعاون الخليجي، إذ تتسم ببيئة متداخلة، وتنوع في العملات المحلية، وتفاوت في البنى التحتية للمدفوعات ما يؤكد مدى فعالية هذه السياسات في تحقيق الاستقرار في النمو الطويل الأمد.

الابتكار الرقمي لمواكبة الرؤية

توفر الإمارات بيئة داعمة لتطوير التكنولوجيا المالية، نظراً لدورها في تحليل كميات هائلة من البيانات، ووضع رؤى تنبؤية لاتخاذ قرارات استراتيجية تقلل التكاليف التشغيلية وتعزز الكفاءة. من هذا المنطلق، يعمل برنامج تطوير البنية التحتية المالية على تحديث البنية الرقمية للقطاع المالي. كما تحرص مبادرة "نحن الإمارات 2031" على دعم القطاعات الواعدة مثل التكنولوجيا المالية لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام، ما ينعكس على نمو السوق. وفي عام 2024، بلغت قيمة سوق التكنولوجيا المالية في الإمارات نحو 3.16 مليار دولار أمريكي. ومن المتوقع أن يصل إلى 5.71 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2029.

من جهتها، تتبنى جي بي مورغان بايمنتس نهجاً يرتكز على تقديم حلول مالية رقمية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وتحليل اتجاهات المبيعات والمؤشرات الاقتصادية واضطرابات سلاسل التوريد لاكتشاف أنماط قد تغفل عنها التحليلات البشرية. كما يمكنها تحسين التنبؤ بالنقد، ما يسهم في تعزيز التمكين من حلول الخزانة الذكية بمرونة عالية، بما يتماشى مع استراتيجية حكومة أبوظبي الرقمية 2025-2027، التي تستهدف دمج الذكاء الاصطناعي في جميع مستويات تقديم الخدمات، واستثمار نحو 3.54 مليار دولار أميركي في الابتكار والتكنولوجيا خلال هذه الفترة.

أما بخصوص أنظمة إدارة الخزانة، فإن المؤسسات تستعين بهذه الأنظمة لتلبية متطلبات الشفافية والتوسع، وهذا ما أدركته جي بي مورغان بايمنتس. فمع الاستعاضة عن العمليات اليدوية التقليدية المعتمدة على الأوراق بأنظمة متكاملة لإدارة الخزانة، وفرت قدرات متقدمة وبيانات وتحليلات في الوقت الفعلي. في حين وفرت حسابات افتراضية لمتابعة الأرصدة النقدية. كما تدعم واجهات برمجة التطبيقات وظائف الخزانة من خلال قدرتها على ربط البيانات ومشاركتها بين أنظمة مختلفة.

وقدمت كذلك إمكانية البرمجة في تقنية البلوك تشين. إذ أصبح بالإمكان تنفيذ حركة الأموال بناءً على تعليمات شرطية بسيطة، ما يجعل التدفقات النقدية أكثر دقة. كما يسهل ذلك إدارة السيولة ويقلل المخاطر المالية من خلال تسريع العمليات، وتعزيز الشفافية، وخفض معدلات الأخطاء أو الاحتيال. وقد أكمل بنك أبوظبي الأول تجربة تشغيلية لمدفوعات قابلة للبرمجة من خلال وحدة كينكسيس لتقنية البلوك تشين التابعة لبنك جي بي مورغان في سبتمبر/أيلول عام 2024. ومكنت هذه التجربة البنك من إطلاق المدفوعات تلقائياً. وفي الوقت نفسه أصبح بنك دبي التجاري أول بنك في الشرق الأوسط يدمج تطبيق "كينكسيس لينك كونفرم" ضمن بوابة الخدمات المصرفية التي يوفرها للشركات، ما يمكن العملاء من تدفقات دفع عابرة للحدود أكثر سلاسة؛ بفضل التحقق من الحسابات بسرعة وأمان وأعلى كفاءة.

بهذه الاستثمارات التكنولوجية وسعيها الدائم لبناء حلول قابلة للتوسع، ساعدت جي بي مورغان بايمنتس في تمكين القيادة المالية من اتخاذ قرارات أسرع وأكثر استنارة، ما يعزز مرونة المؤسسات واستجابتها السريعة لتحولات الأسواق الممكنة.

ثقافة إدارة المخاطر

تزداد أهمية الخزانة لتشمل إدارة المخاطر سواء مخاطر السيولة، وتذبذب أسعار الفائدة، وتقلبات أسعار صرف العملات الأجنبية، أو مخاطر الطرف المقابل في الائتمان. ومع تصاعد الاعتماد على البنى التحتية الرقمية، تأخذ مخاطر الاحتيال، والأمن السيبراني، وتعطل الأنظمة أولوية قصوى.

وتعتبر 83% من وحدات الخزانة هذه المخاطر المرتبطة بالعملات الأجنبية هي الأخطر. من هنا، أولت الإمارات اهتماماً خاصاً بمنظومة إدارة المخاطر لتواكب ثقة الشركات المتعددة الجنسيات التي تتجه إليها، خاصة مع تسجيل الشركات النشطة في سوق أبوظبي العالمي ارتفاعاً بنسبة 42%؛ لذا دمجت جي بي مورغان بايمنتنس حلولها الذكية بين الحوكمة، والامتثال التنظيمي، واتباع معايير السلامة، لتعزيز قدرة هذه المؤسسات على الاستشراف والتكيف مع المتغيرات، وضمان استدامة الأعمال.

ويتماشى ذلك مع سياسة نظام إدارة المخاطر التي أطلقتها الإمارات، إذ تلزم هذه السياسة بمراجعة سنوية لضمان التوافق مع أهداف الإدارة العليا، وتحديد المسؤوليات، وتعزيز ثقافة الوعي بالمخاطر، وتشجيع الإبلاغ عن المخاطر الجديدة أو المحتملة.

كيف تعزز القيادة المالية العالمية حلول الخزانة الذكية؟

لطالما اعتمدت فرق الخزانة على الأنظمة القديمة لإدارة عملياتها. ومع نمو الأعمال وتعقدها، أصبحت بحاجة إلى حلول أكثر كفاءة وفاعلية؛ لذا تحولت قيادة الخزانة إلى استراتيجية كاملة، تدفع الشركات إلى الاهتمام بحلول الخزانة الذكية، والالتزام بالتفكير التحليلي والقيادة ليكونا ضمن مهارات موظفي الخزانة.

وفي هذا السياق، قال خان: "إن إدارة الخزانة تدعم نمو الشركات وتوسعها، خاصة في ظل التوجه المتزايد للشركات في منطقة الشرق الأوسط نحو الانفتاح على الأسواق العالمية. وهذا يستلزم أن تضطلع الخزانة بدور قيادي في دفع عجلة تحقيق الأهداف المؤسسية".

وأضاف أنه نظراً لسعي الشركات إلى التوسع في أسواق مختلفة، تبرز الحاجة إلى هياكل مالية تتيح تجميع السيولة غير المستغلة وتحويلها إلى مركز موحد، بما يضمن إدارتها بفاعلية واستخدامها في تمويل العمليات التشغيلية وخطط التوسع المستقبلي.

ووجه خان قادة الخزانة إلى اعتماد عدة معايير تسهم في تعزيز المرونة، ووضع العملاء في قلب الاستراتيجية المالية، وهي:

  1. رؤية واضحة للتدفقات النقدية.
  2. التحكم في السيولة.
  3. إدارة المخاطر المالية بحكمة.
  4. تبني الأتمتة وتقليل العمليات اليدوية.
  5. وضع سياسات امتثال وحوكمة واضحة.
  6. التقييم المستمر للاستثمارات الحتمية، مع التركيز على الكفاءة وتجربة العملاء، والتطوير المستمر لضمان معايير عائد محددة.

ختاماً، يتضح أن تحقيق التميز يتطلب اعتماد أنظمة دفع، وتسوية حديثة، ورؤية نقدية لحظية. ويمثل تطور الخزانة إقليمياً خياراً استراتيجياً لا مفر منه في بيئة تتطلب الابتكار المستمر. وتكمن القوة الحقيقية في دمج المرونة التنظيمية، والاستثمار الذكي في التكنولوجيا، وبناء شراكات قوية.

 

 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي