تقدم النتائج الأولية لتجربة أُجريت في شركة "ذا غاب" (The Gap) المتخصصة في صناعة الملابس، أملاً بوجود علاج لأحد ممارسات الأعمال الأكثر جدلاً في صناعات التجزئة والصناعات الخدمية الأخرى مثل الضيافة والرعاية الصحية ومراكز الاتصال. وتُعتبر الممارسة عبارة عن جداول عمل تتطلب من الموظفين العمل في مناوبات عمل تختلف من أسبوع لآخر. في ظل هذه الممارسة، نادراً ما يكون لدى الموظفين أي سيطرة على جداول عملهم، ولا يعلمون عادة بجدول عملهم للأسبوع القادم إلا قبل ثلاثة أيام. وتُفسد هذه الجداول المتقلبة وصعبة التنبؤ ترتيبات العاملين لرعاية أولادهم وصفوفهم الدراسية وغيرها من المسؤوليات الشخصية، كما أنها تجعل من المستحيل فعلياً على الموظفين بدوام جزئي الاحتفاظ بأكثر من وظيفة، أضف لهذا أن ساعات العمل المتقلبة هذه تعني أن دخل العاملين يكون أيضاً متقلباً بدرجة كبيرة.
لكن هذا الوضع بالإمكان تغييره.
منذ عام 2015، مُررت تشريعات من أجل جداول عمل ثابتة في أربع مدن (سان فرانسيسكو وإميريفيلي وسياتل ونيويورك)، وفي ولاية واحدة (أوريغون)، وتم تبنيها في العديد غيرها. كما أنه نتيجة لتحقيق من قبل المدعي العام لولاية نيويورك إريك شنيدرمان، قامت 15 من شركات التجزئة إما بإيقاف نظام المناوبات على الطلب (التي يوضع فيها العاملون في مناوبات تُلغى في أي وقت حتى ما قبل ساعتين) أو التزمت بالقيام بذلك على مستوى الدولة.
لكن هذه التحركات كانت الاستثناء وليس القاعدة: فقد استمرت جداول العمل غير المستقرة لتكون النموذج السائد في العديد من الصناعات ضمن الولايات المتحدة. وحتى لو أراد قادة الأعمال التخلي عن هذه الممارسة فإنها متأصلة أيضاً في عملياتهم بحيث يعتقد الكثيرون أنّ التخلي عنها غير ممكن. عرّف زينب تون من معهد ماساتشوستس للتقنية (MIT) "استراتيجية الوظيفة الجيدة" بأنها تلك التي تسمح للشركات تحسين وظائف الصف الأول مع الإبقاء على التكاليف منخفضة بحيث يمكنهم المنافسة على السعر. لكن هذا يتطلب تبني نظام تشغيل جديد بالكامل. هل باستطاعة الشركات التي لا تستطيع تبنّي كامل "استراتيجية الوظائف الجيدة" التعامل مع مشكلة جداول العمل غير المستقرة في الوظائف التي يوفرونها؟
لاستكشاف هذا السؤال، تواصلنا مع مؤسسة "غاب" (Gap,Inc) واقترحنا عليهم إطلاق تجربة عشوائية للنظر في ما إذا كان هناك جدوى في الانتقال إلى جداول عمل أكثر ثباتاً. إذ تُعتبر مؤسسة "ذا غاب" الشركة الأم لستة من سلاسل شركات الألبسة، إحداها "غاب"، وهي تنظر لنفسها على أنها شركة قائمة على القيم. لعل هذه النظرة، بالإضافة إلى واقع أنّ المقر الرئيسي لشركة غاب يقع في سان فرانسيسكو، حيث كانت تجري نقاشات قادت إلى أول تشريع لبرامج العمل المستقرة في البلد، هي ما جعلت "غاب" توافق على العمل معنا.
قمنا بنقل 28 متجراً في سلسلة متاجر "ذا غاب" في سان فرانسيسكو وشيكاغو نحو ممارسات لبرامج عمل أكثر استقراراً وذلك بالذهاب إلى أبعد مما يتطلبه ميثاق حقوق العاملين في تجارة التجزئة ضمن مدينة سان فرانسيسكو. وتغيّرت بعض الممارسات في جميع متاجر الشركة: استُبعدت المناوبات على الطلب (تلك التي يمكن إلغاؤها حتى ما قبل ساعتين)، وأُعطي الموظفون إشعاراً بجداول أعمالهم قبل 14 يوماً. بالإضافة لذلك، تم تشجيع المدراء في المتاجر الفرعية على أن يمنحوا مزيداً من العاملين جداول أساسية لا تختلف من أسبوع إلى آخر، مع أوقات ثابتة للبداية والنهاية و"ضمانة ناعمة" لـ20 ساعة عمل على الأقل في الأسبوع.
سيُنشر تقرير كامل عن التجربة بداية عام 2018، لكن لدينا الآن بعض النتائج الأولية لمشاركتها. من التغييرات التي أثبتت شعبيتها بين العاملين: استخدمنا تقنية غير مكلفة لتمكين العاملين من تبديل مناوباتهم مع آخرين في المتجر دون الحاجة للحصول على موافقة مسبقة من مديرهم المباشر. كان الأساس في ذلك العثور على تقنية سهلة وسلسلة بما يكفي بحيث يستخدمها الناس. جربنا استخدام صفحة فيسبوك وأجهزة لوحية داخل المتجر، لكن أي من هذا لم ينجح إلى أن عثرنا على تطبيق مراسلات المناوبة (Shift Messenger).
يُعتبر تطبيق مراسلات المناوبة واحداً من تطبيقات عديدة متوفرة لأجهزة الهواتف الذكية تسمح للعاملين نشر مناوبات لا يريدونها كي يأخذها زملاؤهم. (هناك تطبيقات أُخرى تفعل ذلك منها (Shyft) و(ZoomShift) لكننا لم نجرب استخدامها).
كان الإقبال كبيراً. إذ أنّ 62% من الموظفين العاملين بدوام جزئي في المتاجر الذين استخدموا تطبيق مراسلات المناوبة نشروا أو أخذوا مناوبة خلال الأسابيع الثلاثين التي اُعتمد خلالها التطبيق. مع أننا كنا قلقين من أنّ الموظفين الذين تتجاوز أعمارهم 50 عاماً، والذين يشكلون حوالي 7% من قوة العمل في "غاب" ضمن هذه المتاجر، ربما لا يرغبون باستخدامه، لكن حوالي النصف منهم استخدمه (46%).
وجميع المناوبات التي نُشرت خلال يوم أو أكثر من موعد المناوبة تمت تغطيتها. إذ جرى أخذ حوالي ثلاث أرباع المناوبات (72%) التي نُشرت قبل أسبوع على الأقل من موعد المناوبة، كذلك حدث مع نصف المناوبات التي نُشرت قبل ثلاثة أيام فقط. لكن الحصة انخفضت إلى 30% بالنسبة للمناوبات التي كانت تُنشر خلال أقل من 24 ساعة من موعد المناوبة. وبالنسبة للمناوبات الليلية أو المناوبات غير المرغوبة مثل مناوبات إغلاقات نهاية الأسبوع فقد كان من غير المحتمل تغطيتها مقارنة بغيرها من المناوبات.
أحبّ الأغلبية الساحقة من الموظفين العاملين بنظام الساعة ومدراء المتاجر التطبيق أو وجدوه حلاً مفيداً، وذلك بحسب استطلاعات لآراء الموظفين ومقابلات مع مدرائهم.
قال حوالي 95% من المشاركين المئتين في استطلاع لآراء موظفي الدوام الجزئي أنهم يوافقون أو يوافقون بشدة على أنّ التطبيق يُسهل على الموظفين تعديل جداول عملهم بحيث تتلاءم مع احتياجاتهم. عبّر معظم المدراء الذي أُجريت معهم مقابلات عن حبهم للتطبيق، قال أحدهم: "أحبه. إنه الأفضل على الإطلاق". ومن بين 19 متجراً جربوا التطبيق، أعلن 4 فقط من مدراء المتاجر عن وجود مشكلة متكررة في التطبيق خلال المقابلات نصف الأسبوعية التي كنا نجريها. وفي كل المقابلات باستثناء واحدة منها، كانت المشكلة تتعلق بتوقعات الموظفين من التطبيق.
قال المدراء أنّ التطبيق وفّر عليهم وقتاً كان يضيع في مكالمات هاتفية يتوجب القيام بها للعثور على بديل عندما يُلغي أحدهم مناوبته بالإضافة إلى مكالمات من موظفين يسألون عن أرقام هواتف أشخاص يمكنهم تغطية مناوبتهم. "لقد وفّر التطبيق علينا 10 ساعات على الأقل في الأسبوع"، كما أخبرنا مدير متجر متوسط الحجم. على أية حال، هناك مدراء فضّلوا "الطرق القديمة" في الاتصال أو الطلب المباشر من الزملاء أن يقوموا بتغطية مناوباتهم.
وأكد بعض المدراء وجود انخفاض في أعداد المتغيبين بسبب سهولة جلب الموظفين لشخص آخر يغطي مناوبتهم. وأشار أحدهم إلى أنّ تطبيق "مراسلات المناوبة" يحذر المدراء إن لم يتمكن أحد الزملاء من إيجاد شخص لتغطية مناوبته. وبحسب المدير: "الأمر أشبه بنظام تحذير". ما يمكنّهم من الاستعداد.
على الرغم من التقييمات الإيجابية للتطبيق من قبل المدراء، إلا أنّ حوالي نصف الموظفين (45%) الذين أجابوا على الاستطلاع قالوا أنّ مديري المتاجر التي يعملون فيها يرون أنّ بعض الموظفين يكثرون من استخدام تطبيق "مراسلات المناوبة"، مثلاً، ينشرون جميع مناوباتهم على التطبيق بدل طلب إجازة عبر القنوات المخصصة لذلك.
وكره بعض المدراء تبديل المناوبات بسبب اختلاف مستويات الموظفين ضمن فرقهم. يقول أحد المدراء: "ليس لدي الفريق المناسب. أملك موظفين من المستوى الأول وموظفين من مستويات دنيا، وأصبحت أحصل مؤخراً على الكثير من المستويات الدنيا يأتون معاً إلى المتجر بسبب تطبيق مراسلات المناوبة".
علق آخر قائلاً: "أنت تحتاج لأن يكون أفضل موظف لديك حاضراً على الصندوق خلال فترات الذروة، أو في غرفة القياس الأكثر ازدحاماً".
ويقول آخر: "تغيير جداول العمل باستخدام تطبيق مراسلات المناوبة يعبث بالأمر ويقوّض جدولي".
من النتائج هنا: التدريب الجيد مهم، والتطبيق يُبرز مشاكل الأداء ويجعل معالجتها ممكناً.
وجد الموظفون بدورهم التطبيق مفيداً لتأمين ساعات عمل إضافية. قال 79% من المشاركين أنّ التطبيق ساعد الموظفين في الحصول على المزيد من الساعات إن هم أرادوا، وهي ميزة أساسية بالأخذ بالاعتبار ما يتكرر التوصل إليه دوماً من أنّ العاملين في قطاع التجزئة "متعطشون للساعات" (بالاقتباس من أحد المدراء).
علق أحد الموظفين الذين أحبوا التطبيق بقوله: "أخذت ثلاث مناوبات يوم أمس. تلقّى كل منا جدول مناوباته، وأراد زملائي الذهاب في إجازة يوم الجمعة، فأخذت أنا جميع مناوباتهم". (في بعض المتاجر الصغيرة، لم يلق التطبيق رواجاً لأن الموظفين كان لديهم مسبقاً أرقام بعضهم البعض وكانوا يفضلون مراسلة بعضهم البعض).
كان وقت الاستجابة للمنشورات سريعاً. أكثر من الثلثين (68%) من جميع التبديلات التي تمت جرت خلال 24 ساعة من وقت نشرها في حين تم تبديل الربع منها (24%) خلال خمس دقائق.
يُعتبر أحد الجوانب السيئة بالنسبة للموظفين أنّ مستخدمي تطبيق "مراسلات المناوبة" كانوا يعملون وسطياً ساعة أقل مما كان مخططاً لهم خلال الأسابيع التي استخدموا فيها التطبيق. يبدو أنه بالنسبة للبعض، قدرتهم على التحكم بوقتهم أكثر أهمية من حصولهم مكاسب مادية أعلى.
من نتائج تجربة تطبيق برنامج الجدولة:
- من الجوهري أن تكون واجهة التطبيق سهلة الاستخدام.
- إذا كانت هناك حاجة لمهارات محددة للمناوبة، عليك بتدريب العاملين كي يذكروا تلك المهارات في منشوراتهم، وتوجيه العاملين لكي لا يأخذوا مناوبة إن كانت تنقصهم هذه المهارات. أو يمكنك أيضاً إنشاء قنوات خاصة على التطبيق للمجموعات الفرعية التي لديها مهارات خاصة من أجل تبديل المناوبات.
- قرر ما إذا كان على المدراء تقديم موافقة مسبقة على تبديل المناوبات.
- ضع إجراء واضحاً للموافقة بحيث يصبح الجميع على علم حالما يتم الاتفاق على تبديل إحدى المناوبات واحرص على أنّ من ينشرون المناوبات يعرفون أنهم ما زالوا مسؤولين عن مناوبتهم المجدولة في حال لم يتم تغطيتها.
- درب الموظفين ليعرفوا أنّ النشر على التطبيق ليس بديلاً عن طلب إجازة من العمل أو تغيير مواعيد وجودهم (كأن يحصل تغيير في مواعيد مدرسة أبناء أحدهم يجعله غير قادراً على العمل أيام الثلاثاء).
- بكل الأحوال، يمكن إدماج برنامج تبديل المناوبات في البرنامج الخاص بالموظفين في الشركة. وفعل هذا يحرص على أنّ الموظفين لا يختارون مناوبات متعاقبة تتسبب بدفع وقت إضافي لهم أو أوقات مدفوعة أو استراحة تخرق سياسات الشركة أو المتجر.
عند الأخذ بالاعتبار تبني تطبيق الهاتف الذكي، على الشركات الأخذ بالحسبان بعض القضايا القانونية. مثلاً: على الموظفين ألا يستخدموا التطبيق لطلب أوقات إجازة عائلية أو مرضية وغيرها من أنواع الإجازات التي تُعتبر من حقوقهم القانونية. القضية الأُخرى هي مطلب من كاليفورنيا وغيرها من الولايات والتي تقول أنه إذا كان العمل يتطلب هاتفاً ذكياً فعلى الشركة توفيره للموظفين، لهذا من المهم ترك خيارات أُخرى متاحة لتبديل المناوبات لا تتطلب من الموظفين استخدام هواتفهم الذكية أو حواسيبهم الشخصية. وتكون الطريقة الأسهل لفعل ذلك بترك الطرق الموجودة مسبقاً لتبديل المناوبات.
من المهم أيضاً تذكّر أنه هذه النتائج الإيجابية تم التوصل إليها عندما كان تبديل المناوبات جزءاً تكميلياً في معالجة أكبر صُممت للمساعدة في تحول الشركة إلى جداول عمل أكثر استقراراً. لهذا لا يُعتبر تبديل المناوبات بديلاً عن ثبات جداول العمل. لكن تبديل المناوبات بصورة آنية وسريعة ومدعومة بالتقنية عنصر مميز واستثنائي وحتى جوهري في التحول إلى جداول أكثر استقراراً. كما أنها طريقة غير مكلفة تساعد تجار التجزئة لجعل العاملين سعيدين حيال ممارسات شركاتهم. بالأخذ بالاعتبار تزايد الضغوط التنظيمية والقانونية المحيطة باستقرار جدول العمل، ويمكن اعتبارها أداة سيرغب بلا شك تجار التجزئة الآخرون بالنظر في استخدامها.
يتضمن تبديل المناوبات تغييراً جوهرياً في طريقة وضع جداول العمل للعاملين في قطاع التجزئة وذلك من خلال توجه يبتعد عن ثقافة معاملة موظفي المتاجر على أنهم أدوات في مصنع إلى جعل أصواتهم مسموعة خلال عملية الجدولة. بينما يستمر اقتصاد المستقلين بالنمو، وبينما يستمر المزيد من العاملين بالانجذاب إليه على وعد بتحقيق مرونة غير مشروطة، من المهم لتجار التجزئة إعادة النظر في طريقة معاملة موظفيهم للتقليل من تركهم للعمل والحفاظ على الأفضل بينهم.