يستخدم المدراء أكثر من أي وقت مضى تجارب خاضعة للتحكم وعشوائية وواسعة النطاق لتوجيه القرارات. وهذا أدى إلى مكاسب مذهلة لمؤسسات تتراوح بين "أمازون" وحكومة المملكة المتحدة. ونشعر نحن بالحماسة لزيادة التجارب في المؤسسات وأمضينا جزءاً كبيراً من السنوات القليلة الماضية في التفكير في كيفية تصميمها وتفسيرها. وفي الوقت نفسه، رأينا أن التجارب لا تزال غير متكافئة بين المؤسسات وداخلها، وتكافح العديد من الشركات مع طرق لبدء التجريب أو توسيعه.
وثمة طريقة بسيطة لتجارب الشركات الأكبر غالباً ما يجري تجاهلها، وتتمثل في الإدخال العشوائي لمنتجات جديدة في مجموعة من الأسواق. ولمعرفة قيمة ذلك، انظر كيف طبقت "أوبر" خدمتها "إكسبرس بول" في العام 2018.
في ذلك الوقت، كانت الشركة تشغّل بالفعل "أوبر بول"، وهي خدمة تتيح للركاب المنتقلين إلى الاتجاه نفسه تشارك الركوب والتكاليف. ومع "أوبر بول" يجري إقلال الركاب وإنزالهم حيث يريدون، كما في الخدمات الأخرى لـ "أوبر". لكن مع خدمة "إكسبرس بول"، التي تكلف أقل من "أوبر بول"، يُطلب من الركاب عموماً السير لمسافة قصيرة لملاقاة المركبة التي ستقلهم للوصول إلى وجهاتهم.
وفي الفترة التي سبقت إطلاق "إكسبرس بول" في العام 2018، طلبت "أوبر" من أحدنا (دنكان، الذي يدير مجموعة من الاقتصاديين وعلماء البيانات داخل الشركة) أن يقيّم احتمالات نجاحات الخدمة، أي كم عدد الركاب الذين سيشاركون، وكيف ستؤثر الخدمة على المنظومة البيئية الأوسع - والأكثر تعقيداً - في "أوبر"؟
وللإجابة عن هذه الأسئلة، أجرى دنكان وفريقه تجربة، إذ أطلقوا "إكسبرس بول" في ستة أسواق كبيرة ثم قارنوا المقاييس في مدن الإطلاق بتلك الموجودة في مدن أخرى. وبالاستفادة من التطورات الحديثة في أساليب التجارب - لاسيما الطريقة الإحصائية التي سمحت لـ "أوبر" باستخدام مزيج محدد الأوزان من مدن أخرى لتشكيل مجموعة مرجعية "اصطناعية" أكثر ملاءمة - تمكن الفريق من استنباط طرق تأثير تطبيق الخدمة على استخدام "أوبر". وفي شكل غير مفاجئ، أنشأت "إكسبرس بول" أنواعاً جديدة من المطابقات بين الرحلات. لكن التجربة شرحت أيضاً أثر "إكسبرس بول" على المنتجات الحالية لـ "أوبر"، وأوضحت أن إطلاقها سيكون منطقياً من منظور الأعمال. ونتيجة لذلك، تمكنت "أوبر" بثقة من تقديم "إكسبرس بول" إلى العديد من أسواقها الرئيسة. وهذه الثقة، والاستنتاجات التي ألهمتها، لم تكن ممكنة من دون تجربة.
فالأسواق الإلكترونية كثيرة الآن، بدءاً من "أوبر" و"إير بي إن بي" ووصولاً إلى "روفر" (Rover) و"تيندر" (Tinder). وليست "أوبر" وحدها بين هذه الشركات في اللجوء إلى تجارب على مستوى السوق لاختبار المنتجات والابتكارات الجديدة.
فقد أجرت "إير بي إن بي" (حيث عمل جيف عالِم بيانات) أخيراً تجربة لاختبار أثر تصميم صفحة رئيسة جديدة على تصنيف محرك البحث وحركته. ولتشغيل التجربة، استغلت "إير بي إن بي" حقيقة أنها كانت تمتلك صفحات رئيسة بمحددات لمواقع الموارد الموحّدة (URLs) تختلف باختلاف الأسواق (سان فرانسيسكو وبوسطن ونيويورك وغيرها). وهذا عنى أن الشركة استطاعت إضفاء صفة عشوائية على محددات المواقع المختلفة لتشمل التصميم الجديد أو تستثنيه، وبذلك عزلت أثر التصميم على حركة محرك البحث. وعندما فعلت ذلك، تمكنت من إظهار نجاح التصميم الجديد: فقد كانت الصفحة الرئيسة الجديدة هي التي أدت إلى زيادة بنسبة 3.5% في عدد الزيارات المخصصة للبحث، وهو تحسن يقابل زيادة بواقع عشرات الملايين من زوار المنصة يومياً. وبناء على هذه النتائج، أطلقت "إير بي إن بي" التصميم الجديد لكل الأسواق.
ولا يقتصر الأمر على شركات التكنولوجيا التي يمكنها استخدام تجارب واسعة النطاق لاختبار المنتجات والابتكارات الجديدة. فكر فيما يمكن أن تفعله سلسلة من المطاعم عند تحديد ما إذا كنت ستقدم شطائر (سندويشات) جديدة من الأفوكادو. قد يتمثل أحد المقاربات التقليدية لقرار مثل هذا في طرح سندويش في اثنين من المتاجر المختارة في شكل استراتيجي، وتشغيل بعض مجموعات مركزة، ودراسة المبيعات التاريخية لمنتجات أخرى. وإذا بدا أن الناس يحبون السندويش في تلك المتاجر، فيمكن أن تطرحه الشركة في كل متاجرها وتأمل في أنه سينجح على الصعيد الوطني. ومن شأن هذا النوع من المقاربات توفير نظرة ثاقبة في هذه المسألة، لكن له قيوداً كبيرة. مثلاً، سيكون من الصعب معرفة ما إذا كان السندويش الجديد خفض المشتريات الأخرى. وسيكون من الصعب معرفة ما إذا كان هذا الأمر زاد العدد الإجمالي للعملاء. وإذا كانت سلسلة المطاعم ستكمل هذه المقاربة مع تجربة عشوائية واسعة النطاق، عن طريق طرح السندويش في مجموعة من الأسواق المختارة عشوائياً، فيمكنها أن تتعلم أكثر بكثير عن الآثار التي قد تترتب على إضافة السندويش على نطاق واسع على صعيد المبيعات (سواء بالنسبة إلى المنتجات الجديدة والمنتجات الحالية)، والحفاظ على العملاء، ورضا العملاء.
لقد رأينا شركات تفوت الفرص المهمة للتجارب، ورأينا تجارب تعاني من تحديات التنفيذ والتحليل. وبالنسبة إلى الشركات التي تتطلع لاختبار منتجات جديدة تجريبياً، إليك بعض الإرشادات للبدء:
1) تحديد المقاييس الأكثر أهمية لك، ثم الخروج بفرضيات حول كيفية أدائها. والاستثمار في جمع البيانات وتحديد ما هي النتائج التجريبية التي ستشكل النجاح أو الفشل. وإنشاء خريطة تمتد من البيانات إلى القرارات. وتذكر أن من الرائع أن يشتري مزيد من الأشخاص منتجاً، لكن ليس من الرائع إذا أدى هذا الأمر إلى مزيد من مكالمات دعم العملاء.
2) اختيار مجموعة فرعية عشوائية من الأسواق (مثلاً، المناطق أو المدن أو الفروع) التي يُطلَق فيها المنتج. وغالباً ما تكون نتائج التجريب على مستوى السوق مشوشة، لذلك بمجرد التفكير في مجموعة من الأسواق، فكر ملياً فيما إذا كنت ستتمكن من اكتشاف الآثار التي تأملها. (تتطلب حسابات الطاقة كثيراً من الافتراضات لكنها يمكن أن تساعد في معرفة ذلك).
3) التأكد من عدم تعقب ما إذا كان منتجك الجديد ينجح فقط، بل أيضاً كيف يؤثر إطلاقه على المنتجات الحالية. قد تبدو "إكسبرس بول" بحد ذاتها ناجحة، لكن إذا لم ينمُ سوق التنقل في شكل عام، فقد يكون أقل قيمة مما يبدو. وبالمثل، عندما تطلق "إير بي إن بي" منتجات جديدة، تحتاج الشركة إلى التفكير في كيفية تأثر الحجوزات من خلال المنتجات الحالية. وعندما طرحت "ستاربكس" سندويشات البيض الخاصة بها (إذا لم تجرّبها، ننصحك بذلك!)، فهي في حاجة إلى النظر ليس فقط في مبيعات سندويشات البيض، بل أيضاً فيما إذا أدى ذلك إلى خفض مبيعات أصناف أخرى في قائمة منتجاتها.
4) التأكد من فهم سبب نجاح المنتج الخاص بك أو إخفاقه. فالمقاييس الإجمالية مثل الأرباح والمبيعات لا تخبر القصة كاملة، مثلاً هل يحسن المنتج الجديد النتائج لبعض أنواع العملاء بينما يضر آخرين؟ وهل ساعد المنتج الجديد جزءاً واحداً من قمع الشراء لكنه سبب ضرراً لجزء آخر؟ وهل تتماشى هذه التحركات مع فرضيتك السابقة للتجربة؟ قد يساعدك فهم سبب تحرك أحد المقاييس ليس فقط في اتخاذ قرار طرح المنتج، بل أيضاً في فهم كيفية الابتكار في المساحة الخاصة بالمنتج.