التجارب المستقبلية للأدوية سوف تفضي إلى تقديم بيانات أفضل ومراقبة مستمرة

5 دقائق
التجارب المستقبلية للأدوية

أصبحت التقنيات الرقمية واسعة الانتشار ومستخدمة وفاعلة من حيث التكلفة، ولكنها غير مستغلة في مجال الطب بالقدر الكافي  بسبب قلة التجارب المستقبلية للأدوية على الرغم من قدرتها على زعزعة كل جانب من جوانب الرعاية الصحية بما في ذلك الحالات التي تنطوي على مخاطر عالية وتجارب تطوير الأدوية عالية التكلفة، وتشمل تلك التقنيات أجهزة المراقبة الصحية القابلة للارتداء، وأجهزة الاستشعار الطبية، وتلك القابلة للابتلاع التي تقيس كل ما يمكن قياسه من عدد الخطوات التي تمشيها كل يوم وضغط الدم وكيف تتفاعل الأدوية مع جسمك بمجرد تناولها. ويمكن لهذه الأجهزة على وجه الخصوص إحداث ثورة على الطرق القديمة المتبعة في تطوير علاجات جديدة من خلال الأدوية، ويمكنها أيضاً تحسين أسلوبنا في جمع وقياس وتقييم البيانات الصحية إلى حد كبير، وذلك لكي نقدم علاجات جديدة للمرضى دون هدر الوقت الثمين والموارد المحدودة.

اقرأ أيضاً: استخدم هذه الطريقة للتأكد من نجاح مشاريعك المعتمدة على البيانات الكبيرة

لقد صممت التجارب السريرية لغرض تقييم ما إذا كان الدواء الجديد آمناً وفعالاً، ويؤمّن في الوقت نفسه الحماية للمرضى المتطوعين والمشاركين في التجارب من أي مخاطر يمكن أن تحدث. وعلى الرغم من الإرادة الحسنة، إلا أنّ بعض عمليات البحث اليوم تعود إلى عام 1946، ولكن يمكن للتقنيات الرقمية الجديدة والمختبرة تطوير الأدوية على نحو أكثر ذكاءً وبشكل أفضل وأسرع.

العديد من هذه التقنيات قائمة على تعلّم الآلة والذكاء الاصطناعي، وهي مستخدمة حالياً من أجل مساعدة المرضى ومقدمي الرعاية الصحية عن بعد لهدف الإشراف على الحالات المرضية المزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم ومرض السكري. كما يستعين المستهلكون العاديون بهذه الأجهزة لمساعدتهم على إنقاص الوزن ورفع مستوى النشاط اليومي والنوم بشكل أفضل، وحان وقت تطبيقها على تطوير الأدوية من أجل جمع وتحليل البيانات المستخلصة من المشاركين في التجارب السريرية بشكل أكثر فاعلية وعلى نحو متكرر ودقيق أكثر، وتقديم معلومات عملية بعد ذلك إلى الباحثين ومقدمي الرعاية الصحية. وبالنظر إلى الإمكانات المتقدمة في تحليل البيانات، يمكن للتقنيات الرقمية تفسير النتائج بشكل أفضل مما يفعله البشر الذين – غالباً - ما تتصف تحليلاتهم بالانحياز أو أنّ تجاربهم وخياراتهم وقدرتهم على تشرّب المعلومات والأسس المعرفية لديهم تبقى جميعها محدودة.

اقرأ أيضاً: استخدام "بلوك تشين" يحافظ على شفافية البيانات

نحن نطلق على النموذج الطبي لتطبيق التقنيات الرقمية لقياس البيانات الفسيولوجية للفرد على نحو مستمر وهادئ اسم "التدخل المتواصل والسلس" (continuomics)، ومن خلال تتبع مؤشرات مثل معدل ضربات القلب وضغط الدم وغيرها من المؤشرات البيولوجية التي تشير إلى حالتك الصحية، يمكن للمتخصصين إحداث تحوّل في البحوث السريرية الحالية بعدة طرق بحيث يصبح إجراء تجارب سريرية افتراضية أمراً ممكناً.

ما الذي يمكن أن يقدمه نموذج "التدخل المتواصل والسلس"؟

سوف تتيح التقنيات الرقمية للباحثين قياس البيانات الصحية الخاصة بالمشاركين في التجارب السريرية على أساس منتظم ودون إعاقتهم بشكل كبير في أثناء المسار الطبيعي لحياتهم اليومية. إذ سيتمكنون من إجراء تقييم أكثر دقة فيما يتعلق بصحة الفرد فضلاً عن مراقبة فاعلية الدواء الخاضع للدراسة، كما أنّ تلك التقنيات سوف تقلل بصورة ملحوظة عدد زيارات الطبيب المطلوبة من المشاركين، وهو ما يصعب تلبيته لا سيما بالنسبة إلى الأفراد الذين يعملون، فضلاً عن أنّ تلك الزيارات تعتبر من الأسباب الشائعة لانسحاب المشاركين من الدراسات.

من خلال قياس استجابة الفرد بصورة منتظمة أو مستمرة للعلاج الدوائي المحتمل في الوقت الحقيقي، سوف يتمكن الأطباء من الوصول إلى فهم أفضل لمدى تأثير هذا الدواء في المرض وتفاعله مع صحة الفرد بوجه عام. يتم فحص المشاركين في الدراسة عادة وتقييم حالتهم ضمن إطار تقييمات "لحظة زمنية" معينة، إلا أنّ تلك الفحوصات المجدولة لا توفر للأطباء سوى فهم مجزأ لمدى تأثير الدواء محل الدراسة في المرض وتفاعله مع الصحة العامة للفرد. على سبيل المثال، لا يكفي إجراء قياس طبي مرة واحدة كل أسبوع لتجربة مدتها 12 أسبوعاً من أجل الحصول على تقييم دقيق لمدى تأثير أحد الأدوية في مرض معين أو استجابة المريض لمركب الدواء موضع الدراسة.

بالنظر إلى أنّ الهدف الحقيقي للدراسة السريرية هو الحصول على أكثر البيانات دقة والتي تحمل أكبر قدر من الدلالة والفائدة، ينبغي تحديد تكرار إجراء القياس الطبي من خلال فهمنا الأفضل لأساس علم الأحياء وذلك ليس بحسب ما لدينا سابقاً من معلومات ("وهي الطريقة التي طالما اتبعناها") وليس بحسب جدول زمني محدد سلفاً. ولغاية وضع الفكرة ضمن إطار المصطلحات التقنية، نقول إنه ينبغي إجراء القياس بحيث يكون متلائماً مع التغير الذي يطرأ على المتغير محل القياس، ويُعرف ذلك باسم تردد "نايكويست" (Nyquist frequenc) الذي يحدد عدد مرات إجراء القياس ويحسب المتغيرات الطبيعية التي قد تحصل في صحة الفرد أو مرضه الأساسي، بما في ذلك التغيرات في مستوى السكر في الدم أو مستويات الألم أو ضغط الدم أو معدل ضربات القلب.

اقرأ أيضاً: الإدارة هي أكثر بكثير من مجرد علم محدودية اتخاذ القرارات بناء على البيانات

يتطلب قياس تلك التغيرات من المشاركين في الدراسة أن يتم فحصهم وتقييم حالتهم على نحو غير متطفل قدر الإمكان، وبالتالي حمايتهم من التعرّض إلى الكثير من التشويش في حياتهم اليومية والحد من القلق المرتبط عادة بزيارة الطبيب (وهو ما يُعرف باسم "متلازمة الرداء الأبيض") الذي قد يسفر عن إعطاء نتيجة خاطئة حول ارتفاع ضغط الدم على سبيل المثال. بالمقابل، تمكننا التقنيات الرقمية من إحداث تغيير في عدد المرات التي نجمع ونقيّم فيها الإجراءات السريرية الهامة، وكذلك تحسين دقة تلك الإجراءات وجودة النتائج الناجمة عنها.

فالتقنيات الرقمية تتيح للباحثين اكتشاف الآثار العكسية للعلاج الدوائي في وقت مبكر والتي تشمل الأخطاء الدوائية والتفاعلات الشاذة والحساسية والجرعات الزائدة. وتمكن الأجهزة الطبية المتطورة الباحثين أيضاً من استخلاص رؤى أفضل مستمدة من هذه الآثار عند حدوثها.

سوف تتيح تلك الأجهزة قياس المؤشرات الهامة لنوعية الحياة بما في ذلك النشاط اليومي ونوعية النوم. ولتلك الكفاءة آثاراً واسعة في الرعاية الصحية مثل دعم صناعة القرار بناء على معلومات أكثر، وتحسين مستوى انسجام المريض في أثناء مدة علاجه، وإضفاء نهج ذي طابع شخصي أكثر لتقديم الرعاية، كما ستساعد هذه البيانات أيضاً على تحسين فهم العلاقة بين التكلفة وقيمة المركبات الدوائية.

سوف يتمكن الباحثون في التجارب السريرية الافتراضية من تتبع التزام المرضى بأصول وقواعد الدراسة بسهولة، أي ما إذا كان المريض يتناول الأدوية بالفعل كما هي موصوفة له. وهذا أمر مهم لأنّ عدم الالتزام بتلك الأصول والقواعد يمكن أن يسفر عن بيانات خاطئة أو مضللة تؤثر على سلامة وفاعلية الدواء الخاضع للبحث، وتبيَّن أنّ الرسائل النصية وتطبيقات الهواتف الذكية وسائل فاعلة لتذكير المرضى بتناول أدويتهم، وتوفير التوعية والمعلومات حول حالتهم الصحية، فضلاً عن السهولة التي تقدمها فيما يتعلق بتحديد مواعيد زيارة الأطباء.

ما الذي يمكن توقعه في المستقبل؟

سيتيح لنا نموذج "التدخل المتواصل والسلس" تقديم تصاميم جديدة كلياً للتجارب السريرية مبينة على أساس تدخلات طبية محددة الأهداف وقصيرة المدة وتنطوي على عدد أقل من المشاركين، مما يؤدي إلى انخفاض التكاليف وزيادة مستوى الكفاءة مع احتمال تقديم علاجات جديدة وهامة إلى الأسواق بشكل أسرع.

ولكن التجارب السريرية هي مجرد بداية، إذ سوف يكون نموذج "التدخل المتواصل والسلس" بمثابة عامل هام يساهم في تحقيق رؤية نموذج الطب الشخصي، الذي يسمح لمقدمي الرعاية الصحية بالتنبؤ على نحو دقيق بخطر إصابة الفرد بأمراض معينة فضلاً عن مستوى استجابته للعلاجات المحددة بناء على الخصائص الوراثية له (المعلومات الوراثية) والخصائص الظاهرية (السمات والسلوكيات البشرية). من خلال ربط المعلومات حول الخصائص الوراثية للفرد والخصائص الظاهرية، يمكن أن يفضي نموذج "التدخل المتواصل والسلس" إلى تشخيصات وعلاجات مخصصة للفرد على مستوى يفوق تصوراتنا السابقة.

قد تكون عملية تحوّل قطاع الرعاية الصحية بطيئة وشاقة، إلا أننا بدأنا نرى فرصاً تتبلور من شأنها أن تفتح السبل أمام التقنيات الرقمية، بما في ذلك قوانين التعويضات الجديدة المصادق عليها من قبل مراكز خدمات "ميديكير وميديك إيد الطبية" (Centers for Medicare & Medicaid Services) لأنشطة مثل المراقبة عن بعد.

بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من شركات الأدوية الكبرى التي بدأت بالفعل باستكشاف تطبيقات التقنيات الرقمية في المراحل المبكرة من تجاربها الدوائية. ذكرت "إدارة الدواء والغذاء (إف دي أيه) الأميركية" (FDA) أنّ التقنيات الرقمية تمثل "فرصاً مهمة لتحديث أساليب التجارب السريرية".

نحن نؤمن أنّ التحدي الذي يواجهنا في تطبيق نموذج "التدخل المتواصل والسلس" ليس تقنياً بصورة رئيسة، بل إنه ينطوي على نفور ضمن الأوساط الطبية لتبني أصول وقواعد تقنيات جديدة من أجل زيادة التجارب المستقبلية للأدوية. هناك حاجة إلى الابتكار ليس فقط في تطوير أساليب جديدة في العلاج الدوائي والارتقاء في طرق العلاج بوجه عام، ولكن تتمثل تلك الحاجة أيضاً في الطريقة التي نقيس صحتنا من خلالها.

اقرأ أيضاً: إذا كانت بياناتك سيئة لن تنفعك أدوات التعلم الآلي

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي