أعرب رئيس قسم التسويق في إحدى شركات التقنية الكبرى، مؤخراً، عن قلق سمعتُ العديد من مدراء التسويق يُعبّرون عنه، وهو "متطلبات زبائننا قد سبقت بأشواط جهودنا لتحقيق المبيعات، حتى أننا، في كثير من الأحيان، لا ندخل في حساباتهم من الأساس". ويذخر الموقع الإلكتروني لشركة التقنية هذه، على غرار المواقع الإلكترونية لشركات أخرى عديدة، بالمعلومات بشأن مزايا المنتجات، إلا أنه لا يقدم سوى القليل من الرؤى بشأن الكيفية التي تحل بها هذه المنتجات مشكلات الزبائن في الحقيقة، وبالتالي لا يحقق الهدف في البيع عبر وسائل التواصل الاجتماعي .
وهي مشكلة شائعة في أسواق التعامل التجاري بين الشركات (B2B). فقد فصَلت ثروة المعلومات المتاحة عبر الإنترنت للزبائن المرتقبين، فعلياً، حلقات الشراء عن حلقات البيع، وهذا تطور مخيف للشركات التي تعمل في مجال التعامل التجاري بين الشركات، ولا سيما لفِرق المبيعات والتسويق لديها. وقد أجرت شركة "باين آند كومباني" (Bain & Company) دراسة استطلاعية شملت 370 مسؤولاً تنفيذياً في مجالَي المبيعات والتسويق بشركات تقنية أو صناعية كبيرة. وأقر نصف المستطلَعين في هذه المجموعة أن قنوات التسويق والمبيعات الرقمية تُحدث تغييرات ملموسة على سلوك الزبائن. إلا أنّ 12% من هؤلاء المسؤولين التنفيذيين شعروا باستعدادهم التام لهذه الزعزعة الرقمية.
اقرأ أيضاً: ما الذي يميز الرؤساء التنفيذيين الناشطين على شبكات التواصل الاجتماعي؟.
ويتمثل أحد السبل الفعالة لخلق انطباع قوي لدى المشترين في مرحلة مبكرة من بحثهم في إنشاء محتوى أصيل وثاقب وتوزيعه عبر القنوات ذات الصلة، فيمكن للمشترين الاستفادة منه بسهولة. فالمحتوى الذي يعبّر عن حاجات الزبائن الملحّة، مثل سرعة طرح المنتجات في السوق، وخفض التكاليف، والموثوقية، وبناء السمعة، أبلغ تأثيراً من كتيّبات الإعلانات أو المبيعات التي تقدم موجزات فقط عن مواصفات المنتجات ووظائفها. وعندما تنشر إحدى شركات الخدمات العامة وجهة نظر بشأن الانعكاسات المترتبة على إزالة القيود التنظيمية على الزبائن من مؤسسات الأعمال، أو عندما تكتب إحدى شركات البرمجيات عن الكيفية التي سيؤثر بها تطور النظام السحابي على تقديم خدمات الرعاية الصحية، فإنها تبحث عن مكانة بصفتها مقدم خدمات مفكر ومتعاطف.
فقد كانت شركة "أدوبي سيستمز" (Adobe Systems)، على سبيل المثال، معروفة على نطاق واسع بصفتها شركة تقدم خدمات النشر المكتبي عندما استحوذت على شركة "أومنتشر" (Omniture)، وهي شركة تقدم خدمات التحليلات التسويقية ولها مشترون مختلفون وعمليات مبيعات مختلفة عن شركة "أدوبي". وليس بالأمر الهين إحداث تحول في نظرة المشترين إلى علامتك التجارية والوصول إلى جميع المشترين المحتملين، ولذا يتعين أن يكون التسويق الرقمي فعالاً بالقدر نفسه من الفاعلية الذي يتمتع به التسويق المباشر. وقد توصلت شركة "أدوبي" إلى حل يتمثل في استخدام الموقع الإلكتروني لشركة "أومنتشر" (CMO.com) لمساعدتها في إعادة تكييف علامتها التجارية تمهيداً لخلق الطلب. وهو ما حوّل تدريجياً الموقع الإلكتروني (CMO.com) إلى قوة محركة للمحتوى الأصلي والمنظم ذي الأهمية الكبيرة لمدراء التسويق.
وتوفر الوسائط الاجتماعية، حتى بالنسبة إلى الشركات الكبرى في أسواق التعامل التجاري بين الشركات، التي تتسم بالتعقيد، منصات ذات جدوى لتوزيع هذه الأشكال الجديدة من المحتوى لإشراك الزبائن في أنشطتها. فصفحة قسم الحماية الأمنية بشركة "آي بي إم" (IBM)، على سبيل المثال، تحظى بمتابعة 23 ألف مشترك على موقع "لينكد إن"، ويساعد هذا الحساب في رفع الوعي بالمخاطر الأمنية، ويتلقى ردود أفعال مفيدة من خلال عدد "الإعجابات" والتعليقات. وتحتوي المجموعة التي أنشأتها شركة "آي بي إم"، مؤخراً، على موقع "لينكد إن"، باسم "سيكيورتي آكسس مانجر/ تيفولي آكسس مانجر" (Security Access Manager/Tivoli Access Manager) على 825 مناقشة منفصلة بين أعضائها البالغ عددهم 2,231 عضواً بشأن المسائل ذات الصلة بالأشخاص المعنيين بتطوير منتجات الحماية الأمنية والإدارة الأمنية.
كما بدأت شركة "ميرسك لاين" (Maersk Line)، وهي أكبر شركة للشحن بالحاويات على مستوى العالم، في تجربة الوسائط الاجتماعية قبل بضع سنوات، ويبلغ عدد متابعي صفحتها على موقع "فيسبوك" مليون متابع، فضلاً عن متابعين كثر على الشبكات الاجتماعية الأخرى مثل "تويتر" و"بنترست". وقد أتقنتْ شركة "ميرسك" نشر مدونات القباطنة وقصصهم عن الأشخاص والمسائل البيئية والموضوعات الأخرى بتكلفة قليلة من تكاليف الإعلانات.
وقد سلكت شركة "ميرسك" هذا النهج الجديد في النشر بعد تجمّد بحر البلطيق، الذي جعل من الصعوبة بمكان على السفن الوصول إلى ميناء "سان بطرسبرج" (St. Petersburg) في الوقت المحدد. وبيّنت حملة أطلِق عليها اسم "#وينتر ميرسك" (wintermaersk#) الكيفية التي أبحرتْ بها سفن الشركة في المياه المتجمدة للحفاظ على تدفق البضائع، واحتوت الحملة على صور أبهرتْ مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي. ورغم استخدام شركة "ميرسك" للوسائط الاجتماعية بصورة أساسية للتسويق وتحسين تصورات الزبائن بشأن الشركة، إلا أن هذه الحملة أسفرت أيضاً عن حصولها على 150 عميلاً محتملاً متفرداً، وهو رقم ضخم للغاية في قطاع الشحن.
وتبيّن تجارب شركة "أدوبي" وشركة "ميرسك" وغيرهما من الشركات الرائدة في التسويق و البيع عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن المحتوى ذا الجدوى الذي يوزَّع عبر القنوات الرقمية من شأنه أن يكون وسيلة فعالة في إثارة الحوار، على غرار البيع المباشر. وتُعتبر جودة المحتوى عنصراً أساسياً في تحفيز هذا الحوار، كما تبنّت هذه الشركات أيضاً التسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والقيام بتجارب عليها، حتى في القطاعات التي لا تعتبر في العادة مثيرة أو ذات طابع اجتماعي.
ويبقى السؤالان المهمان هما: هل تتيح لك استراتيجيتك التسويقية التأثير على المشترين المحتملين الذين لديهم ميول للتعلم؟ وهل فِرق المبيعات في شركتك متوافقة مع استثماراتك في إنشاء المحتوى وتقديمه؟ وهل تصل فعلاً إلى أهدافك في البيع عبر وسائل التواصل الاجتماعي ؟إن الشركات التي توسّع عمق أثرها الرقمي ونطاقه لتخلق انطباعات أولية قوية سيكون بوسعها اغتنام الفرص المرتبطة بالسلوك الرقمي الجديد للزبائن، أما الشركات التي لا تحرّك ساكناً في هذا الصدد، فلن تدرك الفرص التي أهدرتها.
إقرأ أيضاً:كيف تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لتنمية المهارات المهنية؟.