لا شك في أن دور البنك المركزي السعودي "ساما" القيادي في استقرار ونمو القطاع المالي في المملكة له أثر إيجابي في تحفيز وإنجاز العديد من مستهدفات القطاعات الاقتصادية والتنموية الأخرى، مثل: القطاع الصناعي، والعقاري، والتجاري، والسياحي، وقطاع ريادة الأعمال، وذلك من خلال الدعم والتعاون المشتركين مع الجهات الحكومية المعنية.
ونظراً لأهمية القطاع المالي في المملكة العربية السعودية في تحقيق مستهدفات ومبادرات برامج رؤية السعودية 2030، يعمل البنك المركزي على تقديم الدعم والمتابعة بالشراكة مع المؤسسات المالية الخاضعة لإشرافه، مثل المصارف والبنوك وشركات التمويل المرخصة في هذا الإطار، ومن أبرزها "برنامج الإسكان"، الذي يهدف إلى تمكين ومساعدة الأُسر والمواطنين في المملكة في الحصول على فرص تملك المساكن، عبر توفير حلول تمويلية تناسب احتياجاتهم وقدراتهم المادية.
ومنذ انطلاق "برنامج الإسكان" في عام 2018، شهد قطاع التمويل العقاري السكني في المملكة نمواً وصل إلى 648,1 مليار ريال بنهاية الربع الأول من عام 2024 (تمثل حصة البنوك منه نحو 625,2 مليار ريال، وشركات التمويل العقاري نحو 22,9 مليار ريال).
وتشمل جهود البنك المركزي أيضاً دعم مستهدفات قطاع "المنشآت الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر". وبلغ حجم التسهيلات الائتمانية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر بنهاية الربع الأول من عام 2024 نحو 293,4 مليار ريال، بارتفاع بلغ نحو 41,2 مليار ريال وبنسبة 16.3%، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. وتشكّل التسهيلات الائتمانية لتلك المنشآت 8.9% من إجمالي التسهيلات الائتمانية.
إن القطاع المصرفي في المملكة هو الداعم والمحرك للقطاعات الأخرى كما أنه يدفعها لتحقيق معدلات نمو عالية، فقد بلغ حجم التسهيلات الائتمانية الممنوحة من القطاع البنكي بنهاية الربع الأول من عام 2024 نحو 2,668 مليار ريال بارتفاع نحو 257,1 مليار ريال وبنسبة 10.7% مقارنة بالفترة المقابلة (الربع الأول من عام 2023: 2,411 مليار ريال). وتُشكل الأنشطة العقارية 10.3% من تلك التسهيلات الائتمانية الممنوحة، وقطاع التجارة والتجزئة 7.1%، والصناعات التحويلية 6.5%، وقطاع إمدادات الكهرباء والغاز والمياه 5.5%، وقطاع التشييد 4.8%؛ ما يُعطي دلالة على التنوع الإيجابي في القطاعات والأنشطة الاقتصادية الممولة من القطاع المصرفي.
ويحرص البنك المركزي السعودي بالمواءمة مع رؤية السعودية 2030 على مواصلة جهوده في تطوير القطاع المالي؛ بغرض دعم وتمكين البنية التحتية للقطاع من خلال مراجعة وتحديث التشريعات التي تصدر منه، وبما يسهم في حفظ متانة واستقرار القطاع. وخلال الفترة الماضية أصدر البنك المركزي وحدّث ما يزيد على 11 وثيقة من اللوائح والتعليمات التي تدعم جهوده في تطوير القطاع المالي، وتمكين الخدمات الابتكارية المستحدثة التي تقدمها المؤسسات المالية لعملائها من الأفراد والمنشآت.
وعلى صعيد تطوير البنى التحتية الرقمية للمدفوعات والتقنية المالية، يحرص البنك المركزي على تطبيق أفضل الممارسات الدولية وفق أعلى المعايير التقنية والأمنية. ويشهد على ذلك التحول المتسارع والتطور الملحوظ في حجم المدفوعات الإلكترونية وتبنّي حلول الدفع الرقمية المختلفة خلال العامين الماضيين، فقد بلغت حصة المدفوعات الإلكترونية 70% من إجمالي عمليات الدفع المنفذة من الأفراد في المملكة لعام 2023، مقارنةً بـ 62% في عام 2022، وهذا بدوره يؤكد التقدم والنمو المتسارعين لتبني وسائل المدفوعات الإلكترونية نتيجةً للمبادرات الاستراتيجية العديدة التي أطلقها البنك المركزي بالتعاون مع القطاع المالي؛ لمواصلة تطوير البنى التحتية لأنظمة المدفوعات الوطنية، وبما يدعم الأنشطة الاقتصادية المختلفة في المملكة.
وهنا أود الإشارة إلى أن القواعد والتعليمات يجري تطويرها وتحديثها بناءً على الصلاحيات الممنوحة للبنك المركزي، بموجب الأنظمة ذات العلاقة في الإشراف على عدد من القطاعات المختلفة، مثل: القطاع البنكي/ المصرفي، والأنشطة المرتبطة بخدمات المدفوعات ونظمها، وكذلك الأنشطة التمويلية (شركات التمويل). وعليه، يولي البنك المركزي أهمية كبيرة لمواكبة التطورات المتسارعة في القطاع المصرفي والمالي عبر مراجعة وتحديث السياسات على نحو دوري. وهناك عدة عوامل مؤثرة في عملية المراجعة الدورية منها: مواكبة المستجدات والتطورات في القطاع المالي والمصرفي، والاستجابة للمخاطر الناشئة والتطورات الاقتصادية، والآراء والملاحظات التي تصلنا من المؤسسات المالية والجهات المعنية في القطاع.
ونظراً للديناميكية والتغير السريع اللذين يميزان القطاع المالي، والتطورات المتسارعة التي يشهدها في الجانب التقني، مثل دخول التقنية المالية (الفنتك) والتحول الرقمي وغيرهما، وما نتج عن ذلك من ظهور خدمات ومنتجات ونماذج أعمال مالية جديدة، فإن البنك المركزي يعمل بوتيرة عالية على مواءمة تشريعاته وتحديثها لتتناسب مع تلك التطورات، بما يضمن إتاحة تقديم الخدمات المالية التي تلبي احتياجات الاقتصاد كافة، مقترنةً بالحفاظ على جوانب حماية العملاء وإدارة المخاطر في ظل التغيرات السريعة.
وفي السياق نفسه، تسهم عضوية البنك المركزي في لجنة بازل للرقابة المصرفية، في تمكيننا من مراقبة التغييرات والتطورات في المعايير، ومتابعة أفضل الممارسات والتجارب الدولية المطبّقة. وبناءً عليه، يراجع البنك المركزي السياسات والتعليمات المصرفية المحلية بصورة دورية ويحدّثها عند الضرورة لتتماشى مع تلك المعايير والتوصيات. وتُعد المملكة ممثلةً بالبنك المركزي من أوائل الدول التي طبقت المعايير الصادرة عن لجنة بازل المصرفية.
ختاماً، فإنه لا يمكننا إغفال السبب الرئيسي الممكن للبنك المركزي السعودي في تحقيق تلك المستهدفات الوطنية والنجاحات، والمتمثل في دعم ومتابعة حكومتنا الرشيدة بقيادة مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله.