ملخص: تستجيب العديد من الشركات للمنافسة الرقمية من خلال تبني منهجيات مثل منهجية "أجايل" أو بناء "مراكز ابتكار" أو الاستحواذ على شركات ناشئة أو الاستعانة بشركات استشارية لتطوير تطبيقاتها. لكن الشركات المبتكِرة الحقيقية هي التي تعرف أن البرمجيات ميزة تنافسية للشركات وأن مَن يُنشئ أفضل البرمجيات هو الفائز في عصر الاقتصاد الرقمي. لذا، تحتاج الشركات التي ترغب في المنافسة إلى تشجيع مطوري البرمجيات وتبنّي "عقلية تطوير البرمجيات" بحيث تكلف فريقها بحل المشكلات، وتجري الكثير من التجارب، وتحتفي بالفشل، وتصبح مهووسة بالسرعة، وتجعل مطوري البرمجيات على مقربة من عملائها.
قبل 15 عاماً، عندما كنت مدير منتَج في شركة "أمازون"، أعلن جيف بيزوس في أحد الاجتماعات التي يتم فيها إطلاع العاملين على التطورات أن "أمازون" ليست متجراً للبيع بالتجزئة بل شركة برمجيات.
فقد قال: "لا تقوم أعمالنا على ما يوجد في الصناديق، بل على البرمجيات التي ترسل الصناديق إلى العملاء". وأضاف: "قدرتنا على الفوز تعتمد على قدرتنا على ترتيب الجزيئات الممغنطة على الأقراص الصلبة بشكل أفضل من منافسينا".
وبعد فترة قصيرة غادرت "أمازون" لتأسيس شركتي "تويليو" (Twilio). لكن ما قاله جيف ظل عالقاً في ذهني منذ ذلك الحين، خاصة عندما أزور عملائنا من الشركات التي ينخرط الكثير منها في إجراء تحول رقمي. فهذه الشركات تأمل في تقليد الشركات المبتكِرة مثل "أوبر" (Uber) و"ليفت" (Lyft) و"إير بي إن بي" (Airbnb) و"سبوتيفاي" (Spotify)، ومنافسة الشركات العملاقة مثل "أمازون" و"سيلز فورس" (Salesforce). ولكن الكثير من الشركات يفشل في فهم ما أدركه بيزوس منذ وقت طويل وهو أن مَن يُنشئ أفضل البرمجيات هو الفائز في عصر الاقتصاد الرقمي.
البرمجيات ميزة تنافسية للشركات
للأسف لا تعتبر الكثير من الشركات أن تطوير البرمجيات قدرة أساسية. فهي تعتمد على البرامج الجاهزة التي يبيعها موردو البرمجيات المستقلون، وتوظف خبراء لكتابة التعليمات البرمجية المخصصة. وتكمن المشكلة في أن البرامج الجاهزة موحدة ولا يمكن تخصيصها بقدر كبير. قد يكون هذا مناسباً للمكاتب الخلفية مثل أقسام الموارد البشرية والشؤون المالية، ولكن بالنسبة إلى الأقسام التي تتعامل مع العملاء وجهاً لوجه فإن استخدام البرمجيات الجاهزة لم يعد يفي بالغرض. فكيف ستتميز وتكتسب ميزة تنافسية إذا كنت تستخدم البرمجيات نفسها التي تستخدمها الشركات الأخرى؟ عندما يتعلق الأمر باختيار البرمجيات المناسبة لأعمالك، لم يعد بإمكانك الاختيار بين "إنشاء برمجيات جديدة أم شراء برمجيات جاهزة"، بل "إنشاء برمجيات جديدة أو الفشل".
وهذا يعني أنه يتعين على المؤسسات تكوين فِرق معنية بإنشاء برمجيات خاصة بها وتشجيع مطوري البرمجيات على الإبداع في حل المشكلات. ويمكن للشركات أن تبدأ في ذلك من خلال صقل مهارات أعضاء الفريق التقني الحالي. فهذا الفريق من أثمن الفِرق في المؤسسة ولكنه غالباً ما يكون مورداً غير مستغَل.
يتعين على الشركات أيضاً تعيين مهندسي برمجيات من الدرجة الأولى والاحتفاظ بهم. ولكن كيف يمكن لشركة غير تقنية جذب مطورين بارعين؟ ينبغي لها تغيير الطريقة التي تنظر بها إلى المطورين. إذ إن أفضل مهندسي البرمجيات لن يوافقوا على العمل في شركة ترى أن "كتابة التعليمات البرمجية مهمة بسيطة لدرجة أن القرود يمكنهم القيام بها" وأن هؤلاء المهندسين يظلون عالقين في المكاتب الخلفية إلى أن توكل إليهم مهمة كتابة تعليمات برمجية. بمعنى أن مطوري البرمجيات البارعين يرغبون في أن يكون لهم دور في صناعة القرارات. لذا، أشرِك مهندسي البرمجيات في حل المشكلات الاستراتيجية وصناعة القرارات. وامنحهم الحق في تشكيل مستقبل الشركة، والإبداع بحرية واستقلالية.
ينطوي تعزيز دور مطوري البرمجيات على إجراء تغيير بسيط (أو غير بسيط أحياناً) في الصلاحيات، وفي بعض الأحيان يؤدي ذلك إلى رد فعل سلبي من بعض الأقسام في المؤسسة التي تشعر بالتهديد من تنامي نفوذ الخبراء التقنيين. للقيام بهذا الأمر، يتعين عليك تغيير طريقة تفكير المؤسسة بأكملها. فالالتزام يجب أن يبدأ من المناصب العليا.
الحقيقة المُرّة
غالبًا ما تستجيب الشركات القائمة للمنافسة الرقمية من خلال تبني منهجيات مثل منهجية "أجايل" وتدريب آلاف الموظفين. وتشمل بعض الاستجابات الشائعة الأخرى بناء "مراكز ابتكار" منفصلة عن الشركة الأم والاستحواذ على شركات ناشئة على أمل الاستفادة من ثقافتها وتعميمها والاستعانة بشركات استشارية لتطوير التطبيقات.
وعلى الرغم من ذلك تجد معظم الشركات أنه حتى بعد اتخاذ هذه الخطوات الشائعة، لا يتغير أي شيء فعلياً، وعلى النقيض من ذلك يستمر المبتكرون الرقميون في إحراز تقدم سريع لأن إنشاء البرمجيات متأصل في حمضهم النووي.
الخبر السار هو أن تطوير البرمجيات أصبح أكثر سهولة في وقتنا الحالي عما كان عليه قبل عقد من الزمن. فبدلاً من كتابة التعليمات البرمجية للتطبيقات من البداية، يجمع مطورو البرمجيات خدمات صغيرة مع بعضها، وهي بمثابة برامج صغيرة توفر كل منها مزايا محددة مثل المراسلات وتحرير الفواتير. وأيضاً تساعد الأتمتة والأدوات الحديثة التي يستخدمها مطورو البرمجيات على تسريع الأمور.
يمكن أن يكون مردود إنشاء البرمجيات داخل المؤسسة هائلاً، فهو يعني أنه يمكن تصميم البرامج على أكمل وجه بما يتلاءم مع الاحتياجات الفريدة لمؤسستك. وبدلاً من التوسل لشركة برمجيات عملاقة للحصول على ميزة جديدة ثم الانتظار لأشهر أو لسنوات للحصول عليها، يمكنك أن تكوِّن فريقاً من مهندسي البرمجيات داخل الشركة بحيث يعملون على تشغيل التعليمات البرمجية في غضون أسابيع، أو حتى أيام.
على سبيل المثال، عندما أصبح باتريك دويل الرئيس التنفيذي لشركة "دومينوز بيتزا" (Domino's Pizza) في عام 2010، قرر أن أفضل طريقة لاكتساب ميزة تنافسية في مجال السلع الأساسية هي توفير تجربة أفضل للعملاء. وهذا يعني امتلاك برمجيات أفضل وتطبيقات رائعة للهواتف الذكية. ولذلك ضاعفت "دومينوز بيتزا" جهودها في التطوير بمقدار 10 أضعاف وحرصت على تعاون مطوري البرمجيات مع فِرق التسويق. وعملوا معاً على إنشاء تطبيقات وميزات مبتكرة، بما في ذلك ميزة تتيح للعملاء تتبع طلباتهم من الفرن حتى باب منزلهم. استخدام برمجيات رائعة ساعد "دومينوز بيتزا" في التفوق على منافسيها وأن تصبح أكبر سلسلة مطاعم لبيع البيتزا في أميركا. ومنذ عام 2012 ارتفع سعر سهم "دومينوز بيتزا" من 32 دولاراً إلى 400 دولار، متفوقة بذلك على "آبل" و"فيسبوك" و"جوجل" في تلك الفترة الزمنية.
أجرى بنك "آي إن جي" (ING)، أحد أكبر البنوك في العالم، تحولاً مماثلاً عندما أصبح رالف هامرز الرئيس التنفيذي في عام 2013. ومن خلال استقاء بعض الأفكار من الشركات التقنية الناشئة، حوَّل هامرز البنك إلى مؤسسة تولي الأولوية للتقنيات الرقمية. فقد استثمر بكثافة في تطوير البرمجيات وشجع مهندسي البرمجيات على المخاطرة والإبداع، بما في ذلك تطوير برامج محلية لتحل محل الحزم التجارية. وفي عام 2018، طوّر فريق صغير من مهندسي البرمجيات في "آي إن جي" برنامجاً مخصصاً ليحل محل نظام البرمجيات الجاهزة باهظ الثمن الذي يستخدمه ممثلو خدمة العملاء في البنك. وقد تفوقت البرمجيات التي أُنشئت داخلياً على البرمجيات القديمة الجاهزة وكانت تكلفتها أقل بكثير. وأفضل ما في الأمر هو أن بنك "آي إن جي" يمكنه إضافة ميزات جديدة وقتما يريد.
عقلية تطوير البرمجيات
هناك ديناميكية مماثلة في شركة "تارغت" (Target) وشركة "يو-هول" (U-Haul) وشركة "أليانز" (Allianz) التي تُعد أكبر شركة تأمين في العالم. تتبنى هذه المؤسسات "عقلية تطوير البرمجيات" التي تستند إلى بعض المبادئ الأساسية:
حل المشكلات وليس إسناد المهام. عادة ما يأتي الأشخاص في مجال الأعمال بالأفكار ويقدمونها لمطوري البرمجيات المكلفين بتحوليها إلى تعليمات برمجية. بدلاً من ذلك، اسمح لمطوري البرمجيات بالمساهمة في حل مشكلات العمل. ففي النهاية مَن سيعرف كيفية تطبيق البرمجيات في أعمالك أفضل من الأشخاص الذين يفهمون التكنولوجيا جيداً؟
التسامح مع الفشل. التجريب هو شرط أساسي للابتكار. لذا، اخلق بيئة تتيح لمطوري البرمجيات إجراء الكثير من التجارب الصغيرة وتحتفي بالفشل بدلاً من العقاب عليه. وتحقق بلا لوم من أسباب فشل التجارب وتعلم منها.
الهوس بالسرعة. تبتكر الشركات الناشئة تعليمات برمجية جديدة باستمرار، ربما يومياً. ولم تعد الشركات تحتاج إلى أشهر لتطوير برامج جديدة. لذا، ابحث بلا هوادة عن طرق لتقليل الوقت المستغرق لتحويل "فكرة رائعة" إلى تعليمات برمجية تعمل بنجاح.
اجعل مطوري البرمجيات على مقربة من العملاء. أزل العقبات التنظيمية التي تفصل مطوري البرمجيات عن الأشخاص الذين يستخدمون برمجياتهم بالفعل. فعندما يتحدث مطورو البرمجيات مع العملاء، سيتمكنون من تقديم ميزات أفضل وأكثر فائدة في وقت أقل.
ستتبنى كل مؤسسة عقلية "إنشاء البرمجيات" بطريقتها الخاصة. لكن هذه المبادئ توفر إطاراً لبناء مؤسسة قائمة على تطوير البرمجيات عالية المستوى، ما يجعلها قادرة على الاستجابة بشكل أسرع لاحتياجات العملاء والتكيف مع السوق المتغيرة باستمرار والتنافس مع الشركات العملاقة مثل "أمازون".