عندما تبدأ عملاً جديداً لدى شركة جديدة، يكون لديك نافذة زمنية قصيرة لكي تتكيّف مع ثقافتها، وتكون مدتها في العادة 90 يوماً بحسب القاعدة الراسخة. ونعرف بدورنا الكثير من الأفراد الموهوبين الذين تعثروا في شركاتهم الجديدة لعدم قدرتهم على معرفة ثقافة تلك الشركات. ويحدث هذا لعدم قيام الشركات في الغالب بشرح القواعد الثقافية للقادمين الجدد، وتركيز من يبدؤون عملهم الجديد على الوظيفة ومديرهم لدرجة نسيانهم لتلك الأمور. وفي حال فهمت تلك الثقافة بشكل جيد، فستشكل نقطة انطلاق ناجحة لك. ولا يتمثل تحقيق ذلك في معرفة ما يفعله زملاؤك فحسب، بل في معرفة الكيفية التي يتم فيها أداء العمل، وهو ما سيزيد من فعاليتك ومستوى إدراكك.
ولقد لاحظنا خلال عملنا وجود 5 أبعاد للثقافة عليك أن توليها اهتمامك، ولكل منها تأثير كبير على قدرتك على الإبحار في غياهب وظيفتك الجديدة.
العلاقات
تختلف الشركات في ما يتعلق بكيفية قيامها برعاية العلاقات، ومدى تقديرها للتعاون، وفي معرفة مقدار الوقت اللازم لإنجاز العمل واتخاذ القرارات المهمة. ففي بعض الشركات، تتمثل الطريقة الوحيدة للتأثير على الآخرين في قضاء الوقت معهم وجهاً لوجه؛ في حين تفضل شركات أخرى استخدام البريد الإلكتروني والرسائل النصية ومؤتمرات الفيديو بدل الاجتماعات الشخصية. عندما تصل إلى شركتك الجديدة، اطلب من المطلعين على ما يجري فيها إبلاغك بنمط العلاقات السائد فيها. على سبيل المثال، هل تحتاج إلى قضاء بعض الوقت في بناء علاقة مع شخص ما قبل طلب مساعدته أو مساهمته في مشروع؟ أم أنه من المقبول جمع قائمة بالأفراد الذين يمكنك اللجوء إليهم ممن يمكنك ببساطة إرسال رسائل إلكترونية إليهم للحصول على مساعدتهم عندما تحتاجها؟
راقب أين وكيف ينجز زملاؤك المهام الموكلة إليهم وكيف يتخذون القرارات؟ هل يقضون معظم وقتهم في اجتماعات مع بعضهم، أم يميلون إلى الجلوس في مكاتبهم، أم حتى يعملون من المنزل؟ هل الناس ودودون ويتقبلون الاجتماع معك؟ هل يبدو أنهم لطيفون ولكنهم يلغون بشكل متكرر "اللقاءات الترحيبية"؟ قد تحتاج إلى مساعدة الآخرين لإجراء الروابط الضرورية.
عمليات التواصل
عندما تبدأ وظيفة جديدة، حاول الاطلاع على كيفية ميل الناس للتواصل مع بعضهم البعض. هل يتم ذلك من خلال القنوات الرسمية، كالاجتماعات التي يتم تحديدها مسبقاً بشكل دائم ويحضرها الجميع وهم مستعدون لها تمام الاستعداد، أم عبر تواصل الأفراد بشكل عفوي مع عمليات توثيق قليلة أو معدومة (كقيام مديرك مثلاً بالتوقف عند مكتبك كثيراً والقول لك: هل يمكنك الانضمام إلينا في الاجتماع الآن؟). يجب عليك البدء بسؤال رئيسك في العمل عن التوقعات، ويمكن النظر إلى المساعدين الشخصيين وزملائك في الفريق كمصادر أخرى جيدة للمعلومات.
ويحدد التسلسل الهرمي في كثير من الأحيان متى وأين يمكن أن يكون مقبولاً التواصل مع من هم أعلى منك مرتبة وظيفياً. على سبيل المثال، وفي البيئات الأكثر هرمية، قد تضطر إلى "طلب الإذن المسبق" من رئيسك للقيام بأي عمليات تواصل مع من هو أعلى منه رتبة في التسلسل الهرمي؛ في حين قد يتم في الشركات الأقل تراتبية تشجيع الموظفين على إرسال رسائل إلكترونية مباشرة إلى كبار القادة للدردشة معهم. وتعد أفضل طريقة لمعرفة هذه القواعد عبر سؤالك عنها. وقد يكون أقرانك ومرؤوسيك المباشرين أفضل من يخبرك بكيفية التواصل مع مديرك ومن هم أعلى مرتبة منه. اسأل عن المبادرات الناجحة الأخيرة وكيف أثر زملاؤك على كبار القادة في عمليات تواصلهم.
يجب عليك أيضاً ملاحظة كيف يتم عرض المعلومات عادة. على سبيل المثال، هل تدور الاجتماعات حول العروض التقديمية الرسمية، أم يمكن للأفراد مشاركة القضايا بشكل غير رسمي ومناقشة الموضوعات والمشاركة في العصف الذهني في الوقت الحقيقي من دون الحكم عليهم؟ قد تفضل بعض الشركات والإدارات عروضاً مؤلفة من 50 صفحة مع الكثير من التفاصيل والتحليلات، بينما يفضل البعض الآخر العمل انطلاقاً من جدول عمل بسيط مرسل عبر البريد الإلكتروني مع قائمة مواضيع. انتبه إلى الطريقة التي يتم بها عادة تجميع المعلومات للاجتماعات، ومدى مناقشة القضايا مقابل "شطبها من قائمة المهام"، ومدى تأثر الأشخاص بمن هم في السلطة. لاحظ كيف يستجيب كبار القادة في الغرفة لعمليات إنجاز المهام الرسمية والتوصيات القوية، مقابل المناقشات غير الرسمية. ما النمط الذي تسير به عملية اتخاذ القرارات عادة في الاجتماعات؟
اتخاذ القرار
تختلف كيفية اتخاذ القرارات بين شركة وأخرى، حيث تقوم بعض الشركات باتخاذ قرارات في الوقت الفعلي ضمن الاجتماعات الرسمية، بينما يميل البعض الآخر إلى ترك القرار لوقت لاحق بعد الاجتماع. حتى لو كانت الاجتماعات الرسمية هي القاعدة، قد تجد أنّ القرارات الحقيقية تحدث قرب مطبخ الشركة أو في الردهة أو ضمن فترة الغداء. راقب ما إذا كانت القرارات المتخذة في الاجتماعات ستُنفّذ. إذا رأيت أشخاصاً يوافقون على مجموعة من الإجراءات في أحد الاجتماعات، ثم لاحظت حدوث أمور مختلفة أخرى لاحقاً، فهذا يشير إلى وجود آليات قوية لاتخاذ قرارات غير رسمية موجودة عليك اكتشافها. على سبيل المثال، قد يكون قرار الاستثمار في منتج جديد في يد شخصين محوريين حتى عندما يكون هناك فريق قيادي كبير بأكمله يراجع القرار. قد ترغب في مقابلة هذين الشخصين قبل أي لقاءات رسمية، وإقناعهما بوجهة نظرك. أو ربما يبدو أنّ الجميع في الغرفة موافقون على الاستثمار في هذا المنتج، لكنك تلاحظ اختيار العديد من الأفراد عدم التعبير عن خلافاتهم علانية لأسباب سياسية. ستحتاج إلى الرجوع للخلف قليلاً والتأثير عليهم فرداً فرداً عبر عرضك للحقائق والتأكد من عدم قيامهم بعرقلة مشروعك.
هناك جانب آخر من عملية صنع القرار عليك فهمه، وهو ما إذا كانت ثقافة شركتك تنطوي على تحيز للعمل أو تحيز للتحليل وإجماع الرأي. في الشركات التي يكون فيها التحيز من أجل العمل، تميل فترات الانتباه والوقت إلى أن تكون محدودة أكثر، ويتم اتخاذ القرارات بسرعة. إذا كنت تدفع باتجاه مبادرة، فأنت بحاجة إلى تقديم موقفك بوضوح وإعطاء الجهات ذات العلاقة الرئيسية المعلومات التي يحتاجون إليها لاتخاذ القرار. في حين تفضل ثقافات الشركات الأخرى مناقشة طويلة الأمد للخيارات والنماذج والاستراتيجيات. هناك حاجة إلى مزيد من الصبر من جانبك، خاصة لأن هذا الانحياز من أجل التوافق غالباً ما يعني إرسال المزيد من المواد الداعمة والتحليلات، وإعادة تقديم نفس العرض عدة مرات، قبل التوصل إلى قرار نهائي. السؤال الذي تريد طرحه هو، ما هو تحيزك الخاص للعمل، وكيف يناسب ثقافتك الجديدة؟
وجهات النظر الفردية مقابل الجماعية
تتعامل بعض الشركات مع العمل على أنه نتاج عمل الأفراد، في حين يكون في شركات أخرى نتاج توجه تعاوني مشترك. إذا كانت الشركة تميل للفردية كغاية في نهجها، فإنها ستدعم عموماً "عقلية البطل" والتي تعترف بالفرد الطموح. وغالباً ما تكون المكافآت فيها فردية، وتميل إدارة الأداء إلى التقييم الفردي، حيث يتم تبرير مساهمات كل فرد مقارنة بما يقدمه نظرائه.
توفر الشركات التي تركز على المجموعة شبكة أمان للمخاطر إلى حد كبير ويتم تشارك المكافآت، ولكن قد يكون من الصعب تميّز الأفراد وتمييز نفسك عن البقية. وتميل هذه الشركات إلى أن تكون أكثر تماسكاً وتركيزاً على الأهداف والنتائج المشتركة. وإذا كنت شخصاً طموحاً للغاية يتمتع بالاعتراف الفردي، فقد لا تحصل على ما تحتاج إليه بسرعة كافية من حيث التقدم الوظيفي. ومن إحدى الإشارات الدالة على ذلك هي الاستماع لكيفية مناقشة الناس لعملهم في الاجتماعات. إذا كان الناس يتحدثون بشكل عام عن إنجازات المجموعة، وكنت تستخدم "أنا" في عروضك التقديمية، فسوف يتم وصمك بسرعة كشخص غير قادر على العمل ضمن فريق. من جديد، يتمثل المفتاح هنا في التعرف على كيفية تقدير الأفراد ومكافأتهم في الشركة.
عوامل التغيير
هناك عامل ثقافي آخر يمكن أن يكون له تأثير عميق على وضعك وتأثيرك، وهو توجه الثقافة نحو التغيير. تقاوم معظم الأماكن الغرباء العازمين على التغيير. إلا أنه وعلى الرغم من ذلك، يُطلب من القادة الموهوبين الذين يتم إحضارهم من الخارج أن "يحدثوا تغييراً" لتغيير الوضع الراهن. ولسوء الحظ، ما يحدث لكثير من هؤلاء الناس هو أنهم يفشلون. إما لكونهم أخطأوا في قراءة الإشارات الثقافية عن مدى إحداث التغيير اللازم فعلاً (في مقابل ما طُلب منهم القيام به) أو أنهم لم يبنوا العلاقات الداعمة اللازمة لدعمهم بشأن القرارات الرئيسية، أو لكلا السببين. ونظراً لعدم تلقيهم النصيحة الملائمة، فقد يقومون بالتقليل من شأن الحدود الثقافية التي يتعين عليهم العمل بها. لذا، فإنّ التحدي الذي يواجه أي قائد قادم هو تحديد ما يمكنك تحديه في الثقافة، ومتى يجب عليك القيام بذلك.
كما يمثل كل من تحديد وتيرتك وإقناعك للآخرين عاملين مهمين أيضاً، إذ أنه هنا عليك أن تسأل نفسك: هل يمكنني أن أكون حازماً وذي وتيرة عمل سريعة في التغيير، أم علي أولاً إنفاق وقت في المشاركة والحوار وبناء الإجماع؟ لن يجيب أحد عن هذه الأسئلة نيابة عنك، إذ عليك اكتشاف ذلك بنفسك عبر مشاهدة الملاحظات حول توصياتك الأولية التي تقدمها. ابدأ ببعض الأشخاص الموثوق بهم لاختبار أفكارك، واسألهم عن كيفية استجابة الآخرين قبل طرح فكرتك الكبيرة في إطار رسمي أمام كبار القادة. اعرف أي القادة يدعمونك قبل اقتراح تغييرات كبيرة.
ومن أهم الأمور التي يجب عليك أخذها في الاعتبار عند الانضمام إلى شركة جديدة هو أنّ إنجازاتك السابقة لا تسمح لك بالتصرف خارج معايير الثقافة التي أنت فيها الآن. ستقوم معظم الشركات بتوظيفك بناء على خبراتك السابقة، لكن نجاحك المستقبلي سيتحدد من خلال تأثيرك في بيئتك الجديدة - واعتماداً على مدى فهمك للعمل في ثقافتك الجديدة والذي يمكن أن يجعل تأثيرك أكبر، أو قد يجعلك راغباً في ترك عملك بعد فترة من الزمن.