يشكل الانتقال من إدارة الخطوط الأمامية إلى قيادة القادة إنجازاً كبيراً ونقطة تحول في حياتك المهنية. يتضمن هذا المنصب عادة مسؤوليات أوسع وتطلعات أكبر، بالإضافة إلى القدرة على التأثير في صياغة الاستراتيجية وثقافة العمل وأداء المؤسسة على أعلى المستويات.
قد يبدو الوصول إلى هذه المرحلة أمراً مثيراً ويعد اعترافاً بجهودك واحتراماً لقيمتك. فبعد سنوات من العمل الدؤوب وإثبات جدارتك، أصبحت الآن تتمتع بمكانة مرموقة بين صانعي القرار وأصبحت آراؤك ذات أثر أكبر وربما تشعر بالحماس لتوجيه الفريق وحل المشكلات المهمة والكبيرة، ولكن هنا تكمن الصعوبة، فعلى الرغم من أن المناصب القيادية العليا تحمل مزايا رائعة، فالانتقال إليها قد يكون مربكاً. لا تعني قيادة القادة استمرار النمط نفسه من العمل مع فرق وميزانيات أكبر، بل تتطلب في الواقع تغيير طريقة تفكيرك حول دورك وطريقة إدارتك لوقتك ومعاييرك في تقييم النجاح.
اكتشفت رنا، وهي مسؤولة تنفيذية عن العمليات، هذه الحقيقة من خلال تجربة قاسية مرت بها، فقد اكتسبت سمعتها من خلال قدرتها على حل أي مشكلة، مثل تأخر الشحنات وشكاوى العملاء ونقص الموظفين، ولكن بعد ترقيتها للإشراف على 4 مدراء إقليميين، تعاملت مع المنصب الجديد على أنه امتداد لدورها السابق؛ فبدأت بتقديم الإرشادات والنصائح وحضور اجتماعات الفريق وإبداء رأيها في معظم القرارات، دون أن تدرك أنها كانت تهمش مدراءها وتعوقهم عن أداء مهامهم، فبدا عليهم الإحباط والانزعاج وعدم الامتنان، حتى إن رئيسها طرح بعض التساؤلات حول سبب استمرار انشغالها بالتفاصيل الدقيقة. وجدت رنا نفسها تعمل ساعات إضافية ولكنها كانت تشعر بأنها أقل فعالية من أي وقت مضى.
كان هذا تنبيهاً لها، فالممارسات التي ساعدتها على النجاح في العمل على مستوى الخطوط الأمامية، مثل المتابعة المباشرة والتدخل الفوري لحل المشكلات، أصبحت الآن تعرقل تقدمها. على الرغم من أنها كانت تمتلك الكفاءة والمهارات والإمكانات الكبيرة، فإنها لم تطور هويتها المهنية لتتناسب مع المنصب الرفيع الجديد الذي تشغله.
ربما تمر الآن بتجربة مشابهة وتنتقل إلى قيادة القادة وتبحث عن التوازن وتحاول إثبات نفسك وترسيخ مكانتك. إذا كان الأمر كذلك، فقد تدرك، على غرار رنا، أن الأمر يتطلب إعادة صياغة معتقداتك وأفكارك حول ما يعزز قيمتك وفعاليتك. فيما يلي 3 تغييرات أساسية يجب عليك إجراؤها:
1. الانتقال من دور الخبير إلى دور المدرب
لم تعد مهمتك تتمثل في امتلاك أكبر قدر من المعرفة، بل في تنمية قدرات مدرائك ليصبحوا قادرين على صناعة القرار بأنفسهم. يتطلب ذلك مقاومة الرغبة في التدخل لتقديم الحلول، والعمل بدلاً من ذلك على توفير المساحة التي يحتاج إليها أعضاء فريقك ليطوروا قدراتهم على المحاكمة والتمييز. يمكن أن تشعر بأنك تفقد دورك أو تقصر في أداء واجباتك، ولا سيما إذا كنت تفتخر بمعرفتك العميقة ومهارتك في تقديم المساعدة، ولكن إذا كنت أنت من يتولى مسؤولية التخطيط الاستراتيجي بالكامل، فلن يتمكن مدراؤك من تطوير هذه المهارة بأنفسهم.
عندما يواجه أعضاء فريقك تحدياً في المستقبل، شجعهم على تحليل الموقف بأنفسهم قبل أن تقدم أفكارك. يمكنك طرح الأسئلة التالية لتحفيز مدرائك على التفكير النقدي وتحمل المسؤولية بدلاً من الاعتماد عليك دائماً:
- ما هو التحدي الحقيقي الذي نواجهه؟
- ما هي الخيارات المتاحة؟
- ما هي التوصيات التي تقترحونها؟
- ما هي الإجراءات التي ستتخذونها لو لم أكن موجوداً؟
تحل بالصبر وتحمل الشعور بعدم الارتياح عندما يحاول فريقك التعامل مع المواقف الغامضة، كما يجب عليك تقبل لحظات الصمت أو التوقف في أثناء الاجتماعات أو المحادثات مع الفريق. عندما يطرح أحد المدراء مشكلة ما، تمهل قليلاً وقل: "هذا أمر معقد، أخبرني بما تلاحظه"، أو "أتفهم سبب قلقك، ولكن ما هو الإجراء الأمثل الذي يمكن اتخاذه برأيك؟".
2. الانتقال من تنفيذ المهام بنفسك إلى قيادة تحقيق الأثر من خلال جهود الآخرين
عندما كنت تدير الخطوط الأمامية، كنت على الأرجح تشارك مباشرة في توزيع المهام وتتبع التقدم والتأكد من سير العمليات بسلاسة وبطريقة صحيحة، وربما كنت تشعر بالارتياح عند اطلاعك على تفاصيل ما يجري على أرض الواقع. ولكن الآن، يجب أن تتخلى عن التحكم المفرط بالتفاصيل وتخفيف هذه التدخلات، فعندما تقود أداء فرق متعددة، يصبح دورك الأساسي هو إنشاء بيئة وظروف مناسبة تسمح بتحقيق نتائج جيدة دون تدخلك المباشر.
قد يكون هذا التحول صعباً على المستوى العاطفي؛ إذ اعتدت أن تستمد شعورك بالرضا من خلال إتمام المهام اليومية ورؤية نتائج ملموسة. أما على المستوى القيادي، فطبيعة إنتاجيتك تتغير وتصبح غير ملموسة، إذ تجري المحادثات الاستراتيجية وجلسات التدريب، وتطور العلاقات التي تضيف قيمة لا يمكن قياسها بسهولة.
عندما تساورك فكرة مفادها أنك تحدثت طوال اليوم دون تحقيق إنجاز ملموس، حاول أن تفكر في النتائج والتأثيرات غير المباشرة لعملك. هل أرشدت فريقك لاتخاذ قرار مهم؟ هل رتبت الأولويات لتسريع سير العمل؟ قد لا تمنحك هذه الإنجازات شعوراً فورياً بالرضا، ولكن آثارها تتراكم وتولد نتائج إيجابية بمرور الوقت. فمن الممكن أن تسهم الملاحظات التي تقدمها لأحد المدراء اليوم في تحسين الأداء في الربع السنوي المقبل. كما أن أسلوبك في تحفيز أحد مرؤوسيك قد يمنحه الثقة لاتخاذ خطوات جريئة، ما يؤدي إلى كسب عملاء مميزين أو توقيع صفقة كبيرة في المستقبل القريب.
3. التحول من الإشراف المباشر إلى تطوير أنظمة قابلة للتوسع والنمو
نظراً لإشرافك على عدد أكبر من الأشخاص والمشاريع، فمن الممكن أن يتضاعف حجم المعلومات التي تتلقاها. إذا لم تكن هناك آليات عمل مناسبة وفعالة، فقد تجد نفسك منغمساً في التفاصيل الدقيقة أو ربما تفقد التركيز على المشكلات المهمة. لذلك، عليك تحديد 3 إلى 5 أولويات أساسية أو مخاطر محتملة يجب عليك متابعتها والتركيز عليها، مثل أهداف الإيرادات أو الاحتفاظ بالعملاء، ثم ضع حدوداً واضحة ومعايير إرشادية لتحديد الحالات التي يجب أن يرفع فيها المدراء المشكلات إليك والحالات التي يجب عليهم التعامل معها بأنفسهم، على سبيل المثال:
- يجب إبلاغي بأي نفقات جديدة تتجاوز مبلغ 5,000 دولار قبل اتخاذ أي إجراء.
- يتطلب تعيين أي موظف جديد في منصب أعلى من مستوى مدير الحصول على موافقتي.
- يجب إبلاغي مباشرة بأي موقف يمكن أن يسبب دعاية سلبية تضر بسمعة الشركة.
توفر لك أنظمة العمل وأساليبه اللاتزامنية رؤية واضحة وإمكانية متابعة سير العمل دون إضافة مزيد من الأعباء الإدارية أو التشغيلية. يمكنك طلب تقارير مكتوبة نصف شهرية أو شهرية من كل مدير يسلط الضوء فيها على المقاييس الرئيسية والإنجازات والتحديات والأولويات المستقبلية. أو يمكنك أن تطلب من كل فريق إنشاء لوحة معلومات لتتبع نقاط البيانات المهمة بحيث يمكنك مراجعة الحالة بسرعة دون الحاجة إلى عقد اجتماعات متعددة.
يتطلب التحول إلى قيادة القادة تغييراً في طريقة التفكير ونطاق المسؤوليات؛ إذ يمكن أن تؤثر القرارات التي تتخذها في هذا المنصب في عشرات أو مئات الموظفين. تعتمد نتائجك على جودة أداء الموظفين الآخرين من ذوي الخبرة، وليس على جهودك الشخصية وما يمكنك تحقيقه. يستغرق التكيف مع هذه التحولات وقتاً، ومن الطبيعي أن تشعر بالقلق والارتباك لفترة معينة. ولكن بمجرد أن تتقبل هذا النمط الجديد من القيادة وتتبناه، فستتمكن من تحقيق رضا أكبر وأثر أعمق مما كنت تتوقعه.