نعم إن حجم الاقتصاد حسب الطلب ضخم، ويزداد ضخامةً يوماً بعد يوم. فلطالما اجتذبت الأنشطة الاقتصادية التي ترتكز حول منصات الإنترنت، حيث يقدم البائعون المستقلون السلع أو الخدمات إلى العملاء، اهتمام المستهلكين وأموالهم بشكل كبير، وذلك وفقاً للبيانات الصادرة عن الدراسة الاستقصائية للجاهزية التكنولوجية الوطنية* (NTRS)، التي تعمل على تعقب السلوكيات والمعتقدات التكنولوجية في الولايات المتحدة منذ عام 1999. وفي الدراسة التي أجريت في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2015، تم استقصاء عينة عشوائية تضم 933 من البالغين الأميركيين تم سحبها من قائمة أبحاث المستهلكين.
حجم الإنفاق
ولتقدير حجم الإنفاق في هذا القطاع، سُئِل المُشاركون عما إذا اشتروا أي منتجات أو خدمات حسب الطلب خلال شهر، وما هي فئات تلك المشتريات، وكم هي المبالغ التي تم إنفاقها. وقد عُرضت النتائج على السكان الأميركيين البالغين، أي الفئة العمرية التي تبلغ (18 سنة وما فوق) ممن تتوفر لديهم إمكانية الاتصال بالإنترنت في المنزل، وذلك بناءً على بيانات الدراسة الاستقصائية للمجتمع التي أجراها "مركز الإحصاء الأميركي". وإليكم ما أظهرته الأرقام:
يجتذب الاقتصاد حسب الطلب أكثر من 22.4 مليون مستهلك ينفقون 57.6 مليار دولار سنوياً. إذ تذهب الحصة الأكبر من الإنفاق حسب الطلب إلى الأسواق الإلكترونية (على سبيل المثال: "إي باي" (Ebay) و"إتسي" (Etsy))، وذلك مع 16.3 مليون زيارة من قبل المستهلكين شهرياً لهذه الأسواق حيث ينفقون ما يقرب من 36 مليار دولار سنوياً. بينما يحتل قطاع النقل المرتبة الثانية (على سبيل المثال: شركة "أوبر" (Uber)، وشركة "ليفت" (Lyft))، وذلك مع 7.3 ملايين مستهلك شهرياً ينفقون 5.6 مليارات دولار سنوياً، يليه قطاع تسليم الطعام أو البقالة (على سبيل المثال: "إنستاكارت" (Instacart))، مع 5.5 ملايين مستهلك شهرياً ينفقون 4.6 مليارات دولار سنوياً. إضافةً إلى خدمات حسب الطلب الأخرى التي تتضمن الخدمات المنزلية (على سبيل المثال: "تاسكرابيت" (TaskRabbit))، والخدمات المستقلة (مثلاً: "إيلانس" (Elance))، وخدمات الصحة والجمال (مثلاً: "ستايل سيت" (StyleSeat))، التي تحقق إجمالي إنفاق 8.1 مليارات دولار أميركي سنوياً، بينما تحقق بقية الأنشطة الأخرى حسب الطلب ما يقرب من 3.8 مليارات دولار أميركي سنوياً.
وعلاوةً على ذلك، فقد بدأ الاقتصاد حسب الطلب باجتذاب مجموعة متنوعة من المستهلكين. حيث تبين بيانات الدراسة الاستقصائية للجاهزية التكنولوجية الوطنية أنه على الرغم من أن الرجال ما يزالون أكثر المستهلكين انتشاراً في الاقتصاد حسب الطلب وذلك بنسبة 55%، وأن نسبة مشاركة النساء تبلغ 45%. فمن غير المستغرب أن يكون نصف المستهلكين تقريباً 49% هم من جيل الألفية الذين تتراوح أعمارهم بين (18 و34) عاماً، بينما نجد أن 30% من المستهلكين تتراوح أعمارهم بين (35 و54) عاماً، و22% منهم في سن 55 عاماً وما فوق. إلا أن أغلب المستهلكين حسب الطلب هم من ذوي البشرة البيضاء وذلك بنسبة 63%، مقابل 17% من المستهلكين الأميركيين من أصل إفريقي، بينما يشكل الآسيويون 12% من إجمالي المستهلكين، و9% من الأصول الإسبانية.
تشير البيانات إلى أن الاقتصاد حسب الطلب ليس للأثرياء فحسب، حيث إن الدخل الأسري لدى 46% من المستهلكين حسب الطلب أقل من 50 ألف دولار سنوياً، مقابل 22% فقط من المستهلكين ذوي الدخل الأسري الذي يبلغ 100 ألف دولار وأكثر سنوياً. كما حقق هذا الاقتصاد الانتشار الجغرافي المتنوع في الولايات المتحدة، حيث يعيش 39% من المستهلكين حسب الطلب في المناطق الريفية أو المدن الصغيرة، و30% في الضواحي الخارجية، و31% في الضواحي والمدن المغلقة.
الجاهزية التكنولوجية
كما صنفت الدراسة الاستقصائية للجاهزية التكنولوجية الوطنية المستهلكين حسب قطاعات استناداً إلى جاهزيتهم التكنولوجية. حيث يعدّ "المستكشفون" الفئة الأكثر إبداعاً وتفاؤلاً فيما يتعلق بالتكنولوجيا فهم من الرواد، ويشكلون 41% من إجمالي المستهلكين في الاقتصاد حسب الطلب. كما يرتبط "الرواد الأوائل" بعلاقة حب أو كراهية بالتكنولوجيا فهم يمثلون 29% من المستهلكين حسب الطلب، أما "المترددون"، فلديهم نظرة متفائلة للتكنولوجيا ولكنهم يشعرون بقدر من عدم الارتياح والخوف، ويمثلون 16% من المستهلكين في الاقتصاد حسب الطلب. ومن ناحية أخرى يفتقر "المتشككون" إلى العاطفة في تعاملهم مع التكنولوجيا ويشكلون 11% من إجمالي المستهلكين في الاقتصاد حسب الطلب. وفي المقابل، لا يجد "المتجنبون" ضعيفو الأداء التكنولوجي أي فائدة تذكر من التكنولوجيا، ومن غير المستغرب أن يشكلوا 4% فقط من إجمالي المستهلكين في الاقتصاد حسب الطلب، وهو معدل أقل بكثير من معدل "المتجنبين" الذي بلغ 18% بالنسبة لتعداد السكان في الولايات المتحدة كلها.
يمكننا الاستنتاج عن طريق مقارنة نسب المستهلكين في الاقتصاد حسب الطلب في كل قطاع مع نسب تمثيل هذه الشرائح في إجمالي عدد سكان الولايات المتحدة، أن الخدمات حسب الطلب غالباً ما تكون مبتكرة ولا تزال في مراحلها الأولى من الاعتماد، وبالتالي، فإن فرص النمو ما تزال كبيرة.
ولتوضيح ذلك، تبلغ نسبة المستهلكين الأكثر ابتكاراً "المستكشفون" في الاقتصاد حسب الطلب 41% وهو ما يقرب من الضعف مقارنةً بمعدل المستهلكين في المجتمع ككل، الذي يبلغ 24%. وفي غضون ذلك، يلبي الاقتصاد حسب الطلب احتياجات القطاعات التي تنطوي على المضايقات والنقص في الخدمات التكنولوجية، ما يعني ضمناً أن المنصات تلعب دوراً مهماً في تيسير الوصول إلى خدماتها وفي تجنب السلبيات التي تعمل تقليدياً على إبطاء نمو المنتجات والخدمات المبتكرة الأخرى. على سبيل المثال، يستحوذ سوق حسب الطلب على أكثر من حصته العادلة من المستهلكين "الرواد"، حيث تبلغ نسبة هؤلاء المستهلكين في هذه السوق 29% مقارنةً بـ 23% نسبتهم في المجموع العام للسكان، رغم أن على هذا القطاع تقديم درجة من الضمان وسهولة الاستخدام قبل أن يتبنى هؤلاء المستهلكون خدماته المبتكرة. وعلى نحو مماثل، يشمل سوق حسب الطلب على نفس معدلات "المترددين" الموجودة في عامة السكان، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا إذا كانت المنصات متاحة أمام الجميع. إضافة إلى ذلك، هناك شريحة من المستهلكين، وهم "المتشككون" في التكنولوجيا، الذين قد يتبنون هذا الاتجاه في المستقبل، ولكن ليس قبل أن تصبح الفوائد المترتبة على هذه التطبيقات ملموسة. حيث تعتبر تلك الشريحة منقوصة التمثيل في الاقتصاد حسب الطلب، ولكن تُبَيّن التجارب مع التكنولوجيات المبتكرة الأخرى أن هؤلاء المستهلكين سيلحقون بركب الاقتصاد حسب الطلب مع وضوح صورة الفوائد الناتجة عن تلك المنصات.
فوائد الاقتصاد حسب الطلب
يعتبر حجم الاقتصاد حسب الطلب ونموه السريع دليلاً على انجذاب المستهلكين إلى تجربة المستخدم، والملاءمة في الاستخدام، والمزايا الأخرى التي يقدمها هذا الاقتصاد. كما أشارت بيانات الدراسة الاستقصائية للجاهزية التكنولوجية الوطنية أيضاً إلى أن الخدمات حسب الطلب قد تجاوزت بالفعل مرحلة اكتساب أوائل المعتمدين لتكتسب المزيد من الثِقَل بين المستهلكين العاديين وذلك يقتضي بأن تتمتع تلك المنصات بالاستخدام السهل والآمن.
ونتيجة لذلك، يشهد اقتصاد حسب الطلب توسعاً سريعاً عبر الاقتصاد العالمي. ووفقاً لشركة "كراودكومبانيز"، التي تعمل على تتبع شركات منصات الأعمال حسب الطلب، يوجد اليوم أكثر من 280 شركة تقدم السلع والخدمات حسب الطلب وذلك عبر 16 قطاعاً مختلفاً. مقارنةً بـ 76 شركة تعمل في 6 قطاعات فقط خلال السنتين الماضيتين.
وهنا نجد أن شركات التكنولوجيا الناشئة مثل "أوبر" و"إير بي إن بي" (Airbnb)، تمثل غالبية الشركات حسب الطلب. ولكن من ناحية أخرى، نجد أن الشركات الكبرى قد بدأت بدخول أسواق حسب الطلب. ومن الأمثلة الأخيرة: خطط "جنرال موتورز" (GM) في الاستثمار، والشراكة مع شركة "ليفت" (Lyft)، واستحواذ شركة الفنادق العملاقة "أكور" (Accor) على شركة "وان فاين ستاي" (Onefinestay)، منافسة شركة "إير بي إن بي".
بالتالي، فقد أدركت هذه الشركات أن الاقتصاد حسب الطلب أصبح فرصةً في غاية الأهمية لا يمكن تفويتها. حتى إنهم يعتقدون أن تجاهلها يعد مخاطرة كبرى. وكجميع الابتكارات المزعزعة، تتحدى الشركات الناشئة في مجال الاقتصاد حسب الطلب الشركات القائمة بنماذج أعمال جديدة وأساليب جديدة لجذب العملاء. وسوف يكون لزاماً على الشركات القائمة أن تتبنى نشاطات الاقتصاد حسب الطلب وأن تحول أنظمة الخدمات والتسليم لديها لتلبي الطلب الاستهلاكي، أو قد تجد نفسها مُعطلةً بسبب هؤلاء الذين يتبنون هذا التحول. ولتحقيق ذلك يتوجب على القائمين على الشركات الكبرى العمل على تحويل أنظمة تسليم الخدمات لديهم بما يضمن سهولة الوصول والأمان والتوافق مع الهواتف المحمولة، والاستفادة من مجموعة مقدمي الخدمات المحتملين الذين يرغبون في المشاركة في الاقتصاد حسب الطلب.