ملخص: "الاستقالة الصامتة" هو اسم جديد لسلوك قديم. طلب المؤلفان اللذان أجريا تقييمات على أداء القيادة بطريقة 360 درجة على مدى عقود من الموظفين تقييم "مدى رغبتهم في بذل جهود إضافية في أماكن عملهم". وتشير بياناتهم إلى أن الاستقالة الصامتة لا ترتبط عادة برغبة الموظف في العمل بجدية أكبر وأكثر إبداعاً، بل عادة ما ترتبط بقدرة المدير على بناء علاقات مع موظفيه تجعلهم ينسون فكرة الاستقالة من أساسها.
يتخذ كل موظف قراراً ما كل يوم عمل. هل هو على استعداد لأداء الحد الأدنى الضروري من عمله فقط للحفاظ على وظيفته؟ أم أنه على استعداد لبذل مزيد من الطاقة والجهد في عمله؟
وصف العديد ممن اختاروا الإجابة الأولى أنفسهم في الأسابيع القليلة الماضية بـ "المستقيلين الصامتين"، فهم يرفضون فكرة أن يكون العمل محور حياتهم، ويقاومون التوقعات التي تتطلب منهم بذل كامل جهودهم أو العمل لساعات إضافية، ويرفضون الطلبات التي تتجاوز المسؤوليات المتوقعة من أشخاص آخرين يشغلون المناصب نفسها.
في الواقع، "الاستقالة الصامتة" هو اسم جديد لسلوك قديم. وأجرى باحثونا بالفعل تقييمات لأداء القيادة بطريقة 360 درجة على مدى عدة عقود، حيث طلبا من الأفراد تقييم "مدى رغبتهم في بذل جهود إضافية في أماكن عملهم". وللتوصل إلى فهم أفضل للظاهرة الحالية للاستقالة الصامتة، أجرينا تحليلاً على البيانات في محاولة للإجابة عن هذا السؤال: ما الذي يصنع الفرق بين أولئك الذين يرون العمل سجناً لهم والآخرين الذين يشعرون أنه يمنحهم معنى وهدفاً؟
تشير بياناتنا إلى أن الاستقالة الصامتة لا ترتبط عادة برغبة الموظف في العمل بجدية أكبر وأكثر إبداعاً، بل عادة ما ترتبط بقدرة المدير على بناء علاقة مع موظفيه تجعلهم ينسون فكرة الاستقالة من أساسها.
ما تقوله البيانات
حلّلنا البيانات التي جُمعت منذ عام 2020 حول 2,801 مدير تم تقييمهم من قبل 13,048 مرؤوساً مباشراً. حيث تم تقييم كل مدير من قبل خمسة مرؤوسين مباشرين في المتوسط، وأجرينا مقارنة بين نقطتي بيانات:
- تقييمات الموظفين لقدرة مدرائهم على "الموازنة بين تحقيق النتائج وتلبية متطلبات موظفيهم".
- تقييمات الموظفين لمدى "رغبتهم في بذل جهود إضافية في أماكن أعمالهم".
وأطلقنا في البحث على جهد الراغبين في بذل مساعٍ إضافية مصطلح "الجهد الاختياري". وقد يكون تأثيرهم على المؤسسات بالغاً: فإذا كان لديك 10 مرؤوسين مباشرين يبذل كل منهم جهداً إضافياً بنسبة 10%، فستكون النتائج الصافية لهذا الجهد الإضافي هي زيادة الإنتاجية.
ويمكن الاطلاع على النتائج من خلال الرسم أدناه. حيث وجدنا أن المدراء الأقل فعالية يمتلكون موظفين يندرجون في فئة "الاستقالة الصامتة" بنسبة أكبر بثلاثة إلى أربعة أضعاف مقارنة بالقادة الأكثر فعالية. وقد استقالت بالفعل نسبة 14% من مرؤوسيهم المباشرين بصمت، في حين أبدت نسبة 20% منهم فقط استعداداها لبذل جهود إضافية. في المقابل، وجد أولئك الذين حصلوا على أعلى تصنيف في الموازنة بين النتائج والعلاقات أن 62% من مرؤوسيهم المباشرين يرغبون في بذل جهود إضافية، في حين كانت نسبة 3% منهم فقط تستقيل بصمت.
عمل كثير من الناس في مرحلة ما من مساراتهم المهنية مع مدير دفعهم إلى الاستقالة الصامتة نتيجة شعورهم بانعدام القيمة وعدم التقدير. ومن المحتمل أن يعود سبب ذلك إلى تصرّف المدراء بتحيّز أو انخراطهم في سلوكيات غير لائقة. وكان افتقار الموظفين إلى الدافع بمثابة رد فعل على تصرفات المدير.
وعمل معظم الموظفين في منتصف مساراتهم المهنية أيضاً مع قائد عزز فيهم الرغبة في بذل كل ما في وسعهم لتحقيق الأهداف النهائية والغايات المنشودة. ولم يكن العمل حتى وقت متأخر أو بدء العمل باكراً بين الحين والآخر مزعجاً لهم لأنهم كانوا يستقون الإلهام من مدرائهم.
ما الذي عليك فعله إذا كنت تدير موظفاً "يستقيل بصمت"؟
افترض أن لديك العديد من الموظفين الذين تعتقد أنهم يستقيلون بصمت. فالسؤال الأهم الذي عليك أن تطرحه على نفسك في تلك الحالة هو: هل سبب المشكلة عائد إلى مرؤوسيّ المباشرين، أم أنه عائد إليّ وإلى قدراتي القيادية؟
إذا كنت واثقاً من قدراتك القيادية وكان واحد فقط من مرؤوسيك المباشرين غير متحمس، فقد لا يكون ذلك خطأك. وكما يظهر الرسم البياني أعلاه، فإن نسبة 3% أو 4% من أفضل المدراء كانوا يُديرون مرؤوسين مباشرين يستقيلون بصمت.
وفي كلتا الحالتين، ألقِ نظرة فاحصة على نهجك فيما يتعلق بتحقيق النتائج مع أعضاء فريقك. فعندما تطلب من مرؤوسيك المباشرين زيادة الإنتاجية، هل تبذل قصارى جهدك لتضمن أن تمنحهم التقدير الكافي في المقابل؟ يُعدّ الحوار المفتوح والصادق مع الزملاء حول توقعات كل طرف تجاه الآخر مفيداً للغاية.
وتُعد الثقة عاملاً مهماً أيضاً. فعندما حلّلنا بيانات أكثر من 113,000 قائد لتحديد السلوك الأفضل الذي يساعد القادة الفعالين على الموازنة بين النتائج والاهتمام بأعضاء الفريق، احتلت الثقة المرتبة الأولى. وعندما وثق المرؤوسون المباشرون في قادتهم، افترضوا أيضاً أن مدراءهم يهتمون بهم وكانوا قلقين بشأن سلامتهم.
وربط بحثنا الثقة بثلاثة سلوكيات. أولاً، وجود علاقات إيجابية مع جميع مرؤوسيك المباشرين، إذ إن ذلك يعني أنك تتطلع إلى التواصل معهم وتستمتع بالحديث معهم. فالمصالح المشتركة تربطكم معاً، في حين أن الاختلافات تحفّز النزاعات. لكن تذكّر أن بناء علاقات إيجابية قد يكون سهلاً مع بعض أعضاء الفريق، في حين قد يكون بناؤها صعباً مع بعضهم الآخر نتيجة لعدة اختلافات (العمر أو الجنس أو العرق أو التوجه السياسي). لذلك، ابحث عن قاسم مشترك بينك وبين أعضاء فريقك لتطوير أساس من الثقة المتبادلة.
ينطوي العنصر الثاني للثقة على الثبات على المبادئ، فبالإضافة إلى ضرورة أن يتحلّى القادة بالصدق التام، عليهم الوفاء بوعودهم. ويعتقد معظم القادة أنهم ثابتون على مبادئهم مقارنة بنظرة الآخرين عنهم.
ويتمثّل العنصر الثالث لبناء الثقة في الخبرة. هل تعرف جوانب وظيفتك جيداً؟ هل خبراتك قديمة في أي جانب من جوانب عملك؟ هل يثق الآخرون بآرائك ونصائحك؟ يمكن للخبراء إضفاء الوضوح والإرشاد إلى المسار الصحيح وتقديم رؤى ثاقبة لبناء الثقة.
عندما تبني علاقة قائمة على الثقة مع جميع مرؤوسيك المباشرين، يتبدد احتمال استقالتهم بصمت. فالنهج الذي اتبعه القادة للحصول على نتائج من موظفيهم في الماضي لا يماثل النهج الذي نتّبعه اليوم. إذ تنطوي مهمتنا اليوم على بناء أماكن عمل أكثر أماناً وشمولية وإيجابية وعلى مواصلة تحقيق أفضل أداء.
باختصار، من السهل إلقاء لوم الاستقالة الصامتة على العمال الكسالى أو غير المتحمسين، لكن هذا البحث يحثّنا على التعمّق في سلوكياتنا والاعتراف بأن الموظفين يريدون منح كامل طاقاتهم وإبداعاتهم وأوقاتهم وحماسهم للمؤسسات والقادة الذين يستحقونها.