ملخص: يحاول العديد من الشركات منع الموظفين من المغادرة، لكن هذا النهج ليس عملياً أو واقعياً بأي حال من الأحوال. بدلاً من ذلك، يجب على المؤسسات أن تأخذ في اعتبارها إنشاء برامج مخصصة للموظفين السابقين للبقاء على تواصل معهم، بحيث يمكنهم الإسهام بطرق مختلفة مثل تقديم فرص عمل جديدة ورؤى ثاقبة حول القطاع وتعزيز العلامة التجارية للشركة وسمعتها ودعم عملية التوظيف من خلال توصية الآخرين بالعمل لدى الشركة أو عودتهم أنفسهم للعمل فيها مجدداً. تقدم هذه المقالة 5 اعتبارات رئيسية للشركات عند تصميم برنامج مخصص لموظفيها السابقين.
وفقاً لمؤشر لينكد إن لثقة القوى العاملة، يخطط نحو نصف الموظفين العاملين للبحث عن وظيفة جديدة في عام 2024. قد تدفع هذه البيانات بطبيعة الحال بعض القادة إلى إعادة تقييم استراتيجياتهم لاستبقاء الموظفين، لكن قد لا تكون محاولات ردع الموظفين عن ترك العمل مجدية أو واقعية تماماً في سوق العمل الحالية.
بدلاً من التركيز فقط على استبقاء الموظفين، يدرك عدد متزايد من المؤسسات ذات التفكير الاستشرافي أنه لا مفر من بعض حالات دوران الموظفين، بل إنها مفيدة للمؤسسة في بعض الحالات. عندما يدرك القادة أن اختيار الموظفين للمغادرة هو جانب طبيعي من إدارة المواهب المعاصرة، يتحول تفكيرهم نحو استكشاف القيمة التي يمكن أن يقدمها الموظفون السابقون للمؤسسة. تدعم الأدلة المتزايدة أهمية الموظفين السابقين لأداء المؤسسة، إذ يمكنهم جلب فرص عمل جديدة وتقديم رؤى ثاقبة حول القطاع وتعزيز العلامة التجارية للشركة وسمعتها ودعم عمليات التوظيف عن طريق الإحالات أو عودتهم هم أنفسهم بصفتهم موظفين.
لكن المزايا التي يمكن أن تجنيها المؤسسات من موظفيها السابقين لا تتحقق ببساطة من تلقاء نفسها، إذ يتعين عليها إدارة العلاقات معهم على نحو استراتيجي بطرق تحفزهم على تقديم إسهامات في شركاتهم السابقة. من الأساليب التي تتبناها المؤسسات، مثل ماكنزي آند كومباني (McKinsey & Company) وإس أيه بي (SAP) وستاربكس (Starbucks)، في هذا الصدد تقديم برامج مخصصة لموظفي الشركة السابقين. على غرار برامج خريجي الجامعات، تتضمن برامج الموظفين السابقين للشركة جهوداً مؤسسية منهجية لإشراك الموظفين السابقين من خلال توفير فرص لإعادة التواصل مع الشركة ومع موظفين سابقين آخرين، مثل إنشاء صفحة لهم على منصات التواصل الاجتماعي أو رعاية برنامج رسمي يوفر فعاليات للتواصل أو فرص عمل أو امتيازات إضافية حصرية.
على الرغم من ازدياد أهمية البرامج المخصصة لموظفي الشركة السابقين، فهي لا تزال جديدة نسبياً بالنسبة للعديد من المؤسسات، الأمر الذي يثير أسئلة حول كيفية إدارة العلاقات مع الموظفين السابقين بفعالية وتحويلها إلى شبكة قوية. لتقديم التوجيه، أوصي القادة بأن يأخذوا في اعتبارهم 5 جوانب لبرامج الموظفين السابقين: الاستثمارات المطلوبة، والمنصات والمزايا، واستراتيجيات التواصل، وآليات تلقي الملاحظات، وتكامل البرنامج مع دورة حياة الموظف. يمكن أن يساعد التركيز على هذه الجوانب القادة على بدء برنامج جديد للموظفين السابقين أو تقييم برنامج قائم وتوجيه الإدارة الاستراتيجية لشبكة الموظفين السابقين لضمان نجاحها.
الاستثمار في برامج الموظفين السابقين
أحد الأسئلة الشائعة التي يطرحها القادة في هذا الصدد هو ما مستوى الاستثمار المطلوب لنجاح برنامج الموظفين السابقين؟ يشير تقرير معياري حديث شاركتُ في تأليفه مع شركة بيبول باث (PeoplePath)، وهي شركة عالمية توفر برمجيات إدارة الموظفين السابقين للشركات، إلى أن ميزانيات هذه البرامج تختلف إلى حد كبير. على سبيل المثال، وجدنا أن الميزانية المخصصة في 36% من المؤسسات التي شاركت في الاستقصاء أقل من 60 ألف دولار، في حين تبلغ أكثر من 300 ألف دولار في 20% منها. تعتمد ميزانية البرنامج عموماً على حجم قاعدة الموظفين السابقين الحالية وعمر البرنامج، حيث إن البرامج الأقدم والأكثر رسوخاً غالباً ما تقدم مزايا أكثر. مع ذلك، يجب ألا يأخذ القادة في الحسبان حجم قاعدة الموظفين السابقين الحالية عند التخطيط للميزانية فحسب، بل أيضاً الحجم الإجمالي لقاعدة الموظفين الحاليين ومعدلات الدوران المتوقعة باعتبارها مؤشرات على النمو المستقبلي المحتمل لقاعدة الموظفين السابقين والحاجة إلى زيادة الميزانية.
إلى جانب الاعتبارات المالية، يجب على القادة أيضاً التفكير في عدد الموظفين الذين سيُكلفون بإدارة برنامج الموظفين السابقين. تبدأ هذه المهمة غالباً بصفتها واجباً إضافياً للموظف الحالي، ولكن يشيع إنشاء وظيفة مدير بدوام كامل لبرنامج الموظفين السابقين مع تطوره وتقدمه، وقد تخصص البرامج الكبيرة الأكثر تقدماً فريقاً كاملاً لإدارة البرنامج. لا يضمن وجود مدير أو فريق مخصص لبرنامج الخريجين الاهتمام الكافي باستراتيجية الشركة المتعلقة بموظفيها السابقين فحسب، بل يوفر لهم أيضاً جهة مخصصة للتواصل. يعتمد موقع عمل مدير أو فريق برنامج الموظفين السابقين غالباً على أهداف المؤسسة المحددة للموظفين السابقين، ولكن عادة ما يكون ضمن أقسام التسويق أو تطوير الأعمال أو الموارد البشرية.
منصات الموظفين السابقين والمزايا المقدمة لهم
بعد أن تخصص المؤسسة الموارد المالية والبشرية لبرنامج الموظفين السابقين، يجب أن ينصب تركيزها على نوعية الموارد التي يجب تقديمها لهم وعلى طريقة تقديمها. يبدأ العديد من الشركات بإنشاء مجموعة للموظفين السابقين على منصات التواصل الاجتماعي، مثل لينكد إن، وهذا النهج مناسب خصوصاً للمؤسسات التي لا تزال في المراحل الأولى من بناء مجتمع الموظفين السابقين لأنه يسهّل التواصل الأساسي معهم ويتيح مشاركة أخبار الشركة وإعلاناتها معهم. على الرغم من أن هذا الخيار المنخفض التكلفة يعد نقطة انطلاقة جيدة لإنشاء تواصل مع الموظفين السابقين، تقيّد الاستراتيجية التي تعتمد فقط على وسائل التواصل الاجتماعي وصول الشركة إلى البيانات، ما يحد من قدرتها على اكتساب رؤى استراتيجية حول مشاركة موظفيها السابقين.
أما المؤسسات التي تمتلك برامج أكثر تقدماً للموظفين السابقين، فتستثمر عادة في منصة رسمية تقدم مجموعة متنوعة من المزايا بالإضافة إلى مجموعات وسائل التواصل الاجتماعي. توفر هذه المواقع الرسمية للموظفين السابقين موقعاً مركزياً يمكنهم من خلاله العثور على تحديثات حول شركاتهم السابقة والتواصل مجدداً مع الزملاء السابقين. على سبيل المثال، تدير شركة أكسنتشر (Accenture) شبكة موظفيها السابقين التي تضم أكثر من 400 ألف موظف سابق في أكثر من 80 دولة من خلال منصة رسمية تقدم مجموعة متنوعة من المزايا والخدمات مثل أولوية إعادة التوظيف وموارد التطوير الوظيفي والنشرات البريدية وفعاليات بناء العلاقات.
كما تتيح منصات الموظفين السابقين للمؤسسات أيضاً تحديد من يمكنه الوصول إلى شبكة الموظفين السابقين والمشاركة فيها، وتتبّع مسيرة الموظفين السابقين المهنية بعد مغادرتهم الشركة، وتحديد المزايا والخدمات التي تعزز مشاركتهم على نحو أفضل، واستهداف الجمهور المناسب بأخبارها وإعلاناتها. في هذا الصدد، تقول نائبة رئيس قسم مناصرة العملاء في شركة بيبول باث، جين بيدي: "لا تقدم منصة الموظفين السابقين المتميزة مجموعة قوية من المزايا التي تدعم قدرتهم على التواصل فيما بينهم ومع شركتهم السابقة فحسب، بل تتكامل أيضاً بسلاسة مع أنظمة المؤسسة، ما يوفر بيانات وتحليلات قيّمة".
التواصل مع الموظفين السابقين
يتحمل الموظفون بالفعل مسؤوليات في شركاتهم الحالية تستهلك وقتهم واهتمامهم، وذلك قبل أن يأخذوا في الحسبان أيضاً التواصل مع شركتهم السابقة، لذلك يتطلب جذب اهتمام الموظفين السابقين دون إرباكهم توازناً دقيقاً. ليس لدى بعض المؤسسات جدول مواعيد مدروس للتواصل مع الموظفين السابقين، لكن غالبية الشركات التي لديها برامج رسمية تتواصل مع موظفيها السابقين على أساس ربع سنوي (31%) أو شهري (36%)، وعادة ما يأخذ هذا الشكل من التواصل نشرة بريدية تتضمن إعلانات الشركة ورؤى حول القطاع وأخبار الخريجين وفعالياتهم.
مع تطور استراتيجية التواصل مع الموظفين السابقين، غالباً ما تنتقل المؤسسات إلى نهج موجه بدقة أكبر يقسّم شبكة موظفيها السابقين إلى مجموعات مختلفة أو يتتبّع إنجازاتهم البارزة. على سبيل المثال، يقول كبير مدراء إدارة علاقات الموظفين السابقين في شركة إس أيه بي، كريستيان مينكي: "نخصص المحتوى لمجموعة متنوعة من الفئات بمن في ذلك الموظفون السابقون التنفيذيون، وأصحاب المواهب السابقون الأصغر سناً الذين لا يزالون في بداية حياتهم المهنية، والموظفون السابقون في مناطق جغرافية محددة، والمتقاعدون، والذين غادروا الشركة حديثاً. إمكانات التواصل الموجه لا حصر لها، وهي عامل حاسم للتواصل بفعالية مع مجتمع الموظفين السابقين". ثمة استراتيجية أخرى للتواصل المستهدف مع الموظفين السابقين تتمثل في رصد المعالم المهمة في مسيرة الموظف السابق المهنية، مثل ذكرى مرور عام على مغادرته. قد تكون مواءمة التواصل مع هذه المراحل الرئيسية للموظفين السابقين مهمة جداً، إذ تشير الأبحاث إلى أن التواصل معهم بعد عام واحد من مغادرتهم قد يكون الوقت الأمثل لمناقشة إمكانية عودتهم إلى المؤسسة.
جمع الملاحظات من الموظفين السابقين
في حين تعتبر بعض المؤسسات أن برامج الموظفين السابقين هي مبادرة من القمة إلى القاعدة، تبذل مؤسسات أخرى جهوداً كبيرة لجمع الملاحظات من موظفيها السابقين. ويجري ذلك غالباً من خلال استقصاءات الرأي، لكن هذه الممارسة ليست شائعة مثلما ينبغي، فنسبة 50% فقط من المؤسسات التي لديها برامج رسمية للموظفين السابقين تستخدم هذه الاستقصاءات، بالإضافة إلى أنها لا تنفّذها عادة إلا على أساس سنوي أو نصف سنوي. يجب أن تهدف هذه الاستقصاءات عموماً إلى معرفة ما الذي يمكن أن تفعله الشركة لتحسين مشاركة موظفيها السابقين وتحديد أي فرص غير مستثمرة يمكنهم من خلالها الإسهام في دعم شركاتهم السابقة. على سبيل المثال، عادة ما تتضمن الاستقصاءات سؤال الموظفين السابقين عن المزايا التي يستخدمونها بالفعل أو يرغبون في أن تقدمها الشركة لهم ومدى تواتر تفاعلهم مع الشركة وإذا ما كانوا يدعمون المؤسسة من خلال التوصية بها للآخرين أو توفير فرص الأعمال التجارية.
تتخذ برامج الخريجين المتقدمة خطوة إضافية بشأن ملاحظات موظفيها السابقين من خلال إنشاء مجلس استشاري. على سبيل المثال، شكّلت شبكة الموظفين السابقين في مؤسسة بيل ومليندا غيتس فاونديشن (BMGF) مجلساً استشارياً يتألف من 12 شخصاً، وتقول مديرة شبكة الموظفين السابقين للمؤسسة، أندريا فويتكو، إن أعضاء المجلس الاستشاري يخدمون طوعاً لثلاث سنوات ويعملون ويعيشون في جميع أنحاء العالم ويمثلون مجتمع الموظفين السابقين الأوسع من حيث الموقع الجغرافي ومجالات الخبرة. وتضيف: "يقدم أعضاء مجلس إدارتنا إسهامات ووجهات نظر استراتيجية والمشورة بشأن عروض الشبكة ويتواصلون مع موظفين سابقين آخرين لتشجيع المشاركة بينهم".
على الرغم من أن المجلس الاستشاري يمكنه تعزيز برنامج الموظفين السابقين الأوسع، من المهم بناؤه بعناية لضمان فعاليته. في البداية، يجب على القادة تقديم توجيهات واضحة حول دور المجلس الاستشاري وهدفه ضمن استراتيجية الموظفين السابقين الشاملة. دون هذا التوجيه، تخاطر الشركة بإحباط أعضاء مجلس الإدارة أو جعلهم يشعرون بأنهم لا يستثمرون وقتهم بفعالية. من المهم أيضاً أن يكون مجلس الإدارة ممثلاً لشبكة الموظفين السابقين الأوسع بحيث تأخذ توصياته وتوجيهاته بعين الاعتبار كيفية إشراك مجموعة متنوعة من الموظفين السابقين في مراحل مهنية مختلفة واحتياجاتهم واهتماماتهم المتنوعة.
دمج برامج الموظفين السابقين في دورة التوظيف
بما أن الموظفين يصبحون موظفين سابقين عندما يغادرون الشركة، فإن غالبية المؤسسات التي لديها برنامج رسمي تبذل بعض الجهد لدمج برنامج الموظفين السابقين في عملية الخروج من العمل. تقدم غالبية المؤسسات التي لديها برنامج رسمي مواد حول شبكة الموظفين السابقين للموظفين في أثناء عملية الخروج من العمل (76%) و/أو ترسل لهم رسالة إلكترونية في اليوم الأخير لتشجيع الموظف المغادر على التسجيل في البرنامج (73%).
لكن ثمة نهج أكثر شمولية يمكن أن يدمج برنامج الموظفين السابقين في كل مرحلة من مراحل دورة حياة الموظف. في هذا السياق، تتعامل المؤسسة مع برنامج الموظفين السابقين على أنه جزء لا يتجزأ من تجربة الموظف الكلية في العمل. على سبيل المثال، تقدم بعض الشركات برنامج الموظفين السابقين خلال برنامج توجيه الموظفين الجدد، وتقدم شركات أخرى، مثل ماكنزي وماكدونالدز، برنامج الموظفين السابقين في بدايات مرحلة التوظيف لجذب الموظفين المحتملين. وبذلك تقدم المؤسسة برنامج الموظفين السابقين بصفته ميزة إضافية للوظيفة وتؤكد دعمها للتطوير المهني للموظفين، حتى لو أدى ذلك إلى انتقالهم إلى شركة أخرى مختلفة. تتراوح أشكال هذا الدعم بين توفير إمكانية الوصول إلى شبكة واسعة تضم موظفين حاليين وسابقين إلى إتاحة فرص عمل في المؤسسة إذا اختار الموظفون السابقون العودة إليها في المستقبل.
الاستثمار في الموظفين ومعاملتهم باحترام عنصر حاسم لنجاح المؤسسة، لكن التركيز على استبقاء الموظفين وحده لم يعد كافياً في بيئة سوق العمل المعاصرة والمتغيرة باستمرار. بدلاً من ذلك، يمكن للمؤسسات من خلال تطوير علاقات مع الموظفين السابقين أن تستمر في جني المزيد من الفوائد من استثماراتها في الموظفين حتى بعد مغادرتهم الشركة.
تطوير علاقات مع الخريجين من خلال برنامج موظفي الشركة السابقين ليس نهجاً موحداً يناسب الجميع، إذ يحتاج القادة إلى دراسة كيفية ملاءمة موظفيها السابقين في الاستراتيجية المؤسسية الشاملة بعناية ومن ثم تخصيص الموارد المالية والبشرية وفقاً لذلك. لكن يمكنها من خلال ذلك بناء برامج قوية تعزز استدامة العلاقات مع الموظفين السابقين، وهو ما سيكون على الأرجح جانباً حاسماً للحفاظ على قدرتها التنافسية في بيئة سوق العمل الديناميكية المعاصرة.