تزخر المنشورات في مجال الأعمال بمقالات عن كيفية الاستفادة من الآراء التقويمية: مدى أهميتها بالنسبة لقرائها، وكيف يمكن للقادة تقديمها وتلقيها على حد سواء، وما يحدث عندما لا يتلقاها القادة، وما يتعين فعله إذا كان شخص ما غير متقبل للآراء التقويمية التي تلقاها. ويميل تركيز هذه المنشورات إلى أن يكون على نقل البيانات.
وما يجري الحديث عنه بشكل أقل هو كيف يتعين على القادة الاستجابة لدى حصولهم على تلك البيانات. وجدت أنا وزميلي خلال عملنا في تدريب آلاف القادة في قطاعات مختلفة أنّ القادة يصلون إلى نحو 25% فقط من القيمة المحتملة للآراء التقويمية عندما يبذلون جهداً لجمع آراء تقويمية قوية. ويُعزى ذلك إلى توقف العملية في وقت مبكر جداً.
وفيما يلي شرح لكيفية سير تلك العملية عادة:
- مقدمو الآراء التقويمية يختارهم القائد أو المدير أو قسم الموارد البشرية.
- ويُطلب منهم مشاركة وجهات نظرهم حول مواطن القوة والضعف لذلك القائد من خلال استبانة أو في إطار محادثة مع مدير القائد أو شريكه في الموارد البشرية أو أحد المدربين التنفيذيين.
- وتُجمع بيانات الآراء التقويمية، وتُعد على هيئة تقرير.
- ويُسلَّم ذلك التقرير إلى القائد.
- يقرأ القائد التقرير ويتقبل بعض المعلومات بوصفها مفيدة، ويشكّك في بعض وجهات النظر، ويرفض بعض البيانات باعتبارها مجحفة أو باطلة.
وفي هذه المرحلة، تُعتبر العملية مكتملة.
اقرأ أيضاً: 10 مقالات عن أفضل الطرق لتقديم الآراء التقويمية
لكن إذا توقف القائد هنا، فقد يفقد بعض الفرص القيّمة: للاطلاع على البيانات بالكامل وإمعان النظر فيما يسمعونه (ويرفضونه)، ومعالجة المسائل التي تثيرها البيانات، وتمثيل أفضل طريقة للاستجابة للآراء التقويمية، والتعامل على نحو مختلف مع علاقاتهم مع مقدمي الآراء التقويمية وتعزيز هذه العلاقات، وإحداث تغيير ملموس من شأنه أن يحسّن فعاليتها.
كيفية الاستفادة من الآراء التقويمية
وليستطيع القادة الذين ندربهم الحصول على جميع هذه الفوائد والقيمة الأخرى التي تبلغ نسبتها 75% من الآراء التقويمية، نطلب منهم اتخاذ القليل من الخطوات الإضافية. ويمكنك فعل الأمر ذاته في المرة القادمة التي تتلقى فيها آراء تقويمية.
1. تأمّل في البيانات وتدارسها مع شريك موثوق
يحدث التعلم من خلال التأمل. خصص وقتاً ومساحة للتفكير في هذه الأسئلة:
- ماذا أخبرك تقرير الآراء التقويمية بالضبط؟
- ما ردود الفعل والأحكام التي تمتلكها إزاء هذه البيانات؟
- ما مدى تقبلك لفكرة قبول البيانات كدليل على تجارب الآخرين معك؟
- ما هي فرضياتك التي تقود سلوكياتك؟ هل هي فرضيات صحيحة؟
- ما هو تأثيرك على الآخرين؟
- كيف يختلف ذلك عن التأثير الذي تريد أن تمتلكه؟
من الطبيعي ألا تشعر بارتياح أثناء التفكير بالحديث عن الآراء التقويمية. جِد شخصاً (مدرباً تنفيذياً أو زميلاً أو شخصاً من خارج مؤسستك) جديراً بالثقة وفضولياً ويُحسن الإصغاء وليس في منصب يسمح له بتقييم أدائك. تريد أن تشعر بالأمان النفسي بما فيه الكفاية لتقبل هذا النقاش والتفكير فيه. وبينما قد ترغب بطلب النصيحة في هذه المرحلة، سيكون الضرر المترتب على تلقي تلك النصيحة أكبر من فائدتها. فهي ستحرمك من فرصة التفكير ملياً فيما سمعته، وفهمه، وامتلاكه.
اقرأ أيضاً: أسئلة القراء: ماذا أفعل إذا علمت أن مديري غير راض عن أدائي أبداً؟
على سبيل المثال، تلقى أحد القادة الذين عملت معهم مؤخراً ملاحظات بأنه يبدو في أغلب الأحيان متشتتاً عندما يتحدث الموظفون الآخرون ولا يسأل أعضاء فريقه أسئلة لفهم المزيد عن وجهات نظرهم. وبالتالي، يعتقد فريقه أنه غير متعاون ولا يستمتعون بالعمل معه. تدارسنا الآراء التقويمية، واستكشفنا موقفه الدفاعي إزاءها، وما يفعله لإيجاد هذا الأثر، وما يقود سلوكياته. ومن خلال محادثاتنا، كان قادراً على التعبير عن ذلك. واكتشف أنه يفترض أنه يعرف أكثر من الآخرين عندما يتعلق الأمر بمسائل تقنية معينة، وبالتالي لا يرى أنّ ثمة جدوى من سؤالهم عن آرائهم. وبمجرد أن فهِم دوافعه، كان قادراً على استكشاف طرق للتعامل مع الموقف بشكل مختلف.
مهما كان الشخص الذي تختار الوثوق فه، تذكر أنّ وظيفته هي الإصغاء بعناية ومساعدتك في ترتيب أفكارك حتى تصل إلى استنتاجاتك الخاصة.
2. اكتب مسودة خطة تطوير
بعد أن تفهم الآراء التقويمية بشكل كامل وتحدد ما تود فعله أكثر وأقل، اكتب مسودة خطة تطوير. يتعين على خطتك أن:
- تلخِّص أهم الآراء التقويمية التي سمعتها، إيجابية كانت أم سلبية.
- تتضمن أي أسئلة تجول في خاطرك حول البيانات (دون موقف دفاعي أو مبررات).
- تبلور الخطوات التي ستتخذها للاستفادة من مواطن قوتك أو تعزيزها وتقليل مواطن الضعف أو معالجتها.
- حدِّد المساعدة التي تحتاجها لاتخاذ هذه الخطوات والتحسّن.
ستجبرك أول مسودة من خطة التطوير على تجميع البيانات الأهم وترتيبها حسب الأهمية لكي تركز عليها، وتحويل تلك البيانات إلى تعلم، وتحديد الإجراءات التي ستكون ملزماً باتخاذها. وضع خطوات ملموسة سيزيد من احتمال قيامك بتغيير سلوكك والتحسّن بالفعل.
3. ناقش الآراء التقويمية وخطة التطوير مع مقدّمي الآراء التقويمية
تعتبر هذه عادة أصعب الخطوات وأكثر تأثراً في العملية، وهي أقواها أيضاً. تلقي الآراء التقويمية حافل بالتحديات (خصوصاً لأننا نتجاهل في أحوال كثيرة الآراء التقويمية الإيجابية وننتبه فقط للآراء السلبية). كما أنه يثير مشاعر الدهشة والارتباك والغرابة والإحراج، وحتى الغضب أو الخزي. وفي ضوء ذلك، يمكن تفهم أنّ الكثير من القادة لا يريدون الحديث حول الآراء التقويمية مباشرة مع مقدِّميها. ولكن بفعلك هذا، ستكون نموذجاً يحتذى به للشفافية والتواضع والانفتاح، وتحصل على إجابات لأي مشاكل عالقة، وربما تحصل على أمثلة ملموسة للسلوكيات التي لا بد لك من تغييرها. والأهم من ذلك أنك ستقوي علاقاتك مع زملائك وتزيد من احتمال استثمارهم في تقدمك.
وفي هذه الاجتماعات الشخصية:
- اشكر من قدّموا لك آراء تقويمية (وهي خطوة مهمة وغالباً ما تكون منسية).
- لخِّص ما سمعته من آراء تقويمية. (هذا أيضاً الجزء الأول من خطة تطويرك، ويمكن إرساله مسبقاً). تذكّر، لن تعلم هوية ما قال شيئاً، لذا خلال هذه الخطوة، شارك ما سمعته عموماً، ولا تحاول تحديد المصادر الفردية.
- اطرح أي أسئلة استيضاحية (لا تجادل أو تدافع أبداً).
- اطلب معطيات إضافية وأمثلة محددة.
- شارك الخطوات التي تنوي القيام بها للتحسن.
- اطلب أي مساعدة تحتاجها.
يسأل الكثير من القادة الذين ندربهم فيما إذا كان بإمكانهم القيام بهذه الخطوة في إطار اجتماع للفريق. وهذه فكرة سيئة. ربما يكون خياراً أكثر كفاءة، ولكنه يفتقر إلى الفعالية إلى حد كبير. في إطار الفريق، من غير المرجح أن تتحلى أنت أو زملاءك بالانفتاح وعمق التفكير والنزاهة كما سيكون عليه الحال أثناء نقاش خاص. يمكن أن يرسل اجتماع الفريق أيضاً رسالة إلى مقدّمي الآراء التقويمية مفادها أنّ الكفاءة أهم لك من التعمق في التعلم وبناء العلاقات الذي قد يحدث بفعل الاجتماعات الشخصية.
4. راجع خطة التطوير الخاصة بك
ربما تثمر اجتماعاتك عن بعض الأفكار الثاقبة وأمثلة محددة للسلوكيات التي يلزمك العمل عليها. ومع وجود هذه البيانات في متناول اليد، قم بمراجعة خطة التطوير الخاصة بك، وأدرج فيها الطريقة والموعد الذي تنوي تقييم تقدمك وقياسه فيه. يعيد معظم القادة الذين نعمل معهم جمع البيانات بعد مرور 3 إلى 6 أشهر من الجولة الأولى من الآراء التقويمية، سواءً من خلال الحديث مع الزملاء بشكل مباشر أو الطلب من مديرهم أو شريكهم في الموارد البشرية أو مدرب تنفيذي أن يقوم بذلك نيابة عنهم. حدِّد نهجك وألحقه بخطتك.
اقرأ أيضاً: الآراء التقويمية الفورية تؤذي أداءنا
أرسل خطتك المنقحة إلى مقدّمي الآراء التقويمية حتى يكونوا على علم بما يتوقعونه منك، ويروا أنّ محادثاتهم معك كان لها أثر ملموس. كما ستزيد مشاركة خطتك معهم من أرجحية تنفيذك لما تقول أنك ستفعله.
5. اتخذ إجراءات عملية
هنا يبدأ العمل الجادّ. يخلق التعلم من الآراء التقويمية واجتماعات المتابعة حالة من الوعي الذاتي، وهذا رائع، ولكنك لن تشهد أي تحسن إذا لم تنفذ الخطوات المحددة في خطة التطوير الخاصة بك.
على سبيل المثال، إذا أردت التحسن في تطوير موظفيك، ربما تخطط لعقد اجتماعات شخصية بشكل أكثر انتظاماً لتفهم أولويات النمو لديهم على نحو أفضل وتتفق معهم حول ما يمكنك فعله لدعمهم. وإذا أردت أن تكون أكثر شمولية في الاجتماعات، يمكنك التخطيط للاستماع إلى ملاحظات الآخرين قبل إبداء رأيك، أو البحث عن فرص للامتناع عن الحديث، حتى يستطيع الآخرون التعبير عن آرائهم وأفكارهم.
وأياً كان التغيير الذي تود القيام به، فإنّ اتباع الخطوات الواردة في خطتك هو عنصر أساسي للتحسن.
6. قيِّم التقدم وكرِّر العملية
اتبع التعليمات الواردة في خطة التطوير المنقحة فيما يتعلق بموعد تقييم التقدم والآلية التي سيتم من خلالها هذا التقييم. ما السلوكيات التي يرى زملاؤك أنك تمارسها، بالمقارنة مع الوقت الذي شاركوك فيه بآرائهم التقويمية لأول مرة؟ ما الذي تحسّن؟ ما الذي لم يتحسّن؟ ما أثر هذه السلوكيات الآن؟ ما المطلوب غير ذلك؟.
بجمع هذه البيانات، يمكنك دراستها مرة أخرى والتمعن فيها مع شريك موثوق، إلى جانب مراجعة خطة التطوير الخاصة بك، واتخاذ خطوات إضافية.
وإذا كان كل ذلك يبدو عملاً كثيراً، فهذا لأنه كذلك. يستلزم طلب الآراء التقويمية وتطبيق الخطوات الضرورية لفهمها والتعلم منها والتصرف بناء عليها الكثير من الوقت والطاقة واللين والشجاعة.
وعلى الرغم من ذلك، فإننا نسمع على نحو متكرر من القادة الذين يستثمرون في هذه العملية أنّ الأمر أهمية من الحصول على تقرير بالآراء التقويمية حول أدائهم. يكتسب هؤلاء القادة رؤى أعمق حول مواطن قوتهم وضعفهم، ويبنون علاقات أقوى مع مقدّمي الآراء التقويمية، وبالتالي يتمتعون بتأثير أكبر على زملائهم ومؤسساتهم.
اقرأ أيضاً: لماذا يُعد طلب المشورة أكثر فاعلية من طلب الرأي التقييمي؟
لا يتلقى القادة العظام الآراء التقويمية فحسب، بل يعملون لفهمها، ويلتزمون بها، ويتبعونها بخطوات عملية لإحداث تغيير هادف ودائم في سبيل معرفة كيفية الاستفادة من الآراء التقويمية.