ملخص: قد يبدو التقاعد حلماً بعيد المنال؛ نتساءل: هل سيأتي يوم نتوقف فيه عن العمل نهائياً؟ وهل نرغب في ذلك حقاً؟ وهل ستكون لدينا القدرة المالية للإنفاق بعد التقاعد؟ يمكن أن يكون التوقف عن العمل بالنسبة لمن تتمحور حياتهم حوله مثيراً للقلق؛ سواء كان القلق بشأن التقاعد نابعاً من مخاوف مالية أو صحية أو حتى كيفية قضاء وقت الفراغ بطريقة هادفة، يمكن أن يساعد تحديد مصادر التوتر على اتخاذ خطوات استباقية للاستعداد لهذا التحول المهم في الحياة من الناحيتين العاطفية والنفسية، ما يساعد على تقليل التوتر وإدارته والاستمتاع بالحياة في مرحلة التقاعد. ستختلف مصادر التوتر من شخص لآخر اعتماداً على السياق الشخصي والمرحلة التي يمر بها الفرد ضمن مراحل التقاعد السبع. تقدم هذه المقالة تعريفات واستراتيجيات للتعامل مع 6 من مراحل التقاعد السبع لمساعدتك على تمييزها وإدارة استجابتك خلالها. وبغض النظر عن الظروف الخاصة بتقاعدك، يمكن أن يساعدك الاستعداد له عاطفياً ونفسياً على تخفيف الضغوط التي يمكن أن يسببها، لتتمكن من التركيز على الاستمتاع بالحياة التي خططت لها مع شعور دائم بالهدف والإنجاز والتمتع بعلاقات مستمرة.
التقاعد بالنسبة للكثيرين منا حلم بعيد، لا نفكر فيه كثيراً في بداية مسيرتنا المهنية، ولا يتجاوز ارتباطنا به مجرد المشاركة في خطة مدخرات التقاعد أو ملء الاستمارات الضريبية. ومع اقترابنا من مرحلة التقاعد تصبح بالنسبة لنا دعابة أو حلماً أو ربما مصدر قلق، ونتساءل؛ هل سنكون محظوظين بما فيه الكفاية لنتمتع بـ "السنوات الذهبية" بعد التقاعد ونحن نملك المال والصحة الجيدة وصحبة العائلة والأصدقاء؟
يمكن أن يكون التوقف عن العمل بالنسبة لمن تتمحور حياتهم حوله مثيراً للقلق؛ فقد كنت خلال حياتك المهنية تمضي قدماً في تنفيذ المشاريع وتنهي بعضاً من مهامك التي لا تنتهي، فتشعر بالإنجاز وتنال الثناء والتقدير وتكسب المكافآت المالية. لكنك ستُفاجأ في حياة التقاعد بأنك ستُضطر إلى إجراء تغييرات كبيرة ومرهقة مع انتقالك إلى مشاريع ومهام شخصية لن يتولى مسؤوليتها أو يعلم أحد بها سواك. قد تشعر بأنك أقل قيمة وأهمية مع التوقف عن تقديم العروض التقديمية أو تحقيق المبيعات الكبيرة أو الحصول على الترقيات التي عملت بجد للحصول عليها. من ناحية أخرى، قد تشعر بالرضا بعد أن أصبح بمقدورك التعامل أخيراً مع المهام المنزلية والعائلية والشخصية التي لم يكن لديك وقت لها بسبب عملك. باختصار، ربما لن تستوعب حقيقة التقاعد تماماً حتى تعيشها.
من الحقائق المعروفة حالياً أن عدد الأفراد الذين وصلوا إلى سن التقاعد في أعلى مستوياته على الإطلاق. فوفقاً لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، ثمة زيادة كبيرة في عدد كبار السن ونسبتهم بين سكان دول العالم جميعها. تتوقع المنظمة أن واحداً من كل ستة أشخاص على مستوى العالم سيتجاوز سن الستين بحلول عام 2030، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا العدد بحلول عام 2050. يُعرف هذا التحول الديموغرافي بـ "شيخوخة السكان"، ويدل على زيادة عدد المتقاعدين وزيادة مقابلة في طول الفترة الزمنية التي سيعيشونها في فترة التقاعد. باختصار، نحن نشهد ارتفاعاً غير مسبوق في معدلات الشيخوخة وطول العمر.
التقاعد ليس مجرد غياب للعمل فقط، بل يمكن أن يؤثر بعمق في هويتك وعلاقاتك ومكانتك الاجتماعية، ما قد يسبب التوتر، والمثير للاهتمام أن المعلومات حول تأثير التوتر على الصحة النفسية للمتقاعدين متضاربة. فقد كشف تحليل ميتا لنتائج 11 دراسة شملت ما مجموعه 6,111 متقاعداً أن معدل الإصابة بالاكتئاب بلغ 28%، وأشارت دراسة أخرى إلى تدهور الصحة النفسية بنسبة تتراوح بين 6% إلى 9% على مدى فترة تقاعد متوسطها 6 سنوات، كما أظهرت أدلة أن هذا التأثير قد يكون أقوى بين الأشخاص الذين يتقاعدون دون رغبة منهم. في المقابل، وجد تحليل ميتا آخر شمل 60 مجموعة بيانات لأكثر من نصف مليون شخص أن التقاعد يقلل خطر الإصابة بالاكتئاب بنسبة تقارب 20%. بالإضافة إلى ذلك، أفادت مقالة من كلية هارفارد للطب بأن التقاعد مع قلة النشاط أو الإفراط فيه يمكن أن يؤدي إلى أعراض متشابهة تشمل الاكتئاب والقلق وضعف الذاكرة وفقدان الشهية والأرق.
على الرغم من الأبحاث المتباينة والمحيّرة، واختلاف ظروف كل شخص، سيساعدك تحديد مصادر التوتر على اتخاذ خطوات استباقية للاستعداد لهذا التحول المهم في حياتك من الناحيتين العاطفية والنفسية، ما يؤدي إلى تقليل التوتر وإدارته والتمتع بحياة أكثر إيجابية في مرحلة التقاعد.
مصادر التوتر في التقاعد
بالطبع، ستؤثر ظروف تقاعدك في طريقة تعاملك مع ضغوط هذا الحدث المهم في حياتك. وقد يرتبط الضغط الناجم عن التقاعد بطريقة تقاعدك والتغييرات التي تطرأ على روتينك اليومي وتأثيرها في علاقاتك والشعور بالعزلة والمخاوف المالية.
طريقة تقاعدك
في الظروف المثالية، نحن من نحدد ظروف تقاعدنا وتوقيته؛ ربما ستشعر بالحماس أكثر من الخوف أو القلق إذا سارت خطط تقاعدك بحسب توقعاتك، لكن لا يتسنى للجميع تحقيق هذا الوضع المثالي. إذا أجبرتك ظروف مثل المرض أو مسؤوليات رعاية الأسرة أو فقدان الوظيفة على التقاعد في وقت أبكر مما كنت تخطط له، فقد تواجه ضغطاً كبيراً لأنك لم تكن تتوقعه.
روتين الحياة اليومية
ربما تسير الأمور تماماً كما خططت لها أو تصورتها، لكن تحول 40-60 ساعة عمل في الأسبوع إلى وقت فراغ يمكن أن يكون تعديلاً صعباً، خاصة في الأسابيع أو الأشهر الأولى من التقاعد. يتطلب هذا التغيير في وتيرة حياتك وقتاً للتعود عليه حتى لو كانت لديك خطط مرتبة مسبّقاً للدورات التي ستحضرها والرحلات التي ستخوضها والأنشطة التي ستشارك فيها.
التغييرات في العلاقات
جعلت الجائحة العمل من المنزل أمراً معتاداً بالنسبة للكثيرين، لكنك قد تشعر بالعزلة والانفصال عند غياب فريق العمل الذي كنت تتواصل معه وتشاركه ساعات العمل السعيدة والدردشة حول الرياضة والأحداث والمناسبات الاجتماعية التي تجريها الشركة. ربما كان الكثير من أصدقائك المقربين زملاء عمل، وبالتالي قد تفتقد التواصل الذي اعتدت عليه في التعاون معهم.
الشعور بالعزلة
يمكن أن يؤدي التقاعد بالتأكيد إلى الخوف من أن يفوتنا شيء. قد ترى زملاءك الذين ما زالوا يعملون يسافرون معاً في رحلات عمل ويحصلون على ترقيات كبيرة، وتتساءل عما إذا كنت قد اتخذت القرار الصحيح بالتقاعد. علاوة على ذلك، إذا كنت تعيش بمفردك، وهو حال العديد من كبار السن، فقد تشعر بالوحدة بعد أن قلّت تفاعلاتك الاجتماعية المتعلقة بالعمل. وفقاً لدراسة أجراها مركز بيو للأبحاث، عدد كبار السن الذين يعيشون بمفردهم في الولايات المتحدة أعلى من أي مكان آخر في العالم: يعيش 27% من البالغين الأميركيين الذين تزيد أعمارهم على 60 عاماً بمفردهم، مقارنة بـ 16% في باقي دول العالم التي شملتها الدراسة. وتزيد احتمالية عيش النساء المسنات بمفردهن أكثر من نظرائهن من الرجال بمعدل الضعف تقريباً، وأحد أسباب هذا الاتجاه هو أن النساء يعشن فترة أطول ويتزوجن من رجال أكبر سناً منهن. كما يظهر العديد من الأبحاث أن العزلة الاجتماعية تؤثر سلباً في الصحتين النفسية والبدنية لكبار السن.
المخاوف المالية
تُعد المشاكل المالية مصدراً شائعاً للضغوط بالنسبة لكثير منا في مراحل مختلفة من الحياة، لكن يمكن أن تزداد هذه الضغوط عند التقاعد، إذ نتوقف عن العمل وبالتالي نفقد القدرة على زيادة مدخراتنا. وفقاً لتقرير شبكة سي إن بي سي (CNBC) الإخبارية حول التقاعد، يشعر 37% من الأميركيين بأنهم غير مستعدين أو غير واثقين من قدرتهم على الاستعداد الجيد للتقاعد. وكشف استقصاء آخر أن أكثر من ثلث الأميركيين قلقون بشأن قدرتهم على تغطية نفقات الرعاية الصحية في العام التالي. إذا كنت مُثقلاً بديون مثل قرض الرهن العقاري أو قروض الطلاب (لنفسك أو لأبنائك)، فقد تشعر أيضاً بالقلق بشأن تحمل هذه الديون في مرحلة التقاعد أيضاً. أخيراً، ومع زيادة متوسط العمر المتوقع، يتساءل كثيرون عما إذا كانت مدخراتهم ستكفيهم بقية حياتهم، وقد تفاقمت هذه المخاوف مع فترة الركود الاقتصادي التي نشهدها في الوقت الحالي.
إدارة الضغوط خلال مراحل التقاعد
وفقاً لكتاب "علم اجتماع التقاعد" (The Sociology of Retirement) المرجعي للكاتب روبرت آتشلي، ثمة 7 مراحل للتقاعد، وقد تختلف مصادر الضغوط بحسب موقعك في "دورة حياة التقاعد". سنناقش المراحل الست الأولى لمساعدتك على التخطيط لتقاعدك، إذ سيساعدك فهم هذه المراحل على تمييزها وإدارة استجابتك خلالها (لن نتطرق هنا إلى المرحلة الأخيرة؛ عند الاقتراب من نهاية الحياة). عادة ما يتدرج الأفراد في مراحل التقاعد هذه بالترتيب الذي سنقدمه، ولكن يمكن أن تختلف وتيرة المرور بها وتسلسلها من شخص لآخر، وقد يتجاوز البعض مراحل معينة مثل مرحلتي خيبة الأمل وإعادة التوجيه، اعتماداً على نظرتهم للحياة، ويمكن أن يؤدي تغير الظروف في بعض الأحيان إلى تراجع أو تقدم في المراحل. على سبيل المثال، قد يؤدي تلقي ميراث مالي في مراحل لاحقة إلى إعادة المتقاعد إلى مرحلة "الأيام الوردية" (بداية مرحلة التقاعد) أو تسريع وصوله إلى مرحلة "الاستقرار". وعلى العكس من ذلك، فإن حدثاً سلبياً مثل تشخيص الإصابة بمرض مزمن قد يعجل بالانتقال إلى مرحلة "خيبة الأمل" أو مرحلة "إعادة التوجيه".
مرحلة ما قبل التقاعد
هذه هي المرحلة الأولى، وتحدث عادة خلال 5-10 سنوات قبل موعد التقاعد الذي تخطط له، وتحديداً عندما يبدأ معظم الموظفين التركيز على التخطيط المالي. قد يشمل ذلك الانتقال إلى منزل أصغر بعد مغادرة الأطفال للمنزل، وقد ينطوي بالنسبة للبعض على التخطيط لتغيير مكان الإقامة. على سبيل المثال، إذا كنت تعيش في منطقة تشهد شتاءً طويلاً وبارداً، فقد تقرر الانتقال بصورة دائمة أو مؤقتة إلى منطقة ذات مناخ معتدل (مثل الطيور التي تهاجر مع تغير الفصول). قد ينبع التوتر خلال هذه المرحلة من حياتك المهنية من القلق العام بشأن التقدم في السن، والمخاوف بشأن إذا ما كانت مدخراتك كافية، وعدم وجود خطة تقاعد ملموسة.
كيف تتعامل مع ضغوط هذه المرحلة: لتخفيف التوتر المرتبط بهذه المرحلة ركز على وضع خطة واضحة وملموسة لمستقبلك، دوِّن ما تطمح إليه في فترة التقاعد واستعن بخبير تخطيط مالي لتقييم واقعية أهدافك، واتخذ خطوات لتحقيق تلك الطموحات. قد يكون من المفيد أيضاً إعطاء الأولوية لاتباع نمط حياة صحي من حيث الغذاء والعادات لضمان حياة تقاعد صحية وممتدة. توصي المعالجة النفسية ومدربة الصحة المرخصة في ولاية نورث كارولاينا، كونسويلا تشابمان، بالاستعانة بأي خدمات استشارية تقدمها برامج مساعدة الموظفين في مؤسستك كي تستعد لروتين حياتك الجديد بعد التقاعد.
يوم التقاعد
المرحلة الثانية والأقصر هي يوم التقاعد الفعلي، وقد يحتفل بك فيه زملاؤك ومؤسستك، ربما بهدية أو باحتفال في مكان العمل أو في مطعم راقٍ. ينتظر الكثيرون هذا اليوم بفارغ الصبر لأنه يمثل نقطة فاصلة بين مرحلتي العمل والتوقف عن العمل. لكن على الرغم من الطبيعة الاحتفالية لهذا اليوم، قد يكون هناك توتر مرتبط بتحديد تاريخ التقاعد وإبلاغ مديرك وعائلتك به، وإذا شعرت بأنك مجبر على التقاعد فقد لا يكون هذا اليوم مبهجاً على الإطلاق.
كيفية التعامل مع ضغوط هذه المرحلة: أفضل طريقة للتعامل مع هذا اليوم هي التفكير بإنجازاتك المهنية التي قد تكون محور خطاب تقاعدك أو رسالة الوداع التي ترسلها إلى الزملاء، يمكن أن تساعدك هذه الرسالة على الشعور بالإنجاز. طريقة أخرى لجعل هذا اليوم إيجابياً قدر الإمكان هي سرد ثلاثة أشياء على الأقل تشعر بالامتنان لها وأنت تودع العمل وتبدأ مرحلة جديدة من الحياة.
مرحلة الأيام الوردية
وهي المرحلة الثالثة التي يُتاح لك فيها ممارسة أنشطة كثيرة لطالما رغبت في ممارستها دون توفر الوقت أو المجال لها، مثل الذهاب في رحلات غير مخطط لها لزيارة العائلة أو لاستكشاف أماكن جديدة والانغماس في هواياتك، سواء كانت البستنة أو الرسم أو الحياكة، أو تعلم لغة جديدة لمجرد الرغبة بذلك أو التطوع من أجل قضية تهتم بها. كما أن مرحلة الأيام الوردية هي فترة تستمتع فيها بغياب بعض الجوانب التي اعتدت عليها، مثل الحاجة إلى الاستيقاظ على صوت المنبّه والتنقل اليومي المرهق بين المنزل والعمل وجدول العمل المليء بالاجتماعات لدرجة أنك بالكاد كنت تجد وقتاً لتناول الطعام أو احتساء القهوة. مدة هذه المرحلة ليست ثابتة لأنها تتوقف إلى حد كبير على استجابتيك العاطفية والنفسية للتقاعد ومجموعة الأنشطة التي خططت لها.
كيفية التعامل مع ضغوط هذه المرحلة: تسبب هذه المرحلة أقل قدر من التوتر في التقاعد، لذلك استمتع بها إلى أقصى حد. ستكون في هذه المرحلة سعيداً بالتقاعد وبحياتك الجديدة التي عملت بجد كبير من أجلها، وقد تشعر بالسعادة والرضا والإثارة والإنجاز. لإطالة أمد هذه المرحلة، فكر في الاحتفاظ بدفتر يوميات لتدوين تجاربك الإيجابية حتى تتمكن من الرجوع إليها عندما تحتاج إلى دفعة عاطفية حين تدخل في مراحل أقل إيجابية. وبينما تسير الأمور بسلاسة، قد يكون من الحكمة التخطيط للمستقبل من خلال وضع توجيهات مسبّقة. تقول العاملة في مجال الخدمات الاجتماعية التي قضت أكثر من 15 عاماً في مساعدة كبار السن في منطقة باي إيريا، فانيسا سوزا: "أهم نصيحة يمكنني تقديمها للمتقاعدين هي تحديد من سيكون وكيلهم المالي والطبي مباشرة لتفويضه باتخاذ القرارات نيابة عنهم، وتحديد من سيساعدهم على تلبية احتياجاتهم إذا أصيبوا بعجز جسدي أو معرفي". وتضيف سوزا إن معظم الأشخاص يفضلون عدم التفكير في مثل هذه القضايا حين تكون أمورهم على ما يرام، لكن التوجيه المسبّق هو إجراء إضافي لضمان راحة البال في المستقبل.
مرحلة خيبة الأمل
وهي المرحلة الرابعة التي تبدأ فيها التساؤل عما إذا كان "هذا ما ستمضي فيه بقية حياتك"؛ تبدأ نشوة امتلاكك حرية التصرف بالتلاشي وتبدأ سلبيات الحرية المفرطة وقلة التنظيم بالظهور. قد تقلقك حقيقة أنك تنفق المال ولا تجنيه، وربما يغمرك الخوف بدلاً من الحماس لقضاء يوم لم تخطط له، وقد تتوق إلى تحقيق هدفٍ ما أو شعور بالإنجاز. تقول تشابمان في هذا الصدد: "قد يشعر المتقاعدون حديثاً بالقلق أو الاكتئاب حين يواجهون صعوبات في التكيف مع التغيير. من الشائع أيضاً أن يمروا بدورة من الحزن العميق أيضاً، إذ يعدّون ترك الوظيفة والعلاقات التي تشكلت خلالها خسارة لا تُعوض".
كيفية التعامل مع ضغوط هذه المرحلة: إحدى طرق التعامل مع التوتر خلال هذه المرحلة هي التركيز على جوانب التقاعد التي تجلب لك السعادة ومحاولة معالجة الجوانب التي تسبب لك الحزن. ارجع إلى قائمة الإنجازات المهنية والأشياء التي تمتن لامتلاكها واقرأ يومياتك التي دونتها في مرحلة الأيام الوردية لتساعدك على التفاؤل، وبادر إلى الاتصال بالأصدقاء وأفراد العائلة ودعوتهم لممارسة الأنشطة التي تستمتعون بها معاً. فكر في تعلم لغة أو مهارة جديدة. إذا كنت تفتقد العمل مع مجموعة رائعة من الأشخاص لتحقيق هدف مشترك، ففكر في التطوع في قضية ما حيث يمكنك التعاون لإحداث أثر إيجابي في حياة الآخرين. هناك العديد من الخيارات مثل الانضمام إلى مجلس إدارة مؤسسة غير ربحية أو توصيل وجبات الطعام للمحتاجين أو تقديم المشورة والإرشاد للشباب في مجال عملك أو التطوع للعمل في مدرسة ابتدائية أو ثانوية. لقد أثبتت الدراسات أن الانخراط في الهوايات والعمل التطوعي يعزز الصحتين النفسية والبدنية للمتقاعدين. إذا كنت تتطلع إلى التحرر من رتابة التقاعد، ففكر في الانضمام إلى مؤسسة بيس كور (Peace Corps) أو الشروع في رحلة تطوعية إلى الخارج، ولا تتردد في طلب المساعدة من متخصص بالصحة النفسية إذا وجدت أن مشاعر الحزن والفقدان تلازمك في هذه العملية.
مرحلة إعادة التوجيه
وهي المرحلة الخامسة، ويمكن أن تكون الأصعب بالنسبة للبعض، إذ تتطلب تأسيس هوية جديدة والتأقلم مع أسلوب حياة جديد، وينبغي أن تجيب عن السؤال الدائم: "ماذا أفعل الآن؟" دون أي قلق والشعور بالهدف في هذه الحياة الجديدة التي أنشأتها لنفسك.
كيفية التعامل مع ضغوط هذه المرحلة: لتجتاز هذه المرحلة ابتكر روتيناً يناسب احتياجاتك. حافظ على مواعيد نوم واستيقاظ ثابتة كل يوم لتنظيم ساعة جسمك البيولوجية ومارس نشاطاً بدنياً للحفاظ على قوة عظامك وعضلاتك ووزن صحي وتقليل خطر الإصابة بالأمراض المزمنة. يجب أن تضيف أيضاً لقاءات منتظمة مع الأصدقاء والعائلة لتحافظ على الروابط الاجتماعية وتعزيز مرونتك العاطفية، ولإضفاء شعور بالغاية ابحث عن فرصة للمشاركة في مجتمعك بطريقة تشعر بأنها هادفة.
مرحلة الاستقرار
آخر مرحلة سنتطرق إليها هي مرحلة الاستقرار، المعروفة أيضاً بمرحلة التسوية. تصل في هذه المرحلة إلى نظام حياة يغرس في نفسك إحساساً بالغاية والرضا. ستواجه تقلبات عاطفية ونفسية مثل أي شخص آخر، ولكن لديك أيضاً طرق للتعامل مع هذه التغييرات دون معاناة كبيرة. مثل أي مرحلة أخرى من مراحل الحياة، لن تكون هذه المرحلة من التقاعد سهلة، وستواجه تقلبات نفسية وعاطفية فيها، فقد تفجع بوفاة صديقك أو أحد أفراد عائلتك، أو بمرض ابنك أو زوجتك (أو زوجك) أو بتردي وضعك المالي.
كيفية التعامل مع ضغوط هذه المرحلة: استخدم استراتيجيات التأقلم التي أثبتت فعاليتها لك وطورتها خلال المراحل السابقة، واستمر باتباعها ما دمت بحاجة إليها. قد ترغب خلال هذه المرحلة في التفكير في توثيق قصة حياتك لتكون إرثاً لأبنائك أو أحفادك أو سجلاً تاريخياً، ويمكن أن يمثل ذلك مصدراً للفخر وتذكيراً بتاريخك الغني، كما أن مشاركة هذه القصص بانتظام مع العائلة والمجتمع يمكن أن تبقيك على تواصل بطرق فعالة جداً. يمكنك حتى كتابة مذكراتك ونشرها.
بغض النظر عن مرحلة التقاعد التي تمر بها، إذا وجدت نفسك مرهقاً أو تعاني فترات طويلة من القلق أو الاكتئاب أو غيرها من المشكلات النفسية، فمن المهم أن تطلب المساعدة من متخصص في مجال الصحة النفسية أو موجه لمساعدتك على تجاوز هذه المرحلة الانتقالية المهمة في حياتك. لقد أمضيت عقوداً من حياتك في العمل، لذلك سيكون التكيف مع نمط حياة جديد تماماً صعباً بالطبع. وبغض النظر عن الظروف الخاصة بتقاعدك، يمكن أن يساعدك الاستعداد له عاطفياً ونفسياً على تخفيف الضغوط التي يمكن أن يسببها، لتتمكن من التركيز على الاستمتاع بالحياة التي خططت لها مع شعور دائم بالهدف والإنجاز والتمتع بعلاقات مستمرة.