هل حان الوقت للاستعداد للوباء التالي؟

3 دقائق

ظهر فيروس "سارس" في عام 2003، وفيروس "آتش وان إن وان" في عام 2009، وفيروس "ميرس" في عام 2012، ونشهد اليوم انتشار عدوى "كوفيد -19". ونحن على يقين بدرجة 100% أن عدوى قاتلة أخرى ستنتشر، إلا أننا لا نعلم وقت حدوثها أو مكان انتشارها. وعلى الرغم من ضرورة إيلاء الأولوية للتعامل مع العدد المتزايد من الحالات المصابة والفوضى الاقتصادية التي يسببها الوباء الحالي اليوم، حان وقت اتخاذ عدة خطوات لتقليل آثار الوباء التالي.

وبالنسبة لغير المطّلعين، تحتاج الولايات المتحدة إلى لجنة مراجعة غير حزبية ومستقلة للأوبئة تقدّم تقييماً موضوعياً غير سياسي للإجراءات الناجحة والفاشلة التي جرى اتخاذها في التعامل مع تفشي عدوى "كوفيد -19". ويجب أن تضم هذه اللجنة خبراء في الصحة العامة وعلماء وأخصائيين طبيين، كما يجب أن تشمل أيضاً قادة ذوي خبرة في القطاعين العام والخاص، مثل الحكام السابقين وقادة القطاعات المختلفة.

وبما أن الحاجة إلى اتخاذ بعض الإجراءات تبدو واضحة، يجب على الكونغرس أن يعمل في الوقت نفسه على سنّ تشريع يهدف إلى تحسين قدرة البلاد على الاستجابة لوباء جديد في المجالات الرئيسة التالية.

اكتشاف الأوبئة المستجدة

تتطلّب هذه الخطوة نظاماً عالمياً للإنذار المبكر، وهو ما يعني توزيع مراقبين موثوق بهم وخبراء في المجالات العلمية حول العالم. ويكمن السر وراء اكتشاف الأوبئة في التعاون الدولي القوي في مجال الرعاية الصحية والاعتماد على مؤسسات الرعاية الصحية القوية القائمة على العلم والمتعددة الجنسيات. وتُعتبر منظمة الصحة العالمية حالياً بمثابة الركيزة الأساسية لنظام التعاون العالمي والتي تمدّنا بمعلومات حول الجائحة. وفي حال فشلت منظمة الصحة العالمية في التعامل مع جائحة "كوفيد -19" فيجب علينا دعمها وتعزيزها وليس تقويض عملها. ومن المحتمل أن يُسفر قرار الرئيس ترامب المتعجّل بإلغاء دعمه لمنظمة الصحة العالمية عن زيادة فرصة أن نجثو على أقدامنا مرة أخرى عندما يتفشى الوباء التالي في مكان آخر في العالم.

تأخير انتشار الفيروس في الولايات المتحدة

ينبغي على الكونغرس أن يضمن تأخير انتشار العدوى في الولايات المتحدة أطول فترة ممكنة بمجرد ظهور تهديد معدِ جديد في مكان آخر في العالم. ويجب على وزارة الأمن الداخلي الأميركية التركيز على هذا التحدي من خلال تطوير خبرة متعمقة في مجال العلوم والتكنولوجيا. ولا يعني هذا حفر الخنادق ورفع الجسر المتحرك، وإنما يعني وضع بروتوكولات اختبار عادلة وصارمة مستنيرة بالعلم بدلاً من التحيز أو بالصور النمطية لبعض فئات المجتمع.

احتواء العدوى

ستنتشر عدوى جديدة في البلاد في مرحلة ما، وسيكون لدينا وقت قصير لاحتوائها بعد تحديد هوية المصابين والأشخاص الذين كانوا على تواصل معهم وإخضاعهم للحجر. وهذا هو النهج الذي اتّبعته سنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان وهونغ كونغ بنجاح في التعامل مع عدوى "كوفيد -19".

لذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى قدرة هائلة لإجراء الاختبارات وبنية تحتية أقوى للصحة العامة على مستوى الولاية والمستوى المحلي بهدف احتواء الفيروس. ويجب على الكونغرس إطلاق برنامج وطني للبحث والتطوير لاختبار الأمراض المعدية بهدف رئيس ينطوي على تحسين العلم الكامن وراء الكشف عن الأمراض المعدية ونشر أفضل الاختبارات المتاحة من أي مكان في العالم وفي أسرع وقت ممكن، وهي مهمة يستحيل على المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها تنفيذها وحدها. كما يجب على الحكومة الفِدرالية مساعدة وكالات الصحة العامة المحلية والحكومية على تعزيز القدرات للاضطلاع بالعمل الميداني الشاق والمفصل الذي يهدف إلى تحديد أُسر الأفراد الذين كانت نتيجة الاختبار لديهم إيجابية وعزلها.

التقليل من الألم الجسدي والانهيار الاقتصادي

في حال فشلت عمليات الكشف والعزل والحجر عن احتواء الجائحة الجديدة، يجب على الكونغرس تقليل الضرر الناتج إلى أدنى حد، وهو ما يعني أولاً تعزيز قدرته على التدخل السريع للاهتمام بالمصابين وحماية العاملين في مجال الرعاية الصحية. ويمكن تعزيز القدرة على التدخل السريع من خلال تخصيص نسبة صغيرة من الناتج المحلي الإجمالي الذي تنفقه الولايات المتحدة على الرعاية الصحية والذي يبلغ 18% بهدف إنقاذ البلاد من أي جائحة محتملة. وبناء على احتياطي الرعاية الصحية الوطنية هذا، ستبرز حاجة إلى وجود هيكل إداري يضمن اختبار الإجراءات المتخذة وحداثتها. ولمنع الحملات المستقبلية قصيرة النظر ضد التمويل الذي يهدف إلى تعزيز القدرة على التدخل السريع، يحتاج الكونغرس إلى ثلثي أصوات مجلسيه لتحويل الموارد الفائضة إلى أغراض أخرى.

ويجب على الكونغرس أيضاً تطوير نظام معلومات من شأنه أن يمكّن البلاد من توزيع الموارد الفائضة في المجالات التي تكون في أمس الحاجة إليها، وهو ما يعني تحديث البنية التحتية لمعلومات الصحة العامة في الولايات المتحدة حتى تكون قادرة على تتبع توافر الموارد المهمة بشكل آني، مثل أسرّة المستشفيات ووحدات العناية المركزة والأجهزة والأدوية والموظفين.

أخيراً، يجب على الولايات المتحدة حماية المصابين بالوباء التالي من العواقب المالية المدمرة للمرض من خلال توفير التأمين الصحي الجيد وميسور التكلفة. وفي حال كانت هذه التغطية الصحية متاحة في أوقات الرخاء وليس فقط في ظل انتشار الأوبئة، سيتلقى الأفراد المصابون بأمراض مزمنة رعاية صحية جيدة تقلّل من شعورهم بالخوف عند انتشار أمراض معدية جديدة.

وينطوي التحدي على توقع الأزمة التالية والاستعداد لها بمجرد أن تبدأ الأزمة الحالية في الانحسار. يتعامل البشر مع الصدمة بقمع ذكرياتها. وقد يمتلك الأفراد رغبة جامحة في نسيان عدوى "كوفيد -19" ومتابعة حياتهم. لكن لا يجب على الدولة أن تدع ذلك يحدث.

ومع استمرار تكاثر البكتيريا والفيروسات على وجه الأرض، سيكون تعرّضنا إلى أوبئة أخرى أمراً حتمياً. ويجب على الولايات المتحدة أن تكون على أتم الاستعداد لهذه الأوبئة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي