العام الجديد على الأبواب، لذا أتمنى لك عاماً رائعاً، ولكن هناك تحدياً ينتظرك، ولديك فرصة، ولكنها صغيرة، لجعل عامك المقبل مليئاً بالإنجازات.
لا شك في أنك تفكر في التقليل من تناول السكريات وقراءة جميع الرسائل الواردة في صندوقك الوارد، وأن العام الجديد المقبل هو العام الذي ستتمكن فيه من تبنّي كل العادات الصحية التي طالما حاولت تبنيها من قبل، وستترقى إلى منصب مساعد المدير.
لكن انتظر قليلاً،
قبل أن تنشغل بإنشاء ملف تسجل عليه وصفات أطباق الطعام في حمية باليو وبالبرنامج الجديد لتنظيم البريد الإلكتروني، لديك فرصة أكبر لتغتنمها وتصبح الشخص الذي تتمنى أن تكونه.
أولاً، أنا أؤمن بحقيقة متواضعة وبسيطة: من حق كل شخص أن يعيش حياة ذات قيمة، وعلينا أن نستثمر كل لحظاتنا لنجعلها كذلك.
إن الالتزام بالعادات الصحية أمر مهم، لكن في هذا المقال أريد أن أشاركك 4 قرارات من شأنها أن تساعدك على تحقيق شيء أهم، وهو أن تجعل عامك مميزاً.
لا تتخلَّ عن أحلامك
إذا أردت أن يكون عامك الجديد مميزاً، فلا تبدأ بأهدافك، ولا بخططك، ولا حتى بالإنجازات المرحلية، بل ابدأ بأحلامك، فكلما اتسع حلمك واستغربه الناس وكان تحقيقه مستحيلاً، كان ذلك أفضل، لأن ما يعطي حياتنا قيمتها هو تحقيق أحلامنا فيها، حتى إن بدأنا بخطوات بسيطة، وعندها نشعر بأنها باتت قريبة وواضحة وتتجسد فينا. إن أحلامنا ليست مجرد مصدر إلهام لنا كما يحب أن يصفها المنظرون والمتحدثون المؤثرون، فكلمة الإلهام لا معنى لها. إن أحلامنا هي التي تبث الحياة فينا وترسم لنا صورة مستقبلنا المشرق وترتقي بنا. ولكي تصبح أيامنا ذات قيمة، يجب أن نشعر بأن شخصيتنا الحقيقية مفعمة بالحياة والصخب؛ لا شك في أننا سنتألم أحياناً ونفرح في أحيان أخرى، فالأمر ليس سهلاً أبداً، لكن أحلامنا هي التي ستوقظنا وتحفزنا.
لهذا، لا تتنازل عن أحلامك أبدأ، حتى إن كانت صعبة التحقيق، فما بالك إذا كانت ممكنة! لأنه ليس من المنطقي أن يكون اختيارك هو أن تعيش حياة لا معنى لها.
لا تخف من المعاناة
هناك سببان رئيسيان يدفعان الناس إلى العمل، ولكن الاقتصاديين، بحديثهم السطحي عن الحوافز، لا يفهمون أياً منهما، وهما الخوف والحب. ما الذي تخاف منه؟ هل أنت خائف من الرفض والفقر والمهانة؟ أياً كان ما تخاف منه، فأنت في الواقع تخاف من المعاناة. ولكن يجب ألا تخاف منها أبداً، لأنها تجعلك أقوى، فالحياة ليست أن نستسلم للمصاعب دون محاولة إيجاد حلول، وكذلك المعاناة دون هدف لا فائدة منها؛ يجب ألا تعاني لمجرد الحصول على ما تريده، مثل المال والسلطة والشهرة، فالمعاناة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالحب الذي يجعل الحياة ذات قيمة. أعلم أن مخاوفك ليست وهمية، ومن المحتمل أن تتحقق. سوف يتخلى عنك البعض وتعاني الإقصاء والإهانة، وسوف تفشل وتتعثر وتتألم وتشتاق وتتحسر وتتوق وتيأس. لكن هذه المعاناة ستزرع فيك صفات التعاطف والكرامة والتسامح والمغفرة والمثابرة.
ليس من قبيل المصادفة أن كلمة "شغف" باللغة الإنجليزية (Passion) مشتقة من كلمة "المعاناة" اللاتينية؛ وعندما نتعامل مع المعاناة على أنها مجرد ألم يجب الهروب منه، فإننا نتخلى عن الشغف. يبدو أن قِلة قليلة من الناس على استعداد للمعاناة، ولا يمكنك أن تحظى بأحدهما دون الآخر.
المعاناة هي التي تعيد ترتيب صفاتك الشخصية، وهي ثمن النمو، ولن نعرف قيمة النمو إذا خفنا من المعاناة.
ابحث عن الغموض في الحقيقة، وليس عن الحقيقة في الغموض
تعلّمنا أن نكون عقلانيين مطيعين، وأن نكون أدمغة فائقة الذكاء تستخدم الكمبيوتر الذي يحسّن الحياة التي يخبرنا الآخرون بأننا يجب أن نعيشها، بدلاً من أن نكون أرواحاً بشرية قادرة على ابتكار الحياة التي نريد أن نعيشها. لكن ما يمكن قياسه يمكن إدارته، لذا حلل واختبر وفسِّر وكرر. مع ذلك، فإن الكون أعظم من قدرتنا على التفسير والتحليل، بل لا حدود لثرائه. هل تستطيع وضع الحب في جدول بيانات؟ هل هناك طريقة محددة لبناء الصداقة الحقيقية؟ هل يمكنك تفسير السعادة؟
الحقيقة وحدها لا تكفي إذا كنت تريد أن تعيش حياة ذات قيمة، فالغموض في الحقيقة هو منطلق الحياة ذات القيمة. لماذا يحبني هذا الشخص؟ هل أنا من ابتكر هذا الشيء حقاً؟ ما الذي ألهمني لخرق القواعد وقول ذلك؟ ما الذي حدث للتو؟
إن اكتشاف الحقائق وحده يمكن أن يساعدنا على اتخاذ خيارات معقولة، ولكن الخيارات المعقولة لن تقودنا إلى حياة ذات قيمة، ولن تحصل على الحقيقة إلا عندما تغامر وتتجاوز اليقين والعقل والمنطق؛ عندها ستنعم بحياة ذات قيمة.
حقق ذاتك
"علينا أن نصنع الحياة التي نريدها بأنفسنا"، هذا ما ينصحنا به الخبراء، لكن هذه الفلسفة الاجتماعية مخصصة للأطفال. هل يجب أن نتبع التعليمات من أجل الحصول على ما نريد؟ بالتأكيد، إذا كنا فئران تجارب أو روبوتات آلية بلا تفكير. أما إذا أردنا أن نحيا حياة ذات قيمة لها هدف نبيل وتزخر بالاحتفالات فإليك الحقيقة: يجب أن نحقق ذاتنا كل لحظة، لا أن نتبع التعليمات فحسب، علينا أن نتحرر من كل القيود والتعليمات التي أتعبتنا، ونستقبل كل ما يضفي على أفعالنا معنى؛ حتى لا تكون الحياة مجرد تمثيلية فارغة لا معنى لها، سواء كانت جيدة أم سيئة؛ الحب، الشوق، الفقدان، الحزن، انكسار القلب، المأساة، اليأس، الانتصار، الإرادة، يجب أن نتقبل كل ذلك إذا أردنا أن ننمو. ما الذي يقف في طريقنا في أغلب الأحيان؟ العالم؟ لا، ما يقف في طريقنا ينبع من داخلنا، يقيّدنا ويمنعنا من التقدم ويحد أفقنا، وهذا ما يجعلنا نشعر بأننا محبطون ومقيّدون ومخدوعون لأننا في الحقيقة كذلك. فنحن نخدع أنفسنا عندما لا نتقبل الحياة ونتصرف وكأننا كنا مجبرين عليها من خلال الرغبات الرخيصة المفروضة علينا، وهي: أنجز، اكسب، أنفق، مت.
لذلك حقق ذاتك بكل إمكاناتك وحرّر نفسك. هل تريد أن تعيش سنة ذات قيمة؟ ربما عليك أن تنهي علاقة سيئة حتى ينكسر قلبك ويتحول إلى حطام موجع ليعود وينبض بعدها بإيقاع أكثر قوة وشجاعة، أو ربما عليك أن تواجه مديرك وتعارضه بدلاً من أن تبتسم وتومئ برأسك مثل الإمعة الضعيف الشخصية، ربما عليك أن تعتذر لشخص ما وأن تواجه عيوبك مباشرة. أو ربما عليك أن تؤسس تلك الشركة، أو تتزوج من تلك المرأة وأن تغامر مهما كان الأمل ضعيفاً، أو ربما عليك أن تسير في المجهول وتضيع فيه لتجد الفرصة أخيراً. مهما كان الأمر، دعه يحدث.
قال جلال الدين الرومي ذات مرة: "هناك ألف طريقة للركوع ومعانقة السماء في آن معاً". فما هو قصده؟ ربما يقصد أننا لا نعرف ما هو الحب بحق إلا عندما نتواضع أمام شيء ذي قيمة؛ أيامنا ذات قيمة، ولن تصبح كذلك إلا عندما يغمر الحب قلوبنا. فكر في الأمر، إذا كان حبك لزوجتك ووظيفتك ومنزلك ومدينتك وبلدك وعائلتك وأصدقائك وأفكارك يقل يوماً بعد يوم، فكيف سيكون شعورك تجاه حياتك؟ ستجدها فارغة لا جدوى منها أو معنى.
والآن، ما هي اللحظات المهمة؟ ليست حين نكسب المال، ولا حين نحمل مولوداً بين ذراعينا، ولا حين نشتري ونمتلك ونقايض ونربح وننتصر. إنها اللحظات التي نتواضع فيها مدركين تفاهة كل ذلك، إنها تلك اللحظات التي ندرك فيها ضآلتنا ومدى ضعفنا.
لذا توقف، توقف عن الهرولة، توقف عن المطاردة، توقف عن القلق، والحسد، والكنز، والمكايد.
أنت حر. (لطالما كنت حراً). لديك الخيار والفرصة لتجعل حياتك مميزة ليس في العام المقبل فحسب، بل في كل أوقاتك. إنها حياتك، إنها أنت.
إليك سراً عظيماً: لن تحيا مرة واحدة فقط. بل يمكنك أن تحيا عمراً كاملاً كل يوم، وذلك يفوق حاجة أي إنسان.
لذلك،
فالسؤال المهم ليس كيف ستموت، بل كيف ستعيش؟