عندما تصبح المنافسة معركة: تأثير الاستعارات الحربية في عالم الأعمال

4 دقيقة
الاستعارات المجازية

يقول رئيس مجلس الإدارة التنفيذي لشركة أوراكل (Oracle)، لاري إليسون، في إشارة إلى أحد المنافسين: "سنُخرجهم من السوق ونستحوذ على ممتلكاتهم، ثم سنهدمها ونقضي على أي أمل لهم بالعودة أو النجاح مجدداً وسنواصل مهاجمة كل ما هو مرتبط بهم". يجسّد هذا النوع من التصريحات نموذجاً للاستعارات المجازية ذات الطابع الحربي والعدواني التي تظهر غالباً في التواصل المؤسسي. على الرغم من أن هذا المثال لافت ومثير للاهتمام، فإنه ليس غريباً أو فريداً من نوعه؛ إذ يعمد الرؤساء التنفيذيون إلى تصوير استراتيجياتهم في إعلانات عمليات الاستحواذ على أنها معارك يجب الفوز بها. في عام 2006، قال الرئيس التنفيذي لشركة مكلاتشي (McClatchy) آنذاك، غاري برويت، للمستثمرين والمحللين: "المخاطر اليوم أكبر ممن أي وقت مضى، ولا يمكننا الدخول في المعركة إلا ونحن في أفضل حالاتنا". كما أشار المسؤولون التنفيذيون في شركة إنفينيرا (Infinera) خلال مكالمة جماعية مع المحللين في عام 2015، إلى أنهم "مسلحون" بحلول شاملة ومتكاملة. وخلال مكالمة جرت في عام 2013، أشارت شركة فيكو إنسترومنتس (Veeco Instruments) إلى سوق الهواتف المحمولة على أنه "ساحة معركة"، وفي عام 2009 وصفت شركة فيرست سولار (First Solar) عملية استحواذها بأنها "عملية هجومية" تهدف إلى التفوق على المنافسين.

يلجأ الرؤساء التنفيذيون غالباً إلى استخدام تعابير واستعارات مجازية ذات طابع حربي لإظهار الثقة والقوة وتبني نهج شرس في مواجهة المنافسين. وتعكس عبارات مثل "إعلان الحرب على عدم الكفاءة" أو "القتال من أجل الحصة السوقية" الاستعداد لاتخاذ إجراءات جريئة وفرض الهيمنة على السوق. تعمل هذه الاستعارات المجازية على تبسيط الاستراتيجيات المعقدة من خلال تقديمها في صور واضحة وحية، ما يسهّل عملية التواصل.

لكن هل تكون هذه اللغة فعالة ومجدية عند مخاطبة فئة مهمة ومؤثرة مثل المحللين الماليين؟

يكشف بحثنا، الذي ستنشره قريباً مجلة العلوم التنظيمية (Organization Science) أن استخدام العبارات والاستعارات التي تحمل طابعاً حربياً يؤدي غالباً إلى آثار ونتائج عكسية؛ إذ ربما يفسر المحللون هذه التصرفات على أنها مؤشر على مخاطرة مفرطة وغير مبررة وسلوك عدواني، وليست دليلاً على القوة والثقة.

الرسائل الحقيقية التي تحملها اللغة ذات الطابع الحربي

حللت دراستنا 999 إعلاناً عن عملية استحواذ أصدرتها شركات أميركية مدرجة بالبورصة بين عامي 2004 و2016.

ركزنا على المكالمات الجماعية المتعلقة بعمليات الاستحواذ، حيث شرح الرؤساء التنفيذيون قراراتهم الاستراتيجية، واستخدمنا نصوص المكالمات لتحليل اللغة التي استخدموها. وركزنا على تحليل مدى تكرار استخدام العبارات والاستعارات التي تحمل طابعاً حربياً وتأثيرها في ردود فعل المحللين الماليين. كان المتغير المستقل هو استخدام اللغة ذات الطابع الحربي التي عملنا على قياسها من خلال تحديد التعبيرات المجازية المرتبطة بالحرب. في حين كان المتغير التابع هو مدى إيجابية تقييمات المحللين حول عملية الاستحواذ في تقاريرهم أو سلبيتها بعد عرض الرئيس التنفيذي، وقد عملنا على قياس ذلك من خلال تحليل نسبة الكلمات التي تعبر عن مشاعر إيجابية مقارنة بتلك التي تعبر عن مشاعر سلبية.

كشف بحثنا عن حقيقة مفاجئة، وهي أن الاستعارات المجازية ذات الطابع الحربي التي يستخدمها القادة عادةً لإظهار القوة تثير ردود فعل سلبية لدى المحللين الماليين، ما يؤدي إلى زيادة احتمالية تقييم الإعلانات الاستراتيجية بطريقة سلبية. إذا استخدم الرؤساء التنفيذيون كلمات تحمل طابعاً حربياً بنسبة تزيد بمقدار 1% في عروضهم التقديمية، فإن تقارير المحللين تكون أكثر سلبية بنسبة لا تقل عن 20% مقارنة بالإعلانات التي لا تستخدم مثل هذه الكلمات.

تعود ردود الفعل السلبية هذه إلى أثر استخدام الاستعارات المجازية ذات الطابع الحربي في تشكيل تصورات المحللين حول المخاطر؛ إذ تثير اللغة التي تحمل طابعاً حربياً صوراً ذهنية عن النزاعات والدمار والمخاطر الكبيرة، ما يؤدي إلى تحفيز ردود فعل عاطفية مرتبطة بالشعور بالخطر؛ وقد يرى المحللون، الذين تتمثل مهمتهم في تقييم المخاطر والمكاسب، أن هذه اللغة تشير إلى أن الشركة تتبع سلوكاً عدوانياً شديداً ومحفوفاً بالمخاطر. يؤدي استخدام الاستعارات المجازية ذات الطابع الحربي إلى اعتقاد المحللين أن الشركة لا تظهر قوتها، بل تفتقر إلى القدرة على ضبط النفس أو تتخذ قرارات استراتيجية متهورة، وتؤدي زيادة تصور هذه المخاطر في النهاية إلى تقييمات سلبية أكبر.

متى يجب على القادة تجنب استخدام الاستعارات المجازية التي تحمل طابعاً حربياً؟

يزداد الأثر السلبي لاستخدام الاستعارات المجازية ذات الطابع الحربي في ظروف وحالات معينة، لذلك من المهم أن تتجنب الشركات استخدام هذه اللغة في مثل هذه الحالات.

على سبيل المثال، اكتشفنا أن الأثر السلبي كان أقوى بصورة أكبر في الأسواق التي تشهد تركيزاً عالياً، حيث يسيطر عدد قليل من الشركات على غالبية السوق. في مثل هذه الحالات، يتوقع المحللون عادةً اتخاذ خطوات استراتيجية حذرة ومدروسة، في حين أن استخدام الاستعارات المجازية ذات الطابع الحربي يثير مخاوف بشأن اتخاذ سلوكيات عدوانية لا مبرر لها وقد تؤدي إلى زعزعة استقرار السوق.

على نحو مماثل، تعرضت الشركات التي تمتلك حصصاً سوقية كبيرة لردود فعل سلبية أكبر عند استخدامها لغة ذات طابع حربي. قد يشعر المحللون بالقلق من أن هذه الشركات تعرّض نفسها لمخاطر لا داعي لها، ما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار السوق أو إثارة ردود فعل عدائية من المنافسين. بالنسبة للشركات التي تتمتع بموقع قوي في السوق، فإظهار درجة أكبر من العدوانية باستخدام استعارات مجازية ذات طابع حربي يمكن أن يعكس ثقة مفرطة أو عدم قدرة على ضبط النفس في السياق التنافسي، ما يزيد من احتمالية حدوث تقلبات أو عدم استقرار في السوق.

أظهر بحثنا أيضاً أن البيئة العامة للسوق تؤثر بدرجة كبيرة في رد الفعل تجاه مثل هذه الاستعارات المجازية؛ إذ وجدنا أن أثرها السلبي كان أوضح خلال الفترات التي تشهد فيها السوق تقلبات شديدة، ويمكننا قياسه باستخدام مؤشر تقلب السوق (VIX Index) المعروف أيضاً باسم مؤشر الخوف (Fear Index). فعندما يكون مؤشر التقلب مرتفعاً يعكس ارتفاع مستويات القلق وعدم اليقين لدى المستثمرين، وحينئذ يثير استخدام الاستعارات المجازية ذات الطابع الحربي في التواصل المؤسسي ردود فعل سلبية أقوى لدى المحللين. في المقابل، عندما يكون المؤشر منخفضاً وظروف السوق أكثر هدوءاً واستقراراً، يكون الأثر السلبي لاستخدام هذه الاستعارات أقل حدة. يشير هذا إلى أن استخدام لغة عدوانية وشرسة يزيد مخاوف المحللين بشأن عدم الاستقرار والمخاطرة المفرطة والمتهورة عندما تكون ظروف السوق متقلبة، أي عندما يرتفع مستوى الحذر من المخاطر.

الدرس المهم الذي يجب أن يستفيد منه قادة الشركات هو أن اختيار الاستعارات والتعابير المجازية ليس مجرد مسألة أسلوبية أو لغوية؛ إذ يمكن أن يؤثر بدرجة كبيرة في فهم أصحاب المصلحة، لا سيما المحللين الماليين، ورؤيتهم للقرارات الاستراتيجية. ويجب على القادة تجنب استخدام الاستعارات المجازية ذات الطابع الحربي، التي قد تعكس مخاطرة مفرطة لا مبرر لها، والتركيز على استخدام لغة تتوافق مع توقعات الجمهور والبيئة التنافسية التي يعملون ضمنها. من المهم بالنسبة للشركات، التي تعمل في أسواق تشهد تركيزاً عالياً أو التي تتمتع بقوة سوقية كبيرة، أن تتجنب استخدام لغة تجسّد النزاعات أو السلوكيات العدوانية والشرسة. بدلاً من ذلك، يمكن أن يستخدم المسؤولون التنفيذيون استعارات مجازية تركز على العمل التعاوني أو الاستقرار الطويل الأمد أو الطموح المدروس والمتوازن، ما قد يساعد على تعزيز ردود فعل إيجابية لدى المحللين الذين يبحثون عن علامات تدل على الحكمة الاستراتيجية لا المنافسة المتهورة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي