ما هي “الاستراحة المهنية” وكيف تؤثر في فرص توظيفك؟

6 دقيقة
الفجوات المهنية
مصدر الصورة: غرانت فينت/غيتي إميدجيز

تتغير المواقف تجاه الفجوات المهنية في السيرة الذاتية؛ في السابق، كانت الفجوات المهنية في السيرة الذاتية تمثل إشارات تحذيرية تجاه المرشحين للوظائف، لكننا نشهد اليوم عدداً متزايداً ممن يتحدثون عن فترات الانقطاع الوظيفي صراحة ودون تحفظات. وأظهر استقصاء أجرته لينكد إن في عام 2022، شمل 23 ألف موظف من شتى أنحاء العالم، أن ما يقرب من ثلثي المشاركين سجلوا فترات الانقطاع الوظيفي التي مروا بها. وتزامن هذا الاستقصاء مع إطلاق لينكد إن بند فترات الانقطاع الوظيفي، الذي يتيح للمستخدم عرض التجارب والمهارات التي اكتسبها في الفترات التي لم يشغل فيها أي وظيفة.

أسهمت عدة عوامل في هذا التحول الثقافي: أولاً، تسببت الجائحة بارتفاع غير مسبوق في معدلات البطالة، وقلص العديد من الشركات عدد الموظفين للتعامل مع التراجع المفاجئ في حجم الطلب. وفي الوقت نفسه، انتقل بعض الموظفين إلى أدوار الرعاية نتيجة إغلاق المدارس واضطراب خدمات الرعاية الصحية. أما اليوم، فيبدو أن كثيراً منا واجهوا تغييرات كبيرة في شركاتهم ووظائفهم بسبب الجائحة.

ثانياً، تكشف دراسات حول مواقف الجيل زد نظرة أقل سلبية، وربما كانت إيجابية، تجاه الفجوات في المسار المهني. ومع تشكيل الجيل زد نحو ثلث قوة العمل العالمية الحالية، من المتوقع أن يصبح أكبر شريحة في قوة العمل بحلول عام 2035، ولما كانت الفروق بين الأجيال هي سبب إقبال الأجيال الجديدة على مسارات مهنية غير تقليدية، فمن المنطقي أن يتضح هذا الإقبال أكثر.

ثالثاً، شاع الحديث الصريح عن فترات الانقطاع الوظيفي على وسائل التواصل الاجتماعي وأصبح ظاهرة سائدة، وسواء من خلال الإعلانات المهنية المدروسة التي تبحث عن فرص جديدة أو التعليقات العاطفية المستفزة، يشارك الموظفون اليوم تجاربهم المهنية بطرق جديدة كلياً.

مع زيادة التواصل المفتوح حول الفجوات المهنية، يقدم المدربون والمستشارون المهنيون نصائح متجددة حول كيفية التعامل مع التغيير الوظيفي. وتركز هذه النصائح على أهمية الحديث بصدق عن الفجوات وأسبابها. كما ينصح البعض بتسليط الضوء على تجارب التعلم التي حدثت خارج مكان العمل.

مع كل هذه الأدلة، ربما نفهم أن علينا تجاهل الفجوات المهنية في السير الذاتية واعتبارها أشياء من الماضي، لكن البيانات المهمة حول سلوكيات التوظيف تشير إلى خلاف ذلك.

تأثير الفجوة المهنية في السيرة الذاتية على التوظيف

لفهم وصمة العار المحيطة بالفجوات المهنية في السير الذاتية، أجرت شركة خدمات إعداد السيرة الذاتية ريزيميه غو (ResumeGo) تجربة ميدانية في العام 2019، قدّم فيها باحثو الشركة طلبات عمل وهمية تحتوي على سير ذاتية بها فجوات مهنية لأكثر من 36 ألف وظيفة شاغرة على لوحات إعلانات العمل. وجد الباحثون أن السيرة الذاتية التي لا تحتوي على فجوات مهنية حصلت على معدل استدعاء يتجاوز 11%، في حين كان معدل استدعاء السيرة الذاتية التي تحتوي على فجوات مهنية لعام أو عامين نحو 10%. وبعد ذلك، تراجعت المعدلات بنسبة كبيرة؛ فكانت معدلات استدعاء الفجوات المهنية لثلاث وأربع وخمس سنوات هي 4.6%، و3.7%، و3.1% على التوالي.

يلعب السياق دوراً حاسماً، ومع أن تقديم أسباب الفجوات المهنية لم يخفف وطأة العواقب بالكامل، لكنه ساعد إلى حد ما بحسب السبب. وحصل المتقدمون الذين لديهم فجوة مهنية لم يعللوها على معدل استدعاء بلغ 4.3% فقط، وهو معدل ارتفع إلى 8.5% لدى من ذكر أن السبب هو الانخراط في التدريب والتعليم. بلغ معدل استدعاء المتقدمين الذين عللوا الفجوة المهنية بمشكلات صحية 7%، في حين بلغ معدل استدعاء من عللوها بمشكلات عائلية 6%.

لقياس مدى تغير المواقف في الأعوام الأخيرة، استطلعنا آراء أكثر من 400 مدير على لينكد إن في خريف 2023. فقدمت ردودهم أسباباً إضافية للتمسك بشكوكنا بشأن حدوث تحول كبير: لا يزال 61% من المشاركين يرون الفجوات المهنية في السيرة الذاتية نقطةً سلبيةً. وبتحليل الردود، كانت المخاوف بشأن الموثوقية على رأس القائمة بنسبة 29%، يليها التحفيز بنسبة 27%، ثم مخاطر الاستبقاء بنسبة 25%، وضمور المهارات بنسبة 19%.

كما كشفت بياناتنا عن اختلافات بين الجنسين في تصور الفجوات المهنية في السيرة الذاتية. فقد ذكر نحو 60% من الرجال والنساء أنهم يعتبرون الفجوات المهنية إشارات سلبية. ومن بين نسبة 40% التي لا تعتبرها كذلك، اعتبر 10% من الرجال الفجوات المهنية في السيرة الذاتية مؤشراً إيجابياً، في المقابل رأى 30% منهم أنها لا تؤثر على قرارهم. وبالنسبة للنساء، اعتبرت نسبة 4% منهن الفجوات المهنية إشارة إيجابية.

تأثير الفجوة المهنية في السيرة الذاتية على الراتب

لا تؤثر الفجوات المهنية في السيرة الذاتية على فرص التوظيف وحدها. فقد كنا نريد أن نعرف: هل يحصل أصحاب السيرة الذاتية ذات الفجوات المهنية على رواتب أقل من أصحاب السيرة الذاتية التي تخلو منها؟

للإجابة عن هذا السؤال، كان علينا الحصول على بيانات الرواتب والمكافآت لفترة تتسم بضغوط اقتصادية مشابهة. وبالاستعانة ببيانات تتعلق بمسؤولين تنفيذيين تنقلوا بين الوظائف في الفترة من 2004 حتى 2011؛ أي فترة شهدت الركود الاقتصادي الكبير، حددنا الذين تنطوي سيرهم الذاتية على فجوات مهنية والذين تخلو سيرهم الذاتية منها. أتاحت بياناتنا تفسير صدمة التوظيف العالمية، وتحديد أثر الانقطاع الوظيفي على الباحثين عن عمل في وقت حساس جداً بالنسبة لهم؛ أي بينما ينتقلون من شركة إلى أخرى.

على نحو مماثل لمعدلات الاستدعاء ورد الاتصال، لاحظنا أثراً سلبياً عاماً للفجوات المهنية في السيرة الذاتية وبعض عوامل السياق المهمة:

1. الفجوات المهنية في السيرة الذاتية ذات تأثير سلبي ملموس على الرواتب والمكافآت

أظهرت بياناتنا أن الذين يغيّرون وظائفهم ولديهم فجوات مهنية في سيرتهم الذاتية حصلوا على زيادة في الراتب بنسبة 14%، مقارنة بزيادة نسبتها 22% للذين ليست لديهم فجوات مهنية. وقد أتاح لنا أسلوبنا التحكم في عدة عوامل تتعلق بالباحث عن عمل، منها التعليم وسنوات الخبرة، وعوامل تتعلق بالشركات مثل المنطقة وحجم الشركة والقطاع الذي تنشط به، وأخرى تتعلق بالأدوار الوظيفية أو المجال الوظيفي. إضافةً إلى ذلك، وضعنا في الاعتبار أي سمات على مستوى الأفراد، غير مرصودة وغير متغيرة بمرور الوقت، يمكن أن تؤثر على مستويات الرواتب.

2. الأثر السلبي للفجوات المهنية في السيرة الذاتية يتفاقم بالنسبة للمسؤولين التنفيذيين الشباب

لم يواجه الموظفون في المناصب العليا، مثل الرئيس التنفيذي ومدير الخبرة، هذا التأثير السلبي بدرجة قابلة للقياس على نحو موثوق، وهذا أمر منطقي، لأن كبار المسؤولين التنفيذيين لديهم تاريخ مهني أوسع وأعمق يمكن للشركات الاعتماد عليه في قرارات التوظيف. وفي المقابل، لا يتمتع مَن ما يزالون في مستهل مسارهم المهني بتاريخ مهني قوي، ما يجعل الفجوات المهنية أشد تأثيراً.

3. يعتمد الأثر أيضاً على شركة التوظيف

وجدنا أن الأثر السلبي للفجوات المهنية في السير الذاتية على المكافآت والرواتب مقتصر على الشركات الكبيرة التي تضم أكثر من ألف موظف. ولم تظهر الشركات الصغيرة آثاراً سلبية قابلة للقياس. لكن وصول الشركات الأصغر حجماً إلى أسواق العمل لا يقارن بالشركات الأكبر حجماً، أي أن مجال الانتقاء محدود أمامها.

4. يختلف أثر الفجوات المهنية بين الرجال والنساء

جمعنا بيانات راتب كل مسؤول تنفيذي في شركتين؛ الشركة التي يغادرها والشركة التي ينضم إليها. بالنسبة للمسؤولات التنفيذيات، وجدنا خفضاً للراتب بنسبة 9% لمن كانت لديها فجوات مهنية في سيرتها الذاتية، وذلك في الشركة التي تغادرها المسؤولة التنفيذية والشركة التي تتجه للانضمام إليها. بالتالي، ندرك أن التأثير السلبي للفجوات المهنية قائم بالنسبة للنساء.

والأمر مختلف بالنسبة للرجال، إذ لا نجد هذا التخفيض في الراتب نتيجة الفجوة المهنية إلا عند قياس الراتب في سياق الانتقال من الشركة. ويعني هذا أن الآثار السلبية لا تظهر إلا في أثناء الانتقال من وظيفة إلى أخرى ذات مهام مختلفة.

إنه اختلاف مثير للاهتمام. فهو يعني أن النساء قد تجري معاقبتهن باستمرار بسبب مشكلات الارتباط الوظيفي، في حين أن بمقدور الرجال الحد من هذا التأثير السلبي من خلال تقديم أداء عالٍ في الشركة، ولا يظهر الأثر السلبي عليهم إلا عند الانتقال عندما تعيد الشركة الجديدة تقييم التاريخ الوظيفي للوافد الجديد.

من خلال فحص دقيق للبيانات نرى صورة أوضح وأكثر تفصيلاً لا تعد الفجوات المهنية في السيرة الذاتية حكماً بانتهاء المسار المهني، وترى أنها وثيقة الصلة بنتائج هذا المسار، فالظروف مهمة والقدرة على تفسير تلك الفجوات تخفف أحياناً من التأثيرات السلبية، ولكنها لا تمنعها بالكامل.

بالمثل، فإن التأثير على الأجور مسألة معقدة. بوجه عام، تؤثر الفجوات المهنية في السيرة الذاتية على المكافآت والرواتب، لكنه تأثير يتفاوت من موظف لآخر في أثناء الانتقال من شركة لأخرى؛ فمن لديه سجل مهني حافل يثبت قدراته ومؤهلاته لن يقلق كثيراً بشأن الراتب، على عكس من ما زال يبني مساره المهني، فهو أكثر عرضة لتخفيض الأجر. والأرجح أن الشركات الكبيرة، التي تحكم عملية التوظيف فيها مبادئ توجيهية محددة، تلتزم بالتفسيرات التقليدية للفجوات المهنية. وختاماً، هناك تفاوت واختلاف في تأثير الفجوات المهنية على الرجال مقارنةً بالنساء.

التوظيف عملية تنطوي بطبيعتها على عدم اليقين. وتبحث الشركات عن مرشحين أكفاء، لكنها تعتمد على ما يثبت كفاءة المتقدمين عند البت في قرارات التوظيف نتيجة عدم معرفتها بتاريخهم الشخصي. وحتى السيرة الذاتية الأكثر تفصيلاً لا تكشف عن التاريخ الكامل لصاحبها. لذا يحسم مدير التوظيف قراراته بناءً على المعلومات المتاحة بين يديه.

بينما كانت الفجوات المهنية في السير الذاتية تعتبر إشارات سلبية واضحة، فهي اليوم لا توضح أخلاقيات العمل لدى المرشح وموثوقيته وجاهزيته للتوظيف. لكن ذلك لم يكن واضحاً في السابق أيضاً، ولا تغير بيئة العمل في عصرنا حقيقة أن مدراء التوظيف يواصلون السعي إلى صنع قرارات توظيف حكيمة مستعينين بمعلومات وبيانات منقوصة، وبإشارات غير كاملة يعتبرونها معطيات.

وفي تزايد عدد الموظفين الذين لديهم فجوات مهنية في سيرهم الذاتية برهان اجتماعي على أن هذا النموذج أصبح أكثر شيوعاً مقارنة بالماضي. وتشير الدراسة موضوع هذا المقال إلى أن الشركات لا تزال تنظر إلى الفجوات المهنية في السيرة الذاتية باعتبارها إشارة سلبية حول مؤهلات المرشح. ونتيجة لارتفاع حالات الانقطاع الوظيفي غير الطوعي، بتنا نعدّ الذين حافظوا على استمرارية مسارهم المهني قلة منتقاة، وبذلك ربما تؤدي زيادة انتشار الفجوات المهنية في السير الذاتية إلى توسيع فجوة الأجور بدلاً من سدها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي