ملخص: يُمنح فريق الابتكار في كثير من الشركات حرية متابعة جدول أعماله الخاص، ويعمل غالباً كما لو كان كياناً منفصلاً عن بقية الشركة. والنتيجة دائماً مخيبة للآمال: وفرة من الأفكار الإبداعية مع فشل في تحقيق نمو ذي قيمة. المشكلة الأساسية هي الانفصال بين الاستراتيجية وجهود الابتكار. لكي ينجح الابتكار المؤسسي، يجب أن يلتزم بمجموعة واضحة من الأولويات الاستراتيجية المهمة للشركة. ويجب أن يستفيد من مواطن قوة الشركة التي ستمكّنها من التفوق على الشركات الأخرى التي تحاول تنفيذ الفكرة نفسها، سواء كانت قوتها في البيانات أو العلاقات مع العملاء أو سلاسل التوريد. يعرض المؤلف 5 خطوات تساعد الشركات على دمج الاستراتيجية في عملية الابتكار.
تدرك الشركات الراسخة أن الابتكار ضروري لتحقيق النمو في العصر الرقمي، لذلك أنشأت في السنوات الأخيرة مختبرات للابتكار ومسرّعات الأعمال وماراثونات البرمجة (هاكاثون) وبرامج الابتكار المفتوحة بهدف تجاوز أعمالها الأساسية واستكشاف الأفكار المزعزعة والتجريب والتكرار.
مع ذلك، لا تسفر غالبية هذه الجهود عن نتائج تُذكر؛ وغالباً ما تتفوق الشركات الناشئة على فرق الشركات الكبرى، وتُغلق مختبرات الابتكار إذا فشلت في تحقيق النمو على نطاق يعود على الشركة بالفائدة.
لماذا يتكرر ذلك؟ وما الذي يمكن فعله لتحسين الوضع؟ استناداً إلى عقدين من البحث في مجال الاستراتيجية الرقمية وتقديم المشورة لعشرات الشركات المدرجة في قائمة فورتشن 500، رأيت مراراً وتكراراً أن السبب الجذري لهذا الفشل هو الانفصال بين الاستراتيجية والابتكار.
يجب ألا يبدأ الابتكار في الشركات بوضع أفكار مثالية أو غير واقعية ثم المضي بتنفيذها بأسلوب الشركة الناشئة المستقلة، بل على الشركات أن تتعلم ربط كل جهد ابتكاري بركيزتين من ركائز الاستراتيجية: مجموعة واضحة من أولويات النمو، وفهم واضح لما يميز الشركة عن منافساتها.
من خلال ربط الابتكار بالاستراتيجية في كل مرحلة، بدءاً من الموافقة المبدئية وصولاً إلى التوسع، يمكن للشركات الراسخة الاستفادة من مواطن قوتها لخلق ابتكارات تحفز نمو الأرباح.
حدد أولوياتك الاستراتيجية
السؤال الاستراتيجي الأول الذي يجب أن يكون محور أي جهد ابتكاري للشركة هو: ما الأولويات الاستراتيجية الأهم لشركتنا؟ أقترح في كتابي "الخطة التوجيهية للتحول الرقمي" (The Digital Transformation Roadmap) منظورَين لتحديد الأولويات الاستراتيجية: المشكلات والفرص.
يعتمد منظور المشكلات على الفكر السائد بين رواد الأعمال في وادي السيليكون بأن تصبح "مفتوناً بالمشكلة" التي تسعى إلى حلها وليس بالحل الذي تتوقع أن يعالجها؛ يمكن أن تكون هذه المشكلة متعلقة بالعميل (على سبيل المثال، صعوبة في تقديم طلب أو في تخصيص منتج ما)، أو مشكلة تتعلق بالشركة ويجب حلها (على سبيل المثال، استنزاف العملاء بنسب عالية، أو صعوبة التنبؤ بالطلب، أو عدم الدقة في تنفيذ الطلبات).
إحدى الشركات التي رأيت أنها تتبع هذا النهج هي وول مارت، إذ أجريت مقابلات مع كبار مسؤوليها التنفيذيين على مدار عدة سنوات حول استراتيجية الشركة وعملية الابتكار وتحويل العمل. حددت الشركة مشكلة العملاء الرئيسية التي تجب معالجتها في طلب البقالة عبر الإنترنت، وهي فئة مهمة لأعمال وول مارت كانت تجربة العملاء فيها أقل من مرضية.
يوفر منظور الفرصة طريقة أخرى لتحديد أولوية النمو الاستراتيجي؛ قد تكون هذه الأولوية فرصة للشركة تتيح لها توسيع أعمالها إلى سوق جديدة أو قطاع جديد (مثل قرار أمازون الخوض في الحوسبة السحابية، الذي أدى في النهاية إلى إطلاق خدمة أمازون ويب سيرفيسز)، أو فرصة لمفاجأة العميل بميزة أو مكافأة غير متوقعة.
على سبيل المثال، حددت وول مارت فرصة تتيح للعملاء التسوق من خلال إرسال رسالة نصية إلى مساعد افتراضي (سيساعد في البحث عن المنتجات واقتراح الخيارات ثم طلب أفضل منتج)، وكان الهدف منها تحسين تجربة التسوق التي يخوضها العميل وتشجيعه على تطوير عادات تسوق جديدة والاستغناء عن خدمة أمازون برايم المنافسة.
يمكن تسمية أي مشكلة أو فرصة هدفاً استراتيجياً للنمو إذا كانت مهمة بما فيه الكفاية لشركتك، يكمن السر في اختيار المشكلة والفرصة الأهم لنشاطك التجاري وعملائك.
حدد مزاياك الفريدة
السؤال الاستراتيجي الثاني الذي يجب أن يكون محور أي جهد ابتكاري للشركة هو: ما المزايا الفريدة التي تتمتع بها شركتنا مقارنة بمنافسيها؟ يمكن أن تتمثل هذه المزايا في الأصول المادية أو البيانات، أو الآثار المترتبة على وجود الشبكات، أو الملكية الفكرية أو سمعة العلامة التجارية، أو غيرها من مواطن القوة التي تميز أعمالك وتضيف قيمة إلى منتجاتك وتمنحك ميزة تنافسية. على سبيل المثال، تتمتع شركة ديزني بميزة فريدة تتمثل في قصصها وشخصياتها الأيقونية التي تستثمرها في نماذج أعمال مختلفة، مثل الأفلام وخدمات البث المباشر عبر الإنترنت والمتنزهات الترفيهية والبضائع.
ستساعدك الاستفادة من مواطن القوة الحالية على تعزيز القدرة التنافسية لمشاريعك الجديدة وتمنحك القدرة على التفوق على الشركات الأخرى التي تقدم ابتكارات مماثلة إلى السوق. لكي تُحدث الميزة أثراً حقيقياً، يجب أن تكون فريدة من نوعها (متفوقة موضوعياً على ميزات غالبية الشركات المماثلة) واستراتيجية (توفر فائدة واضحة عند التنافس مع الشركات الأخرى).
إحدى مزايا وول مارت الفريدة هي قرب متاجرها من مواقع المستهلكين النهائيين، حيث يعيش 90% من سكان الولايات المتحدة في نطاق 16 كيلومتراً من أحد متاجرها. تستكشف الشركة نماذج الأعمال الرقمية التي تستفيد من هذا القرب المادي، وهي تتراوح بين مراكز تلبية الطلبات الصغيرة التي تدعم قسم التجارة الإلكترونية لديها وشبكات الإعلانات الرقمية المرتبطة بشاشات العرض داخل المتاجر.
إن التعرف على مزايا شركتك الفريدة بالغ الأهمية خصوصاً بالنسبة إلى الشركة الراسخة التي تسعى إلى الابتكار خارج نطاق أعمالها الأساسية. كيف قررت شركة علي بابا (Alibaba)، وهي شركة تجارة للتجزئة عبر الإنترنت، التوسع إلى مجال المدفوعات الرقمية؟ وفقاً لمسؤول تنفيذي كبير في قسم الشؤون المالية، بدأت الشركة بمعالجة مشكلة يواجهها العملاء تمثلت في حاجتهم إلى طرق للدفع فيما بينهم ضمن سوقها. لكن كانت لدى علي بابا أيضاً قدرة فريدة على حل هذه المشكلة بفضل قاعدة عملائها الكبيرة وبيانات مستخدميها الغنية.
دمج الاستراتيجية في عملية الابتكار
يكمن سر النجاح في ربط الاستراتيجية بالابتكار في دمج هذين المبدأين الاستراتيجيين في كل مرحلة من مراحل مبادرات الابتكار في شركتك، وهذا يشمل مختبرات الابتكار ومسرعات الأعمال وماراثونات البرمجة بالإضافة إلى مشاريع الابتكار ضمن الأعمال الأساسية نفسها. وكي يكون هذا الدمج فعالاً تجب إعادة تصور الابتكار المؤسسي عبر 5 خطوات:
1. وضع استراتيجية على مختلف المستويات.
تتمثل الخطوة الأولى في تشكيل فريق متعدد الوظائف على مستوى المناصب التنفيذية العليا، يضم ممثلين من مختلف الأقسام يعمل على تقييم المزايا الفريدة لشركتك بعناية ثم يحدد مجموعة من الأولويات الاستراتيجية لسنة إلى 3 سنوات مقبلة استناداً إلى مزايا الشركة والمشهد التنافسي الذي تعمل فيه ورؤيتها العميقة لاحتياجات العملاء.
بمجرد وضع الاستراتيجية على مستوى المؤسسة، تجب على قيادة كل وحدة عمل وكل قسم (مثل التسويق وسلسلة التوريد وما إلى ذلك) ترجمة هذه الاستراتيجية العامة إلى استراتيجية خاصة بكل مستوى من مستويات العمل.
وتجب مراجعة الاستراتيجية بانتظام (أوصي بمراجعة فصلية موجزة، ومراجعة سنوية أعمق) لتحديث الأولويات أو التكيف مع التغيرات في الميزة التنافسية.
2. شارك استراتيجيتك مع الموظفين جميعهم.
تتمثل الخطوة التالية في مشاركة هذه الاستراتيجية مع الموظفين في أنحاء المؤسسة كلها، سواء الموظفين في الأدوار الابتكارية أو الذين يسعون إلى الابتكار ضمن العمل المعتاد لوظائفهم أو خط أعمالهم. تجب الاستفادة من المنتديات الافتراضية وورش وضع الاستراتيجية وقنوات الاتصال المتاحة جميعها لضمان أن يكون الجميع على دراية بالمشكلات التي تهدف الشركة إلى حلها والمزايا الفريدة التي تأمل الاستفادة منها.
3. إعطاء الضوء الأخضر للمشاريع بناءً على الملاءمة الاستراتيجية.
كلما اقتُرحت فكرة ابتكار ما، سواء في مسرّعة أعمال شركة ناشئة أو فريق تسويق إقليمي، يجب أن تتضمن بياناً واضحاً للمشكلة: "ما المشكلة التي نعمل على حلها ولصالح من؟" يجب بعد ذلك تقييم كل ابتكار مقترح من حيث الملاءمة الاستراتيجية.
لا يكفي أن يقترح مختبرك "فكرة رائعة" لابتكار "مزعزع" حيث "نرى سوقاً كلية متاحة يمكن معالجتها"، بل يجب أن يلبي كل مشروع جديد مقترح معيارين أساسيين: هل يرتبط بأولوية استراتيجية؟ وهل من المحتمل أن يستفيد من إحدى مزايانا الفريدة؟ تجب الموافقة فقط على الابتكارات التي تتماشى مع جدول أعمال الاستراتيجية، ويتضمن ذلك منحها التمويل الأولي أو إضافتها إلى قائمة المشاريع التي ستخضع للتجربة لاحقاً.
4. التحقق بسرعة من صحة الأفكار من خلال التجريب.
بالنسبة للأفكار التي حصلت على الموافقة، تتمثل الخطوة التالية في تحديد الفرضيات الرئيسية لنموذج العمل وإجراء تجارب سريعة وفعالة من حيث التكلفة للتحقق من صحتها. مَن العميل المثالي؟ ما طبيعة تجربته مع المشكلة التي تحاول حلها؟ هل سيحفز الحل الذي تقدمه تبنّي الابتكار؟ هل يمكنك توسيع نطاقه؟ هل لديك أي ميزة تنافسية؟ هل يمكنك استرداد القيمة وتحقيق الأرباح؟
عندما حوّلت وول مارت تركيزها إلى البقالة عبر الإنترنت، بدأت برامج تجريبية لأساليب مختلفة لمعالجة المشكلة نفسها، واستنتجت أن بعض نماذج التسليم كانت أكثر قابلية للتوسيع مقارنة بغيرها. كما اكتشفت أن العملاء يفضلون دفع رسوم سنوية مقابل الخدمة بدلاً من دفع الرسوم على كل عملية تسليم، وأن السعر كان عاملاً حاسماً في قرار العميل بتبنّي الابتكار.
5. توسيع نطاق المشاريع الابتكارية القليلة التي تثبت نجاحها وإنهاء الغالبية التي لا تنجح بسرعة.
يجب أن يُبنى تمويل الابتكارات الجديدة على نموذج تكراري أيضاً، إذ يجب على كل فريق حصل على الموافقة على فكرته أن يعود في غضون 90 يوماً مع بيانات حول استجابة السوق وطلب المزيد من التمويل لمواصلة تطوير الفكرة.
أثبت ابتكار وول مارت الذي يتيح للعملاء التسوق عن طريق الرسائل النصية، المُسمى "جيت بلاك" (Jet Black)، ملاءمته للسوق في وقت مبكر؛ إذ أحب العملاء التجربة وبدؤوا بالاستغناء عن الطلب من أمازون. ولكن بعد إجراء المزيد من الاختبارات، لم تجد وول مارت أي طريقة قابلة للتطبيق لتقديم خدمة مربحة وقابلة للتوسيع، فأوقفت خدمة جيت بلاك المبتكرة وشاركت الدروس المستفادة من هذا المشروع داخل المؤسسة.
أوقفت وول مارت أيضاً العديد من البرامج التجريبية في مجال البقالة أيضاً، ولكن أثبت عدد قليل منها نجاحاً كبيراً في السوق، إذ طُرحت في نهاية المطاف بصفتها خدمة اشتراك دُعيت "وول مارت+" (Walmart+) وعرض "اشترِ عبر الإنترنت وتسلّم من المتجر" المُسمى "بيك أب توداي" (Pickup Today). تواصل وول مارت تجربة أساليب جديدة لإعادة ابتكار تجربة البقالة عبر الإنترنت، مثل "وول مارت إن هوم" (Walmart InHome)، لتلبية احتياجات العملاء المتغيرة.
الابتكار الذي يحقق النتائج
لا تتوافر طريقة مؤكدة للتنبؤ بالأفكار المبتكرة التي ستحقق النجاح، تماماً مثل شركات رأس المال المغامر التي تستثمر في الشركات الناشئة، لن تعرف مسبّقاً أي المشاريع الجديدة ستنجح، لهذا السبب يعتمد الابتكار على الاستثمار في المحافظ الاستثمارية والتجريب والتمويل التكراري. ولكن هناك عنصر أساسي إضافي بالنسبة للابتكار في الشركات: يجب أن يبدأ كل مشروع من فكرة تتوافق مع مواطن قوة الشركة الأم واستراتيجيتها.
نلاحظ في العديد من الشركات أن فريق الابتكار يتمتع بحرية متابعة جدول أعماله الخاص وغالباً ما يعمل كما لو كان كياناً منفصلاً عن بقية الشركة، والنتيجة دائماً مخيبة للآمال: وفرة من الأفكار الإبداعية، ولكن الفشل في تحقيق نمو ذي قيمة. المشكلة الأساسية هي الانفصال بين الاستراتيجية وجهود الابتكار.
لكي ينجح الابتكار المؤسسي، يجب أن يلتزم بمجموعة واضحة من الأولويات الاستراتيجية المهمة للشركة. ويجب أن يستفيد من مواطن قوة الشركة التي ستمكّنها من التفوق على الشركات الأخرى التي تحاول تنفيذ الفكرة نفسها، سواء كانت قوتها في البيانات أو العلاقات مع العملاء أو سلاسل التوريد.
يمكن لأي شركة استخدام نهج الخطوات الخمس لربط عملية وضع الاستراتيجية بعملية الابتكار، بدءاً من الموافقة مروراً بوضع معايير الابتكار وانتهاءً بتخصيص الموارد. من خلال ذلك، يمكن لأي شركة راسخة الاستفادة من مواطن قوتها لتحقيق نمو ذي قيمة على نطاق واسع.