الاستراتيجية العظيمة تبدأ برئيس تنفيذي موجود في الخطوط الأمامية

4 دقيقة
الاستراتيجية العظيمة

تتمثل الخطوة الأولى في بناء الاستراتيجية العظيمة الرابحة في إدراك أن الاستراتيجية هي شيء أكثر أهمية من تركها إلى قسم الاستراتيجيات ليضعها. بالطبع، من المفيد الحصول على مساعدة من المدراء أو الفرق المعنيين بوضع الاستراتيجيات في عملية تدقيق الاستراتيجية وتنفيذها. لكن الاستراتيجية بحد ذاتها يجب أن يضعها ويمتلكها الرئيس التنفيذي (أو من يكافئه في المنصب ضمن القسم). وإلا فإن الاستراتيجية غالباً ما تتحول إلى منتج مائع المعالم ناتج عن التفكير الجماعي ومجموعة من التنازلات وسط مجموعة متعددة من أصحاب المصلحة ضمن المؤسسة.

اقرأ أيضاً: الاستراتيجية الرقمية الجيدة تخلق سحباً جاذبياً

وبناء على ذلك، فإن الرئيس التنفيذي يجب أن يفهم بعمق احتياجات الزبائن وكيف يمكن تلبيتها. ومع ذلك، فمن الخطر الاعتماد على هذه المعلومات التي ترد عبر طبقات متعددة ضمن المؤسسة. غالباً ما يؤدي نقل المعارف والمعلومات المتعلقة بالزبائن عبر طبقات متعددة إلى حدوث تشويه وينطوي على خطر إضافة مآرب شخصية أو محاولة التأثير في الإدارة العليا، حيث إن الموظفين قد يخبرون الرئيس التنفيذي بالأشياء التي يعتقدون أنه يريد سماعها.

لذلك، من الأساسي جداً بالنسبة للرئيس التنفيذي أن يعرف كيف يشق طريقه وسط الطبقات المتراكمة ضمن المؤسسة بحيث يصل إلى زملائه الأقرب إلى الزبائن، وهم مندوبو المبيعات في الخطوط الأمامية ومدرائهم المباشرون. وإذا استفاد الرئيس التنفيذي من هؤلاء الزملاء بوصفهم نافذة تسمح له بالإطلال على احتياجات الزبائن وتوقعاتهم، وطلب منهم النصح، واعتمد عليهم للتأكد من صوابية خياراته الاستراتيجية، فسيكون قادراً على الحصول على الآراء التي يحتاجها، من الأشخاص الذين يمتلكون أفضل معرفة بالوضع الحقيقي – وهذه مقاربة تعلمناها من فريد حسن، وهو مرشدنا المشترك ورئيس تنفيذي تولى قيادة عدد من الشركات المتتالية.

الاستراتيجية العظيمة

فيما يلي مثالان حول الطريقة التي تسير بها هذه الآلية والدروس التي استخلصناها من تجربتنا:

في شركة "شيرينغ بلاو" (Schering-Plough)، حيث قاد برينت سونديرز (المؤلف الأول لهذا المقال)، قسم الرعاية الصحية للمستهلكين، بينما قاد كين بانتا (المؤلف الثاني لهذا المقال) الشؤون الاستراتيجية، كنا بحاجة إلى تنشيط قسم الرعاية الصحية للأقدام التابع للعلامة التجارية "دكتور شول" (Dr. Scholl)، والذي كان يعاني من التراخي نوعاً ما. وقد وضع فريق برينت فرضية تقول إن إطلاق خط من الجبائر وأجهزة التقويم المصممة بطريقة تسمح بتعديلها حسب احتياجات الزبائن قد يكون هو الطريقة التي ستحقق الأهداف المنشودة. وقد لجأنا مباشرة إلى الأشخاص العاملين في الميدان وعلى الخطوط الأمامية لنسألهم إذا كان ذلك سيجتذب الزبائن – ولمعرفة ما إذا كان ذلك سيعزز موقفنا مع زبائننا من الشركات الوسيطة أي المتاجر التي ستوضع فيها هذه المنتجات لتباع. وكانت إجابتهم هي "نعم". وبما أننا سمعنا هذه الأصوات الداعمة من الخطوط الأمامية، فقد حيّدنا أو تحفظنا على التصورات السلبية التي سمعناها من مدراء الإدارة الوسطى والتي كانت قد تسبب بقتل الاستراتيجية.

اقرأ أيضاً: استراتيجيتك الخاصة يجب أن تكون مرنة، وكذلك طريقة تنفيذها

ولكن عندما انتقلنا إلى مرحلة التنفيذ، واجهتنا عقبة كبيرة. فقد اعترض بعض كبار صناع القرار لدى أحد أكبر زبائننا على وضع هذه الجبائر الكبيرة في ممرات المتجر. وقد لجأنا إلى مدرائنا العاملين في الميدان، والذين كانوا يعرفون هذا الزبون بشكل حميمي وطلبنا منهم مساعدتنا وتقديم النصح لنا. وقد قاد هذا الأمر إلى حملة استراتيجية لتحديد المعترضين في الإدارة الوسطى وتغيير رأيهم من خلال فرقنا العاملة في الميدان وعلى الخطوط الأمامية. وهذه الفرق نفسها هي من وجّه برينت وغيره من كبار المدراء في مسعاهم لإقناع الإدارة العليا لدى الزبون. ونتيجة لذلك، أصبح خط إنتاج هذه الجبائر القابلة للتعديل واحداً من المحركات الأساسية لتحقيق الأرباح في قسم الرعاية الصحية للمستهلكين.

فما العبرة المُستخلصة هنا؟

ليس الناس الموجودون على الخطوط الأمامية وفي الميدان قادرين فحسب على مساعدة القائد الأعلى في التحقق من مدى صلاحية استراتيجية جديدة للابتكار، بل يمكنهم أن يكونوا وسيلة قوية أيضاً لإقناع الزبائن ومن يشغلون المناصب العليا في الإدارة بقبول ما هو مقترح عليهم.

من "شيرينغ بلاو"، انتقلنا نحن الاثنان إلى "باوش + لومب" (Bausch + Lomb) – حيث شغل برينت منصب الرئيس التنفيذي بينما ترأس كين قسم الشؤون الاستراتيجية للشركة، وقد وجدنا نفسينا أمام شركة تعاني مصاعب كثيرة حيث كانت تعمل كشركة مؤلفة من أقسام غير مترابطة: قسم للعدسات اللاصقة والمحاليل الخاصة بها، وقسم للمستحضرات الصيدلانية الخاصة بالعناية بالعين، وقسم للأنظمة الخاصة بجراحة العين. وكان هناك تحديان كبيران يتمثلان في كيفية المحافظة على تخديم الزبائن، وفي الوقت نفسه تحقيق مستويات من الكفاءة أعلى مما هو موجود لدى المنافسين الذين لديهم موارد أكثر. وقد توصل برينت إلى رأي استراتيجي حاسم بعد مرافقة مندوبي المبيعات في زياراتهم إلى الزبائن. ففي أحد الأيام، راقب برينت إحدى مندوبي المبيعات في قسم المستحضرات الصيدلانية توقف سيارتها وتدخل إلى متجر "كوستكو" (Costco) لبضع دقائق. اعتقد برينت أنها تتسوق بسرعة وسألها بأدب حول الموضوع. فكانت إجابة المندوبة هي "لا". فقد كانت توصل بعض المنتجات إلى زبون لأحد أصدقائها يعمل في قسم العدسات اللاصقة والمحاليل الخاصة بها في الشركة.

وقد كانت لحظة حاسمة بيّنت وبشكل واضح كيف أن زبائننا من الأطباء والمتخصصين بفحص العيون لم ينظروا إلى عالمهم عبر عدسة أقسامنا التجارية الثلاثة المنفصلة، وإنما كانوا ينظرون إلى زبائنهم بوصفهم مرضى لديهم قضايا متكاملة متعلقة بصحة عيونهم. ساعدت هذه التجربة مع مندوبة المبيعات في التوصل إلى استراتيجيتنا الأساسية لتوحيد أقسام الشركة تحت شعار (باوش + لومب واحدة). وقد شملت هذه الاستراتيجية في صلبها خلق روابط بين مختلف الأقسام التجارية، وبيع المنتجات المتقاطعة إلى زبائن فرق المبيعات الثلاثة، مع العمل على إظهار شركة "باوش + لومب" بوصفها شركة تهتم بكل ما يتعلق بصحة العيون. وقد أدى هذا الأمر إلى زيادة كفاءتنا، وجعلنا نتميز عن الشركات الأكبر حجماً التي تتبع منهجية بيع مشتتة. وكانت الاستراتيجية الجديدة المحرك الرئيس لنمو المبيعات ولولاء الزبائن.

اقرأ أيضاً: الأنشطة الجانبية الاستراتيجية

فما العبرة المُستخلصة هنا؟ وماذا عن الاستراتيجية العظيمة التي سيتم تطبيقها؟

إن قضاء الرئيس التنفيذي الكثير من الوقت في الميدان مع أعضاء فريق المبيعات خلال زياراتهم سيعطيه الإمكانية لتشكيل آراء استراتيجية والبحث عن أفكار غير متوقعة مثل الفكرة التي خطرت لبرينت عندما كان مع مندوبة المبيعات أثناء زيارتها لـ "كوستكو"، فهذا هو المكان الذي قد تكمن فيه الجواهر الاستراتيجية الحقيقية.

ثمة مكسب إضافي رائع يتحقق من الإصغاء إلى من يعملون على الخطوط الأمامية عند صياغة الاستراتيجية العظيمة في الشركات، فذلك الأمر سيشعرهم بملكية شخصية للاستراتيجية وسيجعلهم يبدون الشغف في ترجمتها إلى واقع. وهذا أمر أساسي للغاية. فعظمة الاستراتيجية لا تتأتّى إلا من تنفيذها.

اقرأ أيضاً: استراتيجيتك للأجهزة المحمولة لا يجب أن تقتصر على الهواتف فحسب

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي