أثبتت البحوث أن "التقييم هو بمثابة هدية لك"، وأشارت إلى أنه الدافع الرئيسي نحو تحسين أداء وفعالية القيادة، حيث يمكن للتقييم السلبي تحديداً أن يكون ذا قيمة لأنه يتيح لنا مراقبة أدائنا ويظهر لنا التغيّرات المهمة التي نحتاج إلى القيام بها. وبالفعل، نجد أن القادة الذين يسعون للحصول على التقييم النقدي يُنظر إليهم بأنهم أكثر فعالية من قبل الرؤساء والموظفين والزملاء، بينما أولئك الذين يسعون إلى الحصول على التقييم الإيجابي بالدرجة الأولى يتم تصنيفهم بدرجة أقل من حيث الفعالية. فكيف يمكن الاستجابة للتقييم السلبي بشكل صحيح؟
كيفية الاستجابة للتقييم السلبي
إن التصرف بناء على التقييم السلبي ليس بالأمر السهل، إذ يمكن أن تجعلنا ردود أفعالنا غاضبين وبحالة دفاع عن النفس وربما خجولين، ومن شأن ذلك أن يقوّض الأداء لاحقاً. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكننا الأخذ بآراء الآخرين جميعها بظاهرها، ففي حين أنّ التقييم النقدي يمكن أن يُقدم بموضوعية وبأسمى الدوافع، إلا أنه يمكن أن يكون غير دقيق أو عدواني في جوهره، فمثلاً: زميل العمل الذي يريد إفقادنا تركيزنا؛ أو مدير لديه تطلعات غير قابلة للتحقق؛ أو موظف يخاف أن يقول الحقيقة للإدارة؛ أو صديق يلومنا على أخطائه الخاصة، في جميع هذه الحالات من الصعب معرفة ما هو حقيقي وما الذي يجب تجاهله.
اقرأ أيضاً: كيف تنجو بنفسك بعد حصولك على تقييم سيئ للأداء
هناك الكثير من الوسائل المتاحة حول كيفية الحصول على التقييم النقدي، ولكن بالمقابل لا يوجد الكثير من الإرشادات حول كيفية الاستجابة للتقييم القاسي الذي نتلقاه.
وإليك هنا خمسة إجراءات مدعومة بالتجربة لمساعدتك على تلقي التقييم النقدي بشكل منفتح وهادئ، واستخلاص المفيد منه، وتسخيره لدعم مسيرتك المهنية دون أن تفقد ثقتك بنفسك.
1- لا تتعجل في الاستجابة
خلال 15 عاماً أمضيتها في العمل في اختصاص علم النفس التنظيمي والعمل كمدربة تنفيذية، رأيت كل ردود الفعل المحتملة على التقييم النقدي، وقد كانت هنالك مجموعة مواقف لا تنسى مثل: ضرب الحائط، واتهامي بأنني تسببت بأن يطفو تقييمهم السلبي على السطح، والبكاء لدرجة جعلتنا نعيد جدولة الجلسة. (لكن ما قادنا إلى التفاؤل هو أنّ جميعهم قاموا بتحسينات جذرية بمجرد تلاشي مشاعرهم الأولية).
إنّ ردود الفعل هذه مفهومة تماماً، وكما يوضح عالم النفس الشهير وليام سوان، عندما نتلقى نحن البشر آراء تتعارض مع صورتنا الذاتية، فإننا "نشعر بالضياع الشديد والفوضى النفسية؛ إذ يحدث ذلك عندما ندرك أنّ وجودنا مهدد".
اقرأ أيضاً: كيف يحصل القادة على الآراء التقييمية التي لا يرغب أحد في قولها؟
وخلال برنامج بحث من أجل كتابي الجديد "نظرة عن كثب" (Insight)، قام فريقي بإجراء عشرات المقابلات مع الأشخاص الذين قاموا بتحسينات جذرية في وعيهم الذاتي. أفاد المشاركون أنهم كثيراً ما سعوا للحصول على تقييم نقدي والذي ساعدهم على تطوير أنفسهم، لكنهم لم يكونوا مستمتعين بالضرورة بالتجربة. قال لي أحدهم ذات مرة، وهو مدير تنفيذي في مؤسسة غير ربحية: "هل تمزحين معي؟ أنا أكره أن يُقال لي بأنني لست مثالياً!"، لقد وجدنا هذا مطمئناً، (حيث يُظهر بأنّ حتى الأكثر وعياً لذاته بيننا، ما زال يتمتع بالصفات الإنسانية). ولكن عندما تعمقنا أكثر في ما فعلوه بعد ذلك، رأينا نمطاً واضحاً من السلوك؛ إذ بينما يضغط الكثير منا على نفسه للتغلب على عواطفه ويقوم برد فعل سريع، فإنّ الأشخاص الذين يتمتعون بدرجة عالية من الوعي الذاتي يعطون أنفسهم أياماً أو حتى أسابيع قبل اتخاذ قرار بشأن ما يجب فعله بعد التقييم النقدي.
لتوضيح ذلك أكثر، أفاد العديد منهم أنهم يعملون بجدية على تغيير الطريقة التي رأوا التقييم من خلالها (فهم ينظرون إلى الآراء المزعجة أو المفاجئة على أنها بيانات مفيدة لهم) وهو ما يسميه علماء النفس إعادة التقييم المعرفي. وإنّ إحدى الأدوات البسيطة والفعالة لإعادة التقييم هي "وصف الأشياء"، أو التعبير عن مشاعرنا بوضوح. على سبيل المثال، بعد أن نمر بتجربة تقييم أداء قاسية، قد نعترف ببساطة بأننا بحالة صدمة وأننا نشعر بالخوف قليلاً.
ويمكننا أيضاً اتباع أسلوب آخر ألا وهو تأكيد الذات، حيث نأخذ بضع دقائق لنذكّر أنفسنا بجانب هام من جوانب هويتنا أثناء شعورنا بأننا نتعرض للتهديد، إذ يخفف ذلك من ردة فعلنا الجسدية للتهديد الحاصل، ويساعدنا على أن نكون أكثر انفتاحاً على التقييم النقدي. على سبيل المثال، إذا كنت قد علمت أنّ فريقك يراك مديراً تفرط بالتركيز على التفاصيل؛ تذكّر في هذه اللحظة أنك صديق يُعتمد عليه أو أنك عضو فعال في المجتمع أو حتى أنك والد محب، فعندما نرى الصورة الأكبر، يساعدنا ذلك على وضع التقييم في إطاره الصحيح، وحينها فقط يجب أن نقرر كيف ستكون ردة فعلنا.
2- احصل على مزيد من البيانات
قد يكون من المربك معرفة أنّ الناس لا يروننا دائماً كما نرى أنفسنا، فقد كانت إحدى المتدربات لدي، والتي تدعى هالة، مديرة ذكية ومخلصة في عملها، ولكن حياتها المهنية انقلبت رأساً على عقب بعد تقييم الأداء الشامل "360 درجة". وعلى الرغم من أنها عانت من مشاعر عدم الأمان في حياتها المهنية بالكامل، فقد رآها زملاؤها على أنها عدوانية ومتكبرة خلال الاجتماعات، ولم يكن لديها أدنى فكرة عن سلوكها هذا، وكيف خُلقت هذه الصورة عند الآخرين. (نجد أنه رغم مزايا تقييم 360 درجة، إلا أنه يترك العديد من الأسئلة من دون إجابات واضحة).
اقرأ أيضاً: كيف تحصل على التقييم من مديرك بشكل دائم؟
لا يمكننا التصرف على أساس التقييم حتى نفهمه تماماً، وخاصة عندما نسمع شيئاً جديداً عن أنفسنا؛ فمن الأفضل لنا أن نسأل مصادرنا الموثوقة ما إذا كانوا قد لاحظوا السلوك ذاته. يعطينا هذا مزيداً من التفاصيل حول ما نفعله لخلق انطباع معين، ويساعدنا أيضاً على تجنب المبالغة في معالجة سلوكنا استناداً إلى رأي شخص واحد، وكما قال الفيلسوف الروماني ماركوس أوريليوس، "كل ما نسمعه هو رأي، وليس حقيقة".
ولكن مَن الذي يجب أن نقوم بسؤاله؟ تزودنا المقابلات التي نجريها مع أشخاص أصحاب وعي عال بالذات بعض الإرشادات المفيدة، ومن المثير للدهشة، أنّ معظمهم نصحوا بأن نشكل حلقة صغيرة نسبياً، تتشكل من الأشخاص الذين نتلقى منهم الآراء النقدية. قال أحد مدراء خدمة العملاء، "أتلقى الآراء النقدية طوال الوقت، ولكن ليس من جميع الأشخاص، أنا أعتمد على مجموعة صغيرة ممن أثق بهم وأعلم أنهم سوف يخبروني الحقيقة". هؤلاء هم "النقاد المحبون"، كما أطلقنا عليهم، الذين نثق بهم والذين سيكونون صادقين تماماً بآرائهم، وليس بالضرورة أن يكونوا من الأشخاص المقربين (إذ حتى الأشخاص الغرباء بالكامل لديهم تصورات دقيقة بشكل لا يصدق عن أنفسنا). من بين النقاد المحبين الثلاثة الذين اختارتهم هالة؛ (أكاد أجزم أنّ ذلك الذي لم تكن تعرفه جيداً) قد أعطاها معلومات أكثر قيمة.
وبفضل أولئك النقاد، تمكنت هالة بسرعة من بناء صورة أفضل في ذهنها لشكل سلوكها؛ ما أعطاها القدرة للحصول على خيارات مختلفة. بعد عدة أشهر، أخبرني مدير هالة أنها انتقلت من كونها عضو متدني الأداء إلى أكثر أعضاء الفريق فعالية، ولو أنها لم تأخذ الوقت الكافي لفهم التقييم الذي حصلت عليه، فمن الصعب حدوث مثل هذا التحول الجذري.
3- اختر موقفاً أولياً لإثبات تطورك
حتى عندما ننجح في تحسين سلوك معين، هذا لا يعني أنّ الأشخاص من حولنا سوف يلاحظون ذلك من تلقاء أنفسهم. وكما أشار بذكاء مدرب مهارات القيادة مارشال غولدسميث، قد يكون تغيير "التصورات" عن سلوكنا أصعب من تغيير السلوك نفسه، فكم سيكون محبطاً إذا قمنا بإهدار طاقتنا لتطوير أنفسنا استناداً على تقييم زملائنا، لكن هؤلاء الزملاء أنفسهم لا يلاحظون ذلك.
ولهذا السبب، أعمل أيضاً مع المتدربين لدي على تنمية جوانب "العلاقات العامة" لسلوكهم، إذ نقوم بعد تلقي تقرير التقييم مباشرة باختيار إجراء مرئي وذي مغزى، والذي سيُظهر مدى جديتهم بشأن التغيير. عملت ذات مرة مع مدير قسم الأشعة في مركز طبي كبير، الذي كان يدعى باسم، وعندما قابلت الموظفين لديه كانت معنوياتهم منخفضة للغاية؛ حيث أخبروني أنّ باسم لا يتفهم أو لا يُظهر اهتماماً بالصعوبات اليومية التي يمرون بها، وهو شيء محبط للغاية.
وتكلموا جميعاً خلال مقابلاتي معهم عن الموقف نفسه؛ حيث تعطل الباب في مدخل قسم الأشعة قبل بضعة أسابيع، وقد كان على الموظفين الذين ينقلون المرضى أن يسندوا الباب بأنفسهم ويقومون بإدخال المريض بسرعة قبل أن يغلق تلقائياً، وقد طالبوا بإصلاحه؛ لكن مضى أسابيع دون أي استجابة. من الواضح تماماً أنّ هذه المسألة البسيطة في ظاهرها قد كان لها أثرها السلبي على فريق باسم.
اقرأ أيضاً: كيف تبدو الآراء التقييمية الجيدة؟
تضمنت الخطة التي أنشأها باسم العديد من الاستراتيجيات الفعالة وطويلة الأجل للحصول على ثقة فريقه. لكن قبل البدء في تنفيذها، قمنا باختيار موقف أولي لإثبات تطوره. إذ أنه في اليوم التالي، سوف يتوجه خلال أكثر أوقات اليوم ازدحاماً نحو الباب المعطل ويقوم باستبداله بنفسه. لاحظ موظفو باسم على الفور هذه الخطوة التي لها الكثير من الدلائل وقاموا بالثناء عليها، الأمر الذي جعل من السهل جداً ملاحظة التغييرات الأخرى التي قام بها فيما بعد.
4- لا تمثل دور الضحية
يمكن أن يشعرك التقييم النقدي بأنك منعزل تماماً، ولا يحدث ذلك فقط لكونه أمراً مربكاً في حينه، حيث أظهرت البحوث التي أجراها كل من فرانشيسكا جينو وبول غرين وبرادلي ستاتس أننا نميل إلى تجنب الناس بعد أن نحصل منهم على آراء سلبية. وبينما أنه من الأسهل لنا أن نرى أنفسنا كطرف متضرر ضمن مؤامرة واسعة في العمل، لكننا نخطئ كثيراً عندما نقوم بعزل أنفسنا عن الأشخاص الذين يقولون لنا الحقيقة، ووجدت جينو وزملاؤها أنّ الأشخاص الذين فعلوا ذلك شهدوا انخفاضاً في الأداء بعد عام واحد.
يجب علينا التقرب أكثر من الأشخاص الذين يقولون لنا الحقيقة، وللتأكد من ذلك قام مارشال غولدسميث وهوارد مورغان بتتبع التغيرات السلوكية لأكثر من 11,000 قائد بعد الانتهاء من برنامج تنمية المهارات القيادية، وقد أظهر أولئك الذين بقوا على تواصل مستمر مع زملائهم شهدوا تطورات كبيرة، في حين أنّ أولئك الذين قاموا بعزل أنفسهم بالكاد تمكنوا من إحداث أي تغيير.
وبهذا الخصوص، يمكن أن يكون التقييم النقدي فرصة رائعة لإعادة صياغة علاقاتنا – وعن طريق النهج الصحيح، يمكن أن يصبح أكبر منتقدينا هم أكثر الداعمين لنا. عندما كنت أقوم بمقابلات مع زملاء عمل متدربة جديدة لدي، والتي تدعى راما، علمت أنّ زملائها في قسم آخر شعروا بالإهانة الشخصية بسبب افتقارها إلى التواصل الإيجابي معهم.
ونظراً لكون رأي رئيسي هذين القسمين كان أمر بالغ الأهمية من أجل نجاح راما، فقد قررت اتخاذ الخطوة الأولى، إذ قامت بشكرهم على آرائهم، واعتذرت بصدق عن دورها السلبي، واقترحت إعادة النظر بشأن توقعاتهم نحوها لتتمكن من المضي قدماً، كما التزمت بالالتقاء بهم شهرياً للحصول على اقتراحات حول كيف يمكن أن تكون زميلة أفضل. بعد بضعة أشهر، تلقت رسالة منهم يشكرونها على استجابتها وتعاونها؛ وكلما كانت راما تعمل على إحداث تغيرات، استمروا بالاحتفاء بها وذلك عندما تسير الأمور بشكل جيد، وافترضوا حسن النية في الأوقات الأخرى.
5- تذكر أنّ التغيير هو أحد الخيارات
يعتقد الناس الأكثر طموحاً ونجاحاً أنه عندما يحد سلوك معين من نجاحهم، فيتوجب عليهم العمل على تغييره. ومع ذلك، فإن أفضل طريقة لإدارة نقاط الضعف لدينا لا تكون دائماً واضحة، ويمكن للتقييم في بعض الأحيان أن يضيء على العيوب التي تشكل جزءاً من شخصيتنا والتي لا نستطيع التخلص منها.
يُعد هاني، رائد الأعمال الناجح، أفضل مثال على ذلك، فبالنسبة لحياته المهنية، كان يرى نفسه قائداً فعالاً وأن لديه مهارات اتصال قوية. ولكن بعد تقييم "360 درجة"، اكتشف أنّ أعضاء فريقه لا يشاركونه رأيه، فلم تكن آرائهم أقل بكثير من تقييمه لنفسه فحسب، بل كانت أقل درجة حصل عليها هي كفاءة الاتصال.
شرع هاني في معالجة وتحليل هذا التقييم ليتمكن من فهمه بشكل أفضل، وتوصل إلى استنتاج هام مفاده: أنه قد لا يكون مطلقاً محبوباً بصدق، بغض النظر عن محاولاته الحثيثة. لكن بدلاً من التوقف هناك (وهو الأمر الأكثر سهولة)، علم أنه بحاجة لأن يكون واضحاً مع فريقه. قام هاني بعقد اجتماع في الشركة، حيث اعترف بأنه لم يكن ذلك القائد المحبوب وأنّ تواصله لم يكن فعالاً. بعد ذلك، أوضح لفريقه أنّ بعض السلوكيات كانت عيباً شخصياً فيه وبالتأكيد ليس لأنه لا يكترث لأمرهم أو لا يقدرهم. وفي النهاية، طلب مساعدتهم وتفهمهم بينما كان يعمل هو على التغلب على نقاط الضعف هذه.
والذي جعل هاني مندهشاً جداً، هو أنّ موظفيه كانوا متفهمين للغاية، وبمرور الوقت، بدأوا حتى بالمزاح (بمحبة) حول بعض الأخطاء التي ارتكبها أثناء تواصله معهم. رأى هاني في ذلك إشارة إلى أنهم كانوا داعمين له، على الرغم من عدم قدرته بأن يكون ذلك القائد المثالي. في بعض الأحيان تكون أفضل استجابة على التقييم النقدي هي الاعتراف بعيوبنا- لأنفسنا أولاً، ثم للآخرين - مع وضع تطلعات حول ما هو شكل السلوك الصحيح. عندما نتحرر من الأمور التي لا يمكننا تحسينها، فإنّ ذلك يعزز طاقتنا من أجل الاستجابة للتقييم السلبي، وللتركيز على تغيير الأشياء التي من شأنها أن تتغير.
اقرأ أيضاً: كيف تبتعد عن التحيّز الجندري في تقييم أداء العاملين؟