أسئلة القراء: هل تقبل بعرض عمل آخر إذا كان العمل الذي تحبه يسبب لك الاحتراق الوظيفي؟

7 دقائق
الاحتراق الوظيفي في العمل
shutterstock.com/phloxii

رسالة من قارئة: أعمل حالياً لدى شركة ناشئة في قطاع الرعاية الصحية، وأنا مديرة المنتجات الوحيدة في الشركة. وقبل عملي هذا عملت لمدة 5 أعوام في شركة أكبر كثيراً في قطاع الرعاية الصحية، حيث كنت في البداية مهندسة برمجيات ثم أصبحت مسؤولة عن أحد المنتجات. لطالما وددت أن أعمل في شركة ناشئة وأن تكون لي بصمة أكبر وأهم. وفي عملي الحالي في الشركة الناشئة، تحظى خبراتي وكفاءاتي العلمية بالتقدير، وأرى عن كثب كيف تتم إدارة الشركة، وهو أمر مذهل بالنسبة لي، بالإضافة إلى أن الشركة تمنحني خيارات الأسهم. المشكلة هي أن حجم العمل كبير جداً، وأصبح العمل ليلاً وفي أثناء عطل نهاية الأسبوع هو القاعدة، وأنا أعاني من الاحتراق الوظيفي فعلاً على الرغم من أني أعمل في هذه الشركة منذ 7 أشهر فقط. تحدثت مع مديرتي كي أحصل على المساعدة، لكنها قالت في البداية إن الشركة لا تملك المال الكافي لتعيين موظفين جدد، ثم قالت إننا لا نملك الوقت للبحث عن موظفين جدد وإجراء المقابلات معهم، وأننا سنزداد انشغالاً مع الوقت. أشعر أني غير قادرة على تلبية جميع المطالب، وأن استياء مديرتي مني يزداد يوماً بعد يوم. وبسبب هذه العلاقة المتوترة بيني وبينها وعبء العمل الكبير، أشعر بتوتر وضغط كبيرين. أجريت مقابلة لأجل وظيفة لدى شركة أخرى وحصلت على عرض العمل، الوظيفة هي مديرة منتج في مستوى مبتدئ لدى مصرف كبير. لكن سنوات خبرتي في قطاع الرعاية الصحية ليست ذات قيمة بالنسبة للمصرف، والراتب أقلّ من راتبي الحالي بنحو 10 إلى 15%. لكني سأحقق فيه توازناً أفضل بين الحياة الشخصية والعمل، كما أني سأحصل على إجازة أمومة تصل إلى 16 أسبوعاً، فأنا أم لطفل وأخطط لإنجاب آخر، علماً أن الشركة الناشئة التي أعمل فيها حالياً لا تقدم لي سوى 8 أسابيع لإجازة الأمومة.

سؤالي هو: ماذا يجب عليّ أن أفعل؟

يجيب عن هذا السؤال كل من:

دان ماغين: مقدم برنامج "ديير آتش بي آر" من هارفارد بزنس ريفيو.

أليسون بيرد: مقدمة برنامج "ديير آتش بي آر" من هارفارد بزنس ريفيو.

ديف بولتر (DAVE BALTER): مؤسس شركة ناشئة ومستثمر، وألف كتاباً جديداً بعنوان "ضرورة التواضع: القيادة الفاعلة في عصر يسوده الغرور" (The Humility Imperative: Effective Leadership in an Era of Arrogance).

ديف بولتر: الجواب واضح جداً، يجب أن تقبل بالوظيفة الجديدة.

أليسون بيرد: لماذا؟

ديف بولتر: يبدو أن صاحبة الرسالة تقوم بعمل مذهل في الشركة التي تعمل فيها حالياً، إذ دخلت إليها بقوة ومارست دوراً مهماً، واندمجت تماماً مع شركة ناشئة سريعة الحركة مثل أي شركة ناشئة أخرى. فالموظفون في الشركات الناشئة يحملون أعباء هائلة من العمل، ويعملون ساعات طويلة وبأسلوب غير تقليدي، ويصابون بالاحتراق الوظيفي. يبدو أن صاحبة الرسالة تشعر بالراحة أكثر لعرض العمل في المصرف الذي حصلت عليه. فهي تفكر بوضعها المستقبلي، إنجاب طفل آخر وإجازة الأمومة التي تصل إلى 16 أسبوعاً. والشركة الناشئة ليس بإمكانها تقديم هذا النوع من الامتيازات. لذلك يبدو القبول بالوظيفة الجديدة في المصرف خياراً سيجعلها أكثر سعادة ويمنحها توازناً أفضل بين حياتها الشخصية والعمل.

دان ماغين: فيما يخص المشكلة التي تعاني منها صاحبة الرسالة، هل ارتكبت خطأ في مقابلة العمل قبل البدء في عملها الحالي فيما يخص مناقشة عدد ساعات العمل وتحديد ما هو مطلوب منها؟ أم أن المديرة هي التي ارتكبت خطأ بعدم توضيح الأمور لها وشرح طريقة العمل في الشركة على اعتبارها ناشئة وتوضيح أن العمل فيها ليس كأي عمل من 9 صباحاً حتى 5 مساء؟

ديف بولتر: ليس بالضرورة أن تكون إحداهما قد ارتكبت خطأ، وربما في أثناء عملها لدى المصرف ستعمل مع شركة ناشئة أو اثنتين، وستدرك حينئذ ما يجعل مديرتها تبدو مشوشة للغاية. حياة العمل في الشركات الناشئة مختلفة، إذ قد يبدأ العمل بثلاثة موظفين في المكتب، ثم يزداد عددهم ليصل إلى 10، وعندما يصبح عدد الموظفين 20 يكون نصف الموظفين السابقين قد غادروا لأن بيئة العمل التي تضم 20 موظفاً أصبحت مختلفة عما كانت عليه عندما كانت تضم 3 موظفين فقط. أنا لا أعتبر ذلك فشلاً، بل هي فرصة للطرفين، إذ يكتسب كل منهما شيئاً من قيمة من الآخر ثم ينتقلان إلى توازن مختلف بين الحياة الشخصية والعمل.

أليسون بيرد: السؤال الأهم هو: هل هي ملائمة للعمل في شركة ناشئة؟ يبدو جلياً أنها تستمتع ببعض أوجهه، وقد يكون ممكناً أن تجرب التحدث مرة أخرى مع مديرتها حول ما تتوقع الحصول عليه، وعن خطط تعيين موظفين جدد كي تتوصل إلى حل ممكن تتفقان عليه كلتاهما. يجدر بها المحاولة مرة أخرى لأن الشركة تدفع لها راتباً جيداً، وهي تحب عملها بالقرب من أعمال الشركة، وثمة أمر جذبها إلى هذه الشركة الناشئة التي تعمل في مجال خبرتها في المقام الأول.

ديف بولتر: أنا أؤيد دائماً تجربة الخيارات الأخرى. لذا، عليها ألا تتوجه إلى مديرتها وتقول لها إنها متمسكة بهذا العمل حقاً. كل ما سمعته في هذه الرسالة يقول لي أنها حتى إذا فازت في هذه المعركة فحربها خاسرة. والفوز في هذه المعركة يعني أن تطلب مزيداً من الوقت، فتوافق مديرتها ولكن بشرط التمهل، في حين تسير بقية الشركة بسرعة مختلفة. فتقع في مشكلة تتمثل في أن الجميع سيتفادون صاحبة الرسالة بهدوء ويقولون من ورائها إنها لا ترغب ببذل جهد كبير مثل البقية. والمشكلة الثانية تتعلق بالأمومة وقد تحدثت عنها بوضوح. فقد قالت إن الشركة الكبيرة تقدم لها الامتيازات التي ترغب فيها، في حين لا تقدم لها الشركة الصغيرة ما يكفيها من هذه الامتيازات. وعندما تنجب طفلها الآخر لن تشعر بالراحة وستكون في حالة ترقب دائمة، إلى جانب تعبها وأعباء العمل الكبيرة التي ستحملها على عاتقها ما بين متطلبات الأمومة ومستلزمات الوظيفة. الوضع لن يتغير، وكل ما أسمعه في هذه الرسالة يشير إلى أنها جربت جميع الحلول، وأصبحت جاهزة للانتقال إلى مكان آخر. فقد تحدثت إلى مديرتها وقالت لها الأخيرة أن هذا الوضع سيبقى على ما هو عليه، ولا أرى أن الشركة ستبذل أي جهد لإبقائها.

أليسون بيرد: أؤيد هذه النقطة، فأنا كما تعلمون أدافع عن التوازن بين الحياة والعمل وأعتبره أهم من الراتب في كثير من الحالات. لكن ألن تجد هذه الشركة الناشئة نفسها في مأزق إذا لم تعتزم التعامل بمرونة أكبر مع ما تريده هذه الموظفة التي تتمتع بأداء قوي، لاسيما أنها امرأة تربي أطفالاً. وقد يكون التحدث بهذا الأمر مرة أخرى مفيداً لصاحبة الرسالة والشركة على حدّ سواء.

ديف بولتر: يمكنها التوجه إلى الرئيس التنفيذي مباشرة. فإحدى ميزات الشركات الناشئة هي إمكانية التواصل مع الإدارة العليا عن قرب أكثر. وربما كان الوقت مناسباً لصاحبة الرسالة كي تقول لمديرتها: "هل تمانعين تحدثي إلى الرئيس التنفيذي حول ما تنوي الشركة فعله تجاه توازن الحياة والعمل الذي أطلبه؟" يجب ألا تتوجه إلى الرئيس التنفيذي من وراء مديرتها، فهذا الأسلوب لا ينجح عادة. سأروي لكم حادثة مضحكة مررت بها في وظيفتي الأولى بعد تخرجي مباشرة لدى شركة "ميرسر كونسلتنغ" (Mercer Consulting)، وهي شركة استشارية كبيرة، وكنت محاسباً فيها. وبعد استلامي الوظيفة فيها بنحو 6 أشهر، حصلت على عرض لوظيفة في شركة أخرى، ورأيت أني أجيد ما أفعله بحق. لذا، أخذت موعداً من الرئيس التنفيذي، ومُنحت 15 دقيقة لمقابلة الرئيس التنفيذي للموارد البشرية بيت بليلر، ولن أنسى صورته عندما فُتحت أبواب مكتبه الخشبية الكبيرة أمامي وكان جالساً إلى طاولته في أخر غرفة المكتب الضخمة. جلست، وقلت له: "أنا ديف، وأنا محاسب في الشركة. لقد عُرضت عليّ وظيفة في شركة أخرى، وأود أن أعرف ما ستفعله لإبقائي في هذه الشركة". فنظر في عينيّ مباشرة وقال: "لا شيء على الإطلاق". وهذا ما كان. خرجت، وكانت تلك نهاية وظيفتي هناك. إذا عرفت صاحبة الرسالة من القائد ما يهمه وما لا يهمه، فستتمكن من اتخاذ قرار حاسم. يمكن أن يقول الرئيس التنفيذي لصاحبة الرسالة: "انتظري، ليست هذه الثقافة التي أحاول إنشاءها في الشركة، دعيني أناقش الأمر مع فريقي التنفيذي"، أو قد يقول: "لا أعتقد أننا سنحاول إبقاءك في شركتنا، وربما آن الأوان كي تقبلي بالوظيفة التي عرضت عليك في المصرف". لذا، ربما كان الوقت مناسباً لها للتحدث إلى الرئيس التنفيذي.

دان ماغين: تحدثنا كثيراً عما إذا كانت صاحبة الرسالة مناسبة للعمل في الشركة الناشئة وساعات العمل الطويلة ومطالبه، فلنتحدث الآن عن الحسابات المالية. إذا غادرت الشركة الناشئة في قطاع الرعاية الصحية، فستتنازل عن خيارات الأسهم، وعن نسبة تتراوح ما بين 10 إلى 15% من راتبها، ولكنها ستحصل على عدد ساعات عمل أفضل، وستحصل على 8 أسابيع إضافية لإجازة الأمومة إذا أنجبت طفلاً ثانياً. كيف نوازن بين هذه الأمور؟

ديف بولتر: على الرغم من ذلك، يجدر بها الذهاب للعمل في المصرف، لأن مشكلتها لا تتعلق بالأمور المادية، بل وضحت في رسالتها أن ساعات العمل وإجازة الأمومة في المصرف أفضل، صحيح أن الراتب أقل قليلاً ولن تتمتع بخيارات الأسهم، لكن مشكلتها الحقيقة كما يبدو واضحاً من رسالتها لا تتعلق بالتعويضات المالية، بل بنمط الحياة. فلنناقش الخيارات المطروحة في تصورين. في التصور الأول، يمكن أن تنضم إلى شركة ناشئة وتحصل على خيارات فيها، وإذا سارت الأمور على ما يرام فستجني أكثر مما يمكن أن تجنيه في أعوام من العمل في أي مكان آخر. كم جميل أن تنهي عملاً تجارياً وتجلس في غرفة تضم مئات الأشخاص الذين جنوا منه للتو أموالاً طائلة. إذا حدث ذلك فعلاً فسيكون رائعاً، وعندئذ يمكن السعي للتفاوض على الخيارات. لكن في الجهة المقابلة، هذا لا يحصل غالباً، فالشركات الناشئة تنطوي على مخاطر كثيرة، وهي أشبه بالقفز من قمة منحدر نحو المجهول، وأغلب الشركات الناشئة تبوء بالفشل. أود طرح سؤال على صاحبة الرسالة قبل أن تتخذ قرارها بالانتقال إلى العمل في المصرف، وهو: ما هو احتمال نجاح هذه الشركة الناشئة؟ عندما تجيب عن هذا السؤال ستتمكن من اتخاذ قرار بالمغادرة مع الاستفادة من خياراتها المستحقة من الأسهم، فلربما تمكنت من جني شيء من أرباح هذه الخيارات والانتقال إلى الوظيفة الأخرى وتحقيق التوازن الذي تريده بين الحياة والعمل.

أليسون بيرد: بما أن الحديث يدور حول مغادرتها والقبول بالوظيفة في المصرف، هل يمكن قول الشيء نفسه لو كانت هذه الرسالة من رجل؟

ديف بولتر: أجل بكل تأكيد.

دان ماغين: أجل بلا شك، هذا أمر طبيعي. لا أرى أي فرق بين الرجل والمرأة في هذا الموقف. فهو متعلق بطبيعة الشخص وقابليته للعمل لساعات طويلة جداً.

أليسون بيرد : أولاً، نود من صاحبة الرسالة أن تدرك أن وتيرة العمل السريعة هذه طبيعية في أي شركة ناشئة، ونادراً ما تغير الشركات الناشئة طريقة عملها. ومن المعتاد أن يعمل موظفوها ليلاً ونهاراً وفي عطل نهاية الأسبوع، ومن النادر أن يكون دوامهم فيها قصيراً. من المحتمل أن تكون صاحبة الرسالة غير ملائمة للعمل في بيئة من هذا النوع. يمكنها أن تحاول للمرة الأخيرة التحدث مع مديرتها أو حتى إلى الرئيس التنفيذي لمعرفة ما إذا كانت ثقافة العمل 24 ساعة على مدى أيام الأسبوع هي التي يود إنشاءها بحق، والتعرف على خططه بشأن تعيين موظفين جدد وكل ما هنالك. الجانب المالي جزء من المعادلة، لكن يبدو أن التوازن ما بين الحياة والعمل أهم كثيراً بنظرها. ونرى أنها في موقع جيد جداً لأنها حصلت على عرض عمل آخر في مكان تتوقع أنها ترغب في العمل فيه، وربما سيفيدها الاستفسار أكثر، لكننا نشجعها على الانتقال.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي