تخلص من الاجتماعات الافتراضية الضخمة

5 دقائق

تحفل الاجتماعات المنعقدة عن بعد بالكثير من التحديات، فغالباً ما يكون من الصعب ضبط إيقاع التواصل وتدفقه، خاصة في ظل وجود ضجيج في الخلفية أو رداءة نوعية الاتصال، وقد يشعر الحضور نتيجة لذلك بالانفصال أو الانعزال، وبالتالي ضعف مستوى المشاركة والحضور الذهني ومحاولة أداء أكثر من مهمة في وقت واحد، إلى جانب ضياع الأصوات خاصة أصوات أولئك الأشخاص الميالين إلى الانطواء أكثر من غيرهم. وتتضخم هذه المشاكل مع زيادة أعداد المشاركين في الاجتماع بسبب ندرة وقت التحدث وعدم التعرف على هوية المتكلمين.

فحاول تعديل منهجك للتعامل مع هذه المعضلات والخروج برؤى وأفكار مفيدة من جميع الحاضرين في الاجتماع، وهناك طريقتان يمكنك تجربتهما في هذا السياق: التزام الصمت وتقسيم الحضور في غرف منفصلة. تمثل هاتان الأداتان أهمية كبيرة لتعزيز الفاعلية وتغذية روح الإبداع وتشجيع التفاعل والاندماج، على الرغم من أنهما غير مناسبتين لكل أنواع الاجتماعات.

التزام الصمت لتحسين العصف الذهني

يدعم البحث العلمي فوائد التزام الصمت في أثناء الاجتماعات لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من أفكار كافة الحضور ورؤاهم وتصوراتهم، فجلسات العصف الذهني الصامتة تولّد أفكاراً أكثر بكثير من جلسات العصف الذهني الصاخبة، كما أن هذه الأفكار غالباً ما تكون أكثر إبداعاً وذات جودة أعلى.

لماذا؟ لأن تشجيع الحاضرين في الاجتماعات على الإدلاء بدلوهم في جو يسوده الهدوء وبصورة فردية يتيح للكثير من المشاركين التعبير عن أفكارهم دفعة واحدة، وبهذه الطريقة الكتابية يمكن "سماع" الكثير من الأصوات في جلسات العصف الذهني بدلاً من الاكتفاء بالاستماع إلى فرد واحد والرد على كل شخص بذاته، بالإضافة إلى تجنب محاولات تصفية الأفكار نظراً لإمكانية إخفاء هوية صاحب الفكرة عند إجراء العصف الذهني الكتابي، ما يسمح للحضور بكتابة إسهاماتهم دون الخوف من الحكم عليها أو السخرية منها.

تبرز أهمية هذا الأسلوب في الاجتماعات المنعقدة عن بعد نظراً للتحديات التي تكتنف التواصل وتفاعل الحضور المشار إليها آنفاً. إليك إحدى الطرق التي يمكنك من خلالها تنفيذ هذا الأسلوب:

أولاً، راجع جدول الأعمال عند تحديد موعد اجتماع عن بعد وسلِّط الضوء على أهداف الاجتماع في الدعوة الموجهة إلى المشاركين، ثم شارك مستند عمل (مثل مستندات جوجل) مع جميع الحاضرين في بداية الاجتماع نفسه، يجب أن يحتوي المستند على الأسئلة الرئيسية المطلوب الإجابة عنها خلال الاجتماع و/أو محفزات العصف الذهني.

بعد توضيح أنك ستجرب العصف الذهني الصامت، شجع جميع المشاركين على الإسهام في المستند لمدة تتراوح ما بين 10 إلى 20 دقيقة وفقاً لاحتياجات الاجتماع، ويمكن للحضور المشاركة بنشاط في توليد الأفكار والرد على بعضهم البعض خلال هذه الفترة باستخدام خاصية التعليق وإبداء التعاون عبر الوثيقة. ستجد أن هذا العصف الذهني الصامت يؤدي إلى تبادل الأفكار بصورة حيوية للغاية تشجع مجموعة أكبر من الحضور على التفاعل نتيجة تخلصهم من عقدة اللسان، ولا تتردد كقائد في المشاركة وتقديم التوجيهات ومطالبة الحاضرين بتوضيح أفكار محددة كانوا قد كتبوها.

وسيكون أمامك عدة خيارات بمجرد الانتهاء من مرحلة العصف الذهني، فإذا كان الاجتماع صغيراً نسبياً (يضم أقل من ستة مشاركين)، يمكنك استخلاص أهم النتائج مع فريقك من خلال إجراء مناقشة شفهية لما تمخض عنه الاجتماع، أما إذا كان الاجتماع أكبر حجماً، فيمكن فض الاجتماع فور انتهاء الوقت المقرر له، يمكنك بعدئذٍ تخصيص بعض الوقت لتصفح المستند ومعرفة ما تم التوصل إليه، ثم مشاركة الاستنتاجات العامة والخطوات التالية مع الحضور من خلال رسالة بالبريد إلكتروني كنوع من المتابعة، أو إرسال استقصاء موجز بعد الاجتماع تطلب فيه من المشاركين التصويت على الخيارات النهائية للخطوات المطلوب اتخاذها في المستقبل أو مشاركة درجات ترتيب الأولويات، وقد لوحظ أن الفصل بين المناقشات والمداولات من جهة وعملية صناعة القرار الفعلية من جهة أخرى على النحو المبين هنا يعزز جودة القرارات المتمخضة عن الاجتماعات.

استخدام غرف المجموعات المنفصلة لخلق شعور بتحمّل المسؤولية

عندما تكون الاجتماعات كبيرة الحجم (تضم أكثر من ستة مشاركين)، يزداد خطر ضياع الأصوات وسط الزحام، فقد تضيع على الحضور فرصة الإدلاء بدلوهم أو يشعرون بالانزعاج نتيجة لسيطرة أفراد بعينهم على مجريات النقاش أو التصادم مع الآخرين.

تتمثل الخطوة الأهم نحو تعظيم الاستفادة من هذه الاجتماعات الافتراضية الضخمة في تحويلها شكلاً وموضوعاً إلى ما يشبه الاجتماعات الصغيرة، وثمة طريقة سهلة وبسيطة لتنفيذ هذه الخطوة وذلك من خلال تقسيم المجموعة الكبيرة إلى مجموعات أصغر يتكون كل منها من فردين أو ثلاثة أفراد في جزء من الاجتماع.

وتتضمن الكثير من منصات الفيديو (مثل "زووم" Zoom و "أدوبي كونكت" Adobe Connect و"سامبا لايف" Samba Live) خيار "الغرف المنفصلة" الذي يتيح للقادة إمكانية إدارة المناقشات على مستوى مجموعات أصغر في إطار المجموعة الأكبر، كما تتيح للقادة أيضاً إمكانية تخصيص حد زمني محدد للمجموعات الفرعية.

إليك هذا المثال: لنفترض أن هناك 15 فرداً في فريقك ينضمون إلى منصة "زووم" لحضور اجتماع الموظفين الأسبوعي، حيث تفتتح هذا الاجتماع الافتراضي بمراجعة أهداف الاجتماع وغاياته مع جميع الحاضرين، كل ذلك في غضون دقيقتين فقط، عندئذ يمكنك توزيع المجموعة على غرف الدردشة المنفصلة بحيث تُخصَّص غرفة لكل ثلاثة أفراد مع إعطائهم مهلة زمنية في حدود 12 دقيقة، ويمكن تكليف كل مجموعة فرعية بمهمة مختلفة أو بالمهمة ذاتها.

عند انتهاء المهلة الزمنية المحددة تعود كل المجموعات الفرعية الخمس إلى وضعها السابق كمجموعة واحدة، وهناك مجموعة متنوعة من المسارات التي يمكن للاجتماع الانطلاق منها اعتماداً على المهمة المحددة: إذ يمكن أن ينتهي الاجتماع بإرسال كل مجموعة فرعية للنتائج التي توصلوا إليها عبر بريدك الإلكتروني (بصفتك رئيس الاجتماع)، ومن ثم يمكنك التخطيط للخطوات التالية. ثمة مسار آخر يتمثل في تكليف ممثل واحد عن كل مجموعة فرعية بإعداد تقرير يوضح فيه النتائج التي خلصوا إليها وعرضه على الفريق الرئيسي مع دعوة الجميع لإبداء تعليقاتهم وملاحظاتهم وطلب أي توضيحات. أما المسار الأخير فيتمثل في تسجيل التوصيات المشتركة في صورة استطلاع أو نموذج بينما يقوم الممثلون بعرضها، اعتماداً على النتيجة المرجوة من الاجتماع، يمكنك بعد ذلك إرسال رابط التصويت إلى كافة أفراد المجموعة عبر خاصية الدردشة أو بالبريد الإلكتروني للتصويت على الأفكار التي يفضلونها، لن يستغرق الإدلاء بأصواتهم أكثر من دقيقتين، ويمكن إجراء التصويت أيضاً في أثناء الاجتماع أو بعده.

تتيح استراتيجية الغرف المنفصلة إمكانية التفاعل والمشاركة في تطوير الأفكار من قبل كافة المشاركين، ذلك أنها تسمح بسماع عدد أكبر من الأصوات مع الحد من خطر ترصد أحد الحضور بالذات، كما أن هذه الاستراتيجية تسهم أيضاً في خلق الإحساس بتحمّل المسؤولية نظراً لتكليف كل مجموعة بمهمة محددة، وكميزة إضافية، فإن هذا الأسلوب يمكن أن يوفر الوقت بالاستعانة بمنهج فرق تسد.

وإذا لم يكن يتوافر بمنصة الاجتماعات الافتراضية التي تستخدمها خاصية الغرف المنفصلة، فهناك آليات بديلة لتنفيذ هذه الاستراتيجية، على سبيل المثال، عند إنشاء المجموعات الفرعية قبل الاجتماع، اطلب من ممثل كل مجموعة فرعية إعداد دعوة موجزة لاجتماع الفريق في وقت معين (قبل وقت اجتماع المجموعة الكبيرة بـ 20 دقيقة مثلاً)، وبعد اجتماع كل الفرق الفرعية للتعاون، يمكن للمجموعة الأكبر أن تجتمع معاً للإبلاغ عن الأفكار ومناقشتها.

تسهم تجربة أساليب مختلفة في تخفيف آثار بعض التحديات التي تواجهها الاجتماعات الافتراضية، سواء من خلال التزام الصمت أو تقسيم الحضور إلى مجموعات فرعية. تجدر الإشارة هنا إلى أنه لا يُقصَد بهذه الأساليب أن تتحول إلى منهج معتمد لكافة الاجتماعات المنعقدة عن بعد، ولكن إذا أردت تلقي المزيد من الأفكار من فريقك، فجرّب العصف الذهني الصامت، وإذا كان عدد أعضاء فريقك كبيراً للغاية، فجرب غرف المجموعات المنفصلة، وبعد كل مرة تجرب فيها أساليب جديدة، فكّر واجمع التعليقات من فريقك حول كيفية سيرها لتميّز بين الأسلوب الناجح وغير الناجح. تعلَّم وفكّر ووسّع مداركك مع ازدياد حجم صندوق أدواتك المستخدمة في عقد الاجتماعات.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي