إليكم هذه القصة التي تتحدث عن الاتصالات في وقت الأزمات المفاجئة. في الساعة 8:45 صباحاً بتاريخ 11 سبتمبر/ أيلول عام 2001 كان جون مورفي الرئيس التنفيذي لشركة أوبنهايمرفاندز (Oppenheimer Funds)، يمارس رياضة الجري في حديقة باتري بارك الواقعة في جنوب مانهاتن. كان يفكر بخطة إعادة تنظيم الشركة التي كان أعلن عنها في اليوم السابق عندما رأى فجأة انفجاراً بالقرب من قمة البرج الشمالي لمركز التجارة العالمية. توقف ليشاهد الدخان الأسود يتدفق من مكان الانفجار – لقد بدا ذلك كماً هائلاً من الدخان، لا يتناسب مع ما اعتُقد أنه اصطدام لطائرة صغيرة ضلت طريقها. فكّر في موظفيه الذين يعملون في البرج الجنوبي المجاور، وقرر ألا يجدد عقد إيجار شركته هناك. وقال لنفسه: "حدث أولاً تفجير العام 1993، والآن اصطدام الطائرة. من يعلم ما هو الآتي؟" وتابع جريه ولكن باتجاه مكتبه.
في نفس اللحظة، ولكن على بعد 1,600 ميل (حوالي 2,500 كم)، كان تيموثي دوك يخوض معركته مع الازدحام المروري في طريقه إلى المقر الرئيس لشركة الخطوط الجوية "أميريكان إيرلاينز" في مدينة دالاس. انطلق جهاز الاستدعاء الذي كان يحمله وفي نفس الوقت شرع هاتفه المحمول بالرنين. وفيما كان دوك، نائب رئيس قسم الاتصالات في شركة "أميريكان إيرلاينز"، يجاهد لكي يرد على هاتفه محاولاً في الوقت ذاته التقاط جهاز الاستدعاء من جيبه. تملكه شعور قابض فاقمه صوت الشخص المتصل الذي أخبره أن إحدى طائرات الشركة المنطلقة من مدينة بوسطن جرى اختطافها. عبر دوك الباب إلى مكتبه وتابع إلى الباب الثاني الذي يقوده إلى مركز القيادة الاستراتيجية للشركة، والذي يعد المركز الرئيس للتعامل مع حالات الأزمات.
وبالعودة إلى مدينة نيويورك، كانت ماري بيث باردين تستقل سيارة تاكسي على طرقات المدينة التي تباطأت حركة المرور فيها إلى حد بعيد، في طريقها إلى فطور عمل حينما رأت هي أيضاً الدخان يتصاعد في السماء الزرقاء الصافية الخالية من الغيوم. فكرت في نفسها: "لا بد أن يكون هنالك حريق كبير في المدينة". وعندما أدار سائق التاكسي المذياع، ذُهلت لسماع خبر اصطدام طائرة ركاب نفاثة بأحد برجي التجارة العالمية. توقفت حركة المرور بالكامل، فخرجت باردين، نائب الرئيس التنفيذي لقسم العلاقات العامة والتواصل في شركة "فيرايزون" (Verizon)، من التاكسي وتابعت طريقها مشياً على القدمين إلى مكاتب شركتها في الشارع 42 والجادة السادسة. وفكرت مباشرة بموظفي "فيرايزون" الذين يعملون في جنوب مانهاتن، وعددهم 2,200 موظف، وبخاصة أولئك الذين يعملون في مركز التجارة العالمية ومخزن الشركة للأجهزة اللاسلكية هناك. هل أصابهم مكروه يا ترى؟ تسارعت حركتها وبحثت عن هاتفها المحمول لكي تخبر مركز الشركة الرئيس أنها في طريقها إليهم.
واجهت شركات كثيرة أنواعاً مختلفة من الكوارث في الماضي. غير أن ما تميزت به أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول هو اتساع تأثيرها في الشركات والأعمال. فبعض الشركات خسرت عشرات الموظفين، وشهدت شركات كثيرة أخرى تحطم بعض العناصر الأساسية لهيكليتها، ولو مؤقتاً؛ في حين كان على عدد أكبر من الشركات التعامل مع تأثيرات جانبية لتلك الأحداث – كتوقّع بعض العملاء أن يحصلوا على خدمات خارقة وعدم تمكن الموردين من تلبية الطلبات وتوقف المواصلات والاتصالات وتراجع الطلب. كما كان على جميع الشركات في البلد التعامل مع موظفين مصابين بالصدمة والذهول. وفجأة باتت إدارةالأزمات الشغل الشاغل لجميع المدراء التنفيذيين.
تحدثت مع الكثير من المدراء حول خبرتهم وحول كيفية تعاملهم مع أحداث 11/9. بعضهم، مثل جون مورفي وماري بيت باردين، كان بالقرب من مكان الهجمات. وبعضهم الآخر، مثل تيم دوك، كان بعيداً جداً عنها، لكنه كان بالرغم من ذلك مذهولاً بتأثيراتها. وما اكتشفته هو أنه في وقت الأزمات الحادة تتصدر الاتصالات الداخلية لائحة أولويات المدراء. فقبل القيام بأي نشاط بناء – كخدمة الزبائن أو طمأنة المستثمرين – يجب إعادة بناء الروح المعنوية للموظفين. وكما قال ريموند أورورك (راي)، المدير الإداري لقسم الشؤون الدولية في شركة "مورغان ستانلي" (Morgan Stanley) بمدينة نيويورك: "عرفنا منذ اليوم الأول أننا على الرغم من أننا شركة خدمات مالية، لم نكن نتعامل مع أزمة مالية، بل مع أزمة إنسانية. ولذلك ركزنا كل اهتمامنا منذ اللحظات الأولى على الناس".
قبل القيام بأي نشاط بناء – كخدمة الزبائن أو طمأنة المستثمرين – يجب إعادة بناء الروح المعنوية للموظفين.
الاتصالات في وقت الأزمات
في حديثي مع طيف واسع من المدراء التنفيذيين، استطعت استخلاص خمسة دروس أظن أنها يمكن أن تمثل لوحات إرشادية لأي شركة تواجه أزمة كبرى يمكن أن تقوض اتزان موظفيها أو ثقتهم أو تركيزهم. ويرتبط جزء كبير من هذه الدروس بمرحلة التحضّر لمواجهة الأزمات – كوضع خطط وآليات العمل في حالات الطوارئ. ولكن إن كانت أحداث 11/9 قد علمتنا شيئاً، فهو أننا لا نستطيع أن نتوقع ونستبق جميع الاحتمالات. فأحياناً نكون مجبرين على الارتجال. وهنا أيضاً، يمكن للخبرات التي كشفتها من خلال التحدث إلى المدراء، أن تمثل نماذج مفيدة للتصرف. ففي النهاية لا يمكن للارتجال أن يكون فعالاً إلا حينما تمتلك الشركة مهمة ورؤية واضحتين تنطلق منهما في التعامل مع الأزمة وتبني عليهما إجراءاتها المرتجلة.
كن حاضراً على الأرض
في خطوة تاريخية قد تحظى قريباً بمكانة متميزة ذات بعد أسطوري، وصل رودولف جولياني عمدة مدينة نيويورك إلى مركز التجارة العالمية في غضون دقائق من الهجمة الأولى ليتولى قيادة عملية الإنقاذ. وفي الأيام والأسابيع التالية أجرى عدة مؤتمرات صحفية من قرب موقع البرجين المدمرين، وشارك في الكثير من إجراءات دفن وتأبين الضحايا، وحافظ على حضوره الدائم في المدينة. ولقد كان لحضوره الواضح إلى جانب تصميمه وصراحته ورزانته الأثر الأكبر في رفع معنويات جميع سكان مدينة نيويورك– بل في الواقع جميع الأميركيين.
ولقد حافظ أكثر المدراء فعالية خلال الأزمة على حضورهم الواضح في شركاتهم ومؤسساتهم، واستوعبوا أن جزءاً أساسياً ومركزياً من مهامهم كان ذا طابع سياسي، وأن موظفيهم كانوا يمثلون بشكل واقعي جداً الناخبين الذين يعمل أولئك المدراء الساسة على استمالتهم والفوز بأصواتهم. ففي فترات الاضطراب يرغب الموظفون والعمال في رؤية مؤشرات ملموسة على أن قيادات شركاتهم العليا تتعامل مع أوجاعهم بوصفها جزءاً من صلب اهتماماتها الأساسية. ومع أن للبيانات المكتوبة أهميتها الخاصة، إلا أن التصريحات الشفوية والصوت الإنساني المتعاطف يمكن أن توصل صدق الموقف وجديته. وعندما يكون الصوت الذي يسمعه الموظفون هو لأحد قياديي شركتهم، سيكون لديهم حينئذ سبب وجيه يدفعهم للاعتقاد أن شركتهم ستضع ثقلها كله في كفة الوفاء بالتزاماتها وتعهداتها. وكما يقول روب دينسون، مدير الشؤون المؤسسية في شركة "أوبنهايمر"، وأحد الناجين من تفجيرات عام 1993 لمركز التجارة العالمية، فإن غالبية الناس المقحمين بالأزمة "يرغبون أن يقودهم أحد يثقون به، وأن تكون أنت، بوصفك المدير، هو ذلك الشخص القائد".
واجهت شركة "فيرايزون"، بوصفها المزود المحلي الرئيس لخدمات الهاتف في الجزء الأكبر من نيويورك، تحديات هائلة في مجال أعمالها وعملياتها في أعقاب هجمات مركز التجارة العالمية. لطالما ساهم موظفو الشركة الذين كانوا يعملون بالقرب من مركز التجارة العالمية والبالغ عددهم حوالي 2,200 موظف، في تشغيل أكثر نقاط الكابلات والقواطع كثافة في جميع أنحاء العالم. ولذلك عندما وقع الهجوم، فإنه اقتلع حوالي 300,000 خط تواصل صوتي و4.5 مليون دارة بيانات وعطل 10 أبراج للهواتف الجوالة، الأمر الذي حجب هذه الخدمة عن 14,000 شركة و20,000 مقيم في المكان. وفي غضون ساعة واحدة حضر لاري بابيو، رئيس أعمال الاتصالات في الشركة، إلى المكان للاستفسار عن أوضاع وأمن الموظفين وتفقد الأضرار. كما عمل الرئيس التنفيذي للشركة، إيفان سايدنبرغ، خلال الأسبوع الأول بعد الهجمات من كثب وبشكل وثيق مع فريق الاتصالات لإعداد وتسجيل رسائل صوتية موجهة إلى الموظفين الذين يمكن الوصول إليهم خارج المنطقة المدمرة. وقد كانت هذه الرسائل تبث يومياً إلى أن أعيد افتتاح سوق البورصة يوم الاثنين التالي. يقول باردين: "كان الوقت وقت القيادة، وقد أراد الموظفون أن يسمعوا الحقائق والتعليمات من قادتهم مباشرة". ركزت الرسائل على أمن الموظفين، ومصير المفقودين، وحالة الشبكة، والإجراءات التي تتخذها "فيرايزون" لإعادة افتتاح بورصة نيويورك. علاوة على ذلك جال كبار مدراء الشركة على المرافق المختلفة للقاء الموظفين، كما بادر زايدنبرغ نفسه إلى تفقد الأضرار التي أصابت مبنى "فيرايزون" رقم 140 في الشارع الغربي.
واجه الموظفون في صحيفة "نيويورك تايمز" تحدياً مرعباً بشكل خاص بعد الهجمات. لقد أصيبوا بالصدمة شأنهم شأن بقية سكان مدينة نيويورك، حيث تقع مكاتب المقر الرئيس للشركة في المبنى رقم 43 من الشارع الغربي، وهو يبعد حوالي ثلاثة أميال (أي حوالي 5 كم) عن موقع الهجمات، أي إنه قريب بما يكفي لرؤية الدخان. لكن مهمتهم كانت تتمثل في تغطية الهجمات برأس صاف وأعصاب باردة ومن دون انفعال كما يليق بالصحفيين المهنيين. لقد كان حجم الكارثة وتأثيرها على الأصدقاء والجيران كفيلاً بتوجيه الصدمة لأكثر مذيعي الأخبار حرفية وخبرة وأكثرهم رباطة جأش. غير أن راسل لويس، الرئيس التنفيذي لصحيفة نيويورك تايمز، كان مدركاً لوجوب تصرف فريق القيادة "بهدوء وعقلانية وإنسانية" – حتى إنه كان عليهم أن يظهروا على الشاشات وبين الناس مبتسمين – "بحيث يتمكن موظفونا من تأدية دور المرآة التي تعكس سلوكنا إلى الناس". وهكذا كان من أولى الأشياء التي قام بها أنه توجه إلى مركز القيادة لأعمال الإطفاء في المبنى واستخدم نظام مخاطبة الجمهور بمكبرات الصوت لكي يخبر الموظفين أن المكان الأكثر أمناً على حياتهم إلى حين معرفة المزيد حول الهجوم هو المقر الرئيس للشركة الذي يشبه الحصن المنيع. وقد استخدم ذلك النظام بشكل متكرر على مدار الأيام التالية للهجوم لطمأنة الموظفين وإخبارهم بكل جديد.
يقول لويس مستذكراً: "عندما كان الناس يسمعوننا عبر مكبرات الصوت، كانوا ينصتون. ولقد كان من الضروري أن يكون صوتك هادئاً وتحت السيطرة، والأهم من ذلك أن يكون جدياً". بعد الهجمات بادر لويس إلى تشكيل فريق إدارة الأزمة مع رئيس الشركة وناشر الصحيفة آرثر أوكس سوزبرجر الابن، ورئيسة صحيفة التايمز جانيت روبينسون، وكان ذلك الفريق يتجول كل يوم ضمن أقسام الشركة للإجابة عن أسئلة الموظفين حول مواضيع أمن المبنى ولشكرهم على جهودهم التي يكرسونها. يقول لويس: "لقد أردنا قبل كل شيء أن يدرك موظفونا أننا جميعاً في نفس القارب".
كان التواصل مع الأشخاص الذين كانوا يغطون أحداث 11/9 أمراً لا لزوم له. وكما يقول لويس: "ما كان يحتاجه الصحفيون قبل كل شيء هو مزيد من المعلومات أكثر من موظفي التايمز) حول ما كانت الشركة تفعله كاستجابة للأزمة. فمهمة الصحفيين من حيث مهنتهم وتكليفهم أن يشككوا في صحة كل معلومة يحصلون عليها. وإذا لم تكن قادراً على شرح ما تخبرهم به والدفاع عنه بالشكل المناسب، فإنهم لن يواكبوا مسيرتك".
ولم يكن حضور كبار القادة مهماً فقط بالنسبة للشركات في مانهاتن – بل لقد كان هنالك في جميع أنحاء البلاد موظفون مذعورون ومرعوبون وبأمس الحاجة إلى قيادة حكيمة. لنأخذ شركة "ديل" (Dell) كمثال: فمقرها الرئيس يقع في تكساس، ولذلك لم يتأثر موظفوها كثيراً أو بشكل مباشر من جراء الهجمات الإرهابية، ومع ذلك كانوا محطمين عاطفياً. وفي غضون أيام قليلة من تاريخ هجمات 11/9، قرر ميشيل ديل، الرئيس التنفيذي للشركة، وكيفين رولينز، رئيس الشركة ورئيس عملياتها، انطلاقاً من رغبتهما في أن يكونا حاضرين على الأرض وأن يكون صوتهما مسموعاً، أن يلتقيا بجميع مدرائهما ونوابهما للحديث حول كيفية صمودهم وصمود فرق عملهم. ولقد عقدا ثلاثة اجتماعات، لا اجتماعاً واحداً، بهدف الحفاظ على تلك اللقاءات في إطار شخصي ضيق. كما جرى تسجيل مجريات تلك اللقاءات ووضعت على موقع الشركة على شبكة الإنترنت لكي تكون متاحة لجميع الموظفين. وفي ابتعاد صارخ عن نهج العمل المعتاد، قال ديل ورولينز إن التركيز يجب ألا ينصب على المبيعات وهوامش الربح، بل على موظفينا وعلى مساعدة عملائنا لكي يعيدوا بناء ما تهدم.
توخ الحيطة والحذر في اختيار قنوات تواصلك
سواء كانت الكوارث طبيعية أم من صنع الإنسان، فهي كثيراً ما تعطل التدفق المعهود للاتصالات. فقد يجري تخريب خطوط الهاتف وخطوط الطاقة، وقد تتعطل شبكات الكمبيوتر، وقد يتم حصار أو عزل مجموعات من الموظفين. تلك كانت حال الكثير من الشركات بعد هجمات 11/9. وللوصول إلى موظفيهم، كان على المدراء في كثير من الأحيان أن يبتدعوا قنوات اتصال غير تقليدية. فالكثيرون لجؤوا على سبيل المثال إلى وسائل الإعلام الجماهيرية للتواصل مع موظفيهم. أرادت شركة صناديق أوبنهايمر، التي كانت تحتل خمسة طوابق من برج التجارة العالمية الثاني، أن تبعث رسالة إلى موظفيها وعملائها، مفادها أنها ستكون جاهزة للعمل بمجرد إعادة افتتاح الأسواق. ولذلك ظهر رئيس الشركة التنفيذي جون مورفي على شبكة "سي إن بي سي" في برنامج "سكواك بوكس" (Squawk Box) لإيصال تلك الرسالة. وفي الواقع كان موقع الشركة الاحتياطي في نيوجيرسي جاهزاً للعمل حتى قبل إعادة افتتاح الأسواق.
بالطبع عادة ما توصف العلاقة بين وسائل الإعلام والشركات الأميركية أنها علاقة خصومة – من مهام مدراء الاتصالات في الشركات أن تديرها وتدبر أمرها. ولكن مع تكشف أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، أدرك كثير من أولئك المدراء أن عليهم الشروع بالنظر إلى وسائل الإعلام بوصفها حليفة لهم – إلى حد ما لأن تعطل أنظمة اتصالاتهم لم يترك لهم خياراً آخر. وفي شركة "مورغان ستانلي"، تعطل نظام الرسائل الصوتية الذي كان يخدم موظفيها الـ 2,700 الذين كانوا يعملون في مركز التجارة العالمية الثاني والموظفين الـ 1,000 الآخرين الذين كانوا يعملون في مركز التجارة العالمية الخامس ذي الهيكلية الأصغر، كما تعطل أيضاً موقع الشركة الداخلي الخاص بشبكة الوسطاء.
بيد أن الشركات المتضررة لم تنظر إلى قناة الإعلام بوصفها مجرد نظام اتصالات احتياطي. يشرح ريموند أورورك من شركة "مورغان ستانلي" هذه الفكرة قائلاً: "يتلقى موظفونا الأخبار بشكل فوري ومباشر على مكاتبهم، لكنهم يتمتعون بحس مرهف ونقدي تجاه تلك الأخبار، فيقرؤونها ويحللونها ويستفسرون عنها. لقد كان الإعلام حيوياً بالنسبة لنا من أجل التواصل مع موظفينا".
ويوافق روب دينسون من شركة "أوبنهايمر" على ذلك مضيفاً: "يستقي الموظفون معلوماتهم من وسائل الإعلام الخارجية، ولذلك يتعين عليك إثبات قدرتك على الفعل والتصرف من خلال تلك الوسائل". ولقد تمثلت إحدى الطرق التي لجأت إليها الشركة للقيام بذلك في نشر رسالة موجهة من مورفي إلى موظفي الشركة تحتل صفحة كاملة من صفحات "وول ستريت جورنال"، و"يو إس إيه توداي"، و"نيويورك تايمز".
وقد يثق بعض الموظفين بالرسائل التي تأتيهم عبر جهات مستقلة لجمع وتوزيع الأخبار أكثر من تلك التي تأتيهم مباشرة من الشركة أو تلك التي تظهر على صفحات الصحف كإعلانات مدفوعة الأجر. ويكتسي هذا الأمر أهمية خاصة بالنسبة للشركات التي يميل موظفوها إلى التعامل مع البيانات التي تأتي من الإدارة بشيء من الشك والريبة. فعلى سبيل المثال كانت العلاقة تاريخياً مضطربة بين إدارة شركة "أميريكان إيرلاينز" واثنين من اتحاداتها: اتحاد المضيفات المحترفات، واتحاد الطيارين المتحالفين. وكما يقول تيم دوك: "في الأزمات عادة ما نعتمد على وسائل الإعلام الإخبارية لإيصال رسائلنا... لقد نجح الرئيس التنفيذي دونالد كارتي (دون) من خلال حديثه المباشر إلى موظفيه في برامج إعلامية معروفة كبرنامج "لاري كينغ لايف" على شبكة "سي إن إن" وبرامج الشبكة الصباحية اليومية، في إنشاء جسور للتواصل والتفاهم بين الإدارة وقوة العاملة". وفي أعقاب أحداث 11/9 تخلى كلا الاتحادَين عن عدد من حقوق صفوفهما لمساعدة الشركة على إطلاق طياراتها لتحلق في السماء من جديد.
وعلى الرغم من أن بعض الشركات أقامت في صالات مصانعها أكشاكاً مزودة بأجهزة كمبيوتر، إلا أن ضرورة استمرارية عمليات التصنيع وبعد بعض العمال عن مآخذ الإنترنت، جعلا عملية التواصل عبر البريد الإلكتروني في تلك الأماكن أمراً صعباً. ولذلك وجدت شركة "أميريكان إيرلاينز" طريقة للالتفاف حول تلك المشكلة من خلال استخدام نظام الحجز لديها للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الموظفين. يقول دوك: "جرى نسخ محتوى الرسائل الصوتية التي سجلها كارتي ومن ثم أُرسلت إلى أجهزة طباعة بطاقات السفر ومسارات الرحلات – إلى جانب وضعها على شبكة الإنترنت وإرسالها بالبريد الإلكتروني إلى الموظفين".
لقد كانت تلك الأجهزة موزعة في جميع أنحاء المطارات، بما في ذلك صالات الموظفين. ومع أن مهمتها الأساسية كانت تتمثل في تلقي الرسائل، إلا أنها يمكن أن تستخدم أيضاً للتواصل مع الموظفين وبخاصة أولئك الموجودين على الأرض. يقول دوك: "لقد سمحت أجهزة طباعة بطاقات السفر بالتواصل حتى مع عمال الصيانة المنتشرين على المدرجات وغير المزودين بإمكانية الدخول إلى شبكة الإنترنت". فضلاً عن ذلك قامت الشركة بتسجيل رسائل كارتي الصوتية على خطوط الإنترنت الساخنة ووضعت نسخاً مكتوبة منها على موقعها الخاص على الشبكة.
ولكي يطمئن الموظفون إدارتهم أنهم بخير، أُتيحت لهم فرصة الاتصال على أحد الأرقام المجانية من خلال مراكز الاتصال التابعة للشركة التي تعمل ببطاقة ديسكفر الائتمانية. فضلاً عن ذلك وضعت الشركة ذلك الرقم على شاشة العرض الإلكترونية التي تلتف حول مبناها تايمز سكوير. وهنا أيضاً كان لشبكات التلفزة دور مهم من خلال بث ذلك الرقم على شاشاتها أيضاً. وسرعان ما غدت مراكز اتصال بطاقة ديسكفر مراكز الاتصال الأهم خلال الأزمة، حتى إنها كانت تستقبل وتوجه اتصالات الموظفين الباحثين عن معلومات، ولو لم يكونوا من العاملين لدى "مورغان ستانلي".
أبق اهتمامك مركزاً على العمل عند الاتصالات في وقت الأزمات
يقول راسل لويس: "الجميع كان يريد أن يعرف ما يمكنه فعله في أعقاب أحداث 11/9. أما في "نيويورك تايمز"، فلم يضطر أحد حتى لطرح ذلك السؤال. فمهمتنا هي إصدار الصحيفة بأفضل حال لكي نوفر للقراء أكبر قدر ممكن من المعلومات الموثوقة. تماماً كما يتصرف جراحو الطوارئ. فذلك هو ما نمرن موظفينا عليه. لم يكن لدينا أدنى شك أن موظفينا يدركون جيداً أن لعملهم معنى وقيمة عالية. وفي النهاية حازت تايمز على جوائز بوليتزر عن تغطيتها لأحداث 11/9".
وفي الواقع يمكن لتركيز الاهتمام على العمل أن يكون ذا فائدة عظيمة في أوقات الأزمات. فهو يمثل مخرجاً لإشباع رغبة الموظفين في مساعدة الآخرين، ويعيدهم إلى جو العمل الروتيني المألوف، ويعزز شعورهم بالاعتزاز بعملهم وشركتهم، ويوطد صلتهم بعملائهم الذين جزء كبير منهم كان بحاجة ماسة لخدمات الشركة لكي يحافظوا على تدفق منتجاتهم وخدماتهم.
وكما تقول إليزابيث هيلر ألن، نائب رئيس الاتصالات المؤسسية في شركة "ديل": "لقد كان الأمر الأهم هو إيجاد طريق أمام الموظفين لإشباع رغبتهم في المساعدة". لقد تمثلت مهمة شركة "ديل" في ضرورة إنقاذ الشركات الـ 75 الزبونة لها والتي كانت في مكان الحادث إلى جانب شركات أخرى كانت تعمل في المنطقة المحيطة، وشكلت تلك المهمة هدفاً مشتركاً يجمع الموظفين ويقربهم من بعضهم البعض. وفي الوقت نفسه كانت الإدارة العليا للشركة تدرك أن الموظفين لن يكونوا قادرين على تقديم سوية الخدمات التي تليق باسم شركة "ديل" وتحافظ على سمعتها ما لم يكونوا هم أنفسهم قد أُنعشوا وعاد إليهم نشاطهم المعهود. ولذلك ورد في أحد بيانات الشركة أن هدف خطة استجابتها إنما يتمثل في "تعزيز فهم موظفيها للآثار السلبية التي تركتها هجمات 11 سبتمبر/أيلول الإرهابية على عملاء الشركة وأعمالها ولكيفية استجابة الشركة من أجل إزالة تلك الآثار" ولكن بعض وثائق الشركة الأخرى أظهرت أن قيادتها العليا كانت تعلم جيداً أن موظفي الشركة لن يستطيعوا تقديم المساعدة للعملاء المتضررين ما لم يشعروا هم أنفسهم بالاستقرار والأمان.
يقوم نموذج عمل شركة "ديل" الذي يستغني عن الوسيط بوضع الشركة وجهاً لوجه أمام آلاف زبائنها. وبسبب ذلك التواصل المباشر يعرف موظفو الشركة تماماً ما يحتاجه زبائن شركتهم وما يرغبون فيه. تقول ألن: "لدينا سجلات كاملة لما تم بيعه لكل زبون من زبائننا، ولذلك فإننا نعلم بالضبط ما قد فقدوه. ومع أن ضبط أجهزة الكمبيوتر بالبرمجيات المناسبة كان يعني العمل ليل نهار، إلا أن ذلك كان أسلوبنا الخاص في رد الجميل لزبائننا".
وفي هذا الوقت كان جزء آخر من الموظفين يعمل على توضيب وشحن الأنظمة والتجهيزات إلى الزبائن المتضررين الذين كان بمقدورهم تسجيل طلباتهم على مدار الساعة وفي كل أيام الأسبوع. كما أنشأت شركة "ديل" فرق خدمة واستجابة يمكن للزبائن التواصل معها على خطوط هاتف مكرسة لذلك الغرض وعبر صفحة الشركة على شبكة الإنترنت والتي كانت تزود القارئ بتعليمات حول كيفية الحصول على المساعدة الفورية.
يقول رولينز: "إن التواصل المباشر مع الموظفين، الذين يواجهون الصدمة والحزن والغضب، بلهجة أقرب إلى أن تكون أخوية وأبوية، سمح لنا بتوجيه تلك المشاعر نحو تلبية حاجات زبائننا الملحة. ولعل التزام تلك اللهجة اللطيفة في التواصل مع الموظفين إلى جانب تحديث السجلات على نحو منتظم، قد عزز أكثر من أي وقت مضى الترابط الوثيق بين استراتيجية خبرة الزبائن من جهة وعمل فرق عملنا اليومي من جهة أخرى".
ولقد حاولت الشركة بعد أشهر من أحداث 11/9 أن تقيس مدى فاعلية تلك الاستراتيجيات، فوجدت أن الصفحة الداخلية للشركة بعنوان "ديل تساعد في إعادة إعمار أميركا" قد حصدت 54,947 زيارة خلال الشهرين التاليين لإنشائها، بمعدل 603 زيارات في اليوم الواحد و11,016 زائراً مختلفاً خلال تلك الفترة، ما يعادل حوالي ثلث قوة عمل الشركة. علاوة على ذلك طلبت الشركة تزويدها بملاحظات الموظفين ووجدت أن 90% منهم رأوا أن مشاركات الرئيس التنفيذي ورئيس العمليات على صفحة الشركة أثناء الأزمة كانت مناسبة ومفيدة لعملهم وللمؤسسة ككل.
ولقد أبدت شركة "ستاربكس" مزيجاً مشابهاً من الإجراءات المحكومة بالعقل والقلب. كانت سلسلة المقاهي تملك 250 فرعاً في الأحياء الخمس لمدينة نيويورك، أربعة مقاهي منها بالقرب من مكان الحادث. تقول مارتي أنيس، إحدى كبار نواب الرئيس، في مقابلة مع إحدى المجلات المتخصصة في قطاع التجارة: "إن العامل الرئيس الذي ساعدنا على تخطي تلك الأوقات الصعبة، هو انخراطنا في جهود الإغاثة". لقد تمثلت الاستجابة "الغريزية" الأولية لفريق إدارة الأزمة في الشركة، حسبما يقول رئيسها هوارد شولتز، في إغلاق جميع المقاهي التي تملكها الشركة في شمال أميركا لكي يتمكن الموظفون من "البقاء مع أسرهم وأصدقائهم"، وفق ما ورد في أحد بيانات الشركة. ولقد أرسل المقر الرئيس هذه الرسالة عبر البريد الصوتي والبريد الإلكتروني إلى جميع مقاهي الشركة.
ولكن باستثناء حوالي 15 مقهى في مانهاتن الجنوبية، فتحت جميع فروع الشركة في مدينة نيويورك أبوابها في 13 سبتمبر/أيلول. ولقد قدم العديد منها الطعام والقهوة لعمال الإنقاذ في مكان الحادث وللأشخاص الذين توافدوا إلى مراكز التبرع بالدم ولأولئك الحاضرين في مركز "جاكوب جافيتس" للمؤتمرات الذي تحول إلى مركز قيادة للعمليات الطوعية أثناء الأزمة.
امتلك خطة طوارئ جاهزة للتنفيذ
مع أن العديد من الشركات لديها خطط طوارئ لأوقات الأزمات وخطط للتعافي من الكوارث، إلا أن عدداً قليلاً من تلك الخطط جرى اختبارها بنفس القوة التي اختبرت بها في أحداث 11 سبتمبر/أيلول. يقول غريغور بايلر، رئيس المعلومات في شركة "ناسداك" في ذلك الوقت: "سيتعين على المسؤولين أن يتفقدوا بعناية شديدة استراتيجياتهم للحفظ الاحتياطي للبيانات وأن يتبينوا ما إذا كانوا قادرين على التواصل مع جميع الموظفين بسهولة، وما إذا كانت البيانات الحساسة مخزنة في نفس البناء الذي قد يتعرض للكارثة".
فامتلاك خطط الطوارئ يعني من ضمن ما يعنيه إنشاء مواقع عمل احتياطية صالحة لحالات الطوارئ. فبعد انفجار شاحنة مفخخة في مرآب مركز التجارة العالمية عام 1993 بوقت قصير بدأ مجلس نيويورك للتجارة في التخطيط لمثل مواقع العمل الاحتياطية تلك. وبحلول العام 1995 كان المجلس قد أنشأ موقعين احتياطيين في حي كوينز. ولقد بقيا فارغين لمدة ست سنوات وكلفا المجلس 300,000 دولار في السنة مصاريف استئجار ومرافق. ولكن بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، أثبت هذان الموقعان البعيدان أنهما أفضل استثمار قام به مجلس نيويورك للتجارة منذ نشأته.
وتتطلب الاتصالات القائمة على شبكة الإنترنت تخطيطها الخاص لحالات الطوارئ. فعندما أدى تدمير مكاتب شركة "أوبنهايمر" في مركز التجارة العالمية إلى خروج مخدم شبكة الإنترانت عن الخدمة، انتقل الموظفون بسرعة إلى نظام الاتصالات الخاص بمرحلة الأزمات، وذلك على قطاع خاص بالموظفين تم إحداثه على صفحة الشركة على الإنترنت. ولقد اعتمد عدد كبير من الشركات الأخرى نفس هذا النهج، بحيث استطاع الموظفون الذين يملكون إمكانية الدخول إلى الإنترنت في المنزل أن يبقوا على تواصل مع إدارة الشركة.
وعلى الرغم من أن العمليات أثناء الأزمات يجب أن تكون لامركزية، إلا أن عملية اتخاذ القرار يجب أن تبقى مركزية. وتمتلك شركات الطيران بعض أفضل مراكز القيادة في أوقات الأزمات بين مختلف أنماط الشركات الأخرى. فمركز القيادة في شركة "أميريكان إيرلاينز" هو عبارة عن غرفة واسعة فيها طاولة كبيرة على شكل نضوة الفرس مزودة بمحطات عمل مجهزة تجهيزاً كاملاً ومركز اتصال لعقد المؤتمرات يتسع لتلقي 200 متصل خارجي في الوقت نفسه. كما إن شاشات العرض الكبيرة المجهزة لاستقبال البث الفضائي، تسمح للموظفين بتتبع جميع التغطيات الإخبارية حول تطورات الأزمة.
يجب أن تكون العمليات أثناء الأزمات لامركزية، إلا أن عملية اتخاذ القرار فيجب أن تبقى مركزية.
فضلاً عن ذلك يجب إرسال الرسائل انطلاقاً من مصدر مركزي. في شركة "صناديق أوبنهايمر"، قام بوب نيهوف، مدير التخطيط لحالات الطوارئ في ذلك الوقت، بالاتصال بعدد من المدراء بعيد الحادث بثوان معدودة، وزودهم ببعض المعلومات، وفعّل خطة الأزمات الخاصة بالشركة. لقد كان الموظفون يعرفون مسبقاً أن عليهم التواصل مع مركز العمليات الاحتياطي في مدينة دينفر الذي تسلم قيادة التكنولوجيا التي تشغل مواقع الشركة على الإنترنت وأنظمة الرسائل الصوتية. غير أن محتوى جميع الاتصالات كان يحدده كل من دينسن، مدير الشؤون المؤسسية، ومورفي، الرئيس التنفيذي، انطلاقاً من مدينة نيويورك.
ولعل تخصيص رقم هاتف مجاني ومعروف على نطاق واسع من شأنه أن يساعد على ضمان تلقي الموظفين لمعلومات موثوقة من مصدر واحد مسؤول. ولما كانت شركة "فيرايزون" تمتلك مثل ذلك الرقم، كان بمقدور موظفيها البالغ عددهم 250,000 على نطاق البلاد أن يتلقوا الرسائل المسجلة التي كانت تتضمن أحدث المعلومات الموثوقة عن تطورات الأزمة.
أما شركة "مورغان ستانلي" فقد عرضت رقمها المجاني الخاص على شاشات التلفزة منذ الساعة 11:00 من صباح يوم الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، الأمر الذي جعل ذلك الرقم، حسب ما يقول بوب سكوت رئيس الشركة ورئيس عملياتها، "أول رقم طوارئ وطني خاص بأي مؤسسة في البلاد، بما في ذلك مؤسسة الحكومة الفيدرالية". وبحلول الساعة 1:30 من بعد ظهر ذلك اليوم بلغ عدد الاتصالات الواردة إلى مركز إدارة الأزمة في الشركة على ذلك الرقم أكثر من 2,500 اتصال.
وأخيراً أكد الكثيرون من المدراء التنفيذيين الذين تحدثت إليهم على أهمية تواجد خبراء احترافيين لهم باع طويل في مجال الاتصالات على الأرض. فأولئك الأشخاص لا يمكن أن يصابوا بالخوف والهلع، حسبما يرى المدراء. يقول تيم دوك من شركة "أميريكان إيرلاينز": "من مزايا خبراء الاتصالات المخضرمين أنهم قد تعرضوا سابقاً لأنواع الأزمات كافة، وجربوا كل شيء. ولذلك من السهل سحبهم من إحدى المهمات وزجهم في مهمة أخرى من دون أن تنخفض سوية أدائهم".
ارتجل ولكن على أرضية صلبة
يقول روبرت زيتو، نائب الرئيس التنفيذي لبورصة نيويورك: "إن كل ما تفعله من تخطيط للتصرف أثناء الأزمات يساعدك على القيام بالأمور الأساسية فقط. وسيظل الناس بحاجة لأن يفكروا ويتخذوا القرارات بسرعة وعلى مسؤوليتهم. فقبل أن تحدث الأزمة بأي شكل كان، لا يمكنك أن تقدر حقاً مدى أهمية وقيمة التحضيرات لمواجهتها".
وتشمل التحضيرات أكثر من مجرد التدرب على تلك المواجهة. إذ لا يقل أهمية من التمرين والتدرب زرع قيم الشركة في نفوس الموظفين. فعلى الرغم من أن "ستاربكس" قد أمرت بإغلاق مقاهيها في شمال أميركا بعد ساعات قليلة من الهجمات، قرر مدراء العديد من المقاهي غير المتضررة القريبة من مكان الكارثة بمبادرة خاصة منهم فتح مقاهيهم، التي بقي بعضها مفتوحاً طوال الليل، وذلك لتقديم القهوة والمعجنات لموظفي المستشفيات وعمال الإنقاذ؛ في حين تحولت بعض المقاهي الأخرى إلى مراكز فرز للمصابين. كما قام موظفو "ستاربكس" بإدخال الناس الذين كانوا يهيمون على وجوههم في الشارع القريبة من مكان الحادث وقد أصابهم الذهول إلى داخل المقاهي – وأنقذوا بذلك بعض الأرواح لدى انهيار الأبنية المجاورة لمكان وجودهم.
تقول إحدى التعليمات الثمانية المدونة في بيان مهمة "ستاربكس": "المساهمة الإيجابية في تحسين مجتمعاتنا وبيئتنا". وبالفعل يمثل عدد كبير من مقاهي "ستاربكس"، حتى في مانهاتن، أمكنة مناسبة لتلاقي الجيران مزودة بمقاعد مريحة يمكن للزبائن أن يرتاحوا فيها لساعات طوال. وبهذا المعنى ساعدت تلك المقاهي بشكل أساسي في التقريب بين أفراد المجتمع الذي تعرض فيه خدماتها.
إن جوار شركة "غولدمان ساكس" يشمل من الناحية النظرية السوق العالمية الواسعة، غير أن التزام موظفيها بمجتمعهم القريب لا يمكن أن يكون أقوى مما هو عليه. ففي واحدة من رسائل البريد الصوتي المنتظمة التي كان يرسلها رئيس الشركة التنفيذي هنري بولسون أكد على السمات النمطية لشركته المعروفة في مجال تجارة السندات والتي تتمثل في المرونة والقدرة على التصرف ورباطة الجأش في أوقات الأزمات، تلك السمات التي تجسدت في قدرة موظفي الشركة على التعامل مع نظام النقل المعطل جراء الكارثة. يقول بولسون مخاطباً موظفيه: "لقد بات الوصول إلى مكان العمل صعباً جداً؛ حيث أُقفل العديد من الشوارع. بيد أن ذلك لم يوقفكم ولم يحبطكم، فاستأجرتم باصات نقل خاصة ولكن الشرطة أوقفتها. ومن ثم خطرت في بال أحدكم فكرة ذكية ألا وهي تسيير قوارب عبارة. فما استعصى عليكم براً، أنجزتموه بحراً. حتى إن فكرة تسيير باصات خاصة بمرافقة الشرطة باتت اليوم فكرة رابحة. وهكذا تمكن كل من أراد الوصول إلى مكان عمله من تحقيق مبتغاه".
وقد نجد ما يشرح هذا السلوك، ولو جزئياً، في ملاحظات أخرى أبداها بولسون، حيث قال: "ستبقى أصولنا التي نملكها تتمثل في الموظفين ورأس المال والسمعة الحسنة، مع التأكيد على أن موظفينا هم الأهم... والدرس المهم هنا هو أن مبادئنا لن تغيب أبداً عنا ما دمنا نحرص على الارتقاء إليها ونلتزم بها في سلوكياتنا".
ولم يكن موظفو "غولدمان ساكس" الوحيدين الذين وصلوا إلى أماكن عملهم بحراً. فقد أخبرنا راسل لويس في صحيفة "نيويورك تايمز" أن أحد مراسلي الصحيفة قد استخدم زورق التجديف عبر نهر هادسون للوصول إلى مكان عمله.
لقد أكد العديد من المدراء التنفيذيين الذين تحدثنا إليهم على أن الشركات لا تستطيع الانتظار إلى وقت الأزمات لكي تزرع في نفوس موظفيها مهمتها ورؤيتها. ولن يعرف الموظفون ماذا يفعلون أثناء الأزمات ما لم يكونوا قد استوعبوا وتشربوا المبادئ الأساسية لشركتهم قبل حدوث الأزمات بوقت طويل. تتمثل اثنتان من القيم المشتركة في شركة "أوبنهايمر"، حسب ما ورد في إحدى وثائقها الداخلية، في "تكريس الجهد للرعاية" و"العمل بروح الفريق". يقول جون مورفي الرئيس التنفيذي للشركة متذكراً أحداث 11/9: "عندما يكون لديك ثقافة قوية، فإنك تمتلك القدرة على التركيز في عملك. في يوم الحادي عشر من سبتمبر/أيلول كنا نمتلك هيكلية تنظيمية ومنظومة قيم ومعتقدات ومنظومة قيادة. ولقد ساعدنا ذلك على تخطي الأزمة. ومنذ ذلك الحين لم نضيع أي فرصة".
لن يعرف الموظفون ماذا يفعلون أثناء الأزمة، ما لم يكونوا قد تشربوا المبادئ الأساسية لشركتهم قبل حدوث الأزمة بوقت طويل.
لقد كانت شركة "أوبنهايمر" تمتلك ميزة إضافية أخرى، ألا وهي استراتيجية خاصة بالاتصالات نجحت في تذكير موظفيها والعالم كله بما تملكه من أصول مادية ومعنوية. وعندما فتحت الأسواق من جديد، أحرزت "أوبنهايمر"، وهي الشركة الوحيدة في البرجين المتخصصة في إدارة الصناديق المشتركة لاستثمار الأموال، أكبر تدفقات مالية صافية أحرزتها أي أسرة أخرى من صناديق وسطاء البيع في الولايات المتحدة.
لقد أدرك القادة ذوو الفكر التقدمي أن برنامج إدارة الاتصالات في فترات الأزمات يتطلب نفس الالتزام والاهتمام والموارد التي تتطلبها بقية برامج عملهم الأخرى. كما أدركوا أيضاً أن توفر آلية قوية للاتصالات الداخلية في شركاتهم لا يسمح لها بتجاوز الأزمات فحسب، بل يمكّنها أيضاً من تقوية وتعزيز بناها الداخلية.
وفي نهاية الحديث عن الاتصالات في وقت الأزمات المفاجئة، كما تجمع حادثة الوفاة في كثير من الأحيان الأشخاص المفجوعين وتقربهم إلى بعضهم البعض، هكذا فعلت كارثة الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. لقد أخبرني الكثيرون من المدراء الذين تحدثت إليهم كيف أن شركاتهم قد حافظت على ذلك الشعور بالتعاضد والتكاتف بعد ذلك التاريخ بوقت طويل، وذلك من خلال استمرار خطوط التواصل مفتوحة. ولقد جرى اختبار قوة تلك الروابط في صحيفة "نيويورك تايمز" بعيد الهجمات الإرهابية، عندما تلقى أحد المراسلين ظرفاً يحتوي على مسحوق أبيض اشتُبه أنه الجمرة الخبيثة. فمرة أخرى، خرج راسل لويس وغيره من كبار المدراء التنفيذيين للتحدث إلى الموظفين عبر مكبرات الصوت. ويتذكر لويس تلك الحادثة قائلاً: "لقد كنا في ذلك الوقت أسرة واحدة، ولا يمكن لذلك أن يتغير ما دمنا مثابرين على الاهتمام بموظفينا والتواصل معهم".
اقرأ أيضاً: