الابتكار من أجل إحداث التأثير: عملية خلق القيمة بوصفها إحدى ممارسات التعلّم النشط.
أصبحتُ في عام 1998 الرئيس التنفيذي لمركز "إس آر آي" الدولي (SRI)، وهو مركز البحوث الشهير الذي تلقى أول إرسال عبر الإنترنت، وطوّرتُ أول روبوت قائم على الذكاء الاصطناعي، وأطلقت ثورة الحواسيب الشخصية، وابتكرت اختراعات مثل فأرة الكمبيوتر، وخدمات الصيرفة الإلكترونية، والجراحة الروبوتية. ومع ذلك، كان مركز "إس آر آي" على حافة الانهيار عام 1998. وأذكر وقوف أحد المدراء في أول اجتماع ميداني لي وإخباري بصريح العبارة أن الشركة عاجزة عن تحقيق أي نمو. كانت الشركة تمر بمرحلة إفلاس، وكانت منشآتنا بحاجة ماسة إلى إجراء بعض الإصلاحات، حتى أن الأرض التي أُسّست عليها الشركة قد جرى بيعها. كانت الفرق تعمل في وحدات عمل منفصلة، وكان معظم المدراء الأوائل يسعون وراء إتمام جداول أعمالهم ويولون قليلاً من الاهتمام فقط بما يفعله الآخرون.
لكن عندما غادرت في عام 2014، كانت الإيرادات قد تضاعفت أكثر من ثلاثة أضعاف، وولّدت الأفكار التي غيرت العالم عشرات المليارات من الدولارات من القيمة السوقية الجديدة. وأسفر تبني عملية منهجية وفاعلة لخلق القيمة تهدف إلى تجديد طريقة عمل الموظفين عن إعادة تأسيس شركة "إس آر آي" وجعلها إحدى أهم المؤسسات الابتكارية الرائدة في العالم. وتحسّن معدل نجاح مشاريعنا بشكل كبير، واكتسب موظفونا المهارات الأساسية التي ستمكنهم من النجاح مدى الحياة.
أتناول بالوصف في الصفحات التالية العملية التي استخدمناها والتي مكّنتنا من ابتكار تقنيات مثل تقنية "آتش دي تي في" (HDTV) وتقنية "سيري" (Siri) (المتوفرة اليوم في أجهزة الآيفون). ويمكن تطبيق منهجيتنا في تطوير ابتكارات مزعزعة وابتكارات تدريجية، ويجري استخدام نماذج منها في الجامعات الكبرى والمختبرات الوطنية والشركات العالمية الكبرى. وهي ملائمة للأفراد على اختلاف مناصبهم ومهنهم، ذلك لأن عملية خلق القيمة هي مهمة الجميع.
ومنذ أن تركت العمل في شركة "إس آر آي"، دخلت في شراكة مع زميل سابق هناك، وهو لين بوليزوتو بهدف مواصلة تطوير المنهجية في جامعة نورث إيسترن و"معهد ورسستر بوليتكنك" (Worcester Polytechnic Institute). وأطلقنا على المنهجية اسم الابتكار من أجل إحداث التأثير، وشاركت في عام 2017 في إعداد تقرير للأكاديمية الوطنية للهندسة موثقاً مختلف جوانب البحوث التي تدعم تلك المنهجية.
فكرة المقالة باختصار
المشكلة
تفتقر عملية الابتكار في كثير من الدول إلى الكفاءة. وعلى الرغم من الاستثمار الكبير في مشاريع ريادة الأعمال من قبل الحكومة والجامعات والقطاع الخاص، انخفض معدل توفير فرص العمل للفرد الواحد في الشركات الجديدة على مدى عقود.
لماذا يحدث ذلك؟
تُعتبر عملية خلق القيمة في جوهرها إحدى ممارسات التعلم النشط. ومن المحتمل أن تفشل شركتك في تطوير ابتكارات مهمة على نحو منهجي ما لم تعكس عملياتك تلك الممارسة.
الحل
يتضمن إطار عمل المؤلف كتابة "عرض قيمة إن إيه بي سي" الذي يوضح الأسلوب المتبع في تلبية احتياجات الزبائن من خلال تبني نهج مقنع وتوضيح مزايا العرض الكبيرة مقارنة بالتكاليف وكيفية التفوق على المنافسين بشكل موثوق. ويعود نجاح تلك المنهجية إلى استنادها إلى ممارسات مثبتة نابعة من العلوم التربوية.
توصف عملية خلق القيمة بأنها نشاط تعاوني بين مختلف التخصصات، نظراً لأنه لا يوجد فرد واحد يمتلك كل المعرفة اللازمة أو النماذج العقلية أو الرؤى الثاقبة ذات الصلة.
خلق القيمة من خلال استراتيجية التعلم النشط
يتميّز نهجنا عن الآخرين في أننا نعتبر عملية خلق القيمة إحدى ممارسات التعلم النشط. لا ينطوي ابتكار منتج أو خدمة جديدة على الانتظار حتى تأتي لحظة إلهام، بل هو عملية تشمل استخدام ممارسات أثبتت جدواها من العلوم التربوية بهدف اكتساب رؤى ثاقبة والتطور بشكل سريع.
ويعتمد التعلم النشط على الاندماج. على سبيل المثال، لا يحصل طلاب الهندسة المعمارية على خبرتهم من خلال قراءة الكتب أو الاستماع إلى المحاضرات أو مشاهدة المهندسين المعماريين الآخرين فقط، وإنما من خلال العمل على مشاريع فعلية وتعديلها بشكل مستمر. إذ يُتيح لهم العمل على تلك المشاريع تجميع النظريات التي تعلموها ومراقبة التقنيات التي يستخدمها الآخرون وإدراك قدرتهم على إدارة عملية التصميم.
ولا شك في أن الأفراد الذين يحاولون التعلم من خلال الملاحظة والنظريات فقط تعوزهم الكثير من الخبرة وينسون حتى المعلومات التي تعلموها. وينطبق ذلك على أي شخص يسعى إلى خلق القيمة في الأعمال التجارية. فالابتكار يحدث في بيئة معقدة وديناميكية، ومن المؤكد أن نجاح بعض الأفراد عائد إلى قدرتهم في العثور على الإبرة المخفية في كومة القش. ويتطلب الإبداع بكفاءة وفاعلية في هذا السياق أن يتّبع الأفراد عملية منظّمة تتضمن 5 عناصر أساسية ضمن استراتيجية التعلم النشط:
1- التكرار مع الحصول على ملاحظات فورية. يُعتبر التكرار أمراً أساسياً للتعلم في المساعي الإبداعية. على سبيل المثال، يُجري طلاب البيانو المجدّون تدريبات معقدة على مختلف أشكال الإيقاعات والتعبيرات الموسيقية بشكل مستمر. وتكون تلك الأنشطة أكثر فاعلية عندما تصاحبها ملاحظات فورية من خبير يمكنه تحديد الأخطاء وتقديم حلول محتملة. وتختلف مهمة تطوير فكرة عمل جديدة عن تعلّم العزف على البيانو بالطبع، إذ عادة ما تكون المدخلات غير محددة وتأتي من مجموعة من المصادر المختلفة. لذلك، بدلاً من العلاقة بين الخبير والمتدرب، تتضمن العملية مُبتكراً يواصل تحسين الفكرة ويسعى إلى الحصول على ملاحظات من مصادر مختلفة، أي من الخبراء والأقران والشركاء والمنافسين، والأهم من ذلك من الزبائن. وتركز الملاحظات الفاعلة في البداية على التوصل إلى رؤية واحدة أو اثنتين من الرؤى الثاقبة حول احتياجات الزبائن والحلول الممكنة.
2- نماذج عقلية موجزة. يؤكد علماء النفس على قدرة البشر على تطوير "نماذج عقلية"، بمعنى إطارات عمل تتبناها أذهاننا وتمكّننا من فهم التجارب وتُنير قراراتنا. ونستخدم تلك النماذج في التعلم النشط بهدف تحديد المعتقدات والرؤى الثاقبة والافتراضات التي نبني عليها فرضياتنا حول الإجراءات الناجحة. ويمكننا بعد ذلك اختبار صحة فرضياتنا من خلال مقارنتها مع الأدلة التي جرى جمعها، ومراجعتها إذا اقتضى الأمر بهدف تطوير نماذج محسنة.
ومن المهم أن تراعي النماذج العقلية التي توجّه عملية الاستفسار الأولي حدود قدرة الأفراد الذين يستخدمونها. وتظهر البحوث أن معظمنا يحتفظ بسبعة عناصر فقط في المتوسط في ذاكرتنا قصيرة المدى. من جهة أخرى، يمكننا التفكير في ثلاثة أو أربعة عناصر فقط في وقت واحد. فإذا استخدم المبتكرون نماذج عقلية طويلة جداً أو معقدة جداً (وهي الصفات التي تتسم بها العديد من تلك النماذج)، فقد يصعب عليهم فهم البراهين بسهولة أو وضع فرضيات أفضل. في المقابل، إذا كانت النماذج العقلية موجزة، فقد تصبح معرفة متأصلة ويمكن الاستفادة منها بشكل تلقائي بمرور الوقت.
3- أنماط متعددة للتعلم. يتضمن التعلم النشط تطبيق مجموعة متنوعة من الأساليب لعرض الأفكار وتجريبها. على سبيل المثال، قد يُسفر استخدام الصور والمحاكاة والنماذج الأولية التجريبية عن إضفاء الحيوية على الأفكار وإبراز الجوانب المختلفة للمشكلة وتحدي تفكير الأفراد بشأن الحلول الممكنة. وتُعتبر رواية القصص أحد الأساليب الفاعلة في هذا الصدد، نظراً لقدرتها على خلق سياق للنموذج العقلي. وتظهر البحوث أن القصص تساعد الأفراد في تذكر المعلومات وإعادة النظر في معتقداتهم وافتراضاتهم ونظرياتهم.
4- العمل كفريق واحد. يزيد العمل ضمن فريق من التواصل والتعلم والدافعية. وتشير البحوث إلى أن الحجم الأمثل لفريق العمل هو حوالي 5 أفراد، إذ يُتيح ذلك العدد تنوع وجهات النظر والمهارات، وهو عدد صغير بما يكفي لمنع المجموعة من الانقسام، وللتقليل من تكاليف التواصل ومخاطر سوء التفاهم. توصف عملية خلق القيمة بأنها نشاط تعاوني بين مختلف التخصصات، نظراً لأنه لا يوجد فرد واحد يمتلك كل المعرفة اللازمة أو النماذج العقلية أو الرؤى الثاقبة ذات الصلة، وهو ما يوضح ضرورة أن يُقدّم كل فرد في الفريق أفضل الكفاءات والخبرات المميزة والمطلوبة التي يتمتع بها بهدف أداء مهامه. ويصبح الهدف هو جمع الفرق التي يمتلك أعضاؤها رؤية مشتركة ومهارات تكميلية ووجهات نظر متنوعة.
5- المقارنة المتكررة. ينطوي الهدف من المقارنة على إدراك الأسلوب الذي نتبعه في تحديد تفضيلاتنا واتخاذ القرارات، سواء كنا نشتري سيارة جديدة أو نختار ما نأكله. وتُظهر البحوث أن المقارنة المباشرة والسريعة بين عنصرين متشابهين تضخّم الاختلافات الصغيرة بشكل كبير. افترض مثلاً أنك بحاجة إلى شراء نظارات جديدة، إذا جرّبت نظارات مختلفة بشكل عشوائي، فقد تقضي وقتاً طويلاً في العثور على نظارة تساعدك في الرؤية بشكل أفضل؛ في حين ينطوي الحل الآخر على أن تخضع لفحص تنظر فيه إلى آلة تعرض عدسات مختلفة القوة، حيث يقوم طبيبك بتغيير العدسة بسرعة أمام كل عين طالباً منك تحديد العدسة الأفضل من خلال التبديل بين العدسة الحالية والعدسة السابقة، وقيامك بمقارنة العدسات بفروقها الدقيقة بسرعة هو ما يمكّن الطبيب من ضبط درجة العدسة الصحيحة بشكل سريع.
إطار العمل
عرض القيمة
يتحقق النجاح المنهجي عندما يجري الجمع بين جميع العناصر الأساسية للتعلم النشط في نظام كامل من أنظمة خلق القيمة. ويركّز نهجنا أولاً على إعداد عرض قيمة ينطوي على مخاطر قليلة للمنتج الذي تأمل في طرحه في السوق. لكن كيف يمكنك تحديد مدى جودة عرضك؟
عقدتُ ذات مرة ورشة لإحدى أكبر الشركات في العالم. كان 30 مشاركاً مسؤولين عن 6 مبادرات وُصفت أنها أهم مبادرات الشركة. طلبت منهم في البداية كتابة تعريف الشركة لمعنى الابتكار وقيمة الزبائن وعرض القيمة على ملاحظات لاصقة. وبعد أن ألصق الجميع ملاحظاتهم على الحائط، كان من الواضح عدم وجود تعريف مشترك للمفاهيم الأساسية لعملية خلق القيمة، وهي مشكلة كانت تمنع الجميع من أن يكونوا فاعلين تماماً.
ثم أعطيتُ الفرق التعليمات التالية: "اكتب عرض القيمة الخاص بمبادرتك على اللوح الورقي، ثم أخبرنا باحتياجات الزبائن وعن نهجك المتبع في العرض وفوائد ذلك العرض مقارنة بتكاليفه والسمات التي تميزه عن عروض المنافسين". وبعد نصف ساعة، شارك كل فريق بيانه مع المجموعة بأكملها خلال دقيقتين فقط. لم تكن تلك البيانات كافية أو مقنعة، وطلبت من أعضاء الفرق إعادة تنقيح عروضهم التقديمية. وبعد عدة محاولات، وجد العديد من أعضاء الفرق أنفسهم يتساءلون عن مزايا مبادراتهم. وشعر بعض المشاركين بالدهشة تماماً عندما أدركوا أنهم كانوا يعملون على تطوير عروض كانت ممتعة بالنسبة لهم ولكنها لم تكن ذات أهمية كبيرة للشركة.
ويُعتبر ذلك الوضع شائعاً جداً، فقد عقدت أنا وشركائي ورشات مع أكثر من 500 فريق من الشركات الكبيرة والجامعات والمختبرات الوطنية والوكالات الحكومية. لم تتفق تلك الفرق على المفاهيم الأساسية للابتكار، ولم يكن أي منها قادراً في البداية على تحديد العناصر الأساسية لعرض القيمة. لكن بعد أن منحنا الأفراد إطار عمل، استنتجوا أن أقل من ربع مشاريعهم الحالية فقط هي ما سيوفر قيمة كبيرة لمؤسساتهم في حال اكتمالها.
يرتكز إطار عملنا على نموذج أساسي وموجز لمفهوم عرض القيمة. وأطلقنا على ذلك النموذج اسم عرض القيمة "إن أيه بي سي" (NABC)، وقد شرحته بالتفصيل في كتابي المشترك مع ويليام ويلموت الذي يحمل عنوان "الابتكار: القواعد الخمسة لخلق ما يريده الزبائن" (Innovation: The Five Disciplines for Creating What Customers Want).
ويغطي عرض القيمة "إن أيه بي سي" أربعة مواضيع:
الحاجة: يجب أن يسد العرض فجوة كبيرة في السوق.
المنهجية: يجب أن يلبي العرض احتياجات الزبائن بطريقة فريدة ومقنعة ويمكن الدفاع عنها وأن يقدم نموذج عمل يجذب انتباه المستثمرين.
المزايا مقارنة بالتكاليف: يجب أن تكون القيمة التي يقدمها العرض للزبائن واضحة.
المنافسة: يجب أن يجد الزبائن أن العرض أكثر جاذبية من العروض الأخرى.
تتمثل المهمة الأولى للمبتكر في إعداد عرض قيمة يتناول العناصر الأربعة جميعها. وفي حال كان أحد تلك العناصر غائباً سيكون الاقتراح غير مكتمل ومن غير المرجح أن يدعم عملية خلق القيمة عندئذ. كما أن جميع العناصر مترابطة، وهو ما يعني أن تغيير أي عنصر منها سيؤثر على بعض العناصر الأخرى أو جميعها. على سبيل المثال، إذا تغيرت احتياجات الزبائن سيتغير عنصر المزايا مقارنة بالتكاليف وقد يتغيّر نطاق المنافسة أو حتى المنهجية.
ويُعدّ الإيجاز الذي يتمتع به إطار عمل "إن إيه بي سي" جزءاً من قوته، فعندما يستخدمه الأفراد لتقييم اقتراح ما، يكون عليهم التفكير في أربعة عناصر فقط. في المقابل، تنتهك أطر العمل شديدة التعقيد مبادئ التعلم النشط الأساسية: على سبيل المثال، يطرح "تقييم هايلماير" (Heilmeier Catechism) 11 سؤالاً؛ ويحتوي مخطط نموذج الأعمال على 9 أقسام، ويضم كل قسم أسئلة متعددة.
استخدمنا في شركة "إس آر آي" نموذج "إن إيه بي سي" في تحديد عرض القيمة لتقنية "سيري" التي طورناها في البداية بصفتها أداة للمساعدة في إعداد ترتيبات السفر. وبعد تطوير التقنية لتصبح شركة قائمة استحوذ عليها ستيف جوبز، أصبح "سيري" مساعداً للأغراض العامة. أورد فيما يلي نسخة مختصرة مما قلناه للمستثمرين المحتملين في وقت مبكر:
الحاجة: يحتاج المهنيون دائمو الانشغال إلى مساعدين على مدار 24 ساعة في اليوم لوضع خطط السفر والحجوزات. ويُعدّ تصفح الإنترنت والبحث عن الكلمات الرئيسة من المهام الصعبة التي تستغرق وقتاً طويلاً، فضلاً عن أن تلك العملية غير مجدية في جمع المعلومات وإتمام المعاملات. وقد تخسر 20% من العروض التي تلبي احتياجات الباحثين مع كل نقرة خاطئة. ويعدّ الوصول إلى خدمات الويب من خلال الأجهزة المحمولة فرصة بمليارات الدولارات تنمو بنسبة 35% سنوياً، ويعود سبب ذلك النمو السريع إلى الصعوبات التي تعترض تجربة المستخدم.
المنهجية: يستجيب "سيري" للغة الإنجليزية المنطوقة عبر الهواتف الذكية، ويجد المعلومات والخدمات ويؤدي مختلف المهام مثل: "أخبرني عن حالة رحلة مصر للطيران رقم 242". كما يقوم نموذج العمل بتحصيل رسوم الإحالة من مزودي الخدمة، ثم يجري إنشاء عرض تجاري كامل في غضون 12 شهراً. ويوجد لدينا فريق مبدع من الباحثين المميزين ورئيس تنفيذي مشهود له بالكفاءة.
المزايا مقارنة بالتكاليف: تُمثّل تقنية "سيري" اختراقاً جوهرياً في تجربة الهاتف المحمول. وتنطوي مهمتك على طرح السؤال ليتولى "سيري" مساعدك الشخصي في الإجابة عنه. تطبيقنا مجاني للمستخدمين ويساعدهم في العثور على الخدمات الأساسية بسرعة. ويحصل مقدمو الخدمة على زبائن إضافيين مقابل رسوم إحالة تتراوح من 3 دولارات إلى 30 دولاراً.
المنافسة: يُعتبر "سيري" أول مساعد شخصي للكمبيوتر في العالم، ويتمتع بنموذج عمل قابل للتطوير. ينتهي التطبيق من أي استعلام للبحث بسرعة تبلغ ضعفي سرعة محركي البحث "جوجل" و"بينغ". ويوجد آثار قوية مترتبة على وجود الشبكات، وتتعلم تقنية الذكاء الاصطناعي تلك من المستخدمين، وهو ما يزيد من دقة المعلومات المقدمة بمرور الوقت. كما أن وضع ملكيتنا الفكرية قوي أيضاً، فهي تشمل 20 براءة اختراع جرى تطويرها بتمويل قدره 50 مليون دولار من البحث والتطوير في شركة "إس آر آي".
يميل الأفراد إلى ارتكاب ثلاثة أخطاء رئيسة في إعداد مقترحات القيمة. أولاً، يفشل معظمهم في إيلاء الاهتمام الكافي باحتياجات زبائنهم التي يجب أن تكون الأساس الذي يرتكز عليه عرض القيمة، ويقعون في شباك أفكارهم بدلاً من ذلك، وهو ما يعني أنهم يركزون على نهجهم بشكل حصري تقريباً. ووجدت أن أكثر من 95% من عروض الابتكار تدور حول المنهجية، وهو ما يدل على أن الفريق لم يكتشف ماهية العناصر المهمة بعد.
لكن إذا تجنّبت الفرق الوقوع في ذلك الفخ وبذلت جهداً كبيراً للنظر بجدية في احتياجات الزبائن، تكون بذلك قد ارتكبت خطأً ثانياً، ألا وهو الإفراط في الاعتماد على تفضيلات الزبائن بدلاً من تحديد الحاجة الحقيقية. تأمّل أول جهاز "آيفون". أشارت الاستبيانات التي أجرتها شركة "آبل" آنذاك إلى أن الأفراد يرغبون في الحصول على لوحة مفاتيح أفضل. لكن ما أرادوه بالفعل هو جهاز يوفر لهم مزيداً من الراحة وسهولة في الاستخدام، وذلك ما قدمته شاشة اللمس الثورية لأجهزة "آيفون". تنطوي احتياجات الزبائن على الأمور التي يعرفونها فقط، وعادة ما يجهلون الإمكانيات الحقيقية التي يمكنهم الحصول عليها.
ويرتبط الخطأ الثالث بالخطأين الآخرين، فهو ينطوي على إنفاق أموال طائلة على منهجية غير واضحة المعالم. لكن إن لم يكن عرض القيمة محدداً بطريقة جيدة، ستكون عملية تطوير منتج يتمتع بالحد الأدنى من المواصفات عملية تهدر الوقت والمال. ولا بدّ في البداية من تكوين فريق مصغر جداً لمعالجة المخاطر الرئيسية في عرض القيمة. ودائماً ما يكون تطوير ذلك العرض خطأً مكلفاً ما لم يجر التقليل من حدة تلك المخاطر.
ويعزى نجاح عرض "إن أيه بي سي" عادة إلى لجوء الأفراد الذين يقومون بإعداده إلى إعادة تأطير المشكلة والتركيز على فكرة واحدة أو فكرتين كبيرتين تقدمان حلولاً محتملة. على سبيل المثال، اعتدنا جميعنا اليوم على رؤية عبوات الكاتشب مقلوبة، وكان ذلك التصميم مذهلاً في البداية. كانت العبوات التقليدية ذات أعناق ضيقة وتوضع بشكل مستقيم لتجنب أي تسرب للكاتشب منها، وكان يجب عليك قلب العبوة ودفع الجزء السفلي لإخراج الكاتشب، وغالباً ما ينتهي بك الأمر إلى وضع كمية من الكاتشب على طبقك أكثر مما تريد بالفعل. وكان الحل واضحاً بمجرد أن أدرك المخترع بول براون أن التحدي لم يكمن في صنع عبوة تقليدية أخرى توزع الكاتشب بشكل أفضل وإنما في صنع عبوة مقلوبة بطريقة تحول دون تسرب الكاتشب.
الأشخاص
الروّاد والفرق
تبدأ عملية خلق القيمة عندما يمتلك شخص ما رؤية ثاقبة حول كيفية حل حاجة غير ملباة ويمتلك الدافع لتحويل تلك الرؤية الثاقبة إلى منتج أو خدمة. وأدعو أولئك الأفراد بالروّاد، ذلك لأن المصطلح يجسّد المعنى الحقيقي للابتكار. ويمكن لأي شخص في أي مستوى من مستويات المؤسسة أن يكون رائداً، فالريادة ليست حكراً على أي مسمى وظيفي أو منصب. وعادة ما يكون الروّاد متحمسين لمبادراتهم ويثابرون على تحقيقها، وتكون رغبتهم في تحقيق الريادة ناجمة عن تفضيلاتهم الشخصية، إذ لا يمكنك حث الأفراد على خلق القيمة، بل لا بدّ أن يأتي الدافع من داخلهم.
وكان أول سؤال أطرحه في شركة "إس آر آي" عندما يقصدني شخص ما ليعرض عليّ فكرته هو: "هل ستكون أنت الرائد؟" قد يستفسر الموظف عن معنى سؤالي في حال كان موظفاً جديداً. وأوضح له قائلاً: "يحدّد الروّاد الفرص المهمة، ويقودون عملية تطوير عروض القيمة، ويتعلمون مهارات خلق القيمة الضرورية ويشكلون الفرق ويجسدون القيم الإنسانية الإيجابية. وإذا كان ذلك الوصف ينطبق عليك، لنبدأ معاً". وبقيت قاعدتي هي ذاتها: إن لم تكن رائداً، فمشروعك بلا جدوى، ولا استثناءات في ذلك.
وبمجرد أن يمتلك أحد الروّاد فكرة ما، أطلب منه أن يكتب على الفور عرض القيمة وفق منهجية "إن أيه بي سي" وأن يصفه بالتحديد بدلاً من استخدام مصطلحات غامضة، مثل أكبر أو أفضل أو أسرع أو أرخص. وفي حال كان الرائد غير متأكد من شيء ما، فأنصحه "بوضع أفضل تقدير يجده مناسباً". قد يكون تقديره خاطئاً، وهذا ما يحصل دائماً في البداية، لكن ستساعده تلك الخطوة الأولى في توضيح الفكرة وتبين له التحديات الأساسية والمهارات التي يجب عليه البحث عنها عند تكوين الفريق.
ثم أطلب من الرائد العثور على "رفيق التكرار" لدفع عجلة التقدم وتقديم الدعم العاطفي. كان شريكي في تطوير تقنية "آتش دي تي في" جلين رايتماير. وقد كررنا عرض القيمة معاً مئات المرات على مدار عدة سنوات لنتمكن في النهاية من تحديد الرؤى الثاقبة الرئيسية التي قادتنا إلى الحل.
ومن الضروري بعد إعداد عرض القيمة أن يُشرك الرائد زملاء آخرين وأن يتواصل مع أفراد ذوي خبرة لاختبار افتراضات عرض القيمة وتجنب مخاطرها الجسيمة. غالباً ما تبدأ مهمة تكوين الفريق بالتواصل مع شخص يتمتع بمهارات تجارية وآخر يمتلك خبرة فنية وآخرين يعملون بدوام جزئي ويقدمون المساعدة في إجراء تحليلات السوق وفي المسائل الفنية والعمليات. وينطوي الهدف الأول على تقليل المخاطر، وليس تطوير المنتج.
العملية
ندوات خلق القيمة
تُعرّف ندوات خلق القيمة بأنها اجتماعات متكررة تقوم ثلاثة إلى ستة فرق فيها بتقديم عروض القيمة حول مبادراتها والحصول على آراء المشاركين الآخرين عن تلك العروض، وعادة ما تضم تلك الفرق 5 أعضاء كحد أقصى. ستجمع الندوة النموذجية حوالي 10 إلى 25 شخصاً، مع دعوة خبراء وشركاء خارجيين حسبما تقتضي الحاجة لمساعدة المشاركين في تحديد ماهية السوق وفهم طبيعته وتوضيح نطاق المنافسة وطرح مجموعة من الحلول المحتملة.
عقدنا في شركة "إس آر آي" ندوات منفصلة لجوانب مختلفة من مؤسستنا، وهو ما أتاح لنا الحفاظ على أعمال الخدمات الفنية الأساسية وإجراء استثمارات استراتيجية وإنشاء تراخيص ومشاريع جديدة. وطبقنا المنهجية بأكملها على الحالات جميعها: حيث يقوم الميسّر بتنظيم الندوات وإدارتها؛ وتُعقد تلك الندوات وجهاً لوجه أو بشكل افتراضي عبر الويب لمدة ساعة إلى ثلاث ساعات كل أسبوعين إلى ستة أسابيع، وذلك اعتماداً على أهداف العمل النهائية. وبعد انضمام الفرق للمشاركة، تبدأ بحضور ورشة مدتها يومين للتعرف على أساسيات عملية خلق القيمة؛ ويقوم الميسّر بتوجيههم بشأن الأدوار والتوقعات.
ويلقي عضو واحد من كل فريق عرضاً تقديمياً وفق منهجية "إن أيه بي سي" مرة واحدة في كل ندوة يصف فيه عرض القيمة الذي طوره الفريق خلال 10 دقائق أو أقل. ويختار الميسّر بعد ذلك عدة أفراد بشكل عشوائي للإجابة عن الأسئلة التالية:
- ما الذي اقتنعت به في هذا العرض ويجب الإبقاء عليه؟
- ما هي الجوانب التي يمكن تحسينها، وكيف؟
- إذا كنت عميلاً محتملاً، فهل ستشتري هذا العرض؟ • ما الذي يجعلك تُعرض عن شرائه؟
- إذا كنت مستثمراً، فهل تود الاستثمار فيه؟ • ما الذي يجعلك تُعرض عن الاستثمار فيه؟
ثم يسأل الميسّر جميع المشاركين في حال كان يود أحدهم تقديم ملاحظات أخرى. أخيراً، يُطلب من شخص ما تقييم جودة الملاحظات. وتنطوي مهمة مقدم الندوة في أثناء هذه المناقشة على الاستماع بصمت، في حين يقوم أحد أعضاء الفريق بتدوين الملاحظات لمراجعتها بعد الاجتماع. والسبب في ذلك بسيط، إذ قد يميل مقدمو العروض إلى الدفاع عن عروضهم التقديمية بدلاً من الاستماع بشكل محايد إلى التعليقات، وهو ما قد يجعل الاجتماع يتطور إلى نقاش جدلي. وتمثّل مهمة التفكير في الملاحظات والاستجابة لها الخطوة اللاحقة التي يجب على الفرق القيام بها.
وتسهّل الندوة عملية التعلم المقارن، إذ لاحظنا أن نموذج "إن إيه بي سي" يُتيح للمشاركين مقارنة عروض القيمة المختلفة ضمن أربعة عناصر فقط، حيث يمكن للفرق الاستفادة من الملاحظات المباشرة التي تتلقاها ومن الاستماع إلى أفكار الفرق الأخرى على حد سواء.
على سبيل المثال، تخيل أنك تعمل لصالح شركة طائرات مسيرة بدون طيار وتسعى إلى تطوير منتجات جديدة. يحدد عرض القيمة المقدّم من فريقك الحاجة إلى تطوير طائرات بدون طيار جديدة لمراقبي الطيور ويقول أن السوق الكلي للطائرات بدون طيار الموجهة للمستهلكين يولد عدة مليارات من الدولارات ضمن الإيرادات السنوية. قد يعلّق المشاركون الآخرون في الندوة على افتقار العرض إلى الدقة في وصف الحاجة وقطاع السوق المستهدف. وعلى الرغم من أهمية تلك الملاحظات، قد يبقى الفريق غير متأكد من كيفية تحقيق أداء أفضل في الاجتماع التالي.
لكن لنفترض أن فريقاً آخر قال ما يلي عندما قدم عرضه التقديمي: "يوجد 20 مليون مراقب نشط للطيور في أميركا ينفقون ما يقرب من 30 مليار دولار سنوياً على المعدات. ويضم ذلك الرقم نسبة 1% فقط من هواة الطيور الذين يشترون أحدث المعدات ويرغبون في التقاط صور ومقاطع فيديو عن قرب لتجاربهم. ويمثل أعلى 5% من الأفراد الأكثر إنفاقاً في تلك المجموعة من الهواة سوقاً محتملة تبلغ قيمتها 15 مليون دولار سنوياً للطائرات بدون طيار فائقة الهدوء والمموهة لمراقبة الطيور". يُفيد ذلك الوصف للحاجة غير الملباة وتحديد هوية العملاء المحتملين في جعل مهمة معالجة المشكلات أكثر وضوحاً. كما أنه يحدد التوقعات المطلوبة من العروض التقديمية للفرق الأخرى في الندوة التالية.
وتدعى تلك الاستراتيجية بالتعلم المقارن في العمل. وعندما يكرر الأفراد تلك العملية 8 مرات أو أكثر في ورشة على مدى يومين ثم يشاركون في منتديات خلق القيمة المتكررة، سيشهدون تقدماً كبيراً.
تحتاج الندوة الجيدة إلى ميسّر جيد لإدارة جدول المواعيد والأنشطة، ولتقديم المساعدة عندما تواجه الفرق صعوبات، ولطرح الأفكار وتقديم توضيحات جديدة حسبما تقتضي الحاجة. لا تنطوي مهمة الميسرين على إلقاء المحاضرات، بل تتمثل وظيفتهم في مساعدة الفرق في فهم المفاهيم وتطبيقها، وإعادة تأطير القضايا والحصول على ملاحظات من زملائهم في الفريق. وعادة ما كنا نضع كبار الموظفين أو المسؤولين التنفيذيين في ذلك المنصب في شركة "إس آر آي"، ونختار الأشخاص الذين يمتلكون سجلات إنجاز مثبتة في مجال الابتكار وندربهم على منهجيتنا.
اقرأ أيضاً: تعرّف على خرافات الابتكار وتعلم كيف تتقن عقلية المبتكر.
اختيار الفائزين
نمضي قدماً في تطبيق المشاريع في شركة "إس آر آي" في حال أظهرت تلك المشاريع إمكانية كبيرة لخلق القيمة، أي في حال بلغت قيمتها السوقية 100 مليون دولار أو أكثر لمشروع جديد. وتُعتبر تلك القيمة ضرورية لجذب أفضل المواهب واكتساب اهتمام المستثمرين واسعي الاطلاع والحصول على عائد مالي مجدِِ. وفي حال لم يستوف المشروع معايير شركة "إس آر آي"، سيجري التخلي عن المشروع أو يُعاد توجيهه ليصبح تقنية مرخصة أو يُدمج في مبادرة أخرى للبحث والتطوير.
كانت محفظتنا الاستثمارية تتألف في أحد الأوقات من حوالي 12 مشروعاً في مراحل مختلفة من التطوير، ومن العديد من المشاريع التي تدخل مرحلة التسويق التجاري كل عام. وظفنا في البداية استثمارات متزايدة ولكن متواضعة تتراوح من عشرات الآلاف إلى مئات الآلاف من الدولارات، وركزنا على إثبات صحة عرض القيمة. وقامت الإدارة الوسطى بتمويل أعمال التطوير في البداية، ثم أحالت المشاريع الواعدة إلى المؤسسة للحصول على مزيد من الدعم. وبعد فترة حضانة تصل إلى 5 سنوات، نحدد رائد أعمال متمرس (عادة من خارج الشركة) ونجمع فريقاً عالي المستوى لنقل المشروع إلى السوق.
تفتقر عملية الابتكار في الولايات المتحدة إلى الكفاءة. وقد انخفض معدل توفير فرص العمل للفرد الواحد في الشركات الجديدة على مدى عقود، ولم يجر تسويق سوى 3% من براءات الاختراع. وتتكبّد معظم عمليات نقل التكنولوجيا وحاضنات الشركات الناشئة الكثير من الخسائر المالية. وتجري شركات رأس المال المغامر (الجريء) دراسة على أكثر من 100 صفقة، في حين تستثمر في صفقة واحدة فقط، وعادة ما يحقق أقل من واحد من كل 10 مشاريع عائداً كبيراً. في الواقع، تخسر معظم شركات رأس المال المغامر (الجريء) الأموال؛ في حين تكسب 5% منها 95% من العوائد، وذلك على الرغم من جهود حوالي 220 برنامجاً جامعياً لريادة الأعمال، و6,000 أستاذ جامعي ومحاضر يدرسون ريادة الأعمال، و1,400 حاضنة مشاريع، ومليارات الدولارات سنوياً في الاستثمارات الحكومية.
لذلك، لا بدّ لنا أن نبذل جهداً أكبر لتحقيق الابتكار من أجل إحداث التأثير. وتشير تجربتي مع شركة "إس آر آي" والمؤسسات الأخرى إلى أن جعل عملية خلق القيمة تستند إلى مبادئ التعلم النشط واستخدام منهجية "إن أيه بي سي" ستحقق النتائج المبتكرة والمحسّنة التي يحتاج إليها اقتصادنا ويستحقها.
اقرأ أيضاً: هل تعرف كم تساوي سمعة الابتكار؟