شخصية رائد الأعمال واندفاعه يتجليان في حبّه للمشروع الذي يقدّمه للمجتمع، وفي الابتكارات التي يعمد إلى سكبها في هذا المنتج ليظهره في أفضل حلة. لكن من المهم أيضاً ألا يقف رائد الأعمال عند أنانيّته فقط في أثناء التفكير بمشروعه، بل أيضاً عند أهميّة التأقلم مع ما يضمن لمشروعه الاستمرار والنمو والتألق مهما تغيرت الظروف وطرأت الأزمات. فيبقى التركيز على العميل وعلى خدمة الزبون هو الهدف الأسمى الذي ينبغي على رائد الأعمال ألا يحيد عنه وأن يطوّع الشدائد للحفاظ عليه.
تلك الرؤى والأسس تحدث عنها نائب رئيس أمازون في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، رونالدو مشحور، أو "روني" كما هو معروف في مجتمع الريادة، ضمن حوار مع رئيس المحتوى في مجرة حمود المحمود.
مشحور، الذي بنى سوق دوت كوم لتجذب أمازون، إحدى أهم الشركات العالمية، يدرك كثيراً أهمية الفكر الريادي، وكيف يمكن لهذا النمط أن يزرع الابتكار في أي شركة ويضعها على سكة النجاح.
يقول مشحور: "الانتقال من سوق إلى أمازون كان فرصة شخصية لي وتحدياً في الوقت ذاته. فقد انتقلنا من شركة ابتكارية صغيرة، القرارات فيها سهلة والخبرة محلية، إلى شركة عالمية تستقطب أفضل المواهب في العالم وتركز على العميل والابتكار. وأصبحت معادلة فريق العمل، والعميل، والابتكار أهم 3 أمور في أي منظومة تهدف للنجاح".
ويشرح أنّ أمازون أتاحت له الفرصة للتعلم ولتبادل الخبرات والمشاركة بقرارات محلية وعالمية في هذه المحاور الثلاثة التي هي "قريبة إلى قلبه". "تمكنّا من دمج التجربة المحلية الخاصة بسوق مع ما تقدمه أمازون، سواء أكان لجهة استخدام اللغة العربية، أم التوصيل والدفع وغيرها من الخدمات" ليبرز أهمية الملاءمة المحلية للنموذج العالمي، ما شكل أساساً لنجاح هذا الدمج بين الشركتين، مع تأكيده على أهمية التركيز على العميل دائماً.
ويتحدث مشحور عن الدور الكبير الذي يلعبه الفشل في بعض القرارات، فهو يعكس المحاولات والتجارب التي يقوم بها رائد الأعمال أو الشركة. ويلفت إلى أن من لا يخطئ فهو لا يحاول. ويقول: "جرّب، ارتكب الأخطاء، وانهض بسرعة"، وهذه الديناميكية هي القائمة في أمازون ومن صلب ثقافتها.
وعن اختلاف ظروف تأسيس الشركات الناشئة بين جيل مشحور الذي التقط الفرصة في بداية عصر الإنترنت في المنطقة وبين جيل رواد الأعمال اليوم، يقول مشحور إنّه في السابق، كان على رواد الأعمال ليس إثبات مشروعهم فحسب، بل المنطقة التي يأتون منها، بمعنى أنّ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لم تكن معروفة في وجدان المستثمرين.
أما الآن فقد اختلف الموضوع نظراً لتنامي أعداد الشركات الناشئة الناجحة من المنطقة. و"صار هناك قناعة بأن المنطقة يمكن أن تنتج شركات تنافس عالمياً". ويضيف مشحور إنّ رواد أعمال المنطقة هم من سيقدمون الحلول ويبتكرون المطلوب ليلبوا حاجات السوق المتطورة.
"هناك دائماً فرص على رواد الأعمال اقتناصها. كل مدة نلحظ أن هناك قطاعات جديدة تنتقل نقلة نوعية باستخدام التكنولوجيا. وقطاعات كثيرة في منطقتنا ما تزال بحاجة للتطوير مثل التعلم الرقمي (Edtech) والصحة الرقمية (Healthtech) وخدمات الدفع في ظل وجود أعداد كبيرة من الأشخاص الذين لا يستفيدون من خدمات مصرفية. ودور الحكومات يقتصر على الرعاية والتشريع، أما رواد الأعمال فهم من يبتكرون ويقدمون الحلول". حسب مشحور الذي أكد أنه تم تخديم قطاع التوصيل بشكل جيد في المنطقة وقد أصبحت هناك وفرة في الخدمات المقدمة، إنما ما تزال مجالات كثيرة تحتاج إلى تنمية.
وعن دورة السوق التصحيحية ما بعد جائحة كوفيد-19 والاتجاه إلى التركيز على استثمارات جديدة عند التخمة من الشركات الناشئة في مجال معيّن، فيؤكد مشحور أنّ السوق تصحح نفسها بنفسها. ويشرح أنّه خلال فترة الجائحة، ارتفع الطلب كثيراً على الخدمات التي تستعين بالتكنولوجيا، ما زاد اهتمام المستثمرين في هذه الشركات وبالتالي رفع قيمتها السوقية. أما خلال الأشهر التسعة الماضية، فقد هدأت حركة الأسواق المالية وانطلقت السوق في حركة تصحيحية.
يقول مشحور: "تقييمات كثيرة بنيت على الجائحة، واستخدام التكنولوجيا في أي قطاع رفع نسب نمو هذه الشركات وأثّر على تقديرات قيمتها"، لافتاً إلى أنّ: "التمويل الكثيف في بدايات الشركة قد يفقدها تركيزها. والشركات التي تنمو بسرعة كبرى وبطريقة غير منظمة تفقد شيئاً من هويتها نظراً لغياب البنية".
أما عن الدروس المستفادة من الجائحة، فيقول إنّه لطالما حاول التفكير كيف يخرج من الجائحة أفضل مما كان قبلها، وكيف يبقي على أفضل خدمة للعميل في طليعة اهتماماته واضعاً ما يتيحه الابتكار والتكنولوجيا في هذا السياق. "استفدنا من الجائحة من حيث النمو مع تركيزنا الدائم على العميل، وقمنا بتطوير الأعمال من خلال الابتكار وإبقاء التفكير بأولوية العميل".
وحول إذا ما كان يفضل عودة الموظفين إلى المكتب أو عملهم عن بعد، يقول مشحور "لا يمكنك العودة إلى ما قبل الجائحة لجهة نظام العمل، فإذا أثبت نظام العمل جدارته من خلال عدم وجود الموظفين في المكتب فما من مانع. أغلب موظفينا يأتون مرات محددة في الأسبوع إلى المكتب، وشركتنا ترسي ثقافة الذكاء العاطفي والتعاطي الإنساني، ونموذج عملنا هجين"، لافتاً إلى أنه ما من حكم مطلق في موضوع إلزامية العمل من المكتب، "ولا أعتقد أنه يجب أن يكون هناك قطع بين الخيارين"، كما يقول.
قدم مشحور نصيحة للشركات باستخدام أفضل أساليب معايشة الأزمات والممارسات المتبعة، لأن "الأزمات ستأتي وتذهب دائماً"، وقال "ما علينا القيام به هو أن نستثمر في البنية التحتية للعملاء لأن الطلب سيأتي مع الوقت"، لافتاً إلى أنهم في أمازون يعتمدون أسلوب "الاستثمار للمستقبل (Forward invest)، فقد يكون الاستثمار في مرحلة لا أحد يستثمر فيها هو الفرصة".
وشدد على ضرورة وضع أولويات العمل والحياة الشخصية لخلق التوازن الذي تحتاج إليه كرائد أعمال، قائلاً: "بالنسبة لي أستمتع بما أقوم به في عملي، سواء في لقاءاتي أو اجتماعاتي اليومية".
شاهدوا الفيديو كاملاً للاطلاع على تفاصيل الحوار.