ملخص: تجد مؤسسات كثيرة نفسها في حالة أزمة دائمة، وتعتمد على "أبطال" الشركة في حلّ مشكلاتها. وفي حين يحب الكثيرون الشعور الذي ينتابهم عندما يتمكنون من حل مشكلة ما وإخراج الشركة من مأزق، إلا أنه ليس من المفترض أن يكون هذا أسلوب حياتهم. إذا تساءلت عن سبب أداء شركتك الجيد في الأزمات ومعاناتها من الصعوبات في الأوقات الأخرى، فقد يكون الوقت مناسباً لأخذ بعض الوقت والبحث عن السبب، فأبطال شركتك قد يكشفون عن معاناتها من مشكلة أعمق. يقدم المؤلف 4 طرق للابتعاد عن ثقافة الأزمات الدائمة. أولاً، يجب أن تفهم أن البطولة ليست دليلاً على الالتزام، بل هي دليل على أن الوقت قد حان لإجراء تغييرات في مؤسستك. ثانياً، تأكد من أن طريقتك في توزيع الموارد منطقية. ثالثاً، احرص على تحسين قدرات التنسيق بين الأقسام المختلفة. وأخيراً، احرص على مكافأة الفرق وليس الأفراد فقط.
حضرت مؤخراً اجتماع فريق تنفيذي يهدف لمناقشة أزمة تتعرض لها شركته، وهي أن طلبية أحد أهم العملاء قد فشلت. كان الفريق يعمل على تصنيف الأولويات من أجل تقليل الضرر وتقديم تعويض ترضية للعميل وإعادة الأمور إلى نصابها.
وفي نهاية الاجتماع، كان الفريق متأهباً ومستعداً لتنفيذ الخطة. جُمع المدراء الذين اعتادت القيادة اللجوء إليهم في أوقات الأزمات، والذين تطلق عليهم باعتزاز اسم "فريق المهمات الخاصة"، ليعملوا على إصلاح المشكلة في غضون بضع ساعات. قال عميلي، الرئيس التنفيذي سالم، مازحاً: "كم نحن مذهلون في الأزمات. لكني لا أفهم لماذا لا يمكننا العمل على هذا النحو قبل أن تنشأ المشكلة".
كنت جنيت ثروة لو أني أخذت دولاراً واحداً في كل مرة سمعت قائداً يقول هذا الكلام. تجد مؤسسات كثيرة نفسها في حالة دائمة من مواجهة الأزمات. وعلى الرغم من قول قادتها إنهم يرغبون في "التعلم من أخطائهم"، فهم ينسون ذلك ما أن تهدأ الأمور، ويعجزون عن الاعتراف بأن الشركة نفسها تتسبب بالأزمات التي تواجهها. في حالة سالم، كانت الشركة تواجه مشكلة منذ فترة طويلة، وهي عدم تكامل الأنظمة الفنية بين قسم المبيعات (حيث تُقدم الطلبات) وسلسلة التوريد (حيث تتم تلبية الطلبات)، ولذلك فهي تلجأ عادة إلى عدد من الحلول المؤقتة لتلبية الطلبات. لكن في هذه المرة، كان الطلب كبيراً لدرجة أن جميع الحلول المؤقتة لم تجد نفعاً.
لطالما اعتمدت ثقافات الشركات المشابهة لثقافة شركة سالم على البطولة لإنجاز الأعمال، وليس في أوقات الأزمات فقط. إذ تتميز مواعيد التسليم والأعمال اليومية الروتينية فيها عادة بضرورة عمل الموظفين حتى الإرهاق واستمرارهم بالعمل طوال الليل والعمل بوتيرة محمومة من أجل ضمان توليد النتائج المرغوبة.
ويفترض معظم الموظفين أن ثقافة البطولة تستمر بسبب استمرار الأزمات. لكن، إذا تمعنا في الأمر بعمق أكثر فقد نكتشف العكس تماماً، أي أن الأزمات المستمرة تنشأ في الحقيقة بسبب الثقافة التي تقدّر البطولة. وإذا كانت مؤسستك تسير في هذا الاتجاه، فإليك بعض الاحترازات التي يجب أن تنتبه لها.
كيفية الابتعاد عن ثقافة الأزمات الدائمة
افهم أن البطولة تسبب الإدمان، وليست علامة على الالتزام
تماماً مثل الظاهرة النفسية التي تسمى متلازمة البطل، حيث يفتعل شخص ما مشكلة كي يكون هو البطل الذي يحلّها وينقذ الموقف، تخلق ثقافات الشركة أيضاً بيئة إدمان تثني على شجاعة الموظفين الذين يسارعون لإنقاذ الموقف في الأزمات وتكافئها ضمنياً وظاهرياً على حد سواء. وفي مثل هذه البيئات، يشعر الموظف أن الطريقة الوحيدة ليحظى بالتقدير هي استعراض البطولة.
في واحدة من المؤسسات التي قدمت لها الاستشارات، كان الموظفون يلجؤون إلى تدابير مثل إعداد مؤقت البريد الإلكتروني ليرسل الرسالة عند الساعة 2:34 صباحاً، بهدف إيهام المتلقي أنهم يعملون طوال الليل، أو الحضور إلى المكتب باكراً جداً كي يراهم زملاؤهم لاحقاً وهم يسندون رؤوسهم على المكتب ويبدون مرهقين. كان الموظفون قبل الدخول إلى الاجتماعات يتبادلون دعابات يقارنون فيها بين قوائم العمل اللامنتهية والمشاريع التي تفتقر إلى الموارد ويتظاهرون باتخاذ مواقف إيجابية في مواجهة التحديات، وما كل هذا إلا مسرحية لاكتساب مكانة "البطل".
وكما هو الحال في خطة التعافي من أي مشكلة، تتمثل الخطوة الأولى لمعالجة هذه المشكلة في الاعتراف بوجودها. تتغذى البيئات البطولية على الأزمات الكبيرة والصغيرة، وتصبح مستويات هرمون الدوبامين المرتفعة وآثار الأدرينالين أسلوب الحياة المعتاد فيها. وهذا ما يجعلها بيئة حاضنة للاحتراق الوظيفي ومشكلات الصحة النفسية. في مثل هذه البيئات، من الضروري الاعتراف بأن هذا النوع من البطولة ليس علامة على التزام الموظفين، بل هو علامة على أن المؤسسة ليست ناضجة إطلاقاً. تكشف الحاجة إلى البطولة حقيقة أنك لم تقم بتوسيع نطاق عمليات مؤسستك لدرجة تجعلها قادرة على مواجهة حالات الطوارئ المفاجئة وتحمّل وطأتها بفاعلية، لذا تقع مسؤولية هذه المهمة على عاتق الموظفين. إذا كنت صادقاً مع نفسك في هذا الشأن، فستتمكن من صبّ اهتمامك على اجتثاث جذور ثقافة البطولة الراسخة في هذه العمليات عديمة الفاعلية.
اكشف المغالطات في عمليات تخصيص الموارد
أحد العوامل التي تساهم بدرجة كبيرة في استمرار ثقافة البطولة هو الأنظمة غير المضبوطة لتخصيص الموارد وترتيب الأولويات. فنحن ببساطة نطالب المؤسسة بفعل أكثر مما يمكن لطاقتها أو مواردها تحقيقه. وكلما ازداد عدد الأبطال الذين يتقدمون لسدّ الفجوة، تعززت فكرة أنه لا بأس في استخدام الموارد المتاحة بما يتجاوز إمكاناتها.
وهذا يؤدي إلى استمرار الخداع المنتشر، وهذا أسوأ من البطولة نفسها. إذ يشعر الموظفون أنهم مرغمون على تقديم توقعات متفائلة للغاية، والالتزام بمواعيد تسليم غير منطقية، وتقييد استخدام ميزانياتهم، وهذا كله يمهد الطريق ليسارع الأبطال للتدخل والتصرف في الأزمات.
في حين ترسّخ الشركات الناضجة الضوابط والتوازنات في عمليات تخصيص الموارد كي تسمح بالتوفيق على نحو مضبوط بين الالتزامات والموارد المتاحة، كما أنها لا تطالب المؤسسة بأكثر مما تتيح مواردها إنتاجه. كما تتيح المراقبة المنتظمة للتقدم إجراء تعديلات بناء على الحقائق، وليس على الوعود المستبعدة. وعندما يواجه القادة خللاً في العمل، فهم يطرحون أسئلة من باب حب الاستطلاع قبل الضغط على المدراء الأدنى مرتبة لمضاعفة جهودهم، ويتمتع هؤلاء المدراء بالحرية الكافية للاعتراف بقيود مواردهم عندما يُطلب منهم بذل جهد أكبر. وعن طريق حوكمة الموارد بأسلوب ناضح، تستطيع المؤسسة تحمّل التحديات المفاجئة على نحو فعّال أكثر من مطالبة الموظفين الأبطال بمواجهة هذه التحديات.
تعزيز التخطيط والتنسيق بين الأقسام المختلفة
كثيراً ما تكون حالات فشل التنسيق، كما حدث مع سالم، هي سبب الأزمات التي تحتاج إلى الأبطال لحلها. وبما أن غالبية الأعمال اليوم تتجاوز الحدود التنظيمية لعدة وحدات عمل منفصلة، فأكبر فرص التعثر تنشأ في الطبقات التنظيمية التي يستدعي تنفيذ العمل فيها تعاوناً بين عدة أقسام.
قدمتُ استشارات لمؤسسة تحتضن ثقافة البطولة، وكانت تعدّ استراتيجيات كل قسم على حدة، من القاعدة إلى القمة. ثم يضطر الرئيس التنفيذي وفريقه بعد ذلك إلى تجميع أجزاء خطة الشركة الاستراتيجية وربط بعضها ببعض، كانت المشكلة هي ضبط عمليات التخطيط بين وحدات العمل المنفصلة في المؤسسة. مثلاً، إذا رغبت إحدى المناطق بإدماج عرض محدود في أهدافها من أجل تحفيز عائداتها في الربع الثاني من العام، فإنها لم تكن مطالبة بتأمين التزام أقسام تطوير المنتجات أو التسويق أو سلسلة التوريد بتقديم الموارد اللازمة كي تضمن دعم هذه الأقسام لأهدافها فعلياً. لذا، عندما يصبح الربع الثاني على بعد بضعة أسابيع، ستعمل تلك الأقسام تحت ضغط كبير كي تتمكن من تسليم هذه الموارد لأنها لم تكن ضمن مخططاتها. والبطولة هي الطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك.
في المقابل، تقوم الشركات الناضجة بضبط عمليات التخطيط أفقياً ورأسياً. ولا تتم المصادقة على أي خطة استراتيجية قبل تحقيق التوافق بين جميع الالتزامات وتأمين جميع الموارد اللازمة لتلبية هذه الالتزامات ودمج هذه الالتزامات في خطط جميع الأقسام المعنية. وعلاوة على ذلك، يتم تنسيق الالتزامات بدقة بين وحدات العمل كي يتمكن القائمون على التنفيذ من مزامنة جهودهم من دون الحاجة إلى البطولات.
مكافأة الفرق بقدر مكافأة الأفراد
في أثناء مراجعات أداء الموظفين أصحاب المواهب والمحادثات معهم، يجب أن تنتبه جداً للطريقة التي تتحدث بها عن أبطالك المعتادين. كيف تعزز عن غير قصد حاجتهم إلى أن يصبحوا عنصراً لا يمكن الاستغناء عنه في الشركة؟ علماً أنك ساعدت في نشوء هذه الحاجة أساساً. هل يُكافؤون من خلال تسليمهم المهام التي يرغبون بها؟ أو منحهم الترقيات؟ أو تقديم علاوات خاصة؟ اعلم أن تضخيم مكانتهم على أنهم أبطال قد يكون أشد قسوة من تأكيد بطولتهم نفسها، والموظف الذي تُعزز هويته على أنه بطل يتنامى لديه إحساس غير صحي بالالتزام، ويشعر بالذنب في حالة الرفض ويمكن أن يصاب في نهاية المطاف بالاحتراق الوظيفي ويتنامى لديه الإحساس باستحقاق البطولة. ومع مرور الوقت، تتلاشى هالة البطولة المحيطة به ويحلّ الاستياء محلها، لأن زملاءه يحسدونه على ما يتمتع به من شهرة واهتمام.
في حين تدمج المؤسسات الناضجة في نظامها مكافآت على أداء الفريق. وتنشئ مكافآت ضمنية وصريحة على مساعدة الآخرين وطلب المساعدة، وحتى على التقصير في أثناء العمل على تقريب المؤسسة من تحقيق هدفها. خذ مثلاً شركة "مايكروسوفت" التي أدمجت في نظام مراجعة الأداء تصنيفين للأداء إضافة إلى المساهمة الفردية، وهما "المساهمة تجاه الآخرين" الذي يقيس مدى تعاون الموظف مع الآخرين لدعم عملهم، و"الاستفادة من الآخرين" الذي يقيس مدى إجادة الموظف طلب المساعدة من الآخرين والاعتماد على آرائهم. يساعد هذا التوازن الموظفين على فهم مساهماتهم الفردية المميزة مع الاعتراف باعتمادهم على الآخرين واعتماد الآخرين عليهم من أجل تحقيق أهدافهم.
على الرغم من أن الجميع يحبون الشعور بحاجة الآخرين إليهم، وبقدرتهم على التصرف لإخراج الشركة من المآزق، فليس من المفترض أن يكون هذا أسلوب حياتهم. إذا كنت تتساءل منذ وقت طويل عن الطريقة التي تمكّن مؤسستك من التعامل مع الأزمات ببراعة، فقد يكون الوقت قد حان لأخذ بعض الوقت والبحث عن السبب. فقد لا يمثل أبطال شركتك دليلاً على التزام وتضحية استثنائيين كما كنت تعتقد، وإنما من الممكن أن يمثلوا دليلاً على أن الشركة تعاني من مشكلة أعمق.